وصيّة للفقيه
الحكيم الشّيخ محمّد مؤمن الشّيرازيّ
القلبُ رئيسُ الجَوارح، وبأمره تتوجّه إلى المفاسد والمَصالح
عليكم
بالصّمت، وكَظْم الغَيظ، وبرِّ الوالدَين
ـــــ إعداد:
ياور أميري* ـــــ
وصيّة أخلاقيّة
مقتبسة من كتاب (مجالس الأخيار) للفقيه الحكيم الشّيخ محمّد مؤمن بن محمّد قاسم
الشّيرازيّ
الجزائريّ، المتوفّى سنة 1130 للهجرة، والمدفون في الهند. وكتاب (المجالس) في سبعة
فصول، خصّص الحكيم الشّيرازيّ الخامسَ منها لترجمة نفسه، وسمّاه (زهرة الحياة
الدّنيا)، وفي آخره أورد هذه الوصيّة.
عدّه السّيّد محسن الأمين في (أعيان
الشّيعة) من العلماء العُرَفاء، ومن أعاظم نبلاء عصر العلّامة المجلسيّ الثّاني، وذكرَ
من كُتُبه (مقامات العارفين في شرح منازل السّالكين)، و(خزانة الخيال) وغيرهما.
يا إخواني المؤمنين
والشّركاء في طلبِ اليقين، أُوصيكُم بتهذيب النّفس فإنّه فرضٌ واجبٌ، وجهادُها أمرٌ
(لازمٌ)، ولا يكونُ ذلك إلَّا بالاعتناء بملاحظتِها ومواظبتِها على الخَير، ومحافظتها
ورَدْعِها عن الضَّير، ومزيد التّوجُّه إلى تَقْواها عن المعاصي والمحرّمات، وتَرْكِ
الرّذائل والمُستَقبحَات، وتَحلِيَتها بعد تلك التّخلية بالأعمال الصّالحات، والتّخلّق
بالمكارمِ ومحاسنِ الصِّفات، وصرفِ الأفكار عمّا يُوجِبُ الخِزْيَ والنّار.
فإنَّ القلبَ رئيسُ
الجوارح وبأمرِه تتوجَّه إلى المفاسد والمصالح، فإذا كَثُرَ الفكرُ في شيءٍ نَطَقَ
به اللّسانُ، وإذا كَثُرَ القولُ في شيءٍ توجَّه إليه الأعضاءُ والأركانُ، فالسّعيدُ
مَن صَرَفَها في مصالحه، وتوجَّه إلى المثوبات بقلبِه وجوارِحه.
1- فعليكم بالتّقوى! بالتّقوى! بالتّقوى! والوَرَع
والزُّهد والعمل للأُخرى:
فقد قال اللهُ
تعالى: ﴿..إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ..﴾ الحجرات:13. و﴿..واتَّقُوا اللهَ
حَقَّ تُقَاتِهِ..﴾ آل عمران:102. و﴿..فَاتَّقُوا اللهَ
يَا أُولِي الْأَلْبَابِ..﴾ المائدة:100. و﴿فاتَّقُوا اللهَ
مَا اسْتَطَعْتُمْ..﴾ التغابن:16. ﴿..إِنَّ اللهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ آل عمران:76. و﴿..أَنَّ اللهَ
مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ البقرة:194. وقال اللهُ تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا
مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ النحل:97.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «تُوبُوا إلى اللهِ
قبلَ أنْ تَمُوتُوا، وبادِرُوا بالأعْمالِ الصَّالِحةِ قبلَ أنْ تُشْغَلُوا، وأَصْلِحُوا
الّذي بَينكُم وبينَ رَبِّكُم تَسْعَدوا».
2-
وعليكُم بِحُسْنِ الخُلُق:
فهو الّذي وَصَفَ
به اللهُ سبحانه نبيَّه الكريم، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ
عَظِيمٍ﴾ القلم:4.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «أَحَبُّكُم إلى
اللهِ أَحْسَنُكُم خُلُقَاً».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «الخُلُقُ السّيِّئ يُفسِدُ
العَملَ كَما يُفسِدُ الخَلُّ العَسَلَ».
3- وعليكُم بالمواظَبة على السُّنّةِ النَّبويَّةِ
والنَّوافل، لا سِيَّما قيام اللّيل:
فقد قال الله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى
أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ الإسراء:79.
4-
وعليكُم بِصِلَةِ الرَّحِم:
قال سبحانه: ﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23.
وقال رسول الله
صلّى الله عليه وآله: «ألَا أَدُلُّكُمْ
عَلَى خَيْرِ أَخْلَاقِ أهلِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ؛ مَنْ عَفَى عَمَّن ظَلَمَهُ، أوْ
وَصَلَ مَنْ قَطَعَهُ، أوْ أَعْطَى مَنْ حَرَمَهُ».
5- وعليكم بصِلة السّادات:
قال اللهُ تعالى:
﴿..قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ
عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى..﴾ الشورى:23.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «إنّي شافعٌ
يومَ القيامةِ لأربعةِ أصنافٍ وَلَو جاؤوا بذنوبِ أهلِ الدّنيا: رجلٌ نصرَ ذرّيّتي،
ورجلٌ بذلَ مالَه لذُرّيّتي عند المَضيق، ورجلٌ أَحَبَّ ذرّيّتي باللّسانِ وبالقلب،
ورجلٌ يَسعى في حوائج ذرّيّتي إذا طُرِدوا أو شُرِّدوا».
6- وعليكُم ببرِّ الوالدَين:
قال اللهُ تعالى:
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا..﴾ البقرة:83. وقال: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ
مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ الإسراء:23 - 24.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «مَن أَحَبَّ
أن يكونَ أطولَ النّاس عُمراً، فَلْيَبِرَّ والدَيه، وَلْيَصِلْ رَحِمَه، وَلْيُحْسِنْ
إلى جَارِه».
وقال صلّى الله
عليه وآله: «مَن يضمنْ لي بِرَّ الوالدَين وصِلَةَ الرَّحِم، أَضمنْ له كَثرةَ المال،
وزيادةَ العمر، والمحبَّةَ في العَشيرة».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «ما مِنْ ولَدٍ بارٍّ يَنظُرُ إلى وَالدَيْه نَظَرَةَ رَحمَةٍ، إلّا كانَ لَهُ
بِكُلِّ نَظْرَةٍ حِجَّةٌ مَبْرُورَةٌ».
7- وعليكم بحبِّ الفقراء ومواساتهم:
قال الله تعالى:
﴿لِلْفُقَرَاءِ
الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ
يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ
لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا..﴾. البقرة:273. وقال: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ..﴾ الأنعام:52.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «أللَّهُمَّ
أحْيِنِي مِسْكيناً، وأمِتْنِي مِسكيناً، واحْشُرْنِي في زُمْرَةِ المَساكِين».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «الفَقْرُ فَخْرِي وبِهِ أفْتَخِرُ».
8- وعليكُم بالدُّعاءِ والابتهالِ إلى الله تعالى:
قال سبحانه: ﴿..ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ..﴾ غافر:60. ﴿.. فَإِنِّي قَرِيبٌ
أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ..﴾ البقرة:186. ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ..﴾ النمل:62.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «الدُّعاءُ
سِلاحُ المُؤمِن».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «ما مِن مُسلِمٍ يَدعو اللهَ بدعاءٍ إلّا يَستَجيبُ لَهُ، فإمّا
أنْ يُعجَّلَ في الدُّنيا، وإمّا أنْ يُدَّخَرَ للآخرةِ، وإمّا أنْ يُكفَّرَ مِن ذُنوبِهِ».
9- وعليكُم بالصَّبرِ على كلِّ حالٍ:
فقد قال اللهُ
سبحانه: ﴿..إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ
بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ الزّمر:10. ﴿..وَاللهُ يُحِبُّ
الصَّابِرِينَ﴾ آل عمران:146. ﴿..وَاصْبِرُوا إِنَّ
اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ الأنفال:46.
وقال أمير المؤمنين
عليه السلام: «أيُّهَا
النَّاسُ عَلَيْكُم بالصَّبْرِ، فَإنَّهُ لا دِينَ لِمَنْ لا صَبْرَ لَهُ».
10- وعليكم بالإخلاص في الأعمال والصّدق في الأقوال:
قال الله تعالى:
﴿وَمَا أُمِرُوا
إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ..﴾ البيّنه:5.
وقال رسول الله
صلّى الله عليه وآله: «الصِّدْقُ
يَهْدِي إلَى الْبِرِّ، وَالْبِرُّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «إنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا
يَنْظُرُ إلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».
11-
وعليكم بالتَّوكُّل على الله في جميع الأمور:
قال الله تعالى:
﴿..وَعَلَى اللهِ
فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ المائدة:23. ﴿..إِنَّ اللهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ آل عمران:159. ﴿..وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ
شَيْءٍ قَدْرًا﴾ الطلاق:3.
وقال رسول الله
صلّى الله عليه وآله: «مَنْ أحَبَّ
أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ».
وقال أمير
المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام: «مَنْ وَثَقَ
باللهِ أرَاهُ السُّرُورَ، ومَنْ تَوَكَّلَ عَلَيه كَفَاهُ الأُمورَ».
12- وعليكُم بإعانةِ المُؤمنين:
قال الله تعالى:
﴿..ويُؤْثِرُونَ
عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الحشر:9.
وقال رسولُ اللهِ
صلّى الله عليه وآله: «مَنْ أَكْرَمَ
غَرِيباً في غُرْبَتِهِ، أو نَفَّسَ عنهُ أو أَطْعَمَهُ أوْ سَقَاهُ شرْبَةً، أوْ ضَحكَ
في وَجْهِهِ، فَلَهُ الجَنَّة».
13- وعليكم بالعدلِ عند الأحكام:
قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ
ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ النحل:90. ﴿..وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..﴾ النساء:58. ﴿..وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى..﴾ المائده:8.
وقال رسول الله
صلّى الله عليه وآله: «عَدْلُ ساعَةٍ
خَيرٌ مِنْ عبادةِ سَبعينَ سنةٍ».
14- وعليكم بالصَّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وآله:
قال الله تعالى:
﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ
يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيمًا﴾ الأحزاب:56.
وقال رسولُ الله
صلّى الله عليه وآله: «مَنْ صَلَّى
عَلَيَّ مَرَّةً، لَمْ تَبْقَ مِن ذُنُوبِهِ ذَرَّةٌ».
وقال صلّى
الله عليه وآله: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ مَرَّةً، فَتَحَ اللهُ عليه باباً مِنَ العَافيَةِ».
".."
فهذه موعظةٌ كافيةٌ
شافيةٌ، ونصيحةٌ مُنجِيَةٌ وافيةٌ، بها يَتَّعِظُ مَنِ اهتَدى، والسَّلامُ على مَنِ
اتَّبَعَ الهُدى.
* نقلاً عن كتابه
(أربعون رسالة عرفانيّة)