لا تَظلِم النَّبيَّ الأعظمَ
بسوءِ فِعلِك، وقبيحِ عملِك
إِنَّكَ بِمُتابَعَتِكَ هوًى واحداً مِنْ
أَهْواءِ النَّفْسِ، توقِعُها في عَدَدٍ مِنَ المَفاسِدِ، وَمِنْ ثَمَّ سَوْفَ تُبْتَلى
بِآلافِ المَهالِكِ، حَتّى تَنْغَلِقَ، لا سَمَحَ اللهُ، جَميعُ طُرُقِ الحَقِّ بِوَجْهِكَ
في آخِرِ لَحَظاتِ حَياتِكَ، كَما أَخْبَرَ اللهُ تَعالى بِذَلِكَ في نَصِّ كِتابِهِ
الكَريمِ. ".."
لَوْ سارَ الإِنْسانُ في مِثْلِ هَذِهِ
الطَّريقِ المَخُوفَةِ، المَحْفوفَةِ بِالمَخاطِرِ، مِمّا قَدْ يُلْقي بِهِ إِلى هُوَّةِ
الفَناءِ وَيَجْعَلُهُ مَوْضِعَ عُقوقِ أَبيهِ الحَقيقيِّ، أَيِ النَّبِيِّ الكَريمِ
صلّى
الله عليه وآله، ويَجْعَلُ نَبِيَّهُ، الّذي هُوَ رَحْمَةٌ لِلْعالَمينَ، ساخِطاً عَلَيْهِ.
فَما أَشَدَّ تَعاسَتَهُ، وَما أَكْثَرَ المَصائِبَ وَالبَلايا الّتي يُخبِّئُها لَهُ
الغَيْبُ!
فَإِذا كُنْتَ عَلى صِلَةٍ بِرَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وَإِذا كُنْتَ تُحِبُّ أَميرَ المُؤْمِنينَ
عليه
السّلام، وَإِذا كُنْتَ مِنْ مُحِبِّي أولادِهِما الطّاهِرينَ، فَاسْعَ لِكَيْ
تُزيلَ عَنْ قُلوبِهِمُ المُبارَكَةِ القَلَقَ وَالاضْطِرابَ.
جاءَ في القُرْآنِ الكَريمِ: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ
مَعَكَ..﴾ هود:112. وَجاءَ في الحَديثِ الشَّريفِ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وآله، قالَ: «شَيَّبَتْنِي سُورَةُ
هُودٍ»، لِمَكانِ هَذِهِ الآيَةِ.
يَقولُ الشَّيْخُ العارِفُ الكامِلُ
الشّاهُ آبادِيُّ، روحي فِداهُ: «هَذا، عَلى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ
قَدْ جاءَتْ في سورَةِ (الشّورى) أَيْضاً، وَلَكْن مِنْ دون ﴿..وَمَـنْ تَـابَ
مَـَعكَ﴾، إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ خَصَّ سورةَ (هود) بِالذِّكْرِ، وَالسَّبَبُ أَنَّ
اللهَ تَعالَى طَلَبَ مِنْهُ اسْتقامَةَ الأُمَّةِ أَيْضاً، فَكانَ يَخْشى ألّا يَتَحَقَّقَ
ذَلِكَ الطَّلَبُ، وَإلَّا فَإنَّهُ بِذاتِهِ كانَ أَشَدَّ ما يَكونُ اسْتِقامَةً،
بَلْ لَقَدْ كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مِثالَ العَدْلِ وَالاسْتِقامَةِ».
إِذاً، يا أَخي، إِذا كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ مِنْ
أَتْباعِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله، وَتُريدُ أنْ تُحَقِّقَ هَدَفَهُ، فَاعْمَلْ
عَلى أَنْ لا تُخْجِلَهُ بِقَبيحِ عَمَلِكَ، وَسوءِ فِعْلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ
إِذا كانَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلادِكَ أَو مِنَ المُقرَّبينَ إِلَيْكَ يَعْمَلُ القَبيحَ
وَغَيْرَ المُناسِبِ مِنَ الأَعْمالِ الّتي تَتعارَضُ وَشَأنَكَ، فَكَمْ سَيَكونُ
ذَلِكَ مَدْعاةً لِخَجَلِكَ مِنَ النّاس، وَسَبَباً في طَأْطَأَةِ رَأْسِكَ أَمامَهُمْ؟
وَلا بُدَّ أَنْ تَعْلمَ أَنَّ رَسولَ اللهِ صلّى الله عليه وآله، وَعَلِيّاً عليه السَّلام، هُما أَبَوَا هَذِهِ الأُمَّةِ بِنَصِّ
ما قالَهُ النَّبِيُّ الكَريمُ: «أَنـا وَعَلِـيٌّ أَبَـوا هَذِهِ الأُمَّـةِ».
فَلَوْ أُحْضِرْنا في حَضْرَةِ رَبِّ
العالَمينَ يَوْمَ الحِسابِ، وَأَمامَ نَبِيِّنا وَأَئِمَّتِنا، وَلَمْ يَكُنْ في
كِتابِ أَعْمالِنا سِوى القَبيحِ مِنَ الأَعْمال، فَإِنَّ ذَلِكَ سَوْف يَصْعُبُ عَلَيْهِمْ،
وَلَسَوْفَ يَشْعُرونَ بِالخَجَلِ في حَضْرَةِ اللهِ تَعالَى وَالمَلائِكَةِ وَالأَنْبِياءِ.
وَهَذا هُوَ الظُّلْمُ العَظيمُ الّذي نَكونُ قَدِ ارْتَكَبْناهُ بِحَقِّهِمْ، وَإنَّها
لَمُصيبَةٌ عُظْمَى نُبْتَلَى بِها، وَلا نَعْلَمُ ما الَّذي سَيَفْعَلُهُ اللهُ بِنا؟
فَيا أَيُّها الإِنْسانُ الظَّلومُ الجَهولُ،
يا مَنْ تَظْلِمُ نَفْسَك! كَيْفَ تُكافِئُ أَوْلِياءَكَ الّذينَ بَذَلوا أَمْوالَهُمْ
وَأَرْواحَهُمْ في سَبيلِ هِدايَتِكَ، وَتَحَمَّلُوا أَشَدَّ المَصائِبِ، وَأَفْظَعَ
القَتْلِ، وَأَقْسى السَّبْيِ لِنِسائِهِمْ وَأَطْفالِهِمْ مِنْ أَجْلِ إِرْشادِكَ
وَنَجاتِكَ؟ فَبَدَلاً مِنْ أَنْ تَشْكُرَهُمْ عَلى ما فَعَلوا، وَتَحْفَظَ لَهُمْ
أَيادِيَهُمُ البَيْضاءَ نَحْوَك، تَقومُ بِظُلْمِهِمْ ظَنّاً مِنْكَ أَنَّكَ إِنَّما
تَظْلِمُ نَفْسَكَ وَحْدَها! اسْتَيْقِظْ مِنْ نَوْمِ الغَفْلَةِ، وَاخْجَلْ مِنْ
نَفْسِكَ، وَاتْرُكْهُمْ يُعانونَ الظُّلْمَ الّذي تَحمَّلوهُ مِنْ أَعْداءِ الدِّينِ،
مِنْ دونِ أَنْ تُضيفَ عَلى ظُلامَتِهِمْ ظُلامَةً أُخْرى، لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنَ
المُحِبِّ أَشَدُّ أَلَماً وَأَكْثَرُ قُبْحاً!