موجز في التّفسير
سورةُ «الشُّورى»
ـــــ من دروس «المركز الإسلاميّ» ـــــ
* السُّورة الثّانية والأربعون في ترتيب سُوَر
المُصحف الشّريف، نزلتْ بعد سورة «فُصِّلت».
* آياتُها ثلاث وخمسون،
وهي مكّيّة، إلَّا آيات منها. تصلّي على قارئها الملائكة، ويستغفرون له، ويترحّمون عليه.
* سُمِّيتْ بـ «الشّورى»،
لقوله عزّ وجلّ في الآية الثّامنة والثّلاثين منها: ﴿..وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..﴾.
|
وذكرتها الرّوايات باسم «حم عسق» وهي الحروف المقطّعة الخمسة في
بدايتها، الّتي قيل إنّها ترمز إلى بعض الأسماء الحسنى لله تعالى –كما سيأتي في
تفسيرها- وقيل إنّها أسماء للسّور الّتي افتُتِحت بها، وقيل غير ذلك.
محتوى السُّورة
«تفسير الميزان»: تتكلّم السّورة حول الوحي الّذي هو نوعُ
تكليمٍ من الله سبحانه لأنبيائه ورسُله كما يدلّ عليه ما في مفتتحها من قوله: ﴿كَذَلِكَ
يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ..﴾ الآية:3، وما في مختتمها من قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا
وَحْيًا..﴾ الآية:51، ورجوع الكلام إليه [الوحي] مرّة بعد أخرى في قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
قُرْآَنًا عَرَبِيًّا..﴾ الآية:7، وقوله: ﴿شَرَعَ
لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا..﴾ الآية:13، وقوله: ﴿اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ..﴾ الآية:17، "..".
فالوحي هو الموضوع الّذي يجري عليه الكلام في السّورة، وما
فيها من التّعرّض لآيات التّوحيد وصفات المؤمنين والكفّار، وما يستقبل كُلّاً من الفريقَين
في معادهم ورجوعهم إلى الله سبحانه مقصودٌ بالقصد الثّاني، وكلامٌ جرّه كلام.
«تفسير الأمثل»: إنّ إطلاق اسم الشّورى على هذه السّورة المباركة
يعود إلى محتوى الآية 38 منها، والّتي تدعو المسلمين إلى المشورة في أمورهم. ولكن بالإضافة
إلى هذا الموضوع، وإلى ما تتضمّنه السّورة من بحوثٍ ومضامين السّور المكّية من بحثٍ
في المبدأ والمعاد، والقرآن والنّبوّة، فإنّها تتناول قضايا أخرى يمكن الإشارة إليها
مختصراً بما يلي من نقاط:
القسم الأوّل: وهو أهمّ أقسام السّورة، يشتمل البحث فيه على قضيّة الوحي
الّذي يمثّل طريق ارتباط الأنبياء عليهم السلام بالله تبارك
وتعالى. والملاحظ أنّ هذا الموضوع يُلقي بظلاله على جميع أجزاء السّورة، فالسّورة تبدأ
بالإشارة إليه وتنتهي به أيضاً. وكامتدادٍ لهذا الموضوع تُثير السّورة بحوثاً حول القرآن،
ونبوّة نبيّ الإسلام، وبداية الرّسالة منذ أيّام نبيّ الله نوح عليه السلام.
القسم الثّاني: إشارات عميقة المعنى إلى دلائل التّوحيد، وآيات الله في
الآفاق والأنفس الّتي تُكمل البحث في موضوع الوحي. وفي هذا القسم ثمّة بحوث حول توحيد
الرّبوبيّة.
القسم الثّالث: في السّورة إشارات إلى قضيّة المعاد، ومصير الكفّار في
القيامة.
القسم الرّابع: مجموعة من البحوث الأخلاقيّة الّتي تعكسها السّورة بشكلٍ
خاصٍّ ودقيقٍ. فهي تدعو أحياناً إلى ملَكات خاصّة، مثل الاستقامة، والتّوبة، والعفو،
والصّبر، وإطفاء نار الغضب. وتنهى في المقابل عن الرّذيلة والطّغيان في مقابل النّعم
الإلهيّة، أو العناد وعبادة الدّنيا، وكذلك تنهى عن الفزع والجزع عند ظهور المشاكل.
ثواب تلاوتها
«تفسير مجمع البيان»: عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «مَن قرأ سورة (حم عسق) كان ممّن تصلّي عليه الملائكة،
ويستغفرون له، ويترحّمون عليه».
عن الإمام الصّادق عليه السلام: «مَن قرأ (حم عسق) بعثه اللهُ يوم القيامة ووجهُه كالقمر ليلةَ البدر،
حتّى يقفَ بين يدَي الله عزّ وجلّ، فيقول: عبدي أدمنتَ قراءة (حم عسق) ولم تدرِ ما
ثوابُها، أما لو دريت ما هي وما ثوابها لَما مللتَ من قراءتها، ولكنْ سأجزيك جزاءك،
أدخلوه الجنّة..».
تفسير آيات منها
بعد ذكر الآية الكريمة، نوردُ ما رُويَ من الحديث الشّريف في تفسيرها نقلاً
عن (تفسير نور الثّقلين) للمحدّث الشّيخ عبد عليّ الحويزيّ رضوان الله عليه.
قوله تعالى: ﴿حم * عسق﴾ الشورى:1-2.
* الإمام الباقر عليه السلام: «قاف، جبلٌ محيط بالدّنيا، من زمرّدة خضراء، فخُضرة السّماء من ذلك الجبل،
وعلمُ كلّ شيء في عسق».
** الإمام الصّادق عليه السّلام: «وأمّا حم عسق، فمعناه: الحكيم، المُثيب، العالم، السّميع، القادر، القويّ».
قوله تعالى: ﴿..وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ..﴾
الشورى:5.
الإمام الصّادق عليه السلام: «يستغفرون لِمَن في الأرض من المؤمنين».
قوله تعالى: ﴿..لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا..﴾
الشورى:7.
النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «أمّ القرى مكّة».
قوله تعالى: ﴿..لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ..﴾ الشورى:11.
الإمام الرّضا عليه السلام: «لو لم يجبْ عليهم أن يعرفوا أنّه ليس كمثله شيءٌ لَجازَ عندهم أن يجريَ
عليه ما يجري على المخلوقين؛ من العجز، والجهل، والتّغيّر، والزّوال، والفناء، والكذب،
والاعتداء. ومَن جازت عليه هذه الأشياءُ لم يؤمَنْ فناؤه، ولم يوثَق بِعدله، ولم يُحقَّق
قولُه وأمرُه، ونهيُه، ووعدُه، ووعيدُه، وثوابُه، وعقابُه. وفي ذلك فساد الخلق وإبطال
الرّبوبيّة».
قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ
لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا..﴾ الشورى:20.
الإمام الصّادق عليه السلام: «المالُ والبنونَ حرثُ الدّنيا، والعملُ الصّالح حرث الآخرة، وقد يجمعُهما
اللهُ لأقوام».
قوله تعالى: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا..﴾
الشورى:23.
* الإمام الحسن عليه السلام: «إنّا من أهل البيت الّذين افترض اللهُ مودّتَهم على كلّ مسلم
".." فاقتراف الحسنة مودّتُنا أهلَ البيت».
** الإمام الباقر عليه السلام: «الاقتراف، التّسليم لنا والصّدق علينا، وألّا يُكذَب علينا».
قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ..﴾ الشورى:26.
الإمام الباقر عليه السلام: «هو المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغَيب، فيقول له المَلَك: آمين، ويقول العزيز
الجبّار: ولك مِثْلا ما سألْتَ بحبّك إيّاه».
قوله تعالى: ﴿وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ
لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ..﴾ الشورى:27.
في الحديث القدسيّ عن النبّيّ صلّى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله جلّ ذكره: «إنّ من عبادي مَن لا يُصلحُه
إلّا السُّقم ولو صحّحْتُه لأفسده، وإنّ من عبادي من لا يُصلحُه إلّا الصّحة ولو أسقمْتُه
لأفسده، وإنّ من عبادي من لا يصلحُه إلّا الغِنى ولو أفقرْتُه لأفسده، وإنّ من عبادي
من لا يُصلحه إلّا الفقر ولو أغنيْتُه لأفسده، وذلك أنّي أدبّرُ عبادي لعلمي بقلوبهم».
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ
مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ..﴾ الشورى:28.
الإمام الرّضا عليه السلام: «بنا يُنزِلُ الغيثَ وينشُرُ الرّحمة».
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ الشورى:30.
* أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس من التواءِ عِرقٍ ولا نكبة حجر، ولا عثرةِ قدمٍ، ولا خَدشِ عُودٍ،
إلّا بذنبٍ ولَما يعفو اللهُ أكثر، فمن عجّل اللهُ عقوبة ذنبِه في الدّنيا فإنّ الله
أجلُّ وأكرمُ وأعظمُ من أن يعود في عقوبته في الآخرة».
** عنه عليه السلام: «ولو أنّهم
استقبلوا ذلك [المصيبة] بالدّعاء والإنابة لَما نزلتْ، ولو أنّهم إذا نزلتْ بهم
النّقمُ وزالت عنهم النّعمُ فزِعوا إلى الله عزّ وجلّ بصدقٍ من نيّاتهم ولم يهِنوا،
ولم يُسرفوا لأصلحَ لهم كلّ فاسد ولَردّ عليهم كلّ صالح».
قوله تعالى: ﴿..وَمَا عِنْدَ الله خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ
آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ الشورى:36.
رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَن أحبّ أن يعلمَ ما له عند الله، فليعلمْ ما لله عنده».
قوله تعالى: ﴿..وَإِذَا
مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ﴾ الشورى:37.
الإمام الباقر عليه السلام: «مَن كظمَ غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا اللهُ قلبَه أمناً وإيماناً
يومَ القيامة ".." ومَن ملَك نفسَه إذا رغِب وإذا رهِب وإذا غضِب، حرّم اللهُ
جسَدَه على النّار».