«كَنْزُ
الفَوائد»
للفقيه الشّيخ الكَراجكيّ الطّرابلسيّ
ـــــ قراءة: سلام ياسين ـــــ
الكتاب:
كنز الفوائد (مجلّدان).
المؤلّف:
القاضي الشّيخ أبو الفتح، محمّد بن عليّ الكراجكيّ الطّرابلسيّ (ت:
449 هجريّة).
تحقيق:
الشّيخ عبد الله نعمة العامليّ.
النّاشر: «دار الأضواء»،
بيروت 1405 للهجرة.
كتاب (كنز الفوائد) من أشهر كُتب القاضي
الشّيخ أبي الفتح، محمّد بن عليّ الكراجكيّ، وهو من أجلَّة المُحدّثين والفقهاء والمتكلّمين،
كان مُلمّاً بعلوم عصره من الطّبّ والفلسفة والرّياضيّات والفلك. وقد جال الشّيخ الكراجكيّ
في عدّة بلدان لطلبِ العلم ونشرِه، وأخذَ عن جماعةٍ من أعلام الفقهاء، في مقدّمهم:
الشّيخ المفيد، والشّريف المرتضى.
ولشهرة الكتاب وذيوعِ صِيته، بات
مؤلِّفُه يُعرف بـ (صاحب كنز الفوائد)؛ يقول الشّيخ آقا بزرك الطّهرانيّ، في
موسوعته (الذّريعة إلى تصانيف الشّيعة)، عن الكتاب: «(كنز الفوائد)، كبيرٌ في خمسة
أجزاء [الطّبعة القديمة] في فنون مختلفة، وتفاسير آيات كثيرة، للشّيخ أبي
الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ، المتوفّى 449 هجريّة، عملَه لابن عمّه، وهو
مشتملٌ على أخبار مرويّة، ونكاتٍ مستحسَنة، وعدّة مختصرات عملَها مستقلّة..».
وكان الكتاب قد طُبع لأوّل مرّة على الحجر
في إيران سنة 1322 هجرّية، ثمّ أعادت (دار الأضواء) في بيروت طبعَه على الحروف في جزأين،
بتحقيق الشّيخ عبد الله نعمة، معتمداً في عمله على النّسخة الحجَريّة المذكورة فقط.
ثمّ أعادت (دار الذّخائر) في مدينة قم طبعه بالتّصوير على طبعة دار الأضواء، وصدر فيها سنة 1410 هجريّة.
يتحدّث الشّيخ عبد الله نعمة في مقدّمة
التّحقيق عن مميّزات الكتاب، فيقول: «فهو ينبوعُ مَعين، تأخذُ منه وتستفيدُ مختلفُ
الطّبقات، وعلى مختلف اتّجاهاتهم العلميّة والثّقافيّة، ويمتازُ، بالإضافة الى ذلك،
في تناوله أمّهات مسائل إسلاميّة وفلسفيّة بالبحث والدّراسة العميقة، ويُسهب في
عرضها ومناقشتها، وتفنيدِ ما حولها من آراء أخرى، ويُدلي بالأدلّة والبراهين
العقليّة والعلميّة على صحّة ما يذهبُ إليه.
كما يمتازُ بأسلوبه الواضح الخِلو من
التّعقيد حتّى في أدقّ المسائل الفكريّة التي عرضَها في كتابه وناقشها، كمسألة (حدوث
العالم) ومسألة (الحال) التي يقول بها المعتزلة، ومسألة (الكسب) الأشعريّة،
والمسائل الخلافيّة بين السّنّة والشّيعة كالإمامة، والعصمة، وسواها».
إلى أن يقول الشّيخ نعمة: «وميزةُ أسلوب
الكراجكيّ في هذا الكتاب بأنّه أسلوبٌ تعليميّ، ومن هنا تجدُه يُسهب أحياناً كثيرةً
في بيان ما يريد، وفي مقام النّقد والمناقشة». ويردف قائلاً: «وهذا الكتاب يعكسُ
اهتماماتِ العلماء والمفكّرين في المسائل المطروحة في عصرهم، والتي أخذت كثيراً من
جوانب تفكيرهم، وكانت محورَ نزاعاتهم ومناظراتهم».
هذا – وكما أشار الشّيخ الطّهرانيّ في
(الذّريعة) - فقد ضمّن المؤلِّفُ كتابَه (كنز الفوائد) بعض رسائله المستقلّة،
فأدرجَها فيه، وطُبع بعضُها منفرداً، ومنها: (مختصر من الكلام في أنّ للحوادث أوّلاً)
– (الذّخرُ للمعاد في صحيح الاعتقاد) – (الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين عليه السّلام وأولاده الكرام) – (في وجوب الإمامة) –
(التّذكرة بأصول الفقه) – (البرهان على طول عمر صاحب الزّمان عليه السّلام) – (رسالة في مسح الرِّجلين في الوضوء)
– (التّنبيه على حقيقة البلاغة) – (الإيضاح بين طريقَي الزّيديّة والإماميّة) – (الرّدّ
على الغلاة) – (الرّدّ على المنجّمين) – (تفضيل الأنبياء على الملائكة).
نماذج من الكتاب
* قال
الشّيخ الكراجكيّ في فصل (في معرفة أسماء الله تعالى وحقيقتها):
«فأمّا
أسماءُ الله تعالى كلّها فعائدةٌ إلى الصّفات، لأنّها دالّةٌ على معانٍ، ومتضمّنةٌ
لفوائد، وليس فيها اسمٌ يخلو من ذلك ويجري مَجرى اللّقب، إنّما وُضع [اللّقب] على شخصٍ تقعُ الإشارةُ إليه ليُفرَّقَ
بينه وبين ما شاركَه في جنسِه من الأشخاص المتماثلة، ولمّا كان اللهُ تعالى يجلُّ عن
المجانسة ويرتفعُ عن المماثلة، استحالَ أن يكون في أسمائه لقبٌ، ووجبَ أن يكون جميعُها
مفيداً للمعاني كما تُفيد الصّفات..».
* وقال
في فصل (أنّ الله تعالى لا يكلّفُ عبادَه ما لا يُطيقون):
«الذي
يدلُّ على أنّ الله تعالى لا يفعلُ ذلك، أنّا وجدَنا قد قبّحَه في عقولنا، لا لعلّةٍ
من نهي أو غيره، بل جعلَ العقولَ شاهدةً بأنّه قبيحٌ لنفسه، وما كان قبيحاً لنفسِه
لا للنّهي عنه، فلن يجوزَ أن يفعلَه فاعلٌ إلّا وقد خرجَ من كونه حكيماً، ولو جازَ
أن يكلّفنا سبحانه وتعالى ما لا نطيق، لجاز أن يكلّفَ الأعمى النّظرَ، والأخرسَ النّطقَ،
والزّمِنَ العدْوَ، ولجازَ أن يكلّف السّيّدُ منّا عبدَه ذلك، ويعاقبَه على ما لا يقدرُ
عليه، وهذا كلُّه واضحُ البطلان..».
* وفي
فصل (من البيان في إعجاز القرآن) يقول:
«فمن
ذلك عجزُ بُلغاء العرب عن الإتيان بمثلِه في فصاحته ونَظمه، مع علمهم بأنّ النّبيّ
صلّى
الله عليه وآله قد جعلَه علَماً على صدقِه، وسُماعُهم للتّحدّي فيه على أن يأتوا بسورةٍ
من مثله، هذا مع اجتهادِهم في دفعِ ما أتى به صلّى الله عليه وآله، وتوفُّر دواعيهم
إلى إبطالِ أمرِه وفَلِّ جمعِه، واستفراغِ مقدورِهم في أذيّته، وتعذيبِ أصحابه، وطردِ
المؤمنين به، ثمّ ما فعلوه بعدَ ذلك من بذل النّفوس والأموالِ في حربِه، والحرصِ على
إهلاكه مع علمِهم بأنّ ذلك لا يشهدُ بكذبِه، ولا فيه إبطالُ الحجّة، ولا يقومُ مقامَ
معارضتِه في ما جعلَه دلالةً على صدقِه، وتحدّاهم على الإتيان بمثلِه، وقد كانوا قوماً
فصحاءَ حكماءَ عُقلاءَ خُصماء، لا يصبرون على التّقريعِ ولا يتغاضون عن التّعجيز، وعاداتُهم
معروفةٌ في الشّرع إلى الافتخار، وتحدّي بعضِهم لبعضٍ بالخُطب والأشعار، وفي انصرافِهم
عن المعارضةِ دلالةٌ على أنّها كانت متعذّرةً عليهم..».
نصوص مفقودة من (كنز الفوائد)
أدرج
المحقّق الشّيخ عبد الله نعمة فصلاً في آخر الكتاب، قال في مقدّمته: «هناك طائفة
كبيرة من نصوص هذا الكتاب مفقودة، وجدناها في عدّة مؤلّفات نقلَها أصحابُها عن
(كنز الفوائد)، رأينا إدراجَها في خاتمة هذا الكتاب تتمّةً للفائدة..».
وهذه
النّصوص وردت في (الأنوار البهيّة) للمحدّث القمّيّ، و(فرج المهموم) للسّيّد ابن
طاوس، و(البحار) للعلّامة المجلسيّ. في الأوّل رواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام في حدود الصّلاة، وفي الثّاني سبعةُ
فصولٍ في الفلك، وفي الأخير رواية عن سلمان عن رسول الله صلّى الله عليه وآله في الولاية لأمير المؤمنين وحبّه عليه
السّلام.
وقد
أوجز الشّيخ نعمة العامليّ أهميّة كتاب (كنز الفوائد) حيث يقول: «إذا كان هناك
كتابٌ يطابقُ اسمُه مسمّاه، ويعبّرُ عنوانُه تعبيراً صادقاً عن واقع محتواه، فهو
هذا الكتاب (كنز الفوائد)، دون مبالغةٍ وتجوّز».