اِحسِبْها
إنْ كنتَ حاسباً
«استقبلَ
أميرَ المؤمنين عليه السلام دِهقانٌ [كبيرُ القوم،
والمقدَّم فيهم] من دهاقين الفُرس، فقال له بعد التّهنئة:
يا أمير
المؤمنين، تناحَسَت النُّجومُ الطّالعات، وتناحَسَتِ السُّعود بالنُّحوس، وإذا كان
مثلَ هذا اليوم وَجَب على الحكيمِ الاختفاءُ، ويومُك هذا يومٌ صعبٌ، قد انقلبَ فيه
كوكبٌ، وانقَدَح من برجك النِّيران، وليس الحربُ لكَ بمكانٍ.
فقال
أميرُ المؤمنين عليه السلام: وَيْحَك يا دِهقانُ المُنبي عن الآثارِ المُحذِّر من
الأقدار، ما قصَّةُ صاحب الميزان، وقصّةُ صاحب السَّرطان، وكم المطالعُ من الأسد والسَّاعات
من المحرّكات، وكم بين السّراري والدّراري؟
قال:
سأنظر، وأَوْمأ بيده إلى كُمِّه، وأخرج منه أسطرلاباً يَنظر فيه، فتبسَّم صلوات الله
عليه، وقال: أتَدري ما حَدَث البارحة؟ وقع بيتٌ بالصِّين، وانفرَج برجُ ماجين [في معجم البلدان: ماجان: نهر في مَرو، وماخان: قرية في
مرو]، وسقَطَ سُورُ سرَنديب [سريلانكا
اليوم]، وانهزَم بطريقُ الرُّوم بأرمينية، وفُقِد ديّانُ اليهود
بأيلة [على خليج العقَبة]، وهاج
النَّملُ بوادي النَّمل [يحمل هذا الاسم
أكثر من موضع: وادي النّمل الواقع بين جبرين وعسقلان، وقد مرّ به سليمان عليه السلام. وآخر خلفَ بلاد التّبت]، وهلك
ملكُ إفريقية، أكُنتَ عالماً بهذا؟ قال: لا، يا أميرَ
المؤمنين، فقال: البارحة سَعِدَ سبعون ألف عالِمٍ، ووُلد في كلّ عالَمٍ سبعون ألفاً،
واللّيلةَ يموتُ مثلُهم، وهذا منهم، وأوْمَأَ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثيّ لعنه
الله، وكان جاسوساً للخوارج في عسكر أمير المؤمنين عليه السلام، فظَنَّ
الملعونُ أنَّه يقول: خُذوه، فأخَذ بنفسِه فمات، فَخَرَّ الدِّهقانُ ساجداً.
فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: ألَمْ أَرْوِكَ من عين التَّوفيق؟ قال: بلى يا أميرَ
المؤمنين، فقال: أنا وصاحبي لا شرقيٌّ ولا غربيّ، نحنُ ناشئةُ القُطْبِ، وأعلامُ
الفَلَك. أمَّا قولُك انقَدَح من برجِك النِّيران، فكان الواجبُ أنْ تَحكمَ لي به،
لا عليَّ. أمَّا نورُه وضِياؤه فعندي، وأمّا حريقُه ولَهَبُه فذَهَب عنِّي، فهذه مسألةٌ
عميقةٌ، اِحسبْها إنْ كنتَ حاسباً».
(جواهر
الكلام، الجواهريّ؛ وانظر: دلائل الإمامة للطّبريّ: ص 58، مؤسّسة البعثة)
صنعاء
صنعاء: هي موضعان أحدُهما باليَمن، وهي العُظمى،
وأخرى قريةٌ بالغُوطة من دمشق. والنّسبةُ إليها صَنعانيّ.
أمّا اليمانّية فكان اسمُها في القديم «آزال»،
فلمّا وافَتها الحبشةُ ورأوا مدينتَها، وجدوها مبنيّةً بالحجارة حصينةً، فقالوا: هذه
صَنعة، ومعناه حصينة، فسُمِّيت صنعاء بذلك.
وصنعاء قصبةُ اليمن وأحسنُ بلادها،
وهي من الاعتدال من الهواء بحيث لا يتحوَّل الإنسانُ من مكانٍ طُول عمره صيفاً ولا
شتاءً، وتتقاربُ بها ساعاتُ الشّتاء والصّيف.
وبنى أبرهةُ بصنعاء «القُلَّيْس»، أراد
بذلك أنْ يَصرفَ النَّاسَ عن الحجّ إلى بيت الله الحرام، فكان من أمرِه ما ذَكَره
اللهُ تعالى في سورة الفيل.
وفي كتاب (الغيبة) للنّعمانيّ بسنده عن
عُبيد بن زُرارة، قال: «ذُكر عند أبي عبد الله عليه
السلام السّفيانيّ، فقال: أنّى يخرجُ ذلك ولم يَخرُج كاسرُ عينِه بصنعاء؟».
ويتَّفق
المؤرِّخون على أنَّ صنعاء اليَمن واحدةٌ من أقدمِ مُدن العالم المأهولة بالسّكّان،
لكنَّ الأدبيّات التّاريخيّة لا تحدِّدُ بالضّبط تاريخاً لتأسيسِها لأوّل مرّة، وتُشير
إلى أنَّها إحدى المُدن السّبئيّة اعتماداً على تكرار ذِكرها في النّقوش السّبئيّة
كواحدةٍ من أهمِّ مواقع تلك الدّولة.
وصنعاء اليوم العاصمة السّياسيّة
لليمن، تقع في وسط البلاد في منطقة جبليّة عالية على جبال
السّروات، وترتفع عن سطح البحر 2300م. كانت حتّى العام 1990م عاصمة الجمهوريّة
العربيّة اليمنيّة (اليمن الشّماليّ)، وبعد إعلان قيام الوحدة بين شطرَي اليمن عام
1990 وقيام الجمهوريّة اليمنيّة، أضحت صنعاء عاصمة الدّولة الجديدة.
وصنعاء أيضاً: قريةٌ على باب دمشق
دون المزّة، مقابل مسجد خاتون، خَرِبَت، وهي اليوم مزرعةٌ وبساتين. (مصادر)