الموقع ما يزال قيد التجربة
اقتدارُنا، يصنعُ السّلامَ الحقيقيّ
نصّ خطاب الإمام الخامنئيّ دام ظلّه
في لقاءٍ ضمَّ خمسين ألفاً من قادة التّعبئة
من مختلف أنحاء البلاد في مصلّى الإمام الخمينيّ قدّس سرّه.
طهران 20/11/2013
إصدار المركز الإسلاميّ
بيروت – لبنان
1435 للهجرة – 2014 م
المقدّمة
في سياق عنايتِه بالتّحوُّلات والأحداث الكبرى الّتي تمرّ بها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، الّتي تمتدّ لتشمل أرجاء العالم الإسلاميّ اليوم، توجّه وليُّ أمر المسلمين سماحة الإمام السّيّد عليّ الخامنئيّ بخطابٍ شاملٍ أمام حشدٍ ضخمٍ، ضمَّ نحو خمسين ألفاً من قادة التّعبئة وكوادرها، وجرت وقائعُه في مصلّى الإمام الخمينيّ رضوان الله عليه، في طهران، في السّادس عشر من شهر محرّم المنصرم، الموافق لـ (20/11/2013).
برؤيةٍ إجماليّةٍ لهذا الخطاب الّذي يضمّه الملحق، فإنّه خطابُ فصلٍ يعكس عمقَ اللّحظة الرّاهنة وتداعياتها على مستوى إيران، والأمّة، والعالم. بل يمكن أن نمضي في القراءة إلى التّعاطي مع مضمون الخطاب، واللّحظة الّتي أُلقيَ فيها، فضلاً عن طبيعة اللّقاء الاستثنائيّ والخاصّ مع قادة التّعبئة، على أنّه وثيقةٌ في الفكرِ الاستراتيجيّ، تؤسَّس عليها السّياساتُ والرُّؤى والمواقف في ميدان التّعامل مع التّحوّلات الّتي تعيشُها المنطقة حاضراً ومستقبلاً.
لعلَّ السِّمة المميّزة في هذا الخطاب، هي طابعها التّوجيهيّ الشّامل، بما ينطوي عليه من أبعادٍ إيمانيّةٍ، وأخلاقيّةٍ، وفكريّةٍ، وسياسيّةٍ، في زمنٍ يشهدُ العالمُ فيه، ومنطقتُنا الإسلاميّة بوجهٍ خاصّ، أعتى أشكال الاحتدام مع قوى الاستكبارِ العالميّ. فلقد توجَّه سماحةُ الإمام الخامنئيّ بمجموعةٍ من القضايا المفصليّة والعناوين، الّتي تُشكِّل قاعدةَ النّظرِ الاستراتيجيّ لفهم الواقع، وما ينبغي لأبناء الأمّة أن يعملوا عليه للوفاء بشروطِ المواجهة الصّائبة، وتحقيق أهداف الأمّة في الصّمود، والمقاومة، والانتصار.
أمّا العناوين والمفاصل المحوريّة الّتي انبَنَتْ عليها خطبةُ الإمام، فهي التّالية:
- الملحمة الزّينبيّة تضاهي الملحمة الحسينيّة.
- اللّيونة البطوليّة: تحرُّفٌ لقتالٍ، واستمرارٌ لمواجهة.
- النّظامُ الإسلاميُّ في إيران مسالمٌ لجميع الشّعوب، وخصمٌ عنيد للاستكبار الأميركيّ.
- خصائص سياسات الاستكبار الأميركيّ والعالميّ.
- التّعبئة مفخرة النّظام الإسلاميّ.
- دعمُ الحكومة والخطوط الحمراء.
مجمل هذه العناوين الّتي مرَّ ذكرُها، والّتي تؤلِّف بُنيَةَ الخطاب التّوجيهيّ الشّامل، سنجدها على التّفصيل والبيان في هذا الخطاب، حيث ارتأت هيئة تحرير «شعائر» تظهيرَه بملحقٍ خاصٍّ تعميماً للفائدة المُرتجاة من توجيهات سماحة الإمام الخامنئيّ، في هذا الظّرف المَفصليِّ من تاريخ الأمّة والعالم.
«شعائر»
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
والحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على سيِّدِنا ونبيِّنا أبي القاسم المصطفى محمّدٍ وعلى آلِهِ الأطهرين المُنتَجَبين، لا سيَّما بقيَّة الله في الأرض.
السّلامُ عليك يا أبا عبد الله وعلى الأرواحِ الّتي حلَّت بِفِنائكَ، عليكَ منِّي سلامُ الله أبداً ما بقيتُ وبقيَ اللّيلُ والنّهارُ، ولا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العهدِ منّي لزيارتِكُم.
السَّلامُ على الحُسين، وعلى عليّ بنِ الحُسين، وعلى أولادِ الحُسين، وعلى أصحابِ الحُسين، الّذين بَذَلوا مُهَجَهم دون الحسينِ عليهِ السَّلام.
هذا اللّقاء مهمٌّ جدّاً، فالتّعبئة هي مظهرُ عظمةِ الشَّعب والقوّة الذّاتيّة الفعّالة لبلدِنا. ولقاؤنا هذا لقاءٌ للقادةِ، حيث اجتمعتُم هنا بعشراتِ الآلاف، يمكن تقدير الحضور المفعم بالافتخار للتّعبئة الشّعبيّة من خلال هكذا اجتماع، أنتُم مصدرُ رضًى وأملٍ وثقةٍ لأنصار النّظام والثّورة والبلاد، وأنتُم مصدرُ خوفٍ ورعبٍ للأشرار، والأعداء الحاقدين.
الملحمةُ الزّينبيّة تُضاهي الملحمة الحسينيّة
إنّ توافُقَ أسبوع التّعبئة مع هذه الأيّام، الّتي هي أيّامُ الملحمةِ الكُبرى في تاريخ الإسلام، هو توافقٌ مناسبٌ، وفرصةٌ ينبغي اغتنامُها؛ ونعني بالملحمة الكُبرى الّتي ذكرناها، ملحمة (السّيّدة) زينب الكبرى سلامُ الله عليها، والّتي أكملتْ ملحمةَ عاشوراء، بل إنَّ الملحمةَ الّتي سطَّرتها السّيّدةُ زينب الكبرى سلام الله عليها، قد أَحيَت وحفظَت ملحمةَ عاشوراء. لا يمكنُ قياس عَظَمة عملِ السّيّدة زينب الكُبرى عليها السّلام بغيرها من الأحداث التاريخيّة الكبرى، بل يَنبغي – للإنصاف- قياسُها مع واقعةِ عاشوراء نفسها، فإنّهما عِدْلُ بعضهما.
هذه الإنسانة العظيمة، سيّدةُ الإسلام الكُبرى، بل سيّدةُ البشريّة، استطاعَت أنْ تواجِهَ جبلَ المصائب الثّقيل بقامَتِها المُنتَصبة والشّامخة، فلم يَظهر حتّى ارتجافٌ بسيطٌ في صوتِ هذه السّيّدة العظيمة من كلِّ تلك الحوادث، لقد وقَفَت كالقمّة الشّامخة، مرفوعة الهامة في مواجهةِ الأعداء، وكذلك في مواجهةِ المصائب والحوادث المُرَّة، حتّى صارت عِبرةً وأُسوةً ورائدةً وهاديةً؛ في سوق الكوفة وفي حالةِ الأسرِ والسَّبي.
ألقَت تلك الخطبة المدهشة: «يَا أهلَ الكوفة، يَا أهلَ الخَتْلِ وَالغَدرِ، أَتَبْكُون؟! فَلا رَقَأَتِ العَبْرَة وَلَا هَدَأَتِ الزّفرة، إنّما مَثَلُكُم كَمَثَلِ الّتي نَقَضَتْ غَزْلَها من بعدِ قوّةٍ أَنْكَاثاً..»، إلى آخرِ الخطبة.
اللّفظ صلبٌ كالفولاذ، والمعنى سَلِسٌ كالماء يصلُ إلى أعماق الأرواح. في تلك الحال، تكلّمت زينب الكبرى كأميرِ المؤمنين نفسه، زَلزلت القلوبَ والأرواحَ والتّاريخَ، لقد بقي هذا الكلام عبر التّاريخ، أمام النّاس في موكبِ السَّبي. وكذلك بعدها، أمام ابن زياد في الكوفة، وبعد عدّة أسابيع أمام يزيد في الشّام، خطبت بتلك القوّة، فحقّرَت العدوَّ، وكذلك استهانت بالمصائب الّتي فرضها العدوّ: أتريدون أن تغلبوا أهل بيت النّبيّ بخيالكم الباطل وتذلّونهم؟ ﴿..وَللهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..﴾ المنافقون:8.
زينب الكبرى تجسِّد العزّةَ كما كان الحسينُ بن عليٍّ عليهما السّلام في كربلاء يجسِّد العزّةَ في يوم عاشوراء. كانت نظرتُها إلى الحوادث تختلفُ عن نظرةِ الآخَرين، وعلى رغم كلِّ تلك المصائب، حين أراد العدوُّ أنْ يشمتَ بها، قالت: «ما رأيتُ إلّا جميلاً». ما رأتْه كان جميلاً: شهادةً، وألماً، ولكنّه في سبيل الله، لحفظ الإسلام، لإيجاد تيّارٍ على امتداد التّاريخ كي تفهمَ شعوبُ الأمّة الإسلاميّة ماذا ينبغي أن تفعل، وكيف يجب أن تتَحرّك، وكيف يجب أنْ تقفَ وتصمدَ، هذا العمل العظيم للملحمة الزّينبيّة، هذه عزّةُ وليِّ الله.
زينب الكُبرى من أولياءِ الله، عزّتُها هي عزّةُ الإسلام، لقد أعزَّت الإسلامَ والقرآنَ. وبالطّبع فنحن ليس لدينا ذلك الطّموح العالي وتلك الهِمّة نفسها كي نقول أنّ عمل تلك السّيّدة العظيمة هو نموذج لنا، إنّنا أصغر من هذا الكلام، ولكن ينبغي أن تكون حركتُنا دوماً باتّجاه الحركة الزّينبيّة، أنْ تكون همّتُنا نحو عزّةِ الإسلام وعزّة المجتمع الإسلاميّ وعزّة الإنسان، كما فرض الله تعالى من خلال الأحكام الدّينيّة والشّرائع على الأنبياء.
v صبر زينب، والوفاء بالعهد الإلهيّ
ما أودُّ أن أعرضَهُ عليكم بشكلٍ مختصرٍ في القسم الأوّل من کلامي، أيُّها الأعزّاء التّعبويّون والشّباب الغالي، بأنّ أحدَ العوامل المنتجة لهذه الرّوحيّة وهذا الصّبر لدى زينب الكُبرى سلام الله عليها، وسائر الأولياء الإلهيّين الّذين تحرّكوا بهذه الطّريقة، هو الصّدق في التّعاملِ مع العهد الإلهيّ، تقديم القلب بصدقٍ في سبيل الله، هذا مهمٌّ جداً. لقد عُدّ هذا الصّدقُ في القرآن الكريم لازماً للأنبياء الإلهيّين العظام ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ..﴾ الأحزاب:7-8، وهذه «اللّام» في ﴿لِيَسْأَلَ..﴾ هي لامُ العاقبة كما نعبِّر نحن طلّاب العلوم الدّينيّة، ونتيجة هذا العهد «الميثاق» فإنّ الأنبياء سيُسألون عن صدقِهم تجاه هذا الميثاق، أي إنَّ نبيّنا والأنبياء الإلهيّين العظام ينبغي أن يقدِّموا في السّاحة الإلهيّة مستوى صدقِهم، الّذي قاموا به في مقامِ إعمالِ هذا الميثاق الإلهيّ. هذا بالنّسبةِ إلى الأنبياء، كذلك بالنّسبةِ إلى النّاسِ العاديّين والمؤمنين، ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ..﴾ الأحزاب:23-24.
v الصّدقُ والإيمانُ، مقابل الكفر والنّفاق
بالنّسبة إلى الأنبياء العِظام، جُعِل الصّادق النّقطة المقابلة للكافر ﴿..وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ الأحزاب:8، وبالنّسبةِ إلى المؤمنين، فالنّقطة المقابلة للصّادقين هي المنافقون، وفي هذه المسألة أمورٌ ومعانٍ متعدّدة. سيسألوننا، أنا وأنتم، حول الوعدِ والعهدِ الّذي عاهدْنا الله عليه، لدينا معاهدة مع الله تعالى. في هذه الآية الشّريفة- ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ..﴾ الأحزاب:23- هذا العهد الّذي يذكِّر بأنّ المؤمنين قد عاهدوا اللهَ عليه، وبعضُهم قد وفَى به بأحسنِ الوفاء وثَبتت قدماه في طريقه، هو نفسه ذلك العهد الّذي ذُكر قبل عدّةِ آياتٍ من تلك السّورة المباركة حيث يقول: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ..﴾ الأحزاب:15.
ينبغي علينا جميعاً أن نَنتبِه إلى هذه النّقاط: كانوا قد عاهدوا اللهَ بأن لا يَفرّوا من العدوّ وأن لا يُوَلُّوه الأدبار؛ فالتّنازل عن المواقف، والتّراجع الانهزاميّ في مواجهة العدوّ، من جملةِ الأمور الّتي يؤكّد القرآنُ عدمَ القيام بها في الحرب العسكريّة، وفي الحرب السّياسيّة، وفي الحرب الاقتصاديّة، وفي كلِّ مكانٍ فيه اختبارٌ للقوّة، إذاً يجب الوقوف مقابل العدوّ، يجب أن ينتصر عزمُكم على عزمِ العدوّ، يجبُ أنْ تغلبَ إرادتُكم إرادةَ العدوّ، وهذا حصل ويحصل. في ميدان أيّ نوعٍ من الجهاد والمواجهة، فإنّ الانهزامَ وإدارةَ الظّهر للعدوِّ عملٌ ممنوعٌ في نظر الإسلام والقرآن.
«اللّيونة البطوليّة» تحرُّفٌ لقتالٍ
لقد استخدمنا تعبير «اللّيونة البطوليّة»، الأمر الّذي فسَّره البعضُ بمعنى التّخلّي عن الآمال والأهداف الكبرى للنّظام الإسلاميّ، كذلك فإنَّ بعض الأعداء قد اتّخَذوا هذا التّعبير مُستَمسكاً لاتِّهام النّظام الإسلاميّ بالتّراجع عن أصولِه، هذا كلامٌ باطلٌ، وفهمٌ منحرف. اللّيونةُ البطوليّةُ تعني المناورة الفنيّة [الذّكيّة] للوصول إلى الهدف، أي إنَّ سالكَ طريقِ الله - في أيِّ نوعٍ من السّلوك- حين يتحرّك نحو المُثُلِ والأهدافِ الإسلاميّة المتعدّدة والمتنوِّعة، في أيِّ شكلٍ وطريقةٍ، ينبغي عليه أن يستخدمَ أساليبَ متنوّعةً للوصول إلى المقصد. ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ الله..﴾ الأنفال:16؛ كلُّ نوعٍ من أنواع الحركة - سواء للأمام أو الخلف - كميدان الحرب العسكريّة، ينبغي أن يتوجَّه للوصول إلى الأهداف المحدّدة من قبل. هناك أهدافٌ موجودةٌ، والنّظام الإسلاميّ يتابع في كلّ مرحلةٍ أحدَ تلك الأهداف للتّقدّمِ وللوصولِ إلى نقطةِ التّسامي والقمّة، ولبناء الحضارة الإسلاميّة العظيمة. إذاً يجب السّعي للوصول إلى هذا الهدف في هذه المرحلة. بالطّبع فإنَّ وضعَ المراحل قطعةً بعد قطعةٍ، والمشرفون والهُداة والمفكِّرون والمسؤولون المعنيّون، هم الّذين يُحدّدون هذه القطعات، ويصنعون الأهداف، وتبدأ الحركةُ الجماعيّة. يجبُ أنْ يَسعى الجميعُ في كلِّ حركةٍ من كلِّ مرحلةٍ للوصول إلى هدفها؛ هذا هو النّظام الصّحيح للحركةِ المنطقيّة، وهذا ما يجبُ على جميع العاملين في السّاحة السّياسيّة والإدارةِ العامّةِ للبلاد أن يتذكَّروه دوماً، كلُّ النّاس - وأنتم أيُّها الأعزّاء التّعبويّون الفعّالون في ميدان التعّبئة - على الجميع أن يتذكّروا هذا الأمر دوماً.
النّظامُ الإسلاميُّ مسالِمٌ للشّعوب
أن نقول بأنّنا نريد أنْ نتحرَّك، ونتقدّم ونسير إلى الأمام، هل
يعني هذا دعوة النّظام الإسلاميّ للحرب؟ وهل يعني بأنّ النّظام
الإسلاميّ لديه نيّة الصِّدام مع جميع الشّعوب ومع كلِّ دُوَل العالم؟ حيث يُسمع
هذا الكلام أحياناً من أعداء الشّعب الإيرانيّ ومن جملتهم [ما يصدر] من
الفم النّجس لكلبِ المنطقة المسعور في النّظام الصّهيونيّ، حيث يزايدون بأنّ إيران هي تهديدٌ لكلِّ العالم.
كلّا، هذا كلام العدوّ وهو النّقطةُ
المقابلةُ تماماً للمنهج الإسلاميّ؛ نقطة تهديد كلّ العالم إنّما هي قوى الشّرّ والعدوانيّة
والّتي لم تُظهِر إلَّا الشّرّ، ومن جملتها ذلك النّظام المزوّر «إسرائيل» وبعض داعميه. لقد تعلّم النّظامُ الإسلاميُّ درساً من القرآن، الدّرس الّذي
تعلّمه من نبيِّ الإسلام ومن أمير المؤمنين، إنّه درسٌ
آخَر [وليس التّهديد المزعوم]: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ..﴾ النّحل:90، العدالة والإحسان وفعل الخير. قال أميرُ
المؤمنين بأنّه يجب أنْ نُحسِنَ للجميع، فَهُم «إمّا أخٌ لك في الدِّين،
أو نظيرٌ لك في الخَلق»، فهو إمّا أخٌ إسلاميٌّ أو أنّه إنسانٌ، هذا هو منطِقُ
الإسلام. إنّنا نريد أن نخدمَ جميعَ النّاس وأن نَمنَحهم المحبّة، ونريدُ إقامةَ
علاقات صداقةٍ ومحبّةٍ مع كلِّ النّاس والشُّعوب، لا عداءَ لنا أبداً حتّى مع الشّعب
الأميركيّ - مع أنَّ الحكومة الأميركيّة حكومة مُستكبرة ومعادية وسيِّئة وحاقدة
على الشّعب الإيرانيّ ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة
- هو مثل بقيّة الشّعوب، وإنّ النّقطة المقابلة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة هي الاستكبار.
v النّظامُ الإسلاميُّ مُواجِهٌ شديدٌ للاستكبار
إنَّ جهةَ خصومة النّظام الإسلاميّ مع النّظام الاستكباريّ، هي أنّنا نُخالِف الاستكبارَ، نحن نُحارب الاستكبار؛ فالاستكبارُ هو مصطلحٌ قرآنيٌّ، استُخدِم في القرآن لأمثالِ فرعون والمجموعات الشّريرة، والمعادية للحقّ والحقيقة. لقد كان الاستكبارُ موجوداً في جميع العصور، وما زال، وإنَّ هيكلَ الاستكبار هو واحدٌ في كلِّ العصور وحتّى اليوم؛ بالطّبع فإنَّ الأساليب والخصوصيّات والطّرائق تختلف من زمانٍ إلى آخَر؛ فاليوم هناك نظامٌ استكباريٌّ، ورأسُ الاستكبارِ في العالم حكومةُ الولايات المتّحدة الأميركيّة. علينا أن نعرفَ الاستكبار، وأن نعرفَ خصوصيّاته، وأسلوبَ عملِه وتوجُّهاته، كي نحدِّدَ أسلوبَ عملنا في مقابله بشكلٍ حكيمٍ.
نحن نخالف المواجهةَ غير الحكيمة في جميع المجالات، إنّنا نعتقد بأنّ علينا العمل بدرايةٍ وحكمةٍ في جميع الميادين، وجميع مجالاتِ التّخطيطِ والبرمجَةِ، والتّوجُّهات الفرديّة والجمعيّة. إنْ لم نفهم السّاحة، ولم نعرف الصّديقَ ولا العدوَّ، إنْ لم نعرف اليوم نظامَ الهَيمنةِ والاستكبارِ، فكيف يمكننا أنْ نتحرّكَ بحكمةٍ ودِرايةٍ؟ كيف يمكننا أن نخطِّط بشكلٍ سليمٍ؟ لذا فإنَّ علينا أن نعرف [كلّ هذه العوامل].
خصائصُ سياساتِ الاستكبار، ونماذجُ من جرائمِه
ما سأطرحُه حول الاستكبار، عدّة نماذج أو شواخص من تصرّفات النّظام
الاستكباريّ في العالم المُعاصِر، وهو كذلك مُشترَكٌ
مع الكثير من المسائل الّتي أحدَثَها الاستكبارُ القديمُ
في القرونِ الماضية:
1- خاصّيّة «رؤية النّفس أفضل من الآخرين»، وحقّ التّدخُّل:
إحدى خصوصيّات النّظام الاستكباريّ هي «رؤية النّفس أفضل من الآخرين». المجموعات الاستكباريّة - أولئك الأشخاص الّذين هم إمّا على رأسِ بلدٍ ما، أو على رأسِ نظامٍ عالميٍّ، أو مجموعة من البلدان الّتي تُهَيمن على القرار - عندما ترى بأنَّها أفضل من باقي النّاس وباقي المجموعات، عندما تعدُّ نفسَها محوَراً، وأنَّ كلّ ما سواها هو فرعٌ لأصلِها، تَظهر معادلةٌ خاطئةٌ وخطيرةٌ في العلاقات العالميّة؛ فعندما يرى أحدٌ أنّه الأفضل وأنّه هو المحوَر والأصل، فإنّ النّتيجةَ ستكون بأنْ يرى لنفسِه الحقَّ في التّدخُّل في شؤون باقي النّاس وسائر الشّعوب؛ فما يَعتبرُه قيمةً، يجب على الجميع في العالم أن يُسلِّموا به ويقبلوه، ويُحنوا له الرِّقاب. وإذا اعتَبرَ شيئاً ما قيمةً ولم يقبله الآخرون، فإنَّ هذا يعطيه حقّاً بالتّدخُّلِ في شؤونهم، بأنْ يفرضه عليهم وأنْ يضغط عليهم، ويُلزِمَهم ما يريدُ بالقوّة.
رؤيةُ النّفسِ أفضل من الآخرين يبعثُ على الادِّعاء بحقِّ تولّي أمور الشُّعوب، وادِّعاء إدارة العالم؛ فهو يرى بأنَّه رئيسٌ لكلِّ العالم... إنّكم تسمعون كلام المسؤولين الأميركيّين والّذين يتحدّثون عن الحكومة الأميركيّة وكأنّها مالكةٌ زمام جميع البلدان، [يقولون] لا يمكن أن نسمح بهذا العمل، لا يمكن أن ندع الشّخصَ الفلانيّ [يبقى في الحكم أو لا يبقى]! يتحدَّثون حول منطقتنا بشكلٍ يوحي بأنّهم أصحابُ هذه المنطقة، يتحدَّثون عن النّظامِ الصّهيونيِّ وكأنَّ شعوبَ هذه المنطقة مضطرّةٌ إلى القبولِ والاعترافِ بهذا النّظام المُزوّر والمفروض، يتعاملون مع الشّعوبِ المستقلّةِ وكأنّها لا حقَّ لها بالحياة... إنَّ رؤيةَ النّفس أفضل من الآخرين، واعتبارَها ذات مقامٍ خاصٍّ بين مجموعات بني آدم والشّعوب والبشر، هي أساسُ رؤيةِ الاستكبار للآخرين، وأكبرُ مشكلةٍ لديه تجاههم.
2- خاصّيّة عدم قبول الحقّ:
ونتيجة لهذا، تتفرّع خصوصيّةٌ وشاخصٌ آخَر للاستكبار وهو عدم قبول الحقّ؛ فهو لا يَقبل كلامَ الحقّ ولا حقَّ الشّعوب، ويرفض الحقَّ مطلقاً. لطالما حدث هذا في المفاوضات والمباحثات العالميّة، حيث كان يُطرَح كلامُ حقٍّ، لكنَّ أميركا لم تكن تقبله لسببٍ من الأسباب، فكانت تواجهه بالأساليب المختلفة، ولا ترضخ للحقِّ أبداً.
أحد الأمثلة على هذا: المسائل المتعلِّقة بالأنشطة النّوويّة والصّناعات النّوويّة، فهناك كلام حقّ، ولذا فإنّ الإنسانَ إذا كان من أهلِ الحقِّ وأصحابِ الاستدلالِ والمنطِق، فعليه التّسليم مقابل الاستدلال، لكنَّ الاستكبارَ لا يَقبل، يسمعُ الحقَّ ولكنّه لا يَرضخ له، هذه هي إحدى خصوصيّاته، كذلك [هو] لا يقبل بأنّ للشُّعوب حقوقاً، وأنّ لها حقّ أن تختارَ وتنتخبَ مَن تريد، وما تريد من حركةٍ، أو توجّهٍ اقتصاديٍّ، أو اتّخاذ الموقف السّياسيّ الّذي تريدُه. لا يُقِرّ الاستكبارُ بهذا الحقّ للشّعوب، بل يعتقدُ بإجبارِها على ما يُريد.
3- خاصّيّة اعتبار الجرائم مسموحاً بها:
مِن شواخِص الاستعمار والاستكبار الأخرى، اعتبارُ الجرائم مُجازةً ومسموحاً بها ضدّ الشُّعوب والأفراد، وعدم المبالاة تجاهها؛ وهذه إحدى الجنايات الكُبرى للاستكبار في العصر الجديد، أي عصر تطوّر العلم، واختراع الأسلحة الخطيرة، والّتي عندما امتَلكها المستكبرون، صارت سبباً للقضاء على أرواح الشُّعوب الأخرى في العالم.
v نماذج من جرائم الاستكبار
أ) رؤية الاستكبار أنْ لا قيمة لروح الإنسان:
هم لا يَرون أيَّ قيمةٍ لروح الإنسان - أيّ إنسانٍ ليس معهم، ولا يَتبعُهم، ولا يسلِّم لهم - والأمثلةُ على هذا كثيرةٌ إلى ما شاء الله! أحدُ الأمثلة هو تعاملُ المستكبرين مع السّكّان الأصليّين لأميركا، ذلك البلد الّذي يسيطر فيه اليوم شعبٌ غيرُ شعبِه الأصليّ على موارده الماليّة وإمكاناته، وموقعه الجغرافيّ، وعلى كلِّ ما فيه.
ب) صيد البشر واسترقاقُهم؛ سكّانُ أميركا وأستراليا الأصليّون:
لقد كان هناك شعبٌ محلّيٌّ أصيلٌ، كان التّعاملُ معه عنيفاً ووحشيّاً وباعثاً على الاشمئزاز، بحيث أصبح واحدةً من النّقاط السّوداء في تاريخ أميركا الجديدة، هم أنفسهم كتبوا أشياءَ حول هذه المسألة، حول المجازر الّتي ارتكبوها والضُّغوط الّتي مارسوها. والأمرُ نفسُه حصل في أستراليا على يد الإنكليز؛ لقد كان الإنكليز في أستراليا يقومون بصيدِ السّكان المحلّيّين الأصليّين تماماً كحيوانات الكانغورو للتّسلية والتّرفيه! لا يوجد لديهم أيّ قيمةٍ لحياة الإنسان... هذا نموذج وحسب، ويوجد مئاتُ الأمثلة الّتي ذُكرت في كُتبهم، وعند تدوين تاريخهم.
ج) استخدام القنبلة النّوويّة:
نموذجٌ آخَر هو قصفُ الأميركيّين لمدينتَين يابانيّتين بالقنابل النّوويّة في العام 1945م، حيث دمّروهما وأبادوهما بالكامل: قُتل مئات الآلاف، وأضعافٌ مضاعفةٌ قد أُصيبت بالتّشوّهات والعاهات، ووُلِد أطفالٌ معوَّقون ومصابون بأمراضٍ مختلفةٍ، منذ ذلك الوقت وحتّى الآن وما تزال معاناتُهم مستمرّة، لا يوجد أيّ استدلالٍ صحيحٍ لهذا العمل أبداً، وسأشير في ما بعد إلى هذه المسألة.
أَلقوا القنبلة النّوويّة بكلِّ سهولةٍ وبساطةٍ! لقد تمَّ استخدامُ القنابل النّوويّة لمرَّتين حتّى الآن في العالم. وفي المرّتَين على يد الأميركيّين الّذين يَعتبِرون أنفسَهم اليوم مسؤولي [مدراء] القضيّة النّوويّة في العالم! يرغبونَ من أعماق قلوبهم بأن تُنسَى هذه القضيّة، ولكنّها غير قابلة للنّسيان؛ كلّ هذه الضّحايا الّتي فَقدت أرواحَها لا قيمة لها عندهم، روح الإنسان تصبح بلا قيمةٍ، ويُصبح ارتكابُ الجريمةِ سهلاً عند الأجهزة الاستكباريّة. ارتَكَبوا المجازرَ في «فيتنام»، وكذلك فعلت الأجهزة الأمنيّة والشّركات الأمنيّة والعميلة لهم مثل «بلاك ووتر»، والّتي أشرتُ إليها في ذلك العام.
د) قتلُ الأبرياء بالطّائرات، وتعذيب المسجونين:
وفي الباكستان لا تزال الطّائرات دون طيّارٍ ترتكبُ المجازر، وفي
أفغانستان يقصفون ويقتلون، حيثما تصل أيديهم وتقتضي
مصالحُهُم، لا يأبون ارتكابَ الجرائم: جرائم قتلٍ، وجرائم تعذيب. معتقل «غوانتانامو»
الأميركيّ ما يزال يعجّ بالمعتقلين منذ أكثر من عشر سنوات، ما زالوا يحتجزون عدداً من الأشخاص الّذين جرى خطفُهم لاتّهاماتٍ
مختلفةٍ من أماكن متعدِّدةٍ في العالم، وسَجنُهم هناك
دون محاكمةٍ وفي ظروفٍ قاسيةٍ جدّاً، وتعذيبٍ مستمرّ! في العراق، كان سجن «أبو غْريب» واحداً من السّجون الأميركيّة، كانوا
يطلقون الكلاب على المعتقلين ويقومون بتعذيبهم.
هـ) نهب الموارد الحيويّة، مباحٌ
وسهلٌ:
نَهْبُ الموارد الحيويّة للشّعوب بالنّسبة إليهم سهلٌ. خطفُ البشر من ذوي البشرة السّوداء وأَسْرُهم، من الأحداثِ المبكية في التّاريخ، والّتي لا يودّ نظامُ الهيمنةِ في أميركا وأمثالها أن يتمّ إحياؤها وذكرها. [ومنها على سبيل المثال] مسألة خطف العبيد من الرّجال والنّساء من أفريقيا، حيث كانوا يُحضِرون السُّفن من المحيط الأطلسيّ ويرسونها على سواحلِ بلدانِ غرب إفريقيا، مثل غامبيا وغيرها، ثمّ يُنزِلون بنادقَهم وأسلحتهم، الّتي لم يكُن يَمتلِكُها النّاسُ هناك في تلك الأيّام، يخطفون المئات والآلاف من الشّيوخ والشّباب والرّجال والنّساء، وينقلونهم في هذه السُّفن تحت ظروفٍ صعبةٍ جدّاً للاستعباد في أميركا. ذلك الإنسانُ الحرّ الّذي كان يعيش في بيته ومدينته صار أسيراً لديهم، السُّود الّذين يعيشون الآن في أميركا هم من نَسلِ أولئك [الأفارقة]. استمرّت هذه الضّغوط العجيبة من الأميركيّين لعدّة قرونٍ، وهناك كُتبٌ أُلّفت [في هذا المجال]، منها كتاب (الجذور) وهو كتابٌ جيّد ومناسبٌ لإظهار بعض جوانب هذه الفجائع.
كيف يُمكن للإنسان المعاصِر أن ينسى هذه الأمور؟ ومع هذا كلِّه، ما يزال يوجد، حتّى الآن، تمييزٌ بين البيض والسُّود في أميركا.
4- خاصَيّة:
السُّلوك المُنافق والمُخادع
إحدى خصوصيّات الاستكبار والّتي هي من الشّواخص المميِّزة له،
الخداع والسُّلوك المنافق. انتبِهوا إلى هذا! مثل تلك الجرائم
الّتي ذُكرت، يَسعون في إعلامهم إلى تبريرها وأن يُلبِسوا الجريمةَ لباس الخدمة! هذا النّظام الاستكباريّ الّذي يريد السّيطرة
على الشّعوب، يَستخدمُ هذا الأسلوب بشكلٍ عاديٍّ ورائجٍ في جميع أبعاد حياته،
أسلوب تبريرِ الجريمةِ وإلباسها لباس الخدمة.
v من أَوجُه الخداع:
أ) قتلُ النّاس لوقف الحرب: هيروشيما وناكازاكي:
عن ذلك الهجوم على اليابان، والقنبلتَين اللّتين دمّرتا «هيروشيما»
و«ناكازاكي»، يعتذر الأميركيّون ويقولون: صحيحٌ أنَّنا
ألقَينا القنبلتَين على هاتَين المدينتَين، وقُتل عشراتُ الآلاف وربّما مئاتُ الآلاف على الفور، ولكنّ هذا العمل هو ثمنُ
إنهاءِ الحربِ العالميّة الثّانية، ولو لم نَقُم، نحن الأميركيّين،
بإلقاء القنبلتَين لكانت الحربُ قد استمرَّت، فلئن قُتل مائتا ألف إنسانٍ، فهذا أفضل من قتلِ مليونَين [في حال
استمرار الحرب]، وعليه فإنّنا قد قُمنا بخدمةٍ وألقَينا القنابلَ
النّوويّة!
اُنظروا إلى هذا الكلام الّذي يقوله الأميركيّون في إعلامهم الرّسميّ.
والآن بعد مضيِّ حوالي خمس وستّين سنة، ما زالوا يكرِّرون هذا الكلام دائماً، وهذا
من الكلامِ المُخادعِ والمُنافقِ، ومن الأكاذيب العجيبةِ والغريبةِ، والّتي لا تصدرُ إلَّا عن الأجهزةِ الاستكباريّة. لقد أُلقيَتْ هذه
القنابل وانفجرت في هاتَين المدينتَين في صيف العام 1945م، ووقعت
هذه الجريمة، والحال أنّه قبل أربعة أشهرٍ - في أوائل ربيع 1945 - كان هتلر، وهو الرُّكن الأصليّ للحرب، قد انتحر،
وتمّ اعتقالُ موسوليني - رئيس جمهوريّة إيطاليا - وهو الرُّكن الثّاني للحرب قبلها
بيومين، وكانت الحرب قد انتهت عمليّاً، حيث إنَّ اليابان، الرّكن الثّالث للحرب،
قد أعلنت قبل شهرين عن استعدادها للاستسلام. لم يكُن هناكَ حربٌ، ولكنّ
تمّ تفجيرُ هاتين القنبلتين، لماذا؟ لأنَّ السّلاحَ النّوويَّ كان قد صُنِع، وكان يجب أن يُجرَّب في مكانٍ ما، صنعوا
أسلحةً وعليهم اختبارها، فأين يجرِّبونها؟ الحجّةُ الأفضلُ هي التّذرُّعُ
بالحرب، وإلقاءُ هاتَين القنبلتَين على رؤوس النّاس الأبرياء في «هيروشيما» و«ناكازاكي»، ليعرف الأميركيّون هل يعمل
هذا السّلاح النّوويّ بشكلٍ صحيحٍ أم لا! إنّه الوجهُ المخادِع.
ب) القصف الكيميائيّ، وإسقاط
طائرة (300 مسافر):
يَدّعون بأنّهم من أنصارِ البشريّةِ [الإنسانيّة]، يطلقونَ الصّواريخ على طائرةِ ركّابٍ مدنيّةٍ إيرانيّةٍ، يقتلون حوالي ثلاثمائة مسافرٍ بريء. لا يعتذرون. ليس هذا فحسب، وإنّما يقدّمون ميداليّةً لذلك الشّخص الّذي ارتَكَب تلك الجريمة! في الأسابيع الأخيرة، سمعتُم كيف أنّ الأميركيّين - من رئيس جمهوريّتهم إلى باقي المسؤولين- قد افتَعَلوا أزمةً حول استخدام السّلاح الكيميائيّ [في سوريا]. أنا لا أقوم بالحكم في المسألة مَن الّذي استَخدَمه، وإنْ كانت القرائنُ تشيرُ إلى أنَّ المجموعات الإرهابيّة قد استَخدمَت هذا السّلاح، ولكنّهم [الأميركيّون] قالوا بأنّ الحكومةَ السّوريّةَ قد قامت بذلك، وأحدثوا ضجيجاً وتهويلاً بأنَّ استعمالَ السّلاحِ الكيميائيِّ هو خطٌّ أحمر! لقد قال المسؤولون الأميركيّون هذا عشر مرّاتٍ أو أكثر، صحيح! ولكنّ هذه الحكومة الأميركيّة ونظام الولايات المتّحدة نفسه، حين استَخدَم «صدّام» السّلاحَ الكيميائيَّ في حملاته الإجراميّة على إيران، لم يقوموا بأدنى اعتراضٍ على ذلك، بل زوَّدوه بخمسمائة طنٍّ من الموادِّ الكيميائيّة الجاهزة للتّبديل بغاز الخردل- حتّى الآن ما يزال الكثيرُ من شبابنا العزيز، الّذين أصيبوا في تلك الأيّام يعانون من عوارضها، ويتحمّلون الأمراض لسنواتٍ متماديةٍ - لقد استورَدَها صدّام من أميركا الّتي كانت تدعمُه وتساعدُه، وبالطّبع لقد اشترى هكذا أسلحة من أماكن أخرى، ولكن خمسمائة طنٍّ من المواد الكيميائيّة المُنتِجة لغاز الخردل قد استَخدمها، وحين أرادوا إصدارَ قرارٍ ضدّه في مجلس الأمن، مَنعتهم أميركا من ذلك. هذا هو السُّلوك المنافق. هنا يصبحُ [استخدام] السّلاح الكيميائيّ خطّاً أحمر، وهناك، حيث يُستعمل ضدّ نظامٍ إسلاميٍّ مستقلٍّ، ولأنّه في مقابل شعبٍ لا يرضى الخضوعَ لأميركا، يُصبح أمراً جائزاً وينبغي مساعدتُه! هذا بعضٌ من الخصوصيّات والشّواخص، وبالطّبع إنَّ شواخص الاستكبار أكثر من هذا بكثير؛ حيث يثيرُ الحروب، ويزرعُ الفِتَن، ويصارع الدّول المستقلّة، بل إنّه يصارع حتّى شعبَه إذا اقتضت مصالحُ فئةٍ خاصّةٍ ذلك. في حرب صدّام ضدّ إيران، ساعدوه في شتّى أنواع الدّعم المُمكِن، طَرحتُ مثالَ الكيميائيّ، كذلك كانوا يُقدّمون له المعلومات؛ مدير المخابرات في نظام صدّام صرّحَ في ما بعد خلال مقابلةٍ، بأنّه كان يذهب للسّفارة الأميركيّة في بغداد ثلاث مرّاتٍ في الأسبوع، حيث كانوا يُعطونه رزمةً مغلقةً تحوي كلّ المعلومات الاستخباريّة المصوَّرة بالأقمار الصّناعيّة، المتعلّقة بحركة نقل ومواصلات القوّات المسلّحة الإيرانيّة، للاطّلاع على تموضعها. كانوا يقدّمون مساعداتٍ كهذه.
v هيكل الاستكبار مُزمن
النّظامُ الإسلاميُّ يقفُ في مواجهةِ استكبارٍ لديه هكذا خصوصيّات. النّظامُ الإسلاميُّ ليس في مقابل الشّعوب والنّاس، بل في مقابل الاستكبار. وهكذا كان الوضع من زمنِ إبراهيم الخليل، والنّبيّ نوح، والأنبياء العظام، ونبيّ الإسلام وحتّى يومنا هذا: جبهةُ الحقِّ في مقابلِ الاستكبار. لماذا؟ ما هي طبيعة المواجهة اليوم بين النّظامِ الإسلاميِّ والاستكبار؟
إنّ الاستكبارَ بما لديه من الخصوصيّات الّتي ذكرناها، غيرُ قادر على تحمّل نظامٍ إسلاميٍّ كنظامِ الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. لأنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة قد وُجِد في الأصل كاعتراضٍ على الاستكبار، انطَلقت الثّورةُ لِتعارض الاستكبارَ وعملاءَه في إيران، وتشكَّلت على هذا الأساس، ونَمَت وترعرعت وقوِيَت وتحدّت منطقَ الاستكبار. لا يمكنُ للاستكبارِ أن يتحمّل هذا، إلّا حين يُصيبه اليأس. على الشّعب الإيرانيّ، والشّباب الفعّال والحركيِّين، ولأولئك الّذين يؤمنون بوطنِهم وترابِه لأيِّ سببٍ من الأسباب، ولو كان توجُّههم غير إسلاميّ، عليهم أن يوجِدوا اليأسَ عند العدوّ، يجبُ إدخالُ اليأس على [قلب] العدوّ.
v سببُ العداء: استقلاليّة إيران
من الصّعب جدّاً على الجهاز الاستكباريّ، وعلى حكومة الولايات الأميركيّة المتّحدة اليوم، أن ترى أنّه في هذه المنطقةِ الحسّاسةِ من العالم - في غرب آسيا - والّتي هي مِن أكثر المناطق حساسيّةً في العالم، سواء من البُعد السّياسيّ أو البُعد الاقتصاديّ، الأحداث هنا تؤثّر في كلّ العالم؛ يوجد بلدٌ ونظامٌ وشعبٌ قد نهض ولا يَعتبر نفسَه مرتبطاً ولا تابعاً لهذه القوّة العظمى - حيث يعتبر الاستكبار نفسه قوّةً خالدة - يتحرّك النّظامُ باستقلاليّةٍ، ويخالفُ الاستكبارَ بهذا الشّكل، ويتمكّن من تجاوزِ كلّ هذه المشكلات والصّعوبات، وكما اعترفوا هم أنفسهم أنَّ [هذا النّظام الإسلاميّ] قد تحدّى النّفوذَ الأميركيّ في هذه المنطقة، ووسَّع نفوذَه، وأطلّ كنموذجٍ وقدوةٍ لشعوب المنطقة، إنَّ تحمُّلَهم هذا الأمر صعبٌ جداً عليهم.
إنّهم يريدون أن يقولوا بأنّ حياة الشُّعوب تستمرّ إذا اعتمدت على أميركا، والآن قد نهض شعبٌ، ليس فقط لا يعتمد على أميركا، بل إنَّ كلّ عداوات أميركا له لم تستطع أن تؤثِّر فيه، كلُّ ما أقدمت عليه أميركا وفعلَتْه منذ الأيّام الأولى [الانتصار والثّورة] لم تؤثّر في هذا الشّعب، بل نما يوماً بعد يومٍ وأصبح أقوى أكثر فأكثر.
العداوات الّتي أظهرتها حكومةُ الولاياتِ الأميركيّة المتّحدة ورؤساءُ جمهوريّتها المختلفون ضدّ النّظام الإسلاميّ - لا يزعمنَّ أحدٌ بأنّ هذا العمل كان في عهد الرّئيس الفلانيّ، والآن لم يعد يحصل في العهد الحاليِّ، كلّا، جميعهم متشابهون - ومنذ الأيّام الأولى للثّورة، كان في عهود الولايات المتّحدة رؤساء جمهوريّة مختلفون، ولكنّهم من النّوع نفسه. في البداية حرّضوا القوميّات في داخل البلاد، ومن ثمّ حضّروا انقلاباً على الثّورة، بعدها فرضوا على العراق أنْ يَهجم علينا، ثمّ ساعدوا عدوَّنا - الّذي كان نظام صدّام - في الحرب علينا، ثمّ رفعوا راية العقوبات والحَظْر، ومن ثمّ أثاروا كلّ وسائل الإعلام العالميّة للوقوف في مواجهة النّظام الإسلاميّ، وقد حصل هذا في عهود رؤساء مختلفين، وما يزال يحصل حاليّاً.
في عهد رئيس جمهوريّة أميركا الحاليّ، أثناء فتنة سنة 1388 هـجريّ شمسيّ [2009م] كانت إحدى شبكات التّواصل الاجتماعيّ - الّتي كان يمكنها أن تُستخدم لمصلحة الفتنة والمُفتنين- بحاجة إلى صيانةٍ، طلبت الحكومةُ الأميركيّةُ منها أن تؤجّل عمليّة الصّيانة على أمل أن يستطيعوا من خلال هذه الأعمال الإعلاميّة وشبكات «فيس بوك» و«تويتر» وأمثالها، أن يُسقطوا النّظام الإسلاميّ، إنّها أوهامٌ ساذجةٌ حمقاء! لذلك لم يسمحوا لهذه الشّبكة بأن تقوم بأعمال الصّيانة والتّجديد خلال تلك الفترة، لقد جنّدوا كلَّ الوسائل والأدوات للوقوف في مقابل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؛ فالحظر والعقوبات هي من هذا النّوع أيضاً، وإنَّ الحظرَ واحدٌ من هذه الأدوات، والّتي يعتقدون بأنّها ستُلحقُ الهزيمة بنظام الجمهوريّة الإسلاميّة.
إنَّ خطأَهُم هو أنّهم لم يعرفوا الشّعبَ الإيرانيَّ، هؤلاء لم يتعرّفوا إلى عامل الإيمان والانسجام لدى شعبنا، وإنَّ خطأهم هو أنّهم لم يتعلّموا أيَّ درسٍ من زلّاتهم وأخطائهم السّابقة، لذلك كانوا يأملون أن يُركِعوا هذا الشّعبَ بواسطة الحظر والضّغط وما شابه، هيهات! لدى الجمهوريّة الإسلاميّة تجربةٌ مستمرّةٌ طوال 35 سنة، تقول إنَّ اقتدارَ الشّعب وصمودَه هو العامل الوحيد لإبعاد الإزعاج الّذي يسبِّبه العدوّ، هذا هو العاملُ الوحيد الّذي يمكنه أن يدفعَ العدوَّ إلى التّراجع. وبالطّبع، فإنّ العدوَّ هو عدوّ! ويستخدم جميع الأدوات، كما ذكرتُ قد يَستخدم الحظرَ وقد استخدَمه سابقاً. إنَّ علينا أن نعرف ما هو الطّريق الّذي يوصِلُنا إلى الهدف.
التّعبئة مفخرة النّظام الإسلاميّ
سأذكرُ بضعَ كلمات حول التّعبئة، ثمّ سأشيرُ باختصارٍ إلى نقطةٍ
حول المسائل الحاليّة لسياستنا الخارجيّة. إنّ التّعبئة -وكما قلتُ- هي مصدرُ عزّةٍ
للبلاد والنّظام، لماذا؟ لأنَّ معنى التّعبئة هو الحضور وسط النّاس
في مجالاتِ النّشاطات الأساسيّة للشّعب والبلاد. إنَّ كلَّ حكومةٍ وكلَّ بلدٍ يكون فيها الشّعبُ حاضراً، ويتحرّك نحو جهةٍ
محدَّدةٍ، فانتصارُها سيكونُ حتميّاً. هذا أمرٌ مسلَّم. تتعرَّض
البلدان للضّربات والهزائم حين لا يكون الشّعبُ حاضراً في الميدان، وحينما لا يكون الشّعبُ متَّحداً في [ميدان] العمل.
حيثما يتواجدُ الشّعبُ في الميدان، ويوجد اتّحادٌ وانسجامٌ بين
أفراد الشّعب، فإنّ الانتصارَ والتّقدّمَ حتميّان. التّعبئة هي نموذجٌ كهذا، هي مظهرٌ من هذا الحضور الشّعبيّ في
الميدان وتلاحم الشّعوب في ما بينها، ينبغي النّظرُ إلى التّعبئة
بهذه الرّؤية. بالنّسبة إلى الصّدق - الّذي ذكرتُه في مطلعِ كلامي - فإنّ التّعبئة قد أدّت امتحانَ الصِّدق، أثناء الحرب
المفروضة، وذلك في [فترة] الدّفاع المقدّس، والّذي كان الزّمنَ الصّعب [بالنّسبة
لإيران]. وقد نَجَحتْ في امتحانِ الصّدقِ في كلِّ الأماكن، أثبتت منظّمةُ التّعبئة
ومجموعةُ التّعبئة بأنّها تتحلَّى بالصّدق، وبالطّبع فإنّا رأيَنا أنّ التّعبئة غيرُ محصورةٍ بهذا العدد المُنتسِب لمنظَّمة التّعبئة،
يوجد الكثير من الأشخاص ممَّن قلوبهم معكُم، يشجِّعونكم ويؤيِّدونكم
ويكنُّون الاحترامَ والتّقديرَ لكم، وهم ليسوا داخل منظّمة التّعبئة، فإنّهم من
التّعبئة أيضاً، والّذين يعتقدون بقِيَمكم ويحترمونكم، ويحترمون جهودكم وخدماتِكم
وجهادَكم، هم، برأينا، من التّعبئة أيضاً.
v التّعبئة حلَّالة للمشاكل والعُقَد
الحضور في الميدان هو من أهمِّ الأعمال، قدرات التّعبئة هي قدرات حلّالةٌ للمشاكل وللعُقد. اليوم، ولحسن الحظّ، يوجد داخل مجموعة التّعبئة شخصيّاتٌ علميّةٌ بارزةٌ، وشخصيّاتٌ فنّيّةٌ بارزةٌ، وشخصيّاتٌ اجتماعيّةٌ، وشخصيّاتٌ سياسيّةٌ، وناشطون اجتماعيّون، وأفرادٌ مؤثّرون في أوساط النّاس، هم كُثُر وليسوا قلّة. لقد كانت التّعبئة، وحتّى اليوم، مجموعةً إنسانيّةً تتّجهُ نحو الرّشد والتّسامي، وينبغي أن تستمرّ هكذا أيضاً.
v مستلزمات التّعبئة: السّلوكيّة والأخلاقيّة
ما أُوصي به، أنا العبدُ لله، بأنَّه يجبُ تقويةُ مجموعةِ التّعبئة
ورفعُ مستواها، ولهذا مستلزمات:
مستلزماتٌ أخلاقيّة،
وسلوكيّة، وعمليّة. المستلزماتُ الأخلاقيّةُ تعني أن نربّيَ الأخلاقيّات الإسلاميّة الحَسَنة في داخلنا، من جملة هذه الأخلاقيّات الصَّبرُ،
ومنها العفوُ، وكذلك الحِلمُ، وسعةُ الصّدر والتّحمُّلُ، والتّواضعُ...
فلنقوِّ هذه الخصوصيّات في داخلنا. المستلزمات السّلوكيّة هي أن نمارس
هذه الأخلاقيّات الحسنة عمليّاً مع النّاس، ومع المحيط والمجتمع والآخرين. كان الإمامُ الصّادق عليه السّلام يوصي أصحابَه
بأنْ يتصرّفوا مع النّاس بحيث يقول كلُّ مَن يراهم:
هؤلاء أنصار الإمام الصّادق عليه السّلام، ويترحَّمون على الإمام، فيكون الأصحاب
مبعثاً للتّعلّق والإعجاب بالإمام عليه السلام.
إنَّ سلوكَكُم أيُّها الأعزّاء التّعبويّون، فرداً فرداً، أنتُم أيُّها الشّباب وأيُّها الطّاهرون، أصحابُ القلوب الصّافية والمنيرة، ينبغي أن يكونَ سلوكُ كلّ واحدٍ منكم مع النّاس - وكما ذكرتُ لكم، فإنَّ الكثير منهم هم تعبئة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة - على نحوٍ يقول الآخرون عندَه: هؤلاء هم الّذين ربّاهم النّظامُ الإسلاميُّ، [هم] مصدرٌ لِجَذبِ المحبّة والاحترام للنّظام الإسلاميّ والجمهوريّة الإسلاميّة. هذه المستلزمات العمليّة والجهاديّة والاجتماعيّة هي أعمالٌ يجب أنْ تُنجَز، أي تقوية الخصال الحسنة في أنفسِنا، والتّعامل الحنون والخدوم المحبَّب مع المحيط، والعمل الجدّيّ في جميع الجبهات -جبهة العلم، وكذلك جبهة الأنشطة والخدمات للنّاس، وجبهة العمل، وجبهة السّياسة، وجبهة الإنتاج- حيثما كانَ لكُم حضورٌ، فلنعمل بشكلٍ جدّيٍّ دون إحساسٍ بالتّعب، ومع تجنّب الكسل.
هذا الجمعُ العظيم- عشرات آلاف القادة ممَّن اجتمعتُم اليوم هنا- باستطاعته أن يحرّك البلاد بالمعنى الحقيقيِّ للكلمة، في جميع الجهات الإيجابيّة، وأن يكون مصدراً للاستقرار والثّبات، وعاملاً لِهيبة النّظام، والحمد لله هو كذلك. إنّ التّعبئةَ اليوم هي مصدرٌ لِهَيبة النّظام وافتخاره.
دعمُ الحكومة والمسؤولين، ورعايةُ الخطوط الحمراء
هناك نقطة أذكرُها أيضاً في ما يتعلّق بالمسائل الأخيرة، وهذه المناقشات في ساحة السّياسة الخارجيّة، والمسائل النّوويّة، والحوار والمفاوضات، وما شابه.
أوّلاً، أنا العبد، أؤكِّدُ دعمَ المسؤولين المُلقى على عاتقِهم الأعمال التّنفيذيّة، لقد دعمتُ جميع الحكومات، إنّني أدعم المسؤولين - المسؤولين في الدّاخل وفي الخارج - وهذا هو واجبنا. لقد كنتُ شخصيّاً مسؤولاً تنفيذيّاً، كنت وسطَ الميدان، أحسستُ بثقلِ العمل وصعوبتِه بكلّ وجودي، وأعرف أنّ عملَ إدارةِ البلاد هو عملٌ صعبٌ، لذلك فإنّهم [المسؤولون التّنفيذيون في الحكومة] بحاجةٍ إلى المساعدة، وأنا كذلك أساعدُهم وأدعمُهم. هذا جانبٌ من القضيّة، وهو حتميّ.
من الجانبِ الآخَر، أؤكِّد إحقاقَ حقوق الشّعب الإيرانيّ ومن جملتها الحقوق النّوويّة؛ إنّنا نصرّ بألّا تَراجعَ عن حقوق الشّعب الإيرانيّ ولو بمقدارِ خطوةٍ واحدةٍ، بالطّبع، فنحن لا نتدخّل في تفاصيل هذه المفاوضات، يوجد خطوطٌ حمراء، هناك حدودٌ ويجب أنْ تُراعى، لقد قلنا هذا للمسؤولين، وواجبهم أن يُراعوا هذه الحدود، وألّا يكون لديهم أيّ وهمٍ ورهبةٍ من تهويلات الأعداء والمخالفين، وألّا يَسمحوا للخوف بالتّسلّل إلى أنفسهم.
v الحظر = الحقد الاستكباريّ لأميركا
على الجميع أنْ يعلموا بأنّ الحظر الّذي فُرض على الشّعب الإيرانيّ، سببُه الرّئيسيّ هو الحقد الاستكباريّ لأميركا؛ إنَّ حقدَ أميركا يُشبِه «حقد الجمل». إنّهم يعتقدون بأنّ ضغوطهم قد تجعل الشّعبَ الإيرانيَّ يستسلِم، إنّهم مُخطئون، لن يَستسلمَ الشّعبُ الإيرانيُّ لأحدٍ. أنتُم [أيّها الأميركيّون] لا تعرفون هذا الشّعب، إنّه شعبٌ قادرٌ، بِحَول الله وقوَّته، أنْ يتحمّلَ ضغوطكم وتهديداتكم، وأنْ يبدِّلَها إلى فرصةٍ له، وهذا ما سيفعله الشَّعبُ الإيرانيُّ بتوفيقٍ من الله.
كان لدينا في مجال التّخطيط الاقتصاديّ والبرمجة الاقتصاديّة نقاطُ ضعفٍ، وهذه النّقاط سمحت للعدوّ بأنْ يَشعر بأنّه يستطيع النّفوذ من خلال الحظر والعقوبات وما شابه، هذه فرصة لنا كي نتعرّف إلى نقاط ضعفنا ونُزيلها، وإن شاء اللهُ سنزيلها.
v فشلُ الحظر ولّدَ التّهديد العسكريّ
ولذلك فإنّ الحظرَ ليس فعّالاً [مُجدياً] بالنّسبة إلى أميركا، وأنا أظنّ أنّهم يعلمون هذا؛ والدّليل على قولنا بأنّهم يعلمون بأنَّ الحظرَ والعقوبات ليست فعّالة، أنّهم يُلوِّحون بالتّهديد العسكريّ. حسنٌ، إن كان الحظرُ يحقِّق هدفكُم فلماذا تهدِّدون عسكريّاً؟ هذا يدلّ على أنَّ العقوبات لا تحقّق هدفهم ولا تفيدهُم، وبالتّالي فهم مضطرّون أن يطلقوا التّهديدات العسكريّة، وبالطّبع فإنَّ تهديداتهم هي عملٌ باعثٌ على الاشمئزاز والمزيد من الكراهيةِ لهم، يهدّدون وبشكلٍ متتالٍ، فليذهب رئيسُ جمهوريّتهم، أو المسؤول الفلانيّ والنّاطق الفلانيّ -عوضاً عن إطلاق التّهديد والوعيد- وليُصلحوا اقتصادَهم المُنهار، اذهبوا وقوموا بعملٍ لا تضطرّ حكومتُكم معه إلى التّعطيل لأكثر من أسبوعين، اذهبوا وسدِّدوا ديونَكم، فكّروا بطريقةٍ لتنظيم عملكم الاقتصاديّ.
v نحن أصدقاء مسالمون للشُّعوب
فليعلموا -كما قلنا سابقاً- أنَّ الشّعبَ الإيرانيَّ هو مع كلِّ
شعوب الدُّنيا، «إمّا أخٌ لك في الدِّين، أو نظيرٌ لك في الخَلق»، ويحترمُ الآخَرين، لكنّ تعاملَ الشّعب
الإيرانيّ مع المُعتدي سيجعله يندم على اعتدائه، إنّه سيوجِّه
للمُعتدي صفعةً لن ينساها أبداً. هم يعتبرون أنفسهم مُلزَمين، أمامَ النّظام الصّهيونيّ وشركاتِهم الرّأسماليّة
الصّهيونيّة، بإطلاق بعضَ الكلمات بين حينٍ وآخَر، وأنْ ينطقوا بأمورٍ هي مصدرُ وَهنٍ وذِلّةٍ لهم أيضاً. إنَّ
النّظامَ الصّهيونيَّ في الحقيقة نظامٌ أُسُسه متزلزلةٌ جدّاً،
النّظام الصّهيونيّ محكومٌ بالزّوال، النّظام الصّهيونيّ هو نظامٌ تمّ فرضُه وإيجادُه بالقوّة، لا يوجد ظاهرةٌ أو كائنٌ
يمكنُ أن يستمرَّ ويبقى إذا فُرِضَ بالقوّة، وهذا النّظام ليس
قابلاً للبقاء.
v ذِلّة فرنسا أمام الصّهاينة
إنّ دفاع بعض الأشخاص الّذين هم مَدينون بشكلٍ أو بآخَر للشّركات الرّأسماليّة الصّهيونيّة، عن هذا النّظام الصّهيونيّ المشؤوم، إنّما هو إراقةٌ لماءِ وجوههم. بعضُ الأوروبّيّين الّذين يَتملّقون، وللأسف يذهبون ليتملّقوا أمام هذه الموجودات الّتي لا يليق بها حتّى اسم الإنسان - زعماء النّظام الصّهيونيّ في الحقيقة هم مثل الوحوش، ولا يمكن إطلاق اسم الإنسان عليهم - إنَّ هؤلاء [الأوروبّيّين] يُحقِّرون أنفسهم ويُهينون شعوبهم. في أوروبّا وفي يومٍ من الأيّام، كان لشعبِ فرنسا اعتبارٌ، لأنَّ رئيسَ جمهوريّتها في ذلك الزّمن قد رَفضَ انضمامَ إنكلترا إلى السّوق الأوروبّيّة المشتركة بسبب تَبَعيّة إنكلترا لأميركا. صارَ هذا مصدرُ اعتبارٍ لفرنسا. لقد زادت قيمةُ حكومة فرنسا حينها لأنّها وقفت في مقابل أميركا ولم تسمح لإنكلترا - الّتي كانت تابعة لأميركا - بالانضمام للسّوق الأوروبّيّة المشتركة. إنّ قيمةَ شعبٍ ما واعتبارَه يتحقّقان من خلال هكذا مواقف. والآن، فإنّ مسؤولي ذاك البلد لا يخضعون فقط لأميركا، بل إنّهم يذهبون لتحقيرِ أنفسهِم وإهانتِها أمام الصّهاينة الأنجاس المناحيس. إنّ هذا مظهرٌ لهوانِ الشّعب الفرنسيّ، وبالطّبع فإنّ عليه أن يعالج الأمر.
يا شباب اليوم، المستقبل بأيديكم
هناك جملةٌ أقولها لكم أيُّها الشّباب الأعزّاء:
أيُّها الشّباب! اعلَموا دونَ أيّ تردّدٍ، بأنَّ المستقبلَ المنيرَ والمؤمَّلَ لهذا البلد وهذا النّظام متعلّقٌ بكم، سوف تتمكّنون من الوصول ببلدِكُم وشعبِكُم إلى ذروةِ الافتخار، ستبنون -بتوفيقٍ إلهيٍّ- نموذجاً ومثالاً كاملاً للحضارة الإسلاميّة الجديدة على أرض هذه البلاد ومائها، ولكي تُنجزوا هذه الواجبات الكُبرى ينبغي أن تنشروا في ما بينَكم الدِّينَ، والتّقوى، والعفَّةَ، والطّهارةَ الرّوحيّةَ أكثر فأكثر، وأن تُعَزِّزوا هذا التّوجّه.
إنّ شبابَ اليوم
يحتاج إلى الدِّين، والتّقوى، والعلمِ، ونشاطِ العمل، والأمانةِ، والعفّةِ، وكذلك إلى تقديمِ الخدمات الاجتماعيّة، وممارسةِ الرّياضة، هذه خصوصيّاتٌ
يحتاجُ إليها الشّبابُ المُعاصِر، وإن شاء الله ستوفّقون يا أعزّائي التّعبويّين
للقيام بهذا العمل.
أللّهمَّ! بمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ أَنْزِلْ بركاتِكَ على هذا الجَمع وعلى كلّ التّعبويّين.
أللّهمّ! سدِّد الشّعبَ الإيرانيَّ للوصول إلى قِمَمِ الشّموخ يوماً بعد يومٍ.
أللّهمَّ! بمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ أَرْضِ الرّوحَ المُطهّرةَ للإمام عنّا وعن هذا الجَمع.
أللّهمَّ! بمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ أَرْضِ القلبَ المقدَّسَ لوليّ العَصر عنّا، وعَجِّل في فرجِ ذلك العظيم.
اِجعلْنا من أَنصارِه والمُجاهدين معَه والمستَشهَدين بين يدَيه.
والسّلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه.
0
أيـــــــــــــــــــــــــن الرَّجبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــون؟ يستحب في شهر رجب قراءة سورة التوحيد عشرة آلا مرة..
يدعوكم المركز الإسلامي- حسينية الصديقة الكبرى عليها السلام للمشاركة في مجالس ليالي شهر رمضان لعام 1433 هجرية. تبدأ المجالس الساعة التاسعة والنصف مساء ولمدة ساعة ونصف. وفي ليالي الإحياء يستمر المجلس إلى قريب الفجر. نلتمس دعوات المؤمنين.