اِجلسْ يا مَيثم، أَوَكُلُّ علمٍ يَحتملُه عالِمٌ؟
قومٌ مالت أرواحُهُم إلى معرفتِنا.. والبحثِ عن أمرنا
-----العلّامة المجلسيّ قدّس
سرّه-----
أوردَ العلّامة الشّيخ محمّد باقر
المجلسي رضوان الله عليه في الباب السّادس والعشرين من الجزء الثّاني من موسوعة
(بحار الأنوار)، ستة عشرة ومائة رواية في أنّ حديث المعصومين عليهم السّلام صعبٌ
مُستصعب، وأنّ كلامَهم ذو وجوهٍ كثيرة، وكذا في فضل التّسليم لهم والتّدبُّر في
أخبارهم والنّهي عن ردّها.
ما يلي، أربع روايات نقلاً عن (رجال
الكشّيّ)، و(رياض الجنان) للفارسيّ، و(بشارة المصطفى) للطّبري الإمامي، والشّيخ
محمّد بن علي الجباعيّ الجدّ الأعلى للشّيخ البهائي العاملي.
(رجال الكشّيّ): حمدويه، عن الحسن بن موسى، عن
إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن منصور، عن عليّ بن سويد السّائيّ، قال: كتب إليّ
أبو الحسن [الإمام الكاظم]
عليه السّلام، وهو في الحَبس:
أمّا
بعد، فإنّك امرؤٌ نزَّلك اللهُ من آل محمَّدٍ بمنزلةٍ خاصّةٍ بما ألهَمَك من رُشدِكَ،
وبصَّرك من أمرِ دِينِكَ بتفضيلِهم، وردِّ الأمور إليهم، والرِّضا بما قالوا.. [إلى
أن قال عليه السلام]
وادعُ
إلى صراط ربِّك فينا مَن رَجَوْتَ إجابتَه، ووالِ آلَ محمّدٍ، ولا تقُل لِما بَلَغَك
عنّا أو نُسِب إلينا: هذا باطل، وإنْ كنتَ تعرفُ خلافَه، فإنّك لا تدري لِمَ قلناه،
وعلى أيِّ وجهٍ وَصفناه؟
آمِن
بما أخبرتُك، ولا تُفْشِ ما استَكتمتُك، أُخبركَ أنَّ مِن أوْجَب حقِّ أخيك أن لا
تَكتمهُ شيئاً ينفعُه، لا مِن دنياه ولا مِن آخرتِه.
قَومٌ خُلِقوا من
طينةِ محمّدٍ وذرّيّته صلّى الله عليهم
من كتاب (رياض الجنان)
لفضل الله بن محمود الفارسيّ، روى المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السّلام،
أنّه قال:
إنَّ
أمرَنا صعبٌ مُستصعبٌ، لا يَحتملهُ إلَّا صدورٌ مشرقةٌ، وقلوبٌ منيرةٌ، وأفئدةٌ
سليمةٌ، وأخلاقٌ حسَنةٌ، لأنَّ اللهَ قد أخذَ على شيعتِنا الميثاقَ؛ فمَن وَفى لنا
وَفى اللهُ له بالجنّة، ومَن أبغضَنا ولم يؤدِّ إلينا حقَّنا فهو في النَّار، وإنَّ
عندنا سرّاً من الله ما كلَّفَ اللهُ به أحداً غيرَنا، ثمَّ أمَرَنا بتبليغه فبلَّغناه،
فلم نجِد له أهلاً ولا موضعاً ولا حَمَلَةً يحملونه، حتّى خلَقَ اللهُ لذلك قوماً
خُلِقوا من طينةِ محمّدٍ وذرّيّته صلّى الله عليهم، ومِن نورِهم صَنَعَهُم اللهُ
بفضلِ صُنْعِ رحمتِه، فبلَّغناهم عن الله ما أَمَرَنا، فقَبلوه واحتَملوا ذلك ولم
تَضطرب قلوبُهم، ومالت أرواحُهُم إلى معرفتِنا وسرِّنا، والبحثِ عن أمرنا. وإنَّ
اللهَ خلَقَ أقواماً للنّار وأَمَرَنا أنْ نبلِّغَهم ذلك فبلَّغناه، فاشمأَزَّتْ
قلوبُهم منه ونَفروا عنه، وردُّوه علينا ولم يَحتملوه، وكَذَّبوا به وطَبَعَ اللهُ
على قلوبهم، ثمَّ أطلقَ ألسنتَهم ببعض الحقِّ؛ فهم يَنطقون به لفظاً وقلوبُهم مُنكِرةٌ
له.
ثمَّ بكى عليه السّلام
ورفع يدَيه، وقال: أللَّهُمَّ إنَّ هذه الشّرذمة
المُطيعين لأمرِك قليلون؛ أللَّهُمَّ فاجعَل مَحياهُم مَحيانا ومَماتَهم مَماتنا،
ولا تُسلِّط عليهم عدوّاً، فإنَّك إنْ سَلَّطْتَ عليهم عدوّاً لنْ تُعْبَد.
فأبشِروا ثمَّ
أبْشِروا
(بشارة المصطفى): محمّد
بن عليّ بن عبد الصّمد، عن أبيه، عن جدِّه، عن أبي الحسين بن أبي الطّيّب، عن أحمد
بن القاسم الهاشميّ، عن عيسى، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، عن صالح بن ميثم [التّمّار]،
عن أبيه، قال:
بينما أنا في السُّوق
إذ أتاني أَصبَغُ بن نباتة، فقال: وَيحك يا ميثم، لقد سمعتُ من أمير المؤمنين عليّ
بن أبي طالب عليه السّلام حديثاً صعباً شديداً، فأيُّنا نكونُ كذلك؟
قلت: وما هو؟
قال: سمعتُه يقول: إنّ حديثَنا أهلَ البيت صعبٌ مُستصعبٌ، لا يحتملُه إلَّا مَلَكٌ
مقرَّبٌ، أو نبيٌّ مُرسَلٌ، أو عبدٌ امتحنَ اللهُ قلبَه للأيمان.
فقمْتُ من فورتي
فأتيتُ عليّاً عليه السّلام، فقلت: يا أميرَ المؤمنين، حديثٌ أخبَرَني به الأصبغ
عنكَ قد ضقْتُ به ذرعاً.
قال: وما هو؟ فأخبرتُه.
قال: فتبسَّم ثمَّ
قال: اجلسْ يا ميثم، أَوَكُلُّ علمٍ يَحتملُه عالِمٌ؟
إنَّ اللهَ تعالى قال لملائكتِه: ﴿..إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ
وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ البقرة:30. فهل
رأيتَ الملائكةَ احتَمَلوا العِلمَ؟
قال: قلت: هذه وَاللهِ
أعظمُ من ذلك.
قال: والأخرى أنَّ موسى عليه السّلام أَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ
عليه التَّوراة، فَظَنَّ أنْ لا أحدَ أعلمُ منه، فأخبَره اللهُ عزَّ وجلَّ أنَّ في
خَلقي من هو أعلمُ منك، وذاك إذ خافَ على نبيِّه العُجْبَ، قال: فدعا ربَّه أنْ يرشدَه إلى العالِم، قال: فجمَع اللهُ بينه وبين الخِضْر؛ فخَرَقَ السَّفينةَ
فلم يَحتمِل ذاكَ موسى، وقَتَلَ الغُلامَ فلم يحتَمله، وأقامَ الجدارَ فلم يَحتَمله.
وأمَّا المؤمنون، فإنَّ نبيَّنا صلّى الله عليه وآله أَخذَ يوم غديرِ خُمٍّ بيدي،
فقال: أللَّهُمَّ مَن كنتُ مولاه فإنَّ عليّاً مَولاه، فهل رأيْتَ احتملوا ذلك إلَّا
مَن عَصَمَهُ اللهُ منهم؟ فأَبشِروا ثمَّ أبشِروا، فإنَّ الله تعالى قد خصَّكُم
بما لمْ يخصَّ به الملائكة والنّبيّين والمرسلين في ما احتَملتُم من أمرِ رسول
الله صلّى الله عليه وآلِه وعِلمِه.
* أقول [العلّامة
المجلسي]: وجدتُ في كتاب (سُلَيْم بن قيس) أنَّ
عليّ بن الحسين عليهما السّلام، قال لأبان بن أبي عيّاش: يا أخا عبدِ قَيس، فإنْ وضحَ لك أمرٌ فاقبَله، وإلَّا فاسكُتْ
تَسلَم، ورُدَّ علمَه إلى الله، فإنّك في أوسع ممّا بين السّماء والأرض.
لا تقولوا: لِمَ صنعَ
كذا وكذا، فتُشرِكوا
ووجدتُ [الكلام
للمجلسيّ] بخطِّ الشّيخ محمّد بن عليّ الجباعيّ
قدّس سرّه، نقلاً من كتاب (البصائر) لسعد بن عبد الله بن أبي خلَف القمّيّ، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان،
عن عبد الله الكاهليّ، عن أبي عبد الله عليه السّلام، أنّه تلا هذه الآية: ﴿فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾
النّساء:65.
فقال: لو أنَّ قوماً عَبدوا اللهَ وحدَه، ثمَّ قالوا لشيءٍ صَنَعَه
رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: لِمَ صَنَع كذا وكذا؟ أو لو صَنَعَ كذا وكذا خلافَ
الّذي صَنَع، لكانوا بذلك مشركين.
ثمّ قال: لو أنَّهم عبدوا اللهَ ووَحَّدوه ثمّ قالوا لشَيءٍ صَنَعَهُ
رسولُ الله صلّى الله عليه وآله: لِمَ صنعَ كذا وكذا؟ ووجدوا ذلك من أنفسهم لكانوا
بذلك مشركين. ثمَّ قرأ الآية.