إعداد: محمد العبدالله
نظراً إلى خصوصيّة مصطلح العصمة، تمسّ الحاجة إلى تسليط الضوء على كلّ أبعاده، وقد اختارت «شعائر» لهذا العدد في زاوية «مصطلحات» تعريف العِصمة للمرجع الديني السيّد كاظم الحائري، كبير تلامذة الشهيد السيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه.
العصمة هي وصف من أوصاف الإمام في نظر الشيعة.
وقد يُقال: إنّنا لا نفهم معنىً معقولاً لكلمة العصمة، لأنّ العصمة يدور أمرها بين الجبر من ناحية، وبين مفهوم العدالة من ناحية أُخرى. أي أنّ العصمة لو كانت تعني «استحالة صدور المعصية من المعصوم» لكان هذا هو الجبر بعينه، إذ إنّه لا يستطيع أن يعصي، وعندئذ تفقد العصمةُ قيمتها. وإنْ كانت العصمة تعني «أنّ المعصوم واجدٌ لحالة نفسانيّة تمنعه من المعصية»، فإنّ هذا يساوق معنى العدالة، إذ أنّ العدالة هي «المَلَكة التي تردع عن المعصية»، فلا شيء إذاً وراء العدالة يُسمّى بـ «العصمة».
لذلك، لا بدّ من إيضاح المعنى المقصود من «العصمة».
مفهوم العصمة
لا نؤمنُ بأنّ المعصوم يستحيل عليه الذنب، لأنّنا لا نؤمن بالجبر، إذ لا تكون هناك منقبة للمعصوم، لأنّه سوف يُصبح كالآلة وغيرها من الأشياء التي لا تستطيع أن تعصي.
هذا المفهوم مرفوض، ونقول إنّ عمل المعاصي عملٌ اختياريّ لكلّ الناس بمن فيهم المعصوم، فهو مثلنا تماماً، وكما أنّنا نترك المعصية باختيارنا كذلك المعصوم يترك المعصية بمحض اختياره، فهي شبيهةٌ بالعدالة، ولكنّ العدالة تختلف عن العصمة. صحيحٌ أنّ العدالة مَلَكة أو حالة نفسانيّة رادعة عن المعصية، غير أنّها ذات مستوى من القوّة بحيث تستطيع أن تردع عن المغريات الإعتياديّة التي يُبتلى بها الإنسان، أمّا لو فرضنا أنّ المغريات قد ضوعفت آلاف المرات، فإنّ هذا الإنسان العادل قد يزلّ عندئذٍ، وينهار أمام هذه المُغريات، وعندئذٍ يفقد هذا العادل عدالته، ويحتاج مرّة أخرى إلى تحصيل المَلَكة، وإذا كانت المَلَكة موجودة فإنّ التوبة -كما قالوا- تكفي لرجوع العدالة. وأمّا العصمة فهي عبارة عن تلك المناعة النفسية التي لو قُوبلت بكلّ ما يُتصوّر من مغريات العالم -من أوّله إلى آخره- في نقطة معيّنة، وقُوبلت بالمناعة النفسيّة الموجودة في نفس الإنسان المعصوم، لتغلّبت تلك المناعة على كلّ هذه المُغريات. سِنْخُ مَلَكة من هذا المستوى هو الذي نسمّيه بـ«العصمة».
فالعصمةُ إذاً تختلف عن العدالة، كما أنّ المسألة ليست مسألة جبر.
مَنشأ العِصْمَة
هل أنّ العصمة من اللّه تعالى، أم أنّها صفة اكتسابيّة؟
والجواب: هو أنّ العصمة من اللّه تبارك وتعالى، ولكن ليس بالمعنى الذي يؤدِّي إلى الجبر، وإنّما بمعنى أنّ كلَّ طاعة هي من اللّه تعالى.
* من كتاب (الإسلام وقيادة المجتمع)، للمرجع الدينيّ السيّد كاظم الحائري.
صِفَةُ العِصمة
سُئل هشام بن الحَكَم -وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام- عن صفة العصمة في الإمام، وبأيِّ شيءٍ تُعرَف، فقال: إنّ جميع الذنوب لها أربعةُ أوجهٍ ولا خامسَ لها: الحرصُ والحسدُ والغضبُ والشهوة، فهذه منفيّةٌ عنه. لا يجوز أن يكون حريصاً على هذه الدنيا وهي تحتَ خاتمِه لأنّه خازنُ المسلمين، فعلى ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسوداً لأنّ الإنسان إنّما يحسدُ مَن فوقه، وليس فوقَه أحد، فكيف يحسدُ مَن هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشيءٍ من أمور الدنيا، إلّا أنْ يكون غضبُه لله عزَّ وجلَّ، فإنّ الله فرض عليه إقامةَ الحدود، وأنْ لا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا رأفةً في دينه حتّى يُقيمَ حدودَ الله، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويُؤثر الدنيا على الآخرة، لأنّ الله عزَّ وجلَّ قد حبَّب إليه الآخرة كما حبَّب إلينا الدنيا، فهو ينظرُ إلى الآخرة كما ننظر إلى الدنيا، فهل رأيتَ أحداً ترك وجهاً حسناً لوجهٍ قبيح، وطعاماً طيِّباً لطعام مُرّ، وثوباً ليِّناً لثوبٍ خَشِن، ونعمة دائمةً باقيةً لِدُنيا زائلة فانية؟