﴿.. وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا..﴾ آل عمران:64
توحيدُ الذّات والصّفات
______المرجع الدّينيّ الشّيخ جعفر السّبحانيّ*______
التَّوحيد هو الأصلُ المُوَحِّد بين الشَّرائع والمناهج السّماويّة، والاعتقادُ به هو أبرزُ أصلٍ مُشترَك بينها، وإنْ كان هناك شيءٌ من الانحراف لدى أتباع بعض تلك الشّرائع في هذه العقيدة المشتركة. في ما يأتي، حديثٌ عن التّوحيد الذّاتيّ والتّوحيد في الصّفات وأبعادهما في ضوءِ القرآنِ الكريمِ، والأحاديث الشّريفة، والبراهين العقليّة. |
إنَّ أوَّلَ مرتبة من مراتب التَّوحيد هو التَّوحيدُ الذاتيُّ، وله معنيان:
أ- إنَّ اللهَ واحدٌ، لا مثيلَ له، ولا نظير، ولا شبيه، ولا عديل.
ب- إنَّ الذَّات الإلهيّة المقدَّسة ذاتٌ بسيطةٌ لا كثرةَ فيها، ولا تَرَكُّب.
يقول الإمامُ عليّ بن أبي طالب عليه السلام حول كِلا المعنَيَين:
1- «هو واحدٌ ليسَ له في الأشياءِ شبْهٌ».
2- «وإنَّه عزَّ وجلَّ أحديُّ المعنى، لا يَنقسمُ في وجودٍ، ولا وَهْمٍ، ولا عقلٍ».
وسورة (الإخلاص) الّتي تعكسُ عقيدةَ المسلمين في مجال التَّوحيد، تُشير إلى كِلا القسمَين:
فقوله تعالى: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ الإخلاص:4 إشارةٌ إلى القسم الأوَّل.
وقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ الإخلاص:1 إشارةٌ إلى القسم الثَّاني.
وعلى هذا الأساس يكون «التَّثليثُ» باطلاً من وُجهةِ نَظَرِ الإسلام، وقد صرَّح القرآنُ الكريمُ في آياتٍ عديدةٍ بعدم صحَّة ذلك. كما أنَّ هذه المسألة تناولَتْها الكُتُب الكلاميَّةُ (العقيديّة) بالبحث المُفصَّل، وفنَّدَت التَّثليث بِطرائقَ مختلفةٍ، ونحن نكتفي هنا بِذِكر طريقةٍ واحدة:
إنَّ التَّثليث بمعنى كَوْن الإله ثلاثاً لا يخلو عن أحدِ حالَين:
إمَّا أنْ يكون لكلِّ واحدٍ من هذه الثَّلاثة وجودٌ مستقلٌّ، وشخصيَّةٌ مستقلةٌ، أي أنْ يكون كلُّ واحدٍ منها واجِداً لكلِّ حقيقةِ الأُلوهيّة، وفي هذه الصُّورة يَتنافى هذا مع التَّوحيد الذّاتيّ بمعناه الأوّل.
وإمَّا أن تكون هذه الآلهة الثَّلاثة ذات شخصيَّةٍ واحدةٍ، لا مُتعدِّدة، ويكون كلُّ إلهٍ جزءاً من تلك الحقيقة الواحدة، وفي هذه الصُّورة يكون التّثليث كذلك مُستلزِماً للتَّركُّب، ويُخالف المعنى الثَّاني للتَّوحيد الإلهيّ.
التَّوحيد في الصِّفات
المرتبة الثَّانية من مراتب التّوحيد، هو: التّوحيد في صفاتِ الذّاتِ الإلهيّة.
نحن نعتقد أنّ اللهَ تعالى موصوفٌ بكلِّ الصِّفات الكماليّة، وأنَّ العقلَ والوَحيَ معاً يَدلَّان على وجود هذه الكمالات في الذَّات الإلهيّة المقدَّسة. وعلى هذا الأساس، فإنَّ اللهَ تعالى عالِمٌ، قادرٌ، حيٌّ، سميعٌ، بصيرٌ.
وهذه الصِّفات تتفاوتُ فيما بينها من حيث المفهوم، فما نَفهمُه من لفظة «عالِم» غير ما نفهمُه من لفظة «قادر». ولكنَّ النّقطة الجديرة بالبحث هي أنَّ هذه الصِّفات كما هي مُتغايرةٌ من حيث المفهوم، هل هي في الواقع الخارجيّ متغايرة أم مُتَّحدة؟
يجبُ القول في معرضِ الإجابة على هذا السُّؤال: حيث إنَّ تَغايُرَها في الوجود، والواقع الخارجيّ، يَستلزم الكثرة والتَّركُّب في الذَّات الإلهيّة المقدَّسة، لذلك يجب القول حتماً بأنَّ هذه الصَّفات مع كَوْنِها مختلفةً ومتغايرة من حيث المعنى والمفهوم، إلَّا أنَّها في مرحلةِ العينيّة الخارجيّة، والواقع الخارجيّ مُتَّحدة.
وبتعبيرٍ آخَر: إنَّ الذّات الإلهيّة في عينِ بساطتِها، واجدةٌ لجميعِ هذه الكمالات، لا أنَّ بعض الذّات الإلهيّة «علم» وبعضها الآخر «قدرة»، وبعضها الثّالث «حياة»، بل هو سبحانُه كما يقول المحقِّقون: علمٌ كلُّه، وقدرةٌ كلُّه، وحياةٌ كلُّه.
وعلى هذا الأساس فإنَّ الصِّفات الذّاتيّة لله تعالى، مع كونها قديمة وأزليّة، فهي في الوقت نفسِه عينُ ذاتِه سبحانَه لا غيرها.
وأمَّا ما يَقوله فريقٌ من أنَّ الصِّفات الإلهيّة قديمةٌ وأزليّةٌ، ولكنَّها زائدةٌ على الذَّات غير صحيحٍ، لأنَّ هذه النَّظرة تَنْبَع -في الحقيقة- من تشبيهِ صفات الله بصفاتِ الإنسان، وحيث إنَّ صفات الإنسان زائدةٌ على ذاته، فقد تصوَّروا أنَّها بالنِّسبة إلى الله كذلك.
* من كتابه (العقيدة الإسلاميّة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السّلام)