الموقع ما يزال قيد التجربة
الصّحابيّ القائد الشّهيد حُجر بن عَدِيّ الكنديّ
يومُ معاوِيةَ والتّكفيريّين منه طويل..
___________ إعداد: سليمان بيضون __________
* من كبار عباد الصّحابة ورؤوس التّابعين، ومن خُلَّص حَواريّي أميرِ المؤمنين والإمام الحسن عليهما السّلام. * صحابيٌّ، قائد طليعيّ شارك في الفتح الإسلاميّ لبلاد فارس، وكان أوّل مَن وطأتْ قدماه أرضَ الشّام من جيش المسلمين، ومن قادة معسكر الحقّ في الجمل وصِفّين والنّهروان. * قال ابنُ سيرين: «بلغَنا أنّ معاويةَ لمّا حضرَتْه الوفاةُ جعلَ يقول: يومي منكَ يا حجرُ طويل»! (إبن الأثير، الكامل: ج 3/ ص 488) |
حُجْرُ بنُ عَدِيّ بنِ معاوية بن جبلة بن ربيعة بن معاوية الأكرمين الكِنديّ، المعروف بحُجر بن الأدبر، وحُجر الخير. قبيلتُه «كِنْدة» من كبريات قبائل العرب، كانت لها دولةٌ في اليمن، ثمّ في الحجاز، توطّنت بطونٌ منها في الكوفة زمنَ الفتوحات الإسلاميّة، فكان حُجْر من زعماء قومه فيها.
مولده وأسرته
لم يذكر المؤرِّخون عام ولادة حُجْر بن عدي، لكنّه كان شابّاً حينما وفد على النّبيّ صلّى الله عليه وآله يُعلن إسلامه بعد فتح مكّة. قال ابن سعد في (الطّبقات): «ذكر بعض رواة العلم أنّه وفد إلى النّبيّ صلّى الله عليه وآله مع أخيه هانئ بن عديّ». وقال ابن عبد البرّ في (الاستيعاب): «وكان حُجْر من فضلاء الصّحابة وصَغُر سنُّه عن كبارهم..».
وفي (الإصابة) لابن حجر: «وكان لِحُجْر بن عديّ ولدان: عبد الله، وعبد الرّحمن، قُتلا مع المختار، لمّا غلبَ عليه مصعب». وقد انفرد المرزبانيّ الخراسانيّ في (مختصر أخبار شعراء الشّيعة) بذكر ولدٍ لِحُجْر قدّمه ليُقتَل أمامه خشيةَ أن يرجع عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام إذا ما سَبَقه إلى القتل.
بعضُ عبادته
عُرف حُجْر بن عديّ بكَثرة العبادة، واشتُهر ذلك عنه حتّى قيل إنّه «راهبُ أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله»، ويكفيه شهادةً في هذا الباب وصفُ سيّد الشّهداء عليه السلام له ولأصحابه في رسالته الّتي بَعَثَ بها إلى معاوية يُنكر عليه قتله إيّاهم أنّهم من «المُخبَتين»، أي الخاشعين، وقد رُوي أنّه كان كثير الصّلاة والصّيام، وأنّه ما أحدث إلّا توضّأ، وما توضّأ إلّا صلّى، ولم يفارقه هذا الالتزام حتّى قُبيل استشهاده حينما دعا بماءٍ فتوضّأ وصلّى ركعتين، ثمّ قال: «لولا أن يقولوا جزعَ من الموت لأحببتُ أن يكونا أنفسَ ممّا كانتا». وقال عنه المؤرّخون «إنّه كان صاحب كرامة واستجابة دعاء». ووصفه الشّيخ الطّوسيّ بأنّه «كان من الأبدال»، وهم «قومٌ من الصّالحين لا تخلو الدّنيا منهم، إذا مات واحدٌ أبدَل الله مكانه آخَر» كما في (مجمع البحرين) للطُّريحيّ.
مواقفه الجهاديّة
لم يرِد من مواقف حُجْر بن عديّ ومشاركته في الحياة العامّة قبل «خلافة» الإمام عليّ عليه السّلام إلّا بعضُ المقتطفات. فقد ذكر المؤرّخون أنّه شارك في حركة الفتح الّتي ذهبت للشّام، وأنّه هو الّذي فتح «مرج عذراء»، -كما صرّح هو نفسه- وأنّه قد شارك في معركة القادسيّة، وكان من الّذين كتبوا إلى عثمان من الكوفة ينصحونه، وأنّه من الّذين شهدوا موت أبي ذرّ في الرّبذة.
وأمّا في زمن «خلافة» أمير المؤمنين عليه السلام، فقد كان حُجْر من الجنود المخلصين في كلّ المعارك في مواجهة المتمرّدين من النّاكثين، والقاسطين، والمارقين.
في معركة الجمل
يظهر من التّاريخ أنّ حُجْراً لم يكن جنديّاً عاديّاً فيها، وإنّما كان مقاتلاً أميراً، وقائداً لبعض الفِرَق، فإنّه كان من شيوخ الشّيعة في الكوفة، وزعيماً من زعماء كندة. وحين قدم الإمام الحسن عليه السلام الكوفة داعياً أهلها لنصرة أمير المؤمنين عليه السلام، قام وجوهُها الموالون يحرّضون النّاس على الاستجابة له؛ قال ابن الأثير: «..وقام حُجْر بن عديّ فقال: أيّها النّاس، أجيبوا أمير المؤمنين، وانفروا خِفافاً وثِقالاً، مُرّوا وأنّا أوّلكم. فأذعنَ النّاسُ للمَسير..».
في صفّين
حين استشار أمير المؤمنين عليه السلام أصحابه في حرب معاوية قاموا واحداً بعد الآخر يبذلون الطّاعة والنُّصرة، ومن هؤلاء حُجْر. جاء في (وقعة صفِّين) لنصر بن مزاحم: «ثمّ قام حُجرٌ فقال: يا أمير المؤمنين، نحن بنو الحرب، وأهلُها الّذين نُلْقِحُها ونُنتِجُها، وقد ضاربَتْنا وضاربناها، ولنا أعوانٌ ذَوُو صلاح، وعشيرةٌ ذاتُ عددٍ ورأي بحربٍ وبأسٍ محمود، وأَزِمّتُنا منقادةٌ لك بالسّمع والطّاعة، فإنْ شرَّقْتَ شرّقْنا، وإنْ غرّبتَ غرّبْنا، وما أمرتَنا به من أمرٍ فعلناه».
في سائر الحروب
لم نجد تفاصيل لمشاركته في حرب الخوارج وإن كان من قادة جيش الإمام عليه السلام فيها. فقد ذكر ابن عبد البّرّ في (الاستيعاب): «كان حُجر من فُضلاء الصّحابة.. وكان على الميسرة يوم النّهروان». وأمّا مواقفه الجهاديّة الأخرى، ففي أواخر حياة الأمير عليه السلام، كانت غارة سفيان بن عوف الغامديّ على الأنبار من قِبل معاوية، وقد تقاعس النّاس وتكاسلوا عن الاستجابة للإمام والتّهيّؤ لمحاربة معاوية، إلّا أنّ حُجْراً وبعض المخلصين وقفوا موقف الولاء الحقّ. أورد الشّيخ الطّوسيّ في (أماليه): «فقام حُجْر بن عديّ الكنديّ وسعيد بن قيس الهمدانيّ، فقالا: لا يسوؤك اللهُ يا أميرَ المؤمنين، مُرنا بأمرك نتّبعه، فوَاللهِ ما نُعظم جزَعاً على أموالنا إن نفِدت، ولا على عشائرنا إن قُتلت في طاعتك، فقال لهم: تجهّزوا للسّير إلى عدّونا».
عند شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام
كان حُجْر مِمّن حضر في مسجد الكوفة بعدما ضرب اللّعين ابن ملجم أميرَ المؤمنين عليه السلام على رأسه بالسّيف، وكان قد أدرك المؤامرة قبل وقوعها ولم يمكنه الحؤول دون ذلك لسَبْق القدَر. قال الشّيخ المفيد في (الإرشاد): «وكان حُجْر بن عديّ -رحمة الله عليه- في تلك اللّيلة بائتاً في المسجد، فسمع الأشعث [بن قيس] يقول لابن ملجم: «النّجاء النّجاء لحاجتك فقد فَضَحَك الصّبح»، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث، فقال له: قتلتَه يا أعور. وخرج مبادراً ليمضيَ إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، ويحذّره الخبر، ويحذِّره من القوم، وخالفه [فاتَه] أميرُ المؤمنين عليه السّلام فدخل المسجد، فسبقه ابن ملجم فضربه بالسّيف، وأقبل حُجر والنّاس يقولون: قُتل أميرُ المؤمنين، قُتل أمير المؤمنين».
ونقل العلّامة المجلسيّ في (بحار الأنوار): «أنّ الإمام عليه السّلام لمّا ضربه ابنُ ملجم، دخل النّاس عليه، فقال: أيّها النّاس سَلوني قبل أن تفقدوني، وخفِّفوا سؤالكم لِمصيبة إمامكم. قال الرّاوي: فبكى النّاس عند ذلك بُكاءً شديداً وأشفقوا أن يسألوه تخفيفاً عنه، فقام إليه حُجْر بن عديّ الطّائي، فقال أبياتاً مطلعُها:
فيا أسفي على المولى التّقيّ |
أبي الأطهار حيدرةِ الزّكيّ |
قَتَله كافرٌ حِنثٌ زنيمٌ |
لعينٌ فاسقٌ نغلٌ شقيّ |
فلمّا بَصر به وسَمع شِعرَه، قال له: كيف بك إذا دُعيتَ إلى البراءة منّي فما عساك أن تقول؟ فقال: واللهِ يا أميرَ المؤمنين لو قُطّعت بالسّيف إرْباً إرْباً، وأُضرمَ ليَ النّار وأُلقيتُ فيها، لآثرتُ ذلك على البراءة منك، فقال عليه السّلام: وُفّقتَ لكلّ خير يا حُجر، جزاك اللهُ خيراً عن أهل بيت نبيّك».
مع الإمام الحسن عليه السلام
بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام، ظلّ حُجْر بن عديّ وفيّاً للنّهج العلويّ، فكان من أركان جيش الإمام الحسن عليه السّلام في مسيره لقتال معاوية. قال أبو الفرج الأصفهانيّ في (مقاتل الطالبيّين): «فاجتمَعَت العساكر إلى معاوية بن أبي سفيان، وسار قاصداً إلى العراق، وبلغ الحسنَ خبرُ سَيْره، وأنّه بلَغ جسر منبِج، فتحرّك لذلك، وبعث حُجْرَ بن عديّ يأمر العمّال والنّاس بالتّهيّؤ للمسير..».
وبعد الصّلح كان لحُجْر وبعض الأصحاب مواقفُ مع الإمام الحسن عليه السّلام يظهر منها الألمُ الشّديد لِما صارت إليه الأمور، فلمّا خلا به الإمام الحسن عليه السلام، قال له: «يا حُجْر! ".." ليس كلُّ إنسانٍ يحبّ ما تحبّ، ولا رأيُه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلتُ إلّا إبقاءً عليكم، والله تعالى كلّ يوم هو في شأن».
حُجْر ومعاوية
بعد أنِ استتبّ الأمرُ لمعاوية بعد صلحه مع الإمام الحسن عليه السّلام، أرسلَ وُلاته إلى الأمصار لينفّذوا سياساته التّي عبّر عنها بقوله: «إنّما قاتلتُكم لِأَتَأَمَّر عليكم». وكان من موجبات هذا التَّأمُّر أنْ يسعى لِطمسِ كلّ ما يمثّل حقيقة الدّين ويفضح جاهليّته الأمويّة؛ فولّى على الكوفة المغيرة بن شعبة وأوصاه بأشياء، أبرزها أن لا يدَعْ سبّ أمير المؤمنين عليه السّلام على المنابر، فقد روى الطّبريّ في (تاريخه): «أنّ معاوية بن أبي سفيان لمّا وَلّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة 41، دعاه ثمّ قال: ".." وقد أردتُ إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركُها اعتماداً على بصرك بما يُرضيني ويُسعد سلطاني، ويصلح به رعيّتي، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تَتَحَمَّ عن شتمِ عليّ، وذمّه، والتّرحُّم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب عليّ والإقصاء لهم وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والاستماع منهم..».
ولكنّ حُجْراً لم يكن لِيَسكت عن ذلك، فكان كلّما سمع المغيرة يسبّ أمير المؤمنين عليه السّلام قام معترضاً، وقال: «بل إيّاكم فذمّمَ (فذمَّ) اللهُ ولعَن ".." وأنا أشهدُ أنّ مَن تذمّون وتُعيّرون لأَحقُّ بالفضل، وأنّ من تُزكّونه وتُطرونه أولى بالذّمّ». فيقول له المغيرة: «يا حُجْر! وَيْحَك، اتّقِ السّلطان، اتّق غضبَه وسطوته، فإنّ غضبةَ السّلطان أحياناً ممّا يُهلك أمثالَك كثيراً».
ولمّا مات المغيرة عيّن معاوية زيادَ ابن أبيه على الكوفة، بالإضافة إلى ولايته على البصرة، وقد حاول زياد، بدايةً، استمالة حُجْر ليثنيَه عن مواقفه المعترضة على سياسات معاوية، ملوّحاً له بالتّهديد من عاقبة استمراره في المعارضة، فأرسل إليه وقال له: «قد بَلَغني ما كنتَ تفعله بالمغيرة، فيحمله منك، وإنّي واللهِ لا أحتملك على مثل ذلك أبداً».
ولكنّ حُجْراً لم يَستسلم، ولم يَسكت، وسار بسيرته الّتي كانت في زمن المُغيرة، ويذكر الطّبريّ موقفاً لِحُجْر كان من أوثقِ أسباب نقمة زياد عليه، يقول: «خَطب زياد يوماً في الجمعة فأطال الخطبة وأخّر الصّلاة، فقال له حُجْر بن عديّ: الصّلاة. فمضى في خطبته. ثمّ قال: الصّلاة. فمضى في خطبته. فلمّا خشي حُجْرُ فَوْتَ الصّلاة ضرب بيده إلى كفٍّ من الحصى وثار إلى الصّلاة وثار النّاسُ معه، فلمّا رأى ذلك زيادٌ نزل فصلّى بالنّاس، فلمّا فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثّرَ عليه».
فكتب معاوية إلى زياد أن يرسل إليه حُجْراً مع جماعته مقيَّدين ليرى رأيه فيهم، ولمّا حضرت الشُّرَط [أي رجال الشّرطة] لـتنفيذ المهمّة وقعت مواجهة بينهم وبين أصحاب حُجْر، ولجأ زياد إلى أعيان الكوفة طالباً منهم أن يخذّلوا أولادهم عن نصرة حُجْر ففعلوا، فلمّا رأى حُجْرٌ ما آلت إليه الأمور، آثر أن يسلّم نفسه رفقاً بأصحابه مشترطاً لذلك أن يعطيه زياد الأمان ويحمله إلى معاوية، وهكذا كان، فقد جيء بِحُجْر إلى قصر زياد فحَبَسه، وتتّبع رؤوس أصحابه حتّى وقع بيده منهم اثنا عشر رجلاً.
شهادة الزّور
ثمّ أراد زياد أن يحمل إلى معاوية مع حُجْر وأصحابه ما يكفي لإدانتهم بما يوجب لهم القتل، فبعث إلى رؤوس الأرباع -وهم زعماء المناطق الأربع في الكوفة- وطَلَب منهم أن يَشهدوا على حُجْر بما رأوه، فشهدوا أنّه «جَمَع إليه الجموع، وأظهر شتمَ الخليفة، ودعا إلى حرب أمير المؤمنين، وزَعم أنّ هذا الأمر -الخلافة- لا يصلح إلّا في آل أبي طالب، ووثب بالمِصر، وأخرج عامل أمير المؤمنين، وأظهر عُذر أبي تراب والتّرحُّمَ عليه، والبراءةَ من عدوّه وأهل حربه، وأنّ هؤلاء الّذين معه رؤوسُ أصحابه، وعلى مِثل رأيِه وأمرِه..».
لكنّ زياداً لم يجد في هذه الشّهادة، وفي عدد الشّهود ما يكفي لتحقيق مُراده من الانتقام من حُجْر وأصحابه، وأراد أن يذكر في متن الشّهادة بعض الأسباب الّتي تسوِّغ لمعاوية أمام الرّأي العامّ قتلهم، فأمر بوضع شهادة تبرّع بنَصّها أبو بردة بن أبي موسى الأشعريّ -وكان زعيم ربع مِذحج وأسد- جاء فيها: «أنّ حُجْر بن عديّ خَلع الطّاعة، وفارق الجماعة، ولَعَن الخليفة، ودعا إلى الحرب والفتنة، وجَمَع إليه الجموع يدعوهم إلى نَكْثِ البَيعة وخَلْعِ أمير المؤمنين معاوية، وكفر باللهِ كفرةً صلعاء». وشهد مع أبي بردة رؤوس الأرباع الباقون، ثمّ طلب زياد من النّاس تأييد هذه الشّهادة، قائلاً: «أما والله لأجهدنّ على قطع عُنق الخائن الأحمق».
مرج عذراء
دفع زيادُ حُجْرَ بن عديّ وأصحابه إلى قائدَين من جنده هما وائل بن حجر الحضرميّ، وكثير بن شهاب، وأمَرَهُما أن يسيرا بهم إلى الشّام، وبعث معهما إلى معاوية كتاباً، جاء فيه: «إنّ طواغيتَ من هذه التّرابيّة السّبائيّة رأسُهم حجر بن عديّ خالفوا أمير المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونَصَبوا لنا الحرب، فأظهرَنا اللهُ عليهم وأمْكَنَنا منهم، وقد دعوتُ خيارَ أهل المِصر وأشرافَهم وذوي السّنّ والدِّين منهم فشهدوا عليهم بما رأَوا وعملوا».
فساروا حتّى انتهوا بهم إلى مرج عذراء عند دمشق، ولمّا عَلِمَ معاوية بوصولهم، بعث إلى قائدَي الرَّكب أن يأتيا إليه، فقرأ رسالة زياد ثمّ استَشارَ بعض حاشيته حول الموقف الّذي ينبغي اتّخاذه من حُجْر وجماعته، فأشار عليه البعض بِنَفْيِهم إلى بعض قرى الشّام، فتردّد معاوية في قتلهم، فكتب إلى زياد رسالةً نَصُّها: «أمّا بعد، فقد فهمتُ ما اقتصصتَ به من أمرِ حُجْر وأصحابه وشهادة مَن قِبَلك عليهم فنظرتُ في ذلك، فأحياناً أرى قتلَهم أفضل من ترْكهم، وأحياناً أرى العفوَ عنهم أفضل من قتلهم، والسّلام». فكتب إليه زياد: «أمّا بعد، فقد قرأتُ كتابك، وفهمتُ رأيَكَ في حُجْر وأصحابه، فعجبتُ لِاشتباهِ الأمر عليك فيهم، وقد شَهدَ عليهم بما قد سمعت مَن هو أعلم بهم، فإن كانت بك حاجة في هذا المِصر -الكوفة- فلا تردّنّ حُجْراً وأصحابه إليّ».
فعَزَمَ حينئذٍ معاوية على قتلهم، يقول الطّبريّ: «حينما قدموا إلى مرج عذراء، قال لهم رسولُ معاوية: إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللَّعن له، فإنْ فعلتم تركناكُم، وإن أَبَيْتُم قتلناكُم، فابرؤوا من هذا الرَّجل نُخْلِ سبيلَكم. قالوا: أللّهمّ إنّا لسنا فاعلي ذلك».
وجاء في (مروج الذّهب) للمسعوديّ: «فلمّا وصل إليهم -رسول معاوية- قال لحجر: إنّ أمير المؤمنين قد أمرني بقتلك يا رأس الضّلال ومعدن الكفر والطّغيان والمتولّي لأبي تراب، وقَتْلِ أصحابك إلّا أن ترجعوا عن كفركم وتلعنوا صاحبكم وتتبرّؤوا منه. فقال حُجْر وجماعتُه ممّن كان معه: إنّ الصّبر على حدّ السّيف لأَيسر علينا ممّا تدعونا إليه، ثمّ المَقدَمُ على الله وعلى نبيّه وعلى وصيّه أحبّ إلينا من دخول النّار».
الشَّهادة
قال ابن الأثير في (الكامل): «وقام حُجْر وأصحابُه يصلُّون عامّة اللّيل، فلمّا كان الغد قدّموهم ليقتلوهم، فقال لهم حُجْر بن عديّ: اتركوني أتوضّأ وأصلّي، فإنّي ما توضّأت إلّا صلّيت، فتركوه فصلّى، ثمّ انصرف منها، وقال: واللهِ ما صلّيتُ صلاةً قطّ أخفّ منها، ولولا أن تظنّوا فيّ جَزَعاً من الموت لاستكثرتُ منها، ثمّ قال: أللّهمّ إنّا نَستعديك على أمّتنا، فإنّ أهل الكوفة شَهدوا علينا، وإنّ أهل الشّام يَقتلوننا، أما واللهِ لئن قتلتموني بها فإنّي لأَوّلُ فارس من المسلمين هلّلَ في واديها، وأوّلُ رجلٍ من المسلمين نبحَته كلابُها».
وقال ابن عبد البرّ: «ثمّ قال لمَن حضرَ من أهله: لا تنزعوا عنّي حديداً ولا تغسلوا عنّي دماً، فإنّي لاقٍ معاوية على الجادّة [يريدُ الصّراط يوم القيامة]». وفي (الغارات) للثّقفيّ أنّ معاوية لما قدم المدينة دخل على عائشة فعابت عليه قتل حُجر، وكانت أرسلت إليه من قبلُ تحذّره من قتله وأصحابه، فقال لها: «دعيني وحجراً حتّى نلتقي عند ربّنا».
وهكذا كانت شهادة حجرٍ رضوان الله عليه سنة 51 للهجرة، فقد قُتل مع ستّة من أصحابه بعد أن كان توسّط للآخرين قومُهم عند معاوية فأطلقهم. وصار حُجْرُ بن عديّ وأصحابه رمزاً للولاء الصّادق، وغَدَت قبورُهم معلمَ إدانةٍ لمعاوية والنّهج الأمويّ المنقلب على الأعقاب. لذلك ما إن قُيّض لأحفاد أبي سفيان ودَعِيّه زياد أن تكون لهم قدرةٌ على النّيل من حُجْر، ولو بعد مقتله بقرونٍ، حتّى نبشوا قبره تصريحاً بعدائهم لنهج أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام، وحقداً على رسول الله صلّى الله عليه وآله.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.