النّبيّ طبيبُ الرُّوح
ـــــ ابن ميثم البحرانيّ*
ـــــ
اِعلم أنّه مَنْ أرادَ
أنْ يَعرِفَ مَقاصِدَ الأنبياءِ عليهم السّلام
في أوامِرِهِم وتَدْبيراتِهم، فَينبغي أنْ يتعرّفَ طَرفاً من قوانينِ الأَطِبّاءِ
ومَقاصدِهم من العِباراتِ المُطلقة لهم.
فإنّه كما أنّ
الأطبّاءَ هم المُعالجون للأبْدانِ بأنْواعِ الأدْويَةِ والعِلاجات، لغايةِ بَقائِها
على صَلاحِها، أو رُجوعِها إلى العافيةِ من الأمراضِ البَدنيّة، كذلك الأنبياء
عليهم السّلام ومَن يقومُ مقامَهُمْ؛ فإنَّهم أَطِبّاءُ النُّفوس، والمَبعوثون
لعلاجِها من الأمْراضِ النّفسانيّة كالجَهْل، وسائرِ رَذائِلِ الأخلاق، بأنواعِ
الكلامِ من الآداب، والمَواعِظ، والنّواهي، والضَّرب، والقتل.
وكما أنّ الطبيبَ قد
يقولُ إنَّ الدّواءَ الفُلانيَّ نافعٌ من المرض الفُلانيّ، ولا يعني به في كلّ الأَمْزِجة
بل في بعْضِها، كذلك الأنبياءُ والأولياءُ
إذا أطلقوا القَوْلَ في شيءٍ أنّه نافع - كالعُزلة مثلاً - فإنّهم لا يريدونَ
أنّها نافعةٌ لكلّ إنسان.
وكما أنّ الطّبيبَ قد
يصفُ لبعض المرضى دواءً ويرى شفاءَه فيه، ويرى أنّ ذلك الدّواءَ بِعَيْنِه لمريضٍ
آخر كالسُّمّ القاتل ويُعالِجُهُ بغيرِهِ، كذلك الأنبياء عليهم
السّلام؛ قد يَرَوْنَ أنّ بعضَ الأمورِ دواءٌ
لبعض النُّفوس فيقتصرون عليه، وقد يَرَوْنَ أنَّ بعضَ الأوامرِ علاجٌ لبعضِ النّفوس،
كالأَمْرِ بالعُزلةِ والحَثِّ عليها لبعضَ النّاس، وقد يَرَوْنَ أنَّ ذلك العِلاجَ
بِعَيْنِه مُضِرٌّ لغيرِ تلك النّفس، فيأمرونَها بِضدِّ ذلك، كالأمرِ بالمُخالطِة
والمُعاشَرة.
وأكثرُ ما يختارون
العُزْلةَ لِمَن بلغَ رُتبةً من الكَمالِ في قُوَّتَيْهِ النّظَرِيَّةِ والعَمَلِيَّة،
واسْتغنى عن مُخالطةِ كثيرٍ من النّاسِ، لأنّ أكثرَ الكمالاتِ الإنسانيّةِ من العُلومِ
والأخْلاقِ إنّما تَحْصلُ بِالمُخالَطَة، خُصوصاً إذا كانَ ذلكَ الإنسانُ - أعْني
المَأْمورَ بالعُزْلَة - خالياً عن عائلةٍ يحتاجُ أن يتكسَّب لهم، وأكثرُ ما
يختارون المُخالطةَ والاجتماعَ لِتَحْصُلَ الإلفةُ والاتّحادُ بالمَحبّة.
وللاتّحادِ غايتان كلِّيّتان: إحْداهُما: حِفْظُ أصلِ الدِّينِ وتَقْويَتُه بِالجهاد،
والثّانية: تَحصيلُ الكمالاتِ الَّتي بها نِظامُ أمْرِ الدّارَيْن، لأنّ أَكْثَرَ
العلومِ والأخلاق يُستفادُ من العِشرة والمُخالطة... وبالله تَعالى التّوفيق.
_______________________________________
* (من شرحه على نهج
البلاغة، المجلّد الثّالث)
أسألك بالموْلودَين في رَجَب
روى الشّيخُ الطّوسيّ أنّه خرجَ من النّاحية المقدّسة
على يدِ الشّيخ أبي القاسم، الحسين بن روح، أحد النوّاب الأربعة، هذا الدّعاء في
أيّام رَجب:
«أللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ بِالمَوْلُودَيْنِ في رَجَبٍ، مُحَمَّدِ
بْنِ عَلِيٍّ الثَّانِي، وَابْنِهِ عَليِّ بْنِ مُحَمَّدٍ المُنْتَجَبِ، وَأتَقَرَّبُ
بِهِما إلَيْكَ خَيْرَ القُرَبِ، يا مَنْ إلَيْهِ المَعْرُوفُ طُلِبَ، وفِي مَا لَدَيْهِ
رُغِبَ، أسْأَلُكَ سُؤالَ مُعْتَرِفٍ مُذْنِبٍ قدْ أوْبَقَتْهُ ذُنُوبُهُ، وَأوْثَقَتْهُ
عُيُوبُهُ، وَطَالَ عَلى الخَطَايَا دُؤُوبُهُ، وَمِنَ الرَّزايا خُطُوبُهُ، يَسْألُكَ
التَّوْبَةَ، وَحُسْنَ الأوْبَةَ، والنُّزُوعَ عَنِ الحَوْبَةِ [المعصية]، وَمِنَ
النَّارِ فَكَاكَ رَقَبَتِهِ، والعَفْوَ عَمَّا فِي رِبْقَتِهِ، فَأنْتَ يا مَوْلايَ
أعْظَمُ أمَلِهِ وَثِقَتِهِ. أللَّهُمَّ وأسْألُكَ بِمَسَائِلِكَ الشَّرِيفَةِ، وَوَسَائِلِكَ
المُنِيفَةِ، أنْ تَتَغَمَّدَنِي فِي هَذا الشَّهْرِ بِرَحْمَةٍ مِنْكَ وَاسِعَةٍ،
وَنِعْمَةٍ وَازِعَةٍ، وَنَفْسٍ بِمَا رَزَقْتَهَا قَانِعَةٍ، إلَى نُزُولِ الحَافِرَةِ،
وَمَحَلِّ الآخِرَةِ، وَمَا هِيَ إليْهَ صَائِرَة».