«اُدعُ في كلّ يومٍ من أيّام رجب..»
زيارتان مرويّتان عن
الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشّريف
ـــــ برواية الشّيخ الطّوسي ـــــ
أوّلاً: الزّيارة الرّجبيّة
قال آية الله الشّيخ محمّد حسين كاشف الغطاء في التّعريف بهذه الزّيارة
الرّجبيّة: «وفي دعاء مولانا الحجّة المنتظَر عجّل الله تعالى فرجه في أيّام شهر رجب، وأوّله (أللّهمّ إنّي أسألُك بمَعاني
جميعِ مَا يدعوكَ بهِ ولاةُ أمرِك) إلى آخره، إشاراتٌ، ورموزٌ تحتَها معادنُ
وكنوز، ودلالاتٌ لتلك المباني والمعاني. وشرحُ هذه المطالب والمذاهب، وتنسيقُ تلك
الحقائق والرّقائق، يحتاج إلى إفرادِ رسالةٍ مستقلّةٍ في التّأليف والتّرصيف..».
وفي (تفسير الصّراط المستقيم) للسّيّد حسين البروجردي، عند شرحه لحديث أمير
المؤمنين عليه السّلام: «نحن الأعرافُ الَّذين لا يُعرَفُ اللهُ إلَّا بسبيلِ
معرفتِنا»، قال: «وتلك المنازل لا يمكن أن يحلّ بساحتها أحدٌ إلَّا مَن سكنَ
فيها وخرجَ منها، وهي المعاني الَّتي يسألُ الأنبياءُ ربّهم بها، والأولياءُ
يدعونه بها، وهو قول الحجّة عجّل اللهُ فرجه في دعاء رجب: أللَّهمّ إنّي أسألُك بمَعاني جميعِ ما يدعوكَ به ولاةُ
أمرِك المأمونونَ على سرّك..».
وفي (مستدركات علم رجال الحديث) للشّيخ علي النّمازي الشّاهرودي، قولُه عن
هذا الدّعاء – الزّيارة: « وليسَ مضامينُه غريباً عند أهل المعارف الحقّة».
وقد روى هذه الزّيارة الشّيخ الطّوسيّ في (مصباحه) عن الشّيخ أبي جعفر، محمّد
بن عثمان بن سعيد، أحد النوّاب الأربعة، عن الإمام المهديّ عليه السّلام، حيث ورد في التّوقيع الصّادر عنه صلوات الله عليه:
«اُدعُ في كلّ يومٍ من أيّام رجب:
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
أللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ
بِمَعَانِي جَمِيعِ مَا يَدْعُوكَ بِهِ وُلاةُ أمْرِكَ، المَأْمُونُونَ عَلَى
سِرِّكَ، المُسْتَبْشِرُونَ بِأمْرِكَ، الواصِفُونَ لِقُدْرَتِكَ، المُعْلِنُونَ
لِعَظَمَتِكَ. أَسْأَلُكَ بِمَا نَطَقَ فِيهِم مِنْ مَشِيئَتِكَ، فَجَعَلْتَهُمْ
مَعَادِنَ لِكَلِمَاتِكَ، وَأرْكاناً لِتَوْحِيدِكَ وَآيَاتِكَ وَمَقَامَاتِكَ
الَّتِي لا تَعْطِيلَ لَهَا فِي كُلِّ مَكَانٍ، يَعْرِفُكَ بِهَا مَنْ عَرَفَكَ،
لا فَرْقَ بَيْنَكَ وبَيْنَهَا إلّا أنَّهُم عِبَادُكَ وَخَلْقُكَ، فَتْقُهَا
وَرَتْقُهَا بِيَدِكَ، بَدْؤهَا مِنْكَ وَعَوْدُهَا إلَيْكَ، أعْضَادٌ وأشْهَادٌ،
وَمُنَاةٌ وَأذْوادٌ، وَحَفَظَةٌ وَرُوَّادٌ، فَبِهِمْ مَلأْتَ سَمَاءَكَ
وَأرْضَكَ حَتَّى ظَهَرَ أنْ لا إلهَ إلّا أنْتَ، فَبِذَلِكَ أسْأَلُكَ
وَبِمَوَاقِعِ العِزِّ مِنْ رَحْمَتِكَ، وبِمَقَامَاتِكَ وعَلامَاتِكَ، أنَ
تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأنْ تَزِيدَنِي إيمَاناً وَتَثْبِيتاً،
يَا باطِناً فِي ظُهُورِهِ، ويَا ظاهراً في بُطُونِهِ وَمَكْنُونِهِ، يَا
مُفَرِّقاً بَيْنَ النُّورِ والدَّيْجُورِ، يَا مَوْصُوفاً بِغَيْرِ كُنْهٍ،
وَمَعْروفاً بِغَيْر شِبْهٍ، حَادَّ كُلِّ مَحْدُودٍ، وَشَاهِدَ كُلِّ مَشْهُودٍ،
وَمُوجِدَ كُلِّ مَوْجُودٍ، وَمُحْصِيَ كُلِّ مَعْدُودٍ، وَفَاقِدَ كُلِّ
مَفْقُودٍ، لَيْسَ دُونَكَ مِنْ مَعْبُوٍد، أهْلَ الكِبْرِيَاءِ وَالجُودِ.
يَا مَنْ لا يُكَيَّفُ
بِكَيْفٍ، وَلا يُؤَيَّنُ بِأيْنٍ، يَا مُحْتَجِباً عَنْ كُلِّ عَيْنٍ، يَا
دَيْمُومُ يَا قَيُّومُ، وعَالِمَ كُلِّ مَعْلُوم،ٍ صلِّ عَلى عِبَادِكَ
المُنْتَجَبِينَ، وَبَشَرِكَ المُحْتَجَبِينَ وَمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ، و(الـ)
بُهَمِ الصَّافِّينَ الحَافِّينَ [في (مجمع
البحرين) للطّريحيّ: البُهم بالضّمّ: جمع البُهمة، وهو المجهول الّذي لا يُعرَف. ومنه
الحديث: شيعتنا البُهم]، وَبَارِكْ
لَنَا فِي شَهْرِنَا هَذا المُرَجَّبِ المُكَرَّمِ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الأشْهُرِ
الحُرُمِ، وَأسْبِغْ عَلَيْنَا فِيهِ النِّعَمَ، وَأجْزِلْ لنَا فِيهِ القِسَمَ،
وأبْرِرْ لنَا فِيهِ القَسَمَ، بِاسْمِكَ الأعْظَمِ الأعْظَمِ الأجَلِّ الأكْرَمِ
الَّذي وَضَعْتَهُ عَلى النَّهَارِ فَأضَاءَ، وَعَلى اللّيِل فَأظْلَمَ، وَاغْفِرْ
لنَا مَا تَعْلَمُ مِنَّا وَمَا لَمْ نَعْلَمُ، وَاعْصِمْنَا مِنَ الذُّنُوبِ خَيْرَ
العِصَمِ، وَاكْفِنَا كَوَافِيَ قَدَرِكَ، وَامْنُنْ عَلَيْنَا بِحُسْنِ نَظَرِكَ،
وَلا تَكِلْنَا إلى غَيْرِكَ، وَلا تَمْنَعْنَا مِنْ خَيْرِكَ، وَبَارِكْ لنَا
فِيما كَتَبْتَهُ لَنَا مِنْ أعْمَارِنَا، وَأصْلِحْ لنَا خَبِيئَةَ أسْرَارِنَا،
وَأعْطِنَا مِنْكَ الأمَانَ، واسْتَعْمِلْنَا بِحُسْنِ الإيمَانِ، وَبَلِّغْنَا
شَهْرَ الصِّيَامِ، ومَا بَعْدَهُ مِنَ الأيَّامِ والأعْوامِ، يَا ذا الجَلالِ
والإكْرامِ».
اِقرأ هذه الزّيارة الشّريفة، ولا تَأبه بتَشكيكات العاجزين عن فهم معاني
هذا الدّعاء الذي يُعرَف باسمِ «الزّيارة الرّجبيّة»، واستَحضر أنّ الشّيخ
الطّوسيّ أوردَه في (مصباح المتهجّد)، وأنّ الإمام السّيّد الخميني قدّس سرّه كان شديد الحثّ على التّأمّل في عظيم معاني هذه الزّيارة، لأنّ مضمونها يَقع في صميم رؤيته لمقامات النبيّ وأهل البيت صلّى
الله عليه وعليهم، فتحدَّث عنها مراراً وتكراراً بِلُغةٍ خاصّة، وممّا قاله قدّس
سرّه: «إقرأوا هذه الزيارة الرجبيّة التي ذَكرَتْ للأئمَّة عليهم السّلام مقامات
تُبَيِّنها عبارة لا فَرْق بينكَ وبينَهم (بينها) إلّا أنّهم عبادُك، أي
أنَّ كَوْنهم عبادك هو الفرقُ الوحيد».
وكان
الإمام يؤكِّد على هذه الفقرة ويقول: «إنَّ كَوْنهم عِباد الله هو الفارقُ بينهم
وبين الله تعالى، أي أنَّ جميع القوى الإلهيّة هي بيد الأئمّة عليهم السّلام».
ثمّ كان
يقول بعد ذلك: «إقرأوا هذه الزّيارة لكي لا تُنكِروا ما قد يُنقَل من مقامات
أولياء الله، أو على الأقلّ تَقبَلون به كمجرَّد احتمال».
ثانياً:
زيارةُ المشاهد في رجب
وهي زيارة يُزار بها كلٌّ من المشاهد المشرّفة في شهر رجب، وقد عدَّها صاحب
كتاب (المزار القديم) والشّيخ محمّد بن المشهديّ من زيارات ليلة المبعث المخصوصة،
وقالا: «صلِّ بعدها للزّيارة ركعتَين ثمّ ادعُ بما شئتَ».
وروى الشّيخ الطّوسيّ عن أبي القاسم الحسين بن روح النّائب الخاصّ للحجّة عليه السّلام أنّه قال:
«زُر أيّ المشاهد كنتَ بحَضرَتها في رجب، وقُل:
الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَشْهَدَنا مَشْهَدَ أَوْلِيائِهِ
فِي رَجَبٍ، وَأَوْجَبَ عَلَيْنا مِنْ حَقِّهِمْ ما قَدْ وَجَبَ، وَصَلَّى اللهُ عَلى
مُحَمَّدٍ المُنْتَجَبِ، وَعَلى أَوْصِيائِهِ الحُجُبِ، أللّهُمَّ فَكَما أَشْهَدْتَنا
مَشْهَدَهُمْ فَأنْجِزْ لَنا مَوْعِدَهُمْ وَأَوْرِدْنا مَوْرِدَهُمْ غَيْرَ مُحَلَّئِينَ
[ممنوعين] عَنْ وِردٍ [الماء الذي يردُه] فِي دارِ المُقامَةِ وَالخُلْدِ،
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ، إِنِّي قَصْدُتُكْم وَاعْتَمَدْتُكُمْ بَمَسْأَلَتِي وَحاجَتِي،
وَهِيَ فَكاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّار، وَالمَقَرُّ مَعَكُمْ فِي دارِ القَرارِ مَعَ
شِيعَتِكُم الأَبْرارِ، وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فنِعْمَ عُقْبى الدَّارِ.
أَنا سائِلُكُمْ وَآمِلُكُمْ فِيما إِلَيْكُم التَّفْوِيضُ، وَعَلَيْكُم التَّعْوِيضُ،
فَبِكُم يُجْبَرُ المَهيضُ [المكسور] وَيُشْفى المَرِيضُ، وَما تَزْدادُ الأَرْحامُ
وَما تَغِيضُ [تنقُص]. إِنِّي
بِسِرِّكُمْ مُؤْمِنٌ، وَلِقَوْلِكُمْ مُسَلِّمٌ، وَعَلى الله بِكُمْ مُقْسِمٌ فِي
رَجْعِي بِحَوائِجِي، وَقَضائِها وَإِمْضائِها وَنَجاحِها وَإِبْراحِها [وإبراحها في أكثر النُّسَخ بالباء الموحّدة والحاء المهملة، أي إظهارها، من:
برحَ الأمر، إذا ظَهر]، وَبِشُؤُونِي لَدَيْكُمْ وَصَلاحِها، وَالسَّلامُ
عَلَيْكُمْ سَلامَ مُوَدِّعٍ، وَلَكُمْ حَوَائِجَهُ مُودِعٌ، يَسْأَلُ الله إِلَيْكُم
المَرْجِعَ، وَسَعْيُهُ إِلَيْكُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وَأَنْ يُرْجِعَنِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ
خَيْرَ مَرْجِعٍ إِلى جَنابٍ مُمْرِعٍ، وَخَفْضِ عيْشٍ [عيشٍ مُريح] مُوَسَّعٍ، وَدَعَةٍ [سَعة]، وَمَهَلٍ [سَكينة] إِلى حِينِ الأَجَلِ، وَخَيْرِ مَصِيرٍ وَمَحَلٍّ
فِي النَّعِيمِ الأَزَلِ، وَالعَيْشِ المُقْتَبَلِ، وَدَوامِ الأُكُلِ، وَشُرْبِ الرَّحِيقِ،
وَالسَّلْسَلِ [الماء العَذب] وَعَلٍّ [تكرار الشّرب] وَنَهلٍ [الشّربة الأولى]، لا سَأَمٍ مِنْهُ وَلا مَلَلٍ، وَرَحْمَةُ الله
وَبَرَكاتُهُ، وَتَحِيَّاتُهُ [عَلَيْكُمْ] حَتَّى العَوْدِ إِلى حَضْرَتِكُمْ، وَالفَوْزِ
فِي كَرَّتِكُمْ، وَالحَشْرِ فِي زُمْرَتِكُمْ، وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ،
وَصَلَواتُهُ وَتَحِيَّاتُهُ، وَهُوَ حَسْبُنا وَنِعْمَ الوَكِيلُ».