الوهّابيّة
تُشَوِّه وجهَ تونس
قراءة غريبة عن الإسلام، في ظِلال جامعة
الزّيتونة
ـــــ
مصطفى منيب ـــــ
لم يكن مُفاجئاً خبر قيام «وزارة الثّقافة التّونسيّة»
بمنع عرض أفلام إيرانيّة بإحدى قاعات تونس العاصمة، بذريعة أنّ «الفنّ الإيرانيّ يهدّد
الثّقافة التّونسيّة، ويمسّ بالأمن القوميّ التّونسيّ»، فقد اعتَدنا، للأسف الشّديد
ومنذ فترة، على سماع أخبار تأتينا من تونس الخضراء، لا تتّفق أبداً مع الثّقافة العربيّة،
ولا مع طبيعة الشّعب التّونسيّ المُسالم.
نقرأ في تفاصيل هذا الخبر، أنَّ عناصر من
«لجنة مُراقبة العروض السّينمائيّة» قامت بإيقاف عرض فيلم إيرانيّ في إحدى القاعات
في العاصمة تونس، وأخرجت الجمهور من القاعة.
وجاء في الخبر أيضاً أنّ «وزارة الثّقافة
التّونسيّة» نبّهت من خطورة تَسلُّل السّينما الإيرانيّة للقاعات التّونسيّة، واصفةً
اقتحام الفنّ السّابع الإيرانيّ لدُور العرض التّونسيّة بـ «البلطجة الفنّيّة»، والتّعدّي
على القانون! واعتبرت الوزارة أنّ هذه العروض تحمل رسائل أو إيديولوجيّات أو أفكاراً
دينيّة مُتشدّدة، تَمسّ بالأمن القوميّ التّونسيّ!
الفيلم الإيرانيّ الّذي هزَّ تونس، وهدَّد
أمنها القوميّ، ونشر «أفكاراً شيعيّةً مُتطرّفةً طائفيّة»، واستدعى تدخّلَ وزارةِ الثّقافة،
الّتي أرسلت عناصر إلى صالة السّينما لِطَردِ النّاس منها، هو الفيلم الإيرانيّ «وداعاً
بغداد»، وهو عبارة عن دراما حربيّة، تتناول تداعيات الغزو الأميركيّ للعراق، حيث كان
يعرَض ضمن تظاهرة «أيّام السّينما الإيرانيّة في تونس». (7 - 10 أيّار/ مايو 2014)
ريحُ السّموم في تونس الخضراء
بالرّغم من أنّ وزارة الثّقافة التّونسيّة
سطَّرت قائمةً طويلةً عريضةً بالأسباب الّتي دعَتْها إلى منع الأفلام الإيرانيّة، منها
عدم حصول الأفلام على رُخصة للعرض من وزارة الثّقافة، وأنّها عُرضت في قاعات تجاريّة
وليس عموميّة، إلّا أنّها جاءت للتّغطية فقط على السّبب الحقيقيّ والرّئيسيّ، وهو انتشار
الظّاهرة الوهّابيّة الّتي أخذت تنخرُ في الجسد السّياسيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ التّونسيّ،
وأصابت هذا الجسد بتشوّهاتٍ خطيرة.
للأسف الشّديد، إنّ هذه التّشوّهات الّتي
أصابت المشهد الثّقافيّ التّونسيّ حدثت بعد نجاح الوهّابيّة في مسخ بعض المُتعصّبين
والجَهَلة تحت يافطة السّلفيّة، وتحويلهم إلى عصًا غليظة مرفوعة في وجه المُفكِّرين
والمُثقّفين والفنّانين، للتّضييق عليهم، إنطلاقاً من الأفكار الوهّابيّة المُتَزمّتة
المُتَخلّفة، الّتي هبّت كريحِ السّموم القادمة من الصّحراء، على أرض تونس الخضراء،
تحمل معها قراءةً شاذّةً ومُشوَّهة وغريبة عن الإسلام، فأحرقت جوانبَ واسعة من خُضرتها
وعنفوانها.
الشّعب التّونسيّ يعرف قبل غيره أنّ الوهّابيّة
السّلفيّة تسلّلت إلى بلاده في زمن الرّئيس المخلوع، وحتّى قبل ذلك، من خلال غَزو المساجد
والتّظاهر بالاهتمام بالعلوم الشّرعيّة، إلّا أنّها وبعد انتصار الثّورة التّونسيّة،
انقلبت على تلك الصّورة وكشّرت عن أنيابها، وقامت بتشكيل مجموعات وتنظيمات مُختلفة،
من بينها «حركة أنصار الشّريعة»، لا تفهمُ إلّا لغةَ الإقصاء والتّكفير والاغتيال والتّفجير
والتّضييق على مَن يخالفها، حتّى وصل الأمر بهم إلى التّظاهر علانيةً وهم يحملون رايات
الحركة السّلفيّة؛ فقاموا باغتيال شخصيّات ونشطاء معروفين، كما قاموا باستهداف الجيش
التّونسيّ، وقتلوا العديد من عناصره، وقاموا أكثر من مرّةٍ باستعراض قوّتهم في مختلف
المُدن التّونسيّة، كما هاجموا الكثير من التّجمّعات والمراكز الثّقافيّة والصّحف ومباني
التّلفزيونات، تحت ذرائع واهية، وهدفهم الأوّل والأخير تطبيق النّموذجَين الأفغاني
والصّوماليّ في تونس.
حيث تَكون الوهّابيّة، تكونُ الفَوضى
إنّ الوهّابيّة لا يمكنها أن تعيش في أجواء
صحّيّة، لذلك تسعى دائماً إلى إشعال نار الفتنة في كلّ المجتمعات المنكوبة بها، وهكذا
نراها تكون حيث تكون الفوضى والقتل والتّفجير والذّبح والتّكفير والإقصاء، لذلك تُعتبر
الوهّابيّةُ من أكبر المخاطر الّتي تُهدّد المُجتمعات العربيّة والإسلاميّة، ويكفي
إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على المُجتمعات العربيّة والإسلاميّة، الّتي نجحت الوهّابيّة في
التّسلّل إليها عبر نافذتَي الجهل والفقر، للتّأكّد من هذه الحقيقة الواضحة.
تُرى هل كان هناك تنظيم باسم «القاعدة»،
أو «طالبان»، أو «داعش»، أو «جبهة النّصرة»، أو «حركة الشّباب»، أو «بوكو حرام»، أو
«فتح الإسلام»، أو «أنصار الشّريعة»، وغيرها، الّتي شوّهت الإسلام وفتكَتْ بأهله، لو
لم تكُن الوهّابيّة؟
إنَّ التّشدّد، والتّطرّف، والإرهاب، والقتل،
والاغتيال، والتّفجير، والذّبح، وأكل لحوم البشر، وخطف الفتيات من مدارسهنّ، والتّنكيل
بالأطفال، ونَبْش القبور، وتفجير أضرحة الأنبياء والصّالحين والصّحابة، وانتهاك حُرمات
المساجد والمعابد والكنائس، وقتل علماء الدّين، وضرب استقرار الدّول، وعدم الاعتراف
بالأنظمة، وتكفير شعوب وطوائف بأكملها، وتهديد الأمن القوميّ لمختلف البلدان، هي من
عمل الوهّابيّة الّتي تحاول اليوم أن تعيد تمثيل كلّ هذه الفظائع في تونس، بعد أن شاهدناها
في أفغانستان، وباكستان، والعراق، والصّومال، واليمن، ولبنان، وسورية، وليبيا، ومالي،
ونيجيريا، وباقي البلدان، ولا نعتقد نحن ولا يعتقد أيّ عاقلٍ في العالم يحترم عقلَه
ويحترم عقولَ الآخرين، أنّها بفعل الفن الإيرانيّ، الّذي قالت وزارة الثّقافة التّونسيّة
إنّه مُتشدِّد وخَطِر على الثّقافة التّونسيّة، ويُهدّد الأمن القوميّ للبلاد!
تُرى لماذا لم تدبّ الحميّة في وزارة الثّقافة
التّونسيّة وهي ترى السّينما التّونسيّة، التّجاريّة والعموميّة، تعرض أفلاماً أنتجَتها
جهاتٌ صهيونيّة وأميركيّة تهدف إلى ضرب الإنسان العربيّ والمسلم، وضَرْب قِيَمه ودِينه
وتاريخه ورموزه، والإساءة إلى عقائده وإظهاره بمظهر المُتخلّف، وهي صورة مكذوبة،
لكنّها أصبحت مُترسّخة في أذهان شعوب العالم أجمع عن هذا الإنسان العربيّ والمسلم،
فهو إنسانٌ مريضٌ فاسدٌ لا أملَ في إصلاحه، فحيوانيّته طاغية على إنسانيّته.
لماذا لم يرتدّ جفنُ وزارة الثّقافة أمام
كلّ هذه التّهديدات والمخاطر الصّهيونيّة الأميركيّة الغربيّة؟ بينما أقامت الدّنيا
ولم تُقعدها بسبب خطر الأفلام الإيرانيّة وتهديدها للثّقافة التّونسيّة والأمن القوميّ
التّونسي، بينما هذه الأفلام هي مُنتجة في دولةٍ مسلمة، يصلّي أهلُها صوبَ القبلة،
ويقرأون القرآن الكريم، ويحجّون إلى الكعبة المُكرّمة، ويصومون في شهر رمضان من كلّ
عام، وأكثر أسماء ذكورها محمّد، ويناصب أهلُها الصّهيونيّة العداءَ لأنّها اغتصبت أرضاً
عربيّة إسلاميّة، ويعيش أهلُها ويموتون كباقي المسلمين.
إذاً، لِمَ كلّ هذا الخوف ومُحاولات التّخويف
من المسلمين الشّيعة في إيران؟ فقط لكَونهم شيعة، وما الضَّيرُ في ذلك؟ أَلَيْسَ الشّيعةُ
مسلمين؟ ألا تصبّ هذه الفتن في صالح الصّهاينة المُتربّصين بالمسلمين، شيعةً وسُنّة؟
ألا يكشف هذا أنّ الوهّابيّة والصّهيونيّة وجهان لعملةٍ واحدة.
أخيراً على أهل تونس الّذين أسَّسوا «جامعة
الزّيتونة»، أوّل جامعة في العالم الإسلاميّ، والّتي أرفدته بجَهابذة العلماء، وأشعّت
بنورها على جميع أنحائه، ألّا يسمحوا للوهّابيّة أن تُشَوِّهَ الصّورة الجميلة للإسلام
لدى الإنسان التّونسيّ، وألّا يسمحوا أن تُشوِّه الوهّابيّة الصّورة الجميلة لتونس
لدى المُسلمين.
* نقلاً عن الموقع الإلكترونيّ لقناة «العالم».