الأقصى في خَطر
جدرانُه ليست لوحات إعلانات
ـــــ راسم عبيدات* ـــــ
يتعرَّض المسجد الأقصى كلَّ يوم لاقتحامات من قِبَل
المستوطنين، ناهيك عن الحفريّات الّتي تجري على قدمٍ وساق مِن حَوله وتحته، والكُنُس
الّتي تُقام ملاصقة له، و«مخطّط زاموش» لإقامة حيِّز يهوديّ حول الأقصى والبلدة
القديمة يَتواصل، حيث «مطاهر الهيكل»، و«بيت شتراوس»، و«حديقة تيدي»، وغيرها..، وحكومة
تحاول شَرعَنَة تقسيم الأقصى زمانيّاً ومكانيّاً بين المسلمين الّذين يخصُّهم
الأقصى دون سواهم، وبين المُستوطنين الصَّهاينة الّذين يحاولون فرض سياسة الأمر
الواقع في الأقصى، كما حصل في الحَرم الإبراهيميّ الشّريف في الخليل، حيثُ يَقف
على رأس حملات اقتحامِ المسجدِ الأقصى وزراء وأعضاء كِنيست في مقدّمتهم «موشيه
فيجلين» من حزب اللِّيكود الحاكم وغيره، وكذلك يجري العمل على إصدارِ قوانين
وتشريعاتِ تَسمح لليهود بالصَّلاة في المسجد الأقصى، على اعتبار أنَّه، على حدِّ
زعمهم، أقدس مكان بالنّسبة إليهم، وهو«بيت الرّبّ» أو الهيكل المزعوم.
من هنا، فإنّ واجب الدِّفاع عن الأقصى وحمايته، هو
واجبُ أبناءِ الأمَّتَين العربيّة والإسلاميّة، وفي طليعتهم الشّعب الفلسطينيّ،
وبالذّات منهم أبناء المدينة المقدَّسة الّتي تَئِنُّ تحت وطأة الاحتلال، فهي تُهَوَّد
وتُأَسْرَل وتتعرّض لعمليّاتِ تطهير عِرقيّ غير مسبوقة في التّاريخ البشريّ، ناهيكَ
عن أنَّ الاستيطان وَصَل حدَّ التّوغُّل في كلِّ حارةٍ وزقاقٍ من أزقَّةِ المدينة وحاراتِها.
وعليه، فإنّ المفترَض في هذا المكان المقدَّس، أن يكونَ بيتاً للعبادةِ تؤمُّه
جموعُ المؤمنين من كلِّ أنحاء فلسطين، أو أنْ تَخرجَ منه الاحتجاجات والمسيرات الرّافضة
لإجراءات الاحتلال وممارساته بحقِّ الأقصى، والأماكن الدِّينيّة الفلسطينيّة
إسلاميّة ومسيحيّة، أو بحقِّ شعبنا الفلسطينيّ.
ولكن ما يحصل اليوم، وعلى ضوء أحداث العالم
العربيّ، هو أنَّ هناك فئات مُتأسلمة، لا تُشكِّل حُجَّة لا على الإسلام ولا على
المسلمين من بعيدٍ أو قريبٍ (حركة الإخوان المسلمين، وحزب التّحرير، وجبهة النّصرة،
والقاعدة، أو ما يُسمَّى بالجهاديّين عموماً)، يحاولون فرض رؤيتهم وأفكارهم على
شعبنا الفلسطينيّ وعلى ديننا الحنيف، باعتبارها هي صلْب العقيدة الإسلاميّة وجَوهرها،
تلك العقيدة السَّمحة الّتي تدعو إلى التّسامح والمساواة بين أبناء الوطن الواحد،
وتحرِّم القتل والفِتَن المذهبيّة والسَّحْل، ونبشِ القبور، وشقِّ الصَّدور...
ما يجري اليوم في الأقصى وغيرِه من المساجد، أنَّ
العديدَ من تُجَّار الدِّين والوطن، يَستغلُّون بيوت العبادة والخُطَب، من أجل
إسقاط ذواتِهم وفِكرهم وعجزهم على النّاس، وغالباً ما تكون خُطَبُهم، ليس بما يُحصِّن
ويَحمي المجتمع من الانهيار أو السُّقوط، بل خُطَب تشويهيّة وتكفيريّة وتخوينيّة
وتشكيكيّة في الآخَرين، ومُركَّبة على إشاعات وشعوَذة ودَرْوَشَة تُسيء إلى الدِّين
والعِباد أكثر ما تَنفعهم وتُفيدُهم، على اعتبار أنَّ أصحاب هذا الفكر الطارئ هم
فوق الشُّبُهات، ولولاهُم لضاعَ المجتمعُ والقضيّةُ والإسلامُ والمسلمون، والواقع
يقول عكس ذلك، فهؤلاء لم يكونوا في يومٍ من الأيّام غير مِعْوَلِ هدمٍ وتخريبٍ في
المجتمع.
ومن غير المعقول أنْ يُحوِّلَ البعضُ الأقصى إلى
منبرٍ وساحةٍ للمُزايدات السّياسيّة، فالأقصى مكانٌ للعبادةِ وليس لِبَثِّ الدّعاية
لهذا الفريق أو ذاك. والّذين رفعوا صورة الرّئيس الفلانيّ، عليهم أن يعرفوا أنّ هذا
الشَّخص ليس الشّيخ عزَّ الدِّين القسَّام أو عبد القادر الحُسينيّ، ولا عبد النّاصر ولا السّيّد حسن نصر الله، وهو
ليس جورج حبش ولا فتحي الشّقاقيّ، وهو لم يقدِّم لِمصر ولفلسطين والعروبة والإسلام
شيئاً، بل كان جُلَّ اهتمامه أخْوَنَة بلاده دولةً وسلطةً ومجتمعاً.
إنّ المسجد الأقصى بحاجة إلى مَن يَحميه ويُدافع
عنه، فهو يتعرَّض لتهديدٍ جدّيّ، وليس بحاجة إلى أن تتحوَّل جُدرانُه إلى لوحاتِ
إعلانات، وساحاتُه إلى أمكنة للسِّجالات والمزايدات السّياسيّة والحزبيّة، والخُطَب
مِن على منبره من أجل نَشْرِ الفِتَن وبثِّ الفرقة والشِّقاق بين أبناء الأمّة.
* كاتب ومحلِّل سياسيّ مقدسيّ، والنّصّ مختصر نقلاً عن (مركز دلتا للأبحاث)/
تموز 2013