«جامُع الأخبار» أو «معارجُ اليقين في أصول الدّين»
للشّيخ محمّد بن محمّد
السّبزواريّ
ـــــ قراءة: سلام ياسين
ـــــ
الكتاب:
«جامِعُ الأخبار». (مجلّد
واحد)
المؤلّف:
الشّيخ محمّد بن محمّد السّبزواريّ. (من
أعلام القرن السّابع الهجريّ)
تحقيق:
الشّيخ علاء آل جعفر.
النّاشر:
«مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التّراث»، قم، 1413 للهجرة.
(جامع الأخبار)، كتابٌ حَديثيٌّ مَشهور، طُبعَ مرّاتٍ عدّة في النّجف
الأشرف، وبيروت، وإيران، اعتمده العلّامة المجلسيّ (ت: 1111 للهجرة) كأحد مصادر موسوعته (بحار الأنوار).
ولكن وقع الاختلاف في مؤلِّفه، وتعدّدت الأقوال في ذلك إلى ما يتجاوز
العشرين احتمالاً كما يقول مُحقّق الكتاب. فقد نسبَه الشّيخ منتجب الدّين بن
بابويه في (الفِهرست) إلى عليّ بن أبي سعد بن أبي فرج الخيّاط. ونسبه المولى عبد
الله أفندي في (رياض العلماء) إلى محمّد بن محمّد الشّعيريّ. ونسبه الحرّ العامليّ
في (إثبات الهداة) تارةً إلى الحسن بن الفضل الطّبرسيّ، وطوراً إلى محمّد بن محمّد
الشّعيريّ. ولأنّ بعضَ نُسخ الكتاب ذُكر فيها أنّ مؤلّفه هو «محمّد بن محمّد»، فقد
ذكر العلّامة المجلسيّ أحدَ عشرَ رجلاً يُحتمل نسبة الكتاب إليهم.
جُهْدُ المُحَقّق
قامَ المُحقّقُ بِجُهدٍ استثنائيٍّ لمعرفة نسبة الكتاب إلى
مُؤلّفه، فسعى أوّلاً إلى تحديد الرّقعة الجغرافيّة التي عاش فيها المُؤلّف، من
خلال ملاحظة مواطن الذين أكثرَ النّقلَ عنهم، ثمّ تحديد الفترة الزّمنيّة كذلك، وقام
باستقصاء ما أمكن من النُّسَخ الموجودةِ في المكتبات العامّة والخاصّة إلى أن تَوَصَّلَ
إلى نتيجةٍ مُلخَّصُها:
1 - الثّابت أنّ المؤلّف جمعَ كتابَه بعد منتصف القرن السّادس
على أقلّ تقدير.
2 - الأقوى من اتّفاق العديد من الأدلّة والشّواهد أنّ مؤلّف
الكتاب كان من أهل سبزوار، أو من النّواحي القريبة منها.
3 - يظهر من متون النُّسخ التي توفّرت للمُحقّق أنّ مؤلّف الكتاب هو محمّد بن محمّد.
كتاب (معارج اليقين)
وبمراجعة المحقّق لكتاب (معارج اليقين في أصول الدّين)
لمؤلّفه محمّد بن محمّد السّبزواريّ، وجد أنّ التّشابه كبيرٌ بينه وبين كتاب (جامع
الأخبار) محلِّ البحث، وتنطبقُ على مؤلِّفه النّتائج التي تقدّمت خلاصتُها. من هنا
قال المُحقّق في معرض بيانه لهذا الاكتشاف: «فبدأتُ أبحث عن نُسخِ هذا الكتاب الجديد،
ووفّقني الله تعالى إلى ذلك، فحصلتُ على أوّل نُسخةٍ منه في مكتبة (آستانة قم)، وعندما
تَصفّحتُها، وَجدْتُها هي عين كتابنا (جامع الأخبار) من المقدّمة إلى الخاتمة دون زيادة
فيها، أللّهم إلّا الاختلاف في ترتيبِ فصوله، ونقصانِ بعض رواياته، مع تغييرٍ في نهاية
مقدّمته، حيث وجدتُه أثبتَ بدل قول المؤلّف، رحمه الله: وسمّيتُه بجامع الأخبار،
[قد] ذكر في (المعارج) ما نَصُّه: وسمّيتُه بمعارج اليقين في أصول الدّين لمن أراد
كمال التّقوى».
وعن تعليله لهذه الثّنائيّة في اسم الكتاب مع توافق
المضمون، يقول المُحقّق: «لعلّ أنّ الكِتابَيْنِ واحدٌ وأساء النُّسّاخُ أو غيرهم إلى
الكتابِ بشكلٍ أو بآخر؛ كأنْ أغفلوا اسْمَهُ، أو أراد أحدٌ أن يصادرَ الجُهدَ الأوّلَ
فحذفَ ما حذفَ وأضافَ ما أضاف، أو أنّ أحدَ المُؤلّفين جمعَ هذه الأحاديثَ في كتابٍ
مُناظرٍ للأوّل، ثمّ وقعَ النُّسّاخُ أو غيرهم في الحيرة إزاء هذا التّوافق، فحدثَ
هذا الخلطُ بين الكتابَيْن، وازدادَ بتقادمِ الزّمن حتّى وصل إلينا الثّاني دون الأوّل،
أو الأوّل دون الثّاني غريباً مُشَوّهاً، مجهولَ النّسخةِ والمُؤلّف، مُضطربَ المتنِ
والتّرتيب، وإن كان الأصحّ من الكتابَيْنِ هو الثّاني أي (معارج اليقين)، المعروف مُؤلِّفاً،
وتاريخاً، واستنساخاً على أغلب الأحوال».
أمّا بالنّسبة إلى عدم وجودِ أسانيدَ في الكتاب، فأثبتَ التّحقيقُ
أنّ رواياتِ الكتابِ مَنْقولةٌ عن مَصادرَ مُعتبرةٍ قام المُحقّق بوضعِ قائمةٍ لها،
فدفعَ بذلك شُبهةَ عدمِ حُجّيّةِ هذا المُؤلَّف القيّم نظراً إلى الجهل بالرّواة،
وعدمِ وجود إسنادٍ للكتاب؛ إلى مؤلّفه أو عنه.
أهمّ موضوعاته
احتوى الكتابُ مائةً وواحداً وأربعين فصلاً، مُتضمّناً آياتٍ ورواياتٍ
وأحاديثَ وأخباراً في: المعارفِ العقائديّة، والمناهجِ العباديّة، والعلومِ
القرآنيّة، والمَسائلِ الفقهيّة، والمَكارمِ الأخلاقيّة، والشّؤون الحياتيّة، والرّوابط
الاجتماعيّة.. فضلاً عن عددٍ من العناوين التي يُمكن تَسْمِيتُها بـ: المُتفرّقات
والنّوادر.
دواعي التّأليف
قال المُؤلّف في مقدّمة كتابه: «أمّا بعد، فإنّي منذ كنتُ ابنَ عشرين حتّى
ذَرّفَ سِنّي على خمسين، متشوّقٌ إلى جمع كتابٍ يشتمل فصولاً جامعةً؛ للزّهد،
والموعظة، والتّرغيب، والتّرهيب، مِن الأخبار المنقولة عن الأئمّة الأطهار،
والآثار المأثورة عن الرُّواة الأخيار، مَحجوجةً بالقرآن، مُتأيِّدةً بالبرهان، مَضبوطةً
بالإسناد، مربوطةً بالإرشاد، كاشفةً للقلوب، زائلةً للكروب، وأنا مُجتهدٌ لاستجماع
ذلك، تائقٌ إلى ترتيبِه، ولكن تَقطَعُني عن ذلك القواطع، وتَشغلني الشّواغل .. حتّى
مضت على تَردُّد عزمي أيّامٌ، وقُرِنَت بها أعوام، ثمّ اهتزّ خاطري وتذكّرَتُ
طَوِيّتي ".." فلمّا تيقّنتُ حقيقةَ ذلك، وأردتُ أن أسعى فيه سَعْياً
جميلاً، وأسلُكَ فيه وإن كان قليلاً، لم ألتَفِتْ إلى قلّة رغبات أهلِ الزّمان،
وتركِ عنايتِهم في طلب الأديان. واستَخَرتُ اللهَ سبحانَه في جميع ذلك، فرتّبتُ
هذا الكتابَ على أحسنِ ترتيب، وأتقنِ تهذيب، وسلكتُ فيه طريقَ الإيجاز والاختصار،
وتجنَّبْتُ التّطنيبَ والإِكثار».
نماذج من روايات الكتاب
* عن أبي ذرّ، قال: قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: «يا أبا ذَرٍّ، مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يَلْتَمِسُ
باباً مِنَ العِلْمِ كَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ ثَوابَ نَبِيٍّ
مِنَ الأَنْبياءِ، وَأَعْطاهُ اللهُ بِكُلِّ حَرْفٍ يُسْمَعُ أَوْ يُكْتَبُ مَدينَةً
في الجَنَّةِ؛ وَطالِبُ العِلْمِ أَحَبَّهُ اللهُ وَأَحَبَّهُ المَلائِكَةُ وَأَحَبَّهُ
النَّبِيّونَ، وَلا يُحِبُّ العِلْمَ إِلّا السَّعيدُ، فَطُوبى لِطالِبِ العِلْمِ يَوْمَ
القِيامَةِ..».
* جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلّى الله عليه وآله، قال: ما رأسُ العلم؟ قال صلّى الله عليه وآله: «معرفةُ
اللهِ حقَّ مَعرفتِه». قال: وما حقُّ معرفتِه؟ قال صلّى الله عليه وآله: «أنْ
تعرفَه بلا مِثالٍ ولا شِبه، وتعرفَه إلهاً واحداً، خَالقاً، قَادراً، أوّلاً، وآخِراً،
وظَاهراً، وبَاطناً، لا كُفْوَ لَه ولا مثلَ له، فذَاك معرفةُ اللهِ حقَّ معرفتِه».
* قالَ النّبيُّ صلّى الله عليه وآله: «التّائِبُ إذا لَم يُسْتَبَنْ (عليه) أَثَرُ التَّوْبَةِ
فَلَيْسِ بِتائِبٍ: يُرْضي الخُصَماءَ، ويُعيدُ الصَّلواتِ، وَيَتَواضَعُ بَيْنَ الخَلْقِ،
وَيَتّقي (يقي) نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَواتِ، ويُهْزِلُ رَقبَتَهُ بِصِيامِ النَّهارِ،
وَيَصْفَرُّ لَوْنُهُ بِقيامِ اللَّيْلِ، ويُخْمِصُ بَطْنَهُ بِقِلَّةِ الأَكْلِ، وَيُقَوِّسُ
ظَهْرَهُ مِنْ مَخافَةِ النّارِ، وَيُذيبُ عِظامَهُ شَوْقاً إِلى الجَنَّةِ، وَيُرقُّ
قَلْبَهُ مِنْ هَوْلِ مَلَكِ المَوْتِ، وَيُجَفِّفُ جِلْدَهُ عَلى بَدَنِهِ بِتَفَكُّرِ
الأَجَلِ، فَهَذا أَثَرُ التَّوْبَةِ..».
* إنّ فاطمَةَ، صَلواتُ الله عليها، قالت لأبيها صَلّى الله
عليه وآله: «يا أَبَتِ! أَخْبِرْني كَيْفَ يَكونُ النّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ:
يا فاطِمَةُ! يُشْغَلونَ فَلا يَنْظُرُ أَحَدٌ إِلى أَحَدٍ، وَلا والِدٌ إِلى الوَلَدِ،
وَلا وَلَدٌ إِلى أُمِّهِ. قالَتْ: هَلْ يَكونُ عَلَيْهِمْ أَكْفانٌ إِذا خَرَجوا مِنَ
القُبورِ؟ قالَ: يا فاطِمَةُ! تُبْلى الأَكْفانُ وَتَبْقى الأَبْدانُ، تُسْتَرُ عَوْرَةُ
المُؤْمِنُ وَتُبْدى عَوْرَةُ الكافِرينَ. قالَتْ يا أَبَتِ ما يَسْتُرُ المُؤْمِنينَ؟
قالَ: نورٌ يَتَلَأْلَأُ لا يُبْصِرونَ أَجْسادَهُمْ مِنَ النّورِ. قالَتْ يا أَبَتِ
فَأَيْنَ أَلْقاكَ يَوْمَ القِيامَةِ؟ قالَ: انْظُري عِنْدَ الميزانِ وَأَنا أُنادي:
رَبِّ أَرْجِحْ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وَانْظُري عِنْدَ الدَّواوينِ
إِذا نُشِرَتِ الصُّحُفُ وَأَنا أُنادي: رَبِّ حاسِبْ أُمَّتي حِساباً يَسيراً، وَانْظُري
عِنْدَ مَقامِ شَفاعَتي عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ - كُلُّ إِنْسانٍ يَشْتَغِلُ بِنَفْسِهِ
وَأَنا مُشْتَغِلٌ بِأُمَّتي - أُنادي: يا رَبِّ سَلِّمْ أُمَّتي، وَالنَّبِيّونَ عَلَيْهِمُ
السَّلامُ حَوْلي يُنادونَ: رَبِّ سَلِّمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ..».
* قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: «إنَّ اللهَ تَعالَى يَنْظُرُ في وَجْهِ الشَّيْخِ المُؤْمِنِ
صَباحاً وَمَساءً فَيقولُ: يا عَبْدي! كَبُرَ سِنُّكَ، وَدَقَّ عَظْمُكَ، وَرَقَّ جِلْدُكَ،
وَقَرُبَ أَجَلُكَ، وَحانَ قُدومُكَ عَلَيَّ، فَاسْتَحِ مِنّي، فَأَنا أَسْتَحي مِنْ
شَيْبَتِكَ أَنْ أُعَذِّبَكَ بِالنّارِ».