التّكبُّر والاستكبار
ذهولٌ عن حقيقة النّفس
_____العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس
سرّه_____
الاستكبار
والتّكبُّر مفهومان مذمومان للنّفس البشريّة، بلحاظ أنّهما يمثّلان دعوًى باطلة،
تتنافى مع حقيقة وماهيّة مدّعيهما، وما يمثّله حقيقةً من ذلٍّ وفقرٍ أمام مَن له
العظمة والكبرياء، عزّ وجلَ.
ما
يلي، مقتطفٌ من (تفسير الميزان) للعلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس
سرّه، يلقي الضّوء على معنى التّكبُّر والاستكبار ذاتاً وفعلاً.
قال السّيّد الطّباطبائيّ:
وقوله ﴿..وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ النّحل:49.
الاستكبار والتّكبُّر
من الإنسان أنْ يعدَّ نفسَه كبيراً ويَضعهُ موضعَ الكِبر وليس به، ولذلك يُعَدُّ
في الرَّذائل. لكنَّ التّكبُّر ربَّما يُطلَق على ما للهِ سبحانه من الكبرياء
بالحقِّ، وهو الكبير المُتعال؛ فهو تعالى كبيرٌ مُتكبِّرٌ، وليس يُقال مُستكبرٌ،
ولعلَّ ذلك كذلك اعتباراً باللّفظ، فإنَّ الاستكبار بحسب أصل هيئته طَلَبُ الكِبر،
ولازمُه أن لا يكون ذلك حاصلاً للطّالب من نفسه، وإنَّما يطلبُ الكِبر والعلوّ على
غيره دعوًى، فكان مذموماً.
وأمَّا التّكبُّر،
فهو الظُّهور بالكبرياء، سواء كانت له في نفسِه كما لله سبحانه وهو التّكبُّر الحقّ،
أو لم يكُن له إلّا دعوًى وغروراً كما في غيره. فتبيَّن بذلك أنَّ الاستكبار مذمومٌ
دائماً.
استكبارٌ على الخالق، والمخلوق
أمَّا استكبار
المخلوق على مخلوقٍ آخَر فلأنّ الفقر والحاجة قد استوعبهما جميعاً وشيء منهما لا
يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا لغيره، فاستكبار أحدهما على الآخر خروجٌ منه عن حدِّه،
وتجاوزٌ عن طَوْرِه، وظلمٌ وطغيانٌ.
وأمَّا استكبارُ
المخلوق على الخالق، فلا يتمُّ إلَّا مع دعوى المخلوق الاستقلال والغنى لنفسه
وذهوله عن مقام ربِّه؛ فإنَّ النّسبة بين العبد وربِّه نسبة الذّلّة والعزّة
والفقر والغنى، فما لم يَغفل العبدُ عن هذه النّسبة، ولم يَذهل عن مشاهدة مقامِ ربِّه،
لم يعقلِ استكبارَه على ربِّه؛ فإنَّ الصّغيرَ الوضيعَ القائمَ أمام الكبير المتُعالي
وهو يشاهد صَغار نفسِه وذلّته، وكبرياء مَن هو أمامه وعزّته، لا يتيسَّر له أنْ يَرى
لنفسه كبرياءً وعزّةً، إلَّا أنْ يأخذه غفلةٌ وذهولٌ.
استكبارُ الذّات والفعل
وإذ كان الكبرياء
والعلوّ للهِ جميعاً، فَدَعواه الكبرياء والعلوّ تغلُّبٌ منه على ربّه، وغَصْبٌ
منه لمقامه، واستكبارٌ واستعلاءٌ عليه دعوًى، وهذا هو الاستكبار بحسب الذّات.
ويَتبعُه الاستكبارُ
بحسب الفعل، وهو أن لا يأتمِر بأمره ولا ينتهي عن نهيِه، فإنّه ما لمْ يَرَ لنفسه
إرادةً مستقلّة قُبال الإرادة الإلهيّة مغايرة لها، لم يرَ لنفسِه أنْ يخالفَه في أمرِه
ونهيِه.
وعلى هذا، فقوله ﴿..وَهُمْ
لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ النّحل:49
في تعريف الملائكة، والكلامُ في سياق العبوديّة، دليلٌ على أنّهم لا يَستكبرون على
ربِّهم، فلا يغفلون عنه تعالى، ولا يذهلون عن الشُّعور بمقامه ومشاهدته.
وقد أطلقَ تعالى نفيَ
الاستكبارِ من غيرِ أن يقيِّده بما بِحَسَب الذّات أو بِحَسَب الفعل، فأفاد أنَّهم
لا يستكبرون عليه في ذاتٍ ولا فعلٍ، أي لا يغفلون عنه سبحانه، ولا يستنكفون عن
عبادته، ولا يخالفون عن أمره. ولبيان هذا الإطلاق والشُّمول، عقبه بياناً له بقوله
﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ النّحل:50،
وأشار بذلك إلى نفيِ الاستكبار عنهم ذاتاً وفعلاً.