العمل
كلُّ
فعلٍ مقصودٍ تحقّقَ في الخارج
ـــــ الشّيخ حسن
المصطفويّ*
ـــــ
العمل:
هو إيجادُ الأثرِ في الشّيء، يُقال: فلانٌ يعملُ الطّينَ خزَفاً، ويعملُ الخُوصَ
زنبيلاً [الخُوص ورق النّخيل، والزّنبيل
السّلّة]، ولا يُقال: يفعلُ ذلك، لأنّ فعلَ ذلك
الشّيء هو إيجادُه. هكذا في (الفروق اللّغويّة).
وفي
(مفردات الرّاغب): إنّ العملَ هو كلُّ فعلٍ يكون من الحيوان بقصدٍ، فهو أخصُّ من
الفعل، لأنّ الفعل قد يُنسَب إلى الحيوانات الَّتي يقع منها فعلٌ بغير قصدٍ، وقد يُنسَب
إلى الجمادات، والعمل قلَّما يُنسَب إلى ذلك، ولم يُستعمَل العمل في الحيوانات إلَّا
في قولهم: «البقر العوامل».
والتّحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يتظاهرُ من الفعل في الخارج. وسبق في الشّأن:
إنّ الإفاضات والإظهارات الخارجيّة باقتضاء الحالات الباطنيّة، من جهة أنّها منتسبةٌ
إلى الفاعل وبلحاظ الصّدور: يطلَق عليها الشّأن، وإذا لوحظت منتسبةً إلى جانب
الوقوع والتّحقّق في الخارج، يُطلَق عليها العمل.
فالعمل:
ما يكون واقعاً في الخارج من الفعل، إذا لوحظ من حيث هو واقعٌ ومتحقّقٌ. وهو أيضاً
عبارة عن صدور الفعل باختيار، وإيجادِه عن قصد، وهو مخصوصٌ بالإنسان وكلٍّ من
الحيوان في مورد قدرته واختياره.
أنواعُ العمل
من
أنواع العمل:
* العملُ من الله عزّ وجلّ: هو
إيجادُه تعالى أمراً بمقتَضى المورد والمقام، كما في قوله سبحانه: ﴿وَقُلْ
لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ
وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ هود:121-122.
* العمل الصّالح: كما في الآية: ﴿..وَيُبَشِّرُ
الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾
الإسراء:9.
* العمل السَّيّئ: كما في الآية: ﴿..فَلا
يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ القصص:84.
* مطلَق العمل: كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ
كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ..﴾ هود:111.
﴿..وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ..﴾ البقرة:139.
فالعمل،
إذاً، هو ما يتكوّن ويتحصّل من الفعل الاختياريّ، من حيوانٍ، أو إنسانٍ، أو جنٍّ،
أو شيطانٍ؛ فإنّ الاختيار هو من آثار القدرة. وكلُّ عملٍ - صالحاً كان أو سيّئاً -
فله أثرٌ طبيعيّ، وأثرٌ جزائيٌّ وإلهيّ.
***
والعملُ
الصّالح مرحلةٌ أوّليّةٌ من مرحلتَي الكمال والسّعادة الإنسانيّة، ويُوجب
صفاءً ونقاءً وطهارةً في الحواسّ والأعضاء الظّاهريّة.
﴿..فَمَنْ
كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّه ِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَلا يُشْرِكْ
بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ الكهف:110.
﴿فَأَمَّا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي
رَحْمَتِهِ..﴾ الجاثية:30.
﴿مَنْ
عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً
طَيِّبَةً..﴾ النّحل:97.
﴿وَمَنْ
تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّه ُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً﴾ الفرقان:71.
والمرحلة
الثّانية: خلوصُ الباطن وإخلاصُ القلب وتزكيةُ النّفس،
وهو المرادُ بقوله تعالى: ﴿..وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ الكهف:110.
وأمّا
العملُ السّيّئ: فهو يمنع عن التّوبة والتّوجّه إلى الله
تعالى، ويبقى صاحبُه في درجة البهائم محروماً عن التّوجّهات والألطاف الرّوحانيّة،
وما له من الحياة إلَّا حياةٌ حيوانيّةٌ مادّيّة، وعيشٌ ظاهريٌّ بدَنيّ. ﴿أَمْ
حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا..﴾ العنكبوت:4.
﴿..إِنَّ
اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾ يونس:81.
نعم،
إنّ العمل السّيّئ لا يزيد صاحبه إلَّا بعداً وخساراً، ولا يُجزَى إلَّا بمثلها،
كما قال تعالى:
﴿وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ الزلزلة:8.
﴿..كَذلِكَ
يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ..﴾ البقرة:167.
* من كتابه: (التّحقيق
في كلمات القرآن الكريم) بتصرّف بسيط