موجز في التّفسير
سورةُ الزُّمَر
ـــــ من دروس «المركز الإسلاميّ» ـــــ
* السُّورة التّاسعة والثّلاثون في ترتيب سُوَر
المُصحف الشّريف، نزلتْ بعد سورة «سَبَأ».
* آياتُها خمسٌ
وسبعون، وهي مكّيّة، يُعطى قارئها شرفَ الدّنيا والآخرة، ولا يُقطع رجاؤه.
* سُمِّيتْ بـ «الزّمر»،
لقوله عزّ وجلّ في الآية الحادية والسّبعين: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ
زُمَرًا﴾، وفي الآية الثّالثة والسّبعين: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا..﴾.
|
تُعرف سورة الزُّمر أيضاً
باسم سورة «الغُرَف»، المأخوذ من الآية العشرين: ﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ
لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ..﴾، إلّا أنّها تسمية غير مشهورة.
جاء في كتاب (العين) للفراهيديّ:
«الزُّمرة: فوجٌ من النّاس، ويقال: جماعةٌ في تَفرقة،
بعضٌ على أَثَرِ بعض». وفي (الصّحاح)
للجوهريّ: «الزُّمْرَة: الجماعة من النّاس. والزُّمَر: الجماعات».
محتوى السّورة
«تفسير الميزان»: يظهر من خلال آيات السّورة
أنّ المشركين من قوم رسول الله صلّى
الله عليه وآله سألوه أن ينصرف عمّا هو عليه من التّوحيد،
والدّعوة إليه، والتعرّض لآلهتهم، وخوّفوه بها، فنزلت السّورة وهي تؤكّد الأمر بأنْ
يُخلِص دينَه لله سبحانه، ولا يعبأ بآلهتِهم،
وأن يُعْلمهم أنّه مأمورٌ بالتّوحيد وإخلاص الدّين الذي تواترت عليه الآياتُ من
طريق الوحي والعقل جميعاً "..".
ثمّ
عَمّمَ الاحتجاج على توحّده تعالى في الرّبوبيّة والألوهيّة؛ من الوحي، ومن طريق
البرهان، وقايسَ بين المؤمنين والمشركين مقايساتٍ لطيفة، فوصفَ المؤمنين بأجمل
أوصافهم، وبشّرهم بما سيُثيبهم في الآخرة مرّةً بعد مرّة، وذكَّر المشركين وأنذرهم
بما سيلحقهم من الخسران وعذاب الآخرة، مضافاً إلى ما يُصيبهم في الدّنيا من وَبال
أمرِهم كما أصاب الّذين كذّبوا من الأمم الدّارجة من عذاب الخِزي في
الحياة الدّنيا، ولَعذابُ الآخرة
أكبر. ومن ثمّ وصفتِ السّورةُ يومَ
البعث، لا سيّما في مختتمِها بأوضحِ الوصف وأتمِّه.
***
«تفسير
الأمثل»: نزلت هذه السّورة في مكّة المكرّمة، ولهذا
السّبب فإنّها تتطرّق للقضايا المتعلّقة بالتّوحيد والمعاد، وأهمّية القرآن، ومقام
نبوّة نبيّ الإسلام صلّى الله عليه
وآله، كما هو الحال في بقيّة السّور المكّية.
وتضمّ عدّة أقسام مهمّة:
1-
مسألة الدّعوة إلى توحيد الله تعالى، توحيدِه في الخَلْق،
وفي الرّبوبيّة، وفي العبوديّة، كما تُسلّط الضّوء على مسألة الإخلاص في العبادة له
عزّ وجلّ.
2- الأمر المهمّ الآخر الذي تكرّر في عدّة آيات في هذه السّورة من
بدايتها وحتّى نهايتها، هو مسألة (المعاد) والمَحْكمة الإلهيّة الكبرى، ومسألة الثّواب
والعقاب، وغُرَف الجنّة، وحُفَرِ النّار في جهنّم،
ومسألة الخوف والرّهبة من يوم القيامة، وظهور نتائج الأعمال فيه، وتَجسُّدها في
ذلك المشهد الكبير، إضافة إلى أنّها تستعرض قضيّة اسوداد أَوجُهِ الكاذبين والذين
افتروا على الله الكذب، وسَوق الكافرين صوبَ جهنّم، وتَعَرُّض
الكافرين لتوبيخ ملائكة العذاب وملامتِهم، ودعوة أهل الجنّة إلى دخول الجنّة،
وتقديم ملائكة الرّحمة التّهاني والتّبريكات لهم.
3- قسم آخر من السّورة يتناول أهمّية القرآن المجيد، وهو يجسّد
بصورة لطيفة تأثير القرآن القويّ في القلوب والأرواح.
4-
هذا القسم يبيّن مصيرَ الأقوام السّابقين والعذاب الإلهيّ الأليم الذي نزل بهم جرّاء
تكذيبهم لآيات الله الحقّ.
5-
وأخيراً، قسمٌ من هذه السّورة يتحدّث عن مسألة التّوبة، وكَون أبواب
التّوبة مفتوحة لمن يرغب في العودة إلى الله، وقد تضمّن هذا القسم أقوى آيات
القرآن الكريم تأثيراً في مجال التّوبة.
ثوابُ تلاوتها
«مجمع
البيان»: عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
«مَن قرأ سورةَ الزُّمَر لم يقطعِ
اللهُ رجاه، وأعطاه ثوابَ الخائفين الذين
خافوا اللهَ تعالى».
«ثواب
الأعمال»: عن الإمام الصّادق عليه السلام:
«مَن قرأ سورة الزُّمَر أعطاه اللهُ شرفَ
الدّنيا والآخرة، وأعزّه بلا مالٍ ولا عشيرة، حتّى يهابَه مَن يراه، وحرّم جسدَه
على النّار».
تفسير آيات من السّورة
بعد ذكر الآية الكريمة، نوردُ ما رُويَ من الحديث الشّريف في تفسيرها نقلاً
عن (تفسير نور الثّقلين) للمحدّث الشّيخ عبد عليّ الحويزيّ رضوان الله عليه.
قوله تعالى: ﴿..وَأَنْزَلَ لَكُمْ
مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ..﴾ الزمر:6.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «إنزالُه ذلك، خلْقُه
إيّاه».
قوله تعالى: ﴿.. يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ
خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ..﴾ الزمر:6.
* أمير المؤمنين عليه السلام في (نهج البلاغة): «..أم هذا الّذي أنشأَه
في ظُلماتِ الأرحام وشُغُف الأستار نطفةً دِهاقاً،
وعلقةً مِحاقاً، وجنيناً وراضعاً، ووليداً ويافعاً».
** سيّد الشّهداء عليه السلام في دعاء يوم عرفة: «فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي ".." وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ
وَجِلْدٍ..».
قوله تعالى: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا
فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ..﴾ الزمر: 7.
* الإمام الصّادق عليه السلام: «شاءَ وأراد،
ولم يحبّ، ولم يرضَ. شاءَ ألّا يكونَ شيءٌ إلّا بعلمِه،
وأرادَ مثل ذلك، ولم يحبّ أن يقال له ثالثُ
ثلاثة، ولم يرضَ لعباده الكُفر».
قوله تعالى: ﴿..قُلْ هَلْ يَسْتَوِي
الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾
الزمر:9.
*الإمام الباقر عليه السلام: «إنّما نحن الّذين يَعلمون، والّذين لا يعلمون عدوُّنا،
وشيعتُنا أولو الألباب».
قوله تعالى: ﴿.. فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ..﴾ الزمر: 17-18.
* الإمام الصّادق عليه السلام: «هُمُ المسَلّمون لآل محمّد صلّى الله عليه وآله،
الّذين إذا سَمعوا الحديث لم يزيدوا فيه ولم يُنقصوا منه،
جاؤوا به كما سَمِعوه».
قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ
اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ..﴾ الزمر:22.
* رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إنّ النّورَ إذا وقعَ في القلب انفسحَ
له وانشرَح، قالوا: يا رسول الله فهل لذلك
علامةٌ يُعرَف بها؟ قال: التّجافي عن دار
الغرور، والإنابةُ إلى دار الخلود، والاستعدادُ للموت قبل نزول الموت».
قوله تعالى: ﴿..كِتَابًا مُتَشَابِهًا
مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ..﴾ الزمر:23.
* رسول الله صلّى الله عليه
وآله: «إذا اقشَعرَّ
جِلدُ العبد من خشيةِ الله تَحاتّت عنه ذنوبُه
كما يَتحاتُّ عن الشّجرة اليابسة وَرَقُها».
قوله تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا..﴾ الزمر: 42.
* الإمام الباقر عليه السلام: «ما من أحدٍ ينامُ
إلّا عرَجت نفسُه إلى السّماء، وبقيتْ روحُه في
بدنه، وصار بينهما سببٌ كشُعاع الشّمس، فإنْ
أذن اللهُ في قبضِ الأرواح أجابتِ الرّوحُ
النّفسَ، وإنْ أذِن اللهُ في ردّ الرّوح أجابت النّفسُ الرّوح..».
** الإمام الصّادق عليه السلام: «إذا أوَى أحدُكم إلى فراشه، فليقلْ: أللّهُمَّ إنّي
احتبستُ نفسي عندَك فَاحتَبِسها في محلّ رضوانِك ومغفرتِك،
فإن رددتَها إلى بدني فاردُدها مؤمنةً عارفةً
بحقّ أوليائك حتّى تتوفّاها على ذلك».
قوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ
يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾
الزمر: 56.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «نحن الخُزّانُ لدينِ
الله، ونحن مصابيحُ العلم، إذا مضى منّا علَمٌ بدا علَم، لا يضِلّ مَن
تبِعنا ولا يهتدي مَن أنكرَنا، ولا ينجو مَن
أعان علينا عدوَّنا، ولا يُعان من أسلَمَنا، فلا
تتخلّفوا عنّا لطمعِ دنيا وحطامٍ زايلٍ
عنكم وتزولون عنه، فإنّ مَن آثر الدّنيا على الآخرة واختارها علينا عظُمت حسرتُه
غداً..».
قوله تعالى: ﴿..أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ الزمر:60.
*الإمام الصّادق عليه السلام: «إنّ في جهنّم لَوادياً للمتكّبرين يُقال له سَقَر،
شكى إلى الله عزّ وجلّ شدّةَ حرِّهِ، وسأَله أنْ يتنفّس فَأَذِن
له، فتنفّسَ فأحرَقَ جهنّم».