المحبّة أساسُ البناء الاجتماعيّ
ـــــ د. أليس كوراني ـــــ
المحبّة
نهرٌ فيّاضٌ يَسقي الحياة، فتنبت حبّاً ووفاءً وتعاضداً، فلا تستطيع رياح البُغض
والكراهيّة شيئاً أمام أشجار المحبّة، فلا غرابةَ أنّ يشدّد رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأهل بيته عليهم
السّلام على المحبّة
والموّدة بين النّاس، ومقولة الإمام الباقر عليه السّلام:
«الدّينُ هو الحبّ، والحبُّ هو الدّين» تلخّص أنّ جوهر الدّين هو المحبّة وحبّ الآخرين، والأمر نفسه أكدّه الإمام
جعفر الصّادق عليه
السّلام بقوله: «هل الدّينُ إلّا الحبّ؟!».
فَحُبُّ
مَن حولنا - بما فيهم الفقراء والمساكين - ومساعدتهم والمودّة إليهم هدف إنسانيّ
نبيل عبّد طريقَه الأنبياء والأوصياء والمصلحون، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله، يقول: «أمرَني ربّي بحبّ المَساكين المسلمين..»،
وعُدّ الذين نحبّهم أقرباء وإن لم تكن هناك رابطة دم، وتأكيداً على ذلك وردت عن
الإمام عليّ عليه السّلام جملةٌ من الأحاديث، وكلّها تُظهر علاقة الإنسان بمَن
يحبّه كأنّه قريبه، منها قولُه عليه السّلام:
«المودّةُ نَسَب». و«المودّةُ إحدى القرابتَين». أمّا الإمام الحسن عليه السّلام
فقال: «القريبُ مَن قرّبتْه المودّة وإنْ بَعُدَ نَسَبُه...».
وبالمحبّة
يتعاضدُ أفراد المجتمع الواحد، ويساندُ بعضهم بعضاً، من هنا كان البادىء بمحبّة النّاس ومودتّهم أقربهم إلى الله تعالى، وقد قال أمير
المؤمنين عليه السّلام: «أفضلُ النّاس منّةً مَن بدأ بالمودّة»، وقال الإمام جعفر الصّادق عليه
السّلام: «رَحِمَ
اللهُ عبداً اجترّ مودّةَ النّاسِ
إلى نفسِه، فحدّثهم بما يعرفون، وتركَ ما يُنكرون».
وقد
يتساءلُ البعض: هل يكفي أن أقول للنّاس إنّي أحبّهم، أم هناك خطوات يجب اتّباعها لكسب
محبّة النّاس؟ حول ذلك، قال الإمام عليّ عليه السّلام: «في الضّيق والشّدّة
يظهرُ حُسْنُ المودّة».
وهناك
تساؤلٌ آخر، وهو كيف يكون الإنسان محبوباً بين النّاس؟ فقد سُئل رسول الله صلّى الله عليه وآله عمّا يورث محبّةَ الله من السّماء ومحبّةَ النّاس
من الأرض، فقال: «اِرغب في ما عند الله عزّ وجلّ يحبّك اللهُ، وازهَدْ في ما
عند النّاس يحبّك النّاسُ».
وقال أمير المؤمنين عليه السّلام: «ثلاثٌ يُوجِبنَ المحبّة: حُسْنُ الخُلُق، وحُسْنُ
الرِّفق، والتّواضع».
وقال
الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: «البِشرُ الحَسن وطلاقةُ الوجه مكسبةٌ للمحبّة وقُربةٌ
من الله، وعبوسُ الوجهِ وسوءُ البِشر مكسبةٌ للمَقت وبعدٌ من الله».
وقال
الإمام محمّد الجواد عليه السّلام: «ثلاثُ خصالٍ تجتلبُ بهن المحبّة: الإنصافُ في
المعاشرة، والمواساةُ في الشّدة،
والانطواعُ والرّجوعُ على (إلى) قلبٍ سليم».
والفرد
يحبّ ويعطي بحسب طاقته النّفسيّة
والماديّة، وليس مطلوباً أن يحبّ ويتودّد دون أن يقدّر ذلك الطّرف الآخر، وكما قال الإمام عليّ عليه السّلام:
«لا تبذِلَنَّ ودَّك إذا لم تَجِد موضعاً». وقال الإمام الصّادق عليه
السّلام: «مَن وضعَ
حبّه في غير موضعِه فقد تعرّض للقَطيعة».
كما
أنّ الأشرار يضربون بمحبّة النّاس
عرضَ الحائط، ولهذا قال الإمام عليّ عليه
السّلام: «أسرعُ
المودّات انقطاعاً مودّاتُ الأشرار». وقال أيضاً: «إيّاكَ أن تحبّ أعداءَ الله، أو تُصفّي ودّكَ
لغير أولياء الله، فإنّ مَن أحبّ قوماً حُشر معَهم».
وإنّ
مودّة عامّة النّاس لا تبقى، فهي «تنقطعُ كانقطاع السّحاب، وتنقشعُ كما ينقشعُ السّراب»،
هذا قولُ أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه
السّلام في عدمِ ديمومةِ
مودّة هؤلاء، وأنّ «مودّة الجهّال متغيّرةُ الأحوال وشيكةُ الانتقال».
وإذا
وقفنا على حديث المعراج: «يا محمّد! وجبتْ محبّتي للمُتَحابّين فيّ، ووجبتْ
محبّتي للمتَعاطفين فيّ...» علِمنا أنّ التّودّد إلى النّاس
ومحبّتنا لهم وجبَ أن تخلو من مصالح آنيّة ومنافعَ شخصيّة، وأن تصفو النّوايا لله تعالى، ولذلك قال الإمام جعفر الصّادق عليه
السّلام: «إنّ
المتحابّين في الله يومَ القيامةِ على منابرَ مِن نورٍ، قَد أضاءَ نورُ أجسادِهم
ونورُ منابرِهم كلَّ شيء، حتّى يُعرَفوا به، فيُقال: هؤلاء المتحابّونَ في الله».