أجرُ المُجاهد، والنّيّةُ الخالصة
ـــــالشّيخ حسين كوراني* ـــــ
أيُّها المُجاهدون الأعِزَّاء:
طاعاتُكم لا يكادُ أحدٌ يَتَصوَّر عَظَمتَها. لستُ هنا بِصَدد
الحديث عن الصَّلاة والصَّوم، وإنْ كانت هذه العبادات بعدَ الولاية أساسَ الطّاعات،
إلَّا أنِّي بِصدَد الحديث عن الثّواب العظيم الّذي يَحصلُ عليه المُجاهِد من خلال
حَملِه همّ التّواجُد في الجبهة، في مواقِعِ الجهاد، ومرابطتِه فيها، وما يَتَرتّب
على هذه المرابطة من مَهامّ يقومُ بها.
أصلُ أنَّ الإنسان يَحمل همَّ الدّفاع عن الإسلام العزيز
والأمّة الإسلاميّة، أمّة المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله، من الطّبيعيّ أنّه يَترتَّبُ عليه ثوابٌ
كبير.
أصل أنَّ الإنسان يَترك الجوَّ الّذي يرتاح فيه، ويَتَوجَّه
إلى أجواءٍ لا تؤمِّن له مِعشارَ ما يُمكن أن يؤمَّن له في مُستقرِّه من الرّاحة
الماديّة، أيضاً هذا أمرٌ يحتاجُ إلى الوقوف عندَه ونحنُ نَتحدَّث عن الطّاعات.
من الطّبيعيّ جدّاً أنْ يحصلَ المُجاهد على ثوابٍ كبيرٍ بإزائه.
ثمَّ إذا لاحظنا أنّ مجرَّد مَشْي المُجاهد في مَواقِع
الجهاد، باعتبار أنَّه يَطَأُ مَوْطئاً يغيظُ الكفَّار، يَحصل منه على ثوابٍ، أصلُ
تَواجُد المجاهد في هذه المواقع يجعل الثّواب الإلهيّ متواصلاً له، لا يَصعدُ
جبلاً ولا يَنزل وادياً ولا يَظمأ ولا يَتعب، لا يُصيبُهُ نَصَبٌ ولا مَخمَصَةٌ إلّا
كتبَ اللهُ تعالى له بذلك ثواباً، وثوابُ اللهِ عزَّ وجلَّ على كلِّ عملٍ بِمقدارِ
حبِّ الله تعالى لهذا العمل، وبِمقدارِ اهتمامِه عزَّ وجلَّ بهذا العمل، فكَم سَيَكون
ثوابُه لِخاصّة أوليائه، المُجاهدين؟
إنّ طاعاتِك -أيُّها العزيز، أيُّها المجاهد- كثيرةٌ جدّاً
وعظيمةٌ.
عليكَ أنْ تَستَحضر -أيُّها العزيز- باستمرار، أنَّ ما يُصيبَك
من أذًى من مَشقّاتِ الطّريق ووُعورَتِه، وأجواء الخوف الّتي تعيشُها، والبرد -أو
الحرّ- الّذي تتعرّض له وأنتَ تُدافع عنّا ونحن في بيوتِنا، وما تُواجهُه من نقصٍ
في وسائل الرّاحة إلى سائر ألوانِ معاناةِ الجهاد في الحراسة أو الاستطلاع، أو المُهمّة
الجهاديّة، وكلِّ عملٍ يتطلّب جَلَداً ومعاناةً، أنْ تَستحضر أنَّ هذه الأمور كلّها
بِعَينِ الله عزَّ وجلَّ، فتَتَوجّه إلى الله سبحانه وتعالى مُستَحضِراً ما قالَه
رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: «إنْ لَم يَكُنْ بِكَ عَليََّ غَضَبٌ فَلَا أُبَالِي».
***
إلهي
عَلمْتُ أنَّ رِضاكَ في مَوقعي هذا ومَوقفي.
إلهي
تَرى ما يُصيبُني من بردٍ وما أُكابِدُه من معاناةٍ، وهو يا إلهي قليلٌ في جنبِك،
في سبيلِك.
أنا
المحدودُ هذا ما أستطيعُ
أنْ أقدّمه، قد وضعْتُ روحي على طَبَقِ الإخلاص أُريد أنْ أُقدّمها إليك، وأنا
بذلك كَناقِلِ التّمرِ إلى هجر.
عندما يقدِّم الإنسانُ رُوحَه إلى الله عزَّ وجلَّ، فماذا يفعل؟
الرُّوحُ منكَ سبحانكَ وتَعاليْت، عَطِيّتُكَ، فإذا أرجعت الرّوح
إلى صاحبِها، فهل أَكون قد عَملْتُ شيئاً عظيماً أَستحقّ أن أُجْزَى عليه؟ ولكن
إلهي هذا ما عندي، أنا المحدودُ هذه طاقتي وقد قدَّمْتُ كلَّ شيءٍ، أَسْتَسهِلُ البردَ
والحرَّ لأنَّ فيه رِضاكَ، وأَحتمِلُ السَّهرَ والتَّعبَ لأنَّ فيه رِضاكَ، وأَرْتادُ
أجواءَ المَخاطِر لأنَّ في ذلك رِضاك.
إلهي خُذْ بِيَدي، أَعِنِّي على نفسي، إلهي لا تَكِلْني إلى
نفسي طَرْفَةَ عينٍ أبداً.
أنْ تعيش أيُّها العزيز مع الله سُبحانَه وتعالى، وأنتَ تُواجِه
مُفردات المُعاناة هذه، أمرٌ في غايةِ الأهمِّيّة، والله سبحانه وتعالى أكرمُ
الأكرَمين، يُعطي مَن سَأَلَهُ ويُعطي مَن لمْ يَسألهُ تَحنُّناً منه ورحمةً، فَكَيفَ
عندما يَرى عَزيزَهُ المُجاهِد في مواقِع الجِهاد يقول: إلَهي أَعِنِّي على نفسي،
خلِّصْني من الحَسَد، خَلِّصْني من الحِقدِ، خَلِّصْنِي من سيِّئاتِ الأخلاقِ، إلَهي
ارزُقْنِي حُبَّك.
وأسألُكُم أيُّها الأعزَّاءُ الدّعاء، فالكلامُ سهلٌ.
أللَّهُمَّ ارزُقْنا حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُبَّ
كلّ عملٍ يُقرِّبُنا منكَ، بِرَحمتِكَ يا أرحمَ الرّاحمينَ.
والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
* نقلاً عن فقرات برنامج كان يُقدّم في «إذاعة النّور»