(سَدادُ العِباد ورَشادُ العُبّاد)
للفقيه العلّامة الشّيخ حسين آل عصفور البَحرانيّ قدّس
سرّه
ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ
الكتاب:
(سَدادُ العِباد ورَشادُ العُبّاد)
المؤلّف:
آية الله الشّيخ حسين آل عصفور الدرّازيّ البحرانيّ (ت:
1216 للهجرة)
تحقيق:
الشّيخ محسن آل عصفور
النّاشر:
محلّاتي، قمّ المقدّسة 1421 للهجرة
يُعتبر كتاب (سداد العِباد
ورشاد العبّاد) لمصنّفه العلّامة المجدِّد الشّيخ حسين آل عصفور الدّرّازيّ
البحرانيّ قدّس سرّه،
المتوفّى عام 1216 للهجرة، من الكُتب الفقهيّة الّتي لها وزنها الخاصّ على الصّعيد
الفقهيّ الشّيعيّ، لكثرة ما ضمّن مصنّفُه بين دفّتيه من فروعٍ فقهيّة، ومسائل وأحكام
جمّة، قلَّما جُمعت في كتابٍ بهذا الحجم، وكلُّ مَن كان من ذوي الاختصاص بالفقه يدرك
هذه الحقيقة بجلاءٍ ووضوح.
هذا المُصنَّف المعمول
على طريقة الرّسالة العمليّة، وإلى جانب كونه رسالة فقهيّة تشتملُ على أهمّ
المسائل في العبادات والمعاملات (من الطّهارة إلى المكاسب)، إلّا أنّ العلّامة
البحرانيّ صبغَ متونَه بالمأثور من المستحبّات والمكروهات، فجاءت المسائل العمليّة
نابضةً بالحياة، تحثّ على إعمال الفكر، وتُحرّك الرّوح بملامستها الفطرة السّليمة،
والوجدان الدّينيّ.
ونظراً إلى أهمّيّة كتاب
(سداد العباد ورشاد العبّاد) وقيمتة العلميّة، فقد أُعيدت طباعته مرّات عديدة، وتناوله
عددٌ من العلماء بالشّرح، منهم:
1- حفيد المؤلّف، الشّيخ
خلف ابن الشّيخ عبد عليّ ابن العلّامة الشّيخ حسين (ت
1273 للهجرة/1856م).
2- الشّيخ عليّ ابن الشّيخ
جعفر أبي المكارم (ت 1364 للهجرة/1944م)
وسمّى شرحه: (السّداد في شرح السّداد).
3- الشّيخ عبد المحسن الدّرازيّ
البحرانيّ (ت 1408 للهجرة/1988م)
وسمّاه (توضيح المفاد في شرح عبارات السّداد).
4- كما قام بصياغته صياغة
جديدة الشّيخ محسن آل عصفور تحت اسم (فقه السّداد الميسّر)، خرج منه جزء في الطّهارة
والصّلاة. ومن بعده الشّيخ حسن ابن الشّيخ أحمد العصفور، صاغه بكماله وتمامه في حلّة
جديدة مبسّطة، تحت اسم (هداية العباد إلى فتاوى صاحب السّداد)، طُبع في قمّ سنة
1427 للهجرة.
الدّاعي إلى تأليف الكتاب
دفع العلّامةَ الشّيخ
حسين البحرانيّ إلى تأليف هذا الكتاب حاجةُ طلّاب العلم إلى الوقوف على فروع
المسائل الفقهيّة، وفي هذا قال في مقدّمة الكتاب: «..قد التَمس منّي مَن هو واجب
الإجابة لسؤاله وكلامه، أن أُؤلّف كتاباً جامعاً لفنون المسائل الفقهيّة الفروعيّة
من مفتَتحه إلى تمامه، ممّا ظهر لديّ من الكتاب والسّنّة المحمّدية، الكاشفة
لأشكال الحكم وإبهامه، لينتفع به المنتهي والمتوسّط والمبتدىء لمطلوبه ومرامه،
ويجعله حجّةً بينه وبين ربّه في فتاويه وأعماله وأحكامه، وقد سمّيتُه (سداد العباد
ورشاد العبّاد)..».
ترتيب الكتاب وتبويبه
يتميّز هذا الكتاب بحُسن
تبوبيه، وبسْط العبارة، وعمق التّحليل من دون التّعقيد في إظهار المسائل الفقهيّة،
ما سَهَّلَ على طلّاب العلم اعتماده، سواء كانوا غايةً في العلم، أو متوسّطين فيه،
أو حتّى مبتدئين. وقد رتّب الفقيه البحرانيّ مؤلّفه على نسق الكُتب الفقهيّة
المعتمدة عند علماء الإماميّة، وفي هذا يقول: «ورتّبتُه طريقةَ الفقهاء لكُتبهم
الفقهيّة، من الطّهارة إلى الحدود والدّيات [لم
يتمّ، انتهى فيه إلى المتاجر والمكاسب]، كتباً مفصّلة
بفصول وأبواب ومسائل، لكمال ترتيبه ونظامه..».
وفي ما يلي نموذجان من
أنماط تناوله للأبواب الفقهيّة:
أ) كتاب
الطّهارة
يبدأ المحقّق
البحرانيّ مؤلّفه (سداد العباد ورشاد العبّاد) بكتاب الطّهارة، شارحاً، في الباب
الأوّل (يسمّيه طرفاً)، معناها، لغةً واصطلاحاً، وعمّا تُستحبّ له؛ كالوضوء للصّلاة
المندوبة، وقراءة القرآن، وحمْل المصحف، ودخول المسجد، وصلاة الجنازة، والسّعي
لقضاء الحاجة، وزيارة المقابر، وعَقيب الحدث لاستمرار الطّهارة واستدامتها، وأفعال
الحجّ كلّها، وعند الغضب، وسجدة الشّكر، ولتكفين الميت، ولذكر الحائض، وغير ذلك ممّا
ذُكر في هذا الباب. أمّا الغُسل، فإلى جانب ما يوجبه، يُستحبّ الإتيان به للجمعة،
ولفرادى شهر رمضان كلّها، وفي كلّ ليلة من العشر الأواخر، وفي اللّيلة الأولى منه،
وفي نصفه، وفي سبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين -أوّل اللّيل
وآخره- وليلة عيد الفطر، ويومَي الفطر والأضحى، وليوم المولد الشّريف، وليوم
الغدير، وليوم دَحْو الأرض، ويوم المباهلة، ويوم عرفة، وفي النّيروز، وليلتَي
النّصف من رجب وشعبان، ولأوّل رجب وآخره، ولزيارة أحد المعصومين عليهم السّلام،
وللاستخارة، ولدخول المدينة المنوّرة، ولحَرمها ومسجدِها وكذا مكّة المكرّمة..
الطّرف الثّاني:
خصّصه المؤلّف للحديث عن أسباب الطّهارة والموجبات لها ونواقضها. الطّرف
الثّالث: في الكيفيّة المتعلّقة بالثّلاثة [أي
الوضوء والغسل والتّيمّم] ويعقد له ثلاثة فصول:
- الفصل الأوّل: في
الوضوء؛ وتجب فيه ثمانية (النّيّة، وغَسل الوجه، وغَسل اليدين، ومسح مقدّم
الرّأس، ومسح الرّجلين، والتّرتيب بين الأعضاء، والموالاة، والمباشرة له بنفسه).
ويلحق به بحثان: الأوّل في مستحبّات الوضوء وسُنَنِه ومكروهاته؛ والثّاني في
أحكامه وفروعه.
- الفصل الثّاني: في
الغُسل؛ وفي ستّة مباحث: الأوّل في الجنابة وكيفيّة الغسل، والثّاني في
أحكام الحيض وأحكام غسله، والثّالث في الاستحاضة، والرّابع في النّفاس، والخامس:
في غسل الأموات وأحكامه، والسّادس في غُسل مسّ الميت.
- الفصل الثّالث: في
التّيمّم؛ وفيه أربعة مباحث: الأوّل في مسوّغه، والثّاني فيما يُتيمّم به،
والثّالث في الاستعمال وبيان وقته، والرّابع في الأحكام والفروع.
- الطّرف الرّابع:
في النّجاسات، وفيه مباحث ثلاثة: الأوّل في عددها وحصرها، والثّاني في المطّهرات، والثّالث
في الأحكام والفروع.
- الطّرف الخامس:
في أحكام المياه؛ وهو مشتملٌ على ثلاثة مباحث: الأوّل في [الماء]
المُطْلَق، والثّاني في المضاف والأسئار [ماء
السّؤر وله أحكامه الخاصّة]، والثّالث في الأحكام
والفروع.
واللّافت في كتاب
الطّهارة، وكذا في بقيّة أبواب الكتاب، اشتماله على مجمل المستحبّات الّتي ترافق
المسألة.
ب) كتاب الصّلاة
ثمّ
ينتقل المؤلّف إلى كتاب الصّلاة، وهو بابٌ طويل، إذ يستغرقُ خُمسَ مساحة الكتاب، فيتحدّث
عنها، لغةً واصطلاحاً، ويشير إلى أعدادها، ومواقيتها، وأحكام القبلة، ولباس
المصلّي، ومكان الصّلاة، وكيفيّة الأذان والإقامة وما يستحبّ فيهما، وعن أركان
الصّلاة، وعن الخَلل فيها وكيفيّة معالجته (الشّكّ والسّهو إلخ...) وكلّ ما له
علاقة بها، أكانت صلاةً منفردة أو جماعة، ويأتي المؤلّف بجملةٍ كبيرةٍ من
المستحبّات، قبل الصّلوات وبعدها، وأنواع المندوبة منها كصلاة جعفر، وصلاة
الزّيارة.
ويستمرّ
المحقِّق البحرانيّ في معالجة بقيّة المسائل المتعارف عليها في رسائل العلماء
المراجع الّتي يعتمدها المقلِّدون.
(السَّداد) في ميزان العلماء
1- يقول عنه صاحب (الذّريعة
إلى تصانيف الشّيعة) الشّيخ آغا بزرك الطّهرانيّ: «متنٌ جامعٌ لفروع المسائل الفقهيّة، برزَ
منه مجلّدٌ في العبادات، ومن كتاب الحجّ غيّر الأسلوب وأتى بالاستدلالات على وجه متوسّط
بين الإيجاز والإطناب، وبرز من المعاملات مجلّدٌ في المتاجر والمكاسب وطائفة من البيوع..».
2- يقول صاحب (أنوار
الوسائل) العلّامة الشّيخ محمّد طاهر آل شبير الخاقانيّ (ت
1406 للهجرة/1986م): «تجده حاوياً لمهمّات الفروع من العبادة
والتّجارة، مع الإشارة إلى الاستدلال والتّفريعات الكثيرة الّتي قلّما يشتمل عليها
كتاب فتوائيّ في عصره وما قارب عصرَه، وتراه مقفلاً في جملة أبوابه، وجوهرة لم تفضّ
في مبانيه».
3- ينقل الشّيخ
محسن آل عصفور، وهو محقّق الطّبعة الحديثة من الكتاب (2000
ميلاديّة)، عن عمّه المرحوم الشّيخ أحمد، أنَّ المرجعَ
الأعلى في زمانه السّيد محسن الحكيم قدّس سرّه،
كان قد طلَب منه أثناء مجاورته وسُكناه في النّجف الأشرف للدّراسة وتردّده عليه في
مجلسه الخاصّ، أن يأتي له بأحد كُتب علماء البحرين الفقهيّة المعروفة، فجلب له نسخةً
من كتاب (السّداد)، فأخذَها وعكفَ على مطالعتها أسبوعاً، ثمّ أرجعها إليه وأثنى
على الكتاب ثناءً متميّزاً.