هلاك الجبّارين بسيوف بعضهم
معركة «قرقيسيا» على شاطئ الفرات
_____ الشيخ علي كوراني* _____
لقد وردت في المصادر المتعدّدة روايات عن معركة عظيمة تقع في منطقة «قرقيسيا»، وبعضها لم تحدّد وقتها، وبعضها حدّدتها بأنها بين بني العبّاس وبني أميّة، وبعضها ربطتها بالسفياني الذي يكون في زمن الإمام المهديّ عليه السلام، وبعضها ذكرت أنّ سببها كنز يظهر في مجرى الفرات ويقع الخلاف عليه بين السفياني والأتراك.
ومعركة قرقيسيا ليس في أطرافها راية هدى أو راية يكون في انتصارها نصر للمسلمين، وإنما بشّر بها النبيّ والأئمّة صلّى الله عليه وآله، لأن فيها هلاك الجبّارين بسيوف بعضهم!
* وهذه روايتها العامّة:
* في (الكافي: 8/295): «عن الإمام الباقر عليه السلام، قال لميسر: يا ميسر، كم بينكم وبين قرقيسا؟ قلت: هي قريبٌ على شاطئ الفرات.
فقال: أما إنّه سيكون بها وقعةٌ لم يكُن مثلها منذ خلَق الله تبارك وتعالى السماواتِ والأرضَ، ولا يكون مثلُها ما دامت السماوات والأرض مأدبة للطير. تشبعُ منها سباعُ الأرض وطيورُ السماء...».
* وفي (غَيبة النعماني: ص 278): «عن حذيفة بن المنصور، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: إنّ لله مائدة بقرقيسياء، يطّلعُ مطّلعٌ من السماء فينادي: يا طيرَ السماءِ ويا سباعَ الأرضِ، هلمّوا إلى الشبع من لحومِ الجبّارين».
* وهذه الرواية تربطها بالسفياني وظهور الإمام المهديّ عليه السلام:
* في (الاختصاص: ص 255) للشيخ المفيد: «عن جابر الجعفيّ، قال: قال لي أبو جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام: يا جابر، إلزم الأرض ولا تحرّك يداً ولا رِجلاً، حتى ترى علامات أذكرها لك، إنْ أدركتها:
- أوّلها اختلافُ وُلد فلان، وما أراكَ تُدرك ذلك، ولكن حدِّثْ به بعدي.
- ومنادٍ ينادي من السماءِ، ويجيئُكم الصوتُ من ناحية دمشق بالفتح.
- ويُخسَف بقريةٍ من قُرى الشام تسمّى الجابية.
- وتسقطُ طائفةٌ من مسجد دمشق الأيمن.
- ومارقةٌ تمرقُ من ناحيةِ التّرك، ويَعقِبُها مرجُ الروم، وستقبلُ إخوانُ التّركِ حتّى ينزلوا الجزيرةَ، وستُقبِلُ مارقةُ الرّوم حتّى تَنزلَ الرملة.
فتلك السنة، يا جابر، فيها اختلافٌ كثيرٌ في كلِّ أرضٍ من ناحية المغرب؛ فأوّلُ أرض المغرب تخرب [أرض] الشام، يختلفونَ عند ذلك على ثلاثِ راياتٍ: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السُّفياني. فيلتقي السفياني بالأبقع، فيقتتلونَ فيقتله ومَن معه ويقتل الأصهبَ، ثمّ لا يكون همُّه إلّا الإقبالُ نحو العراق، ويمرُّ جيشُه بقرقيسا فيقتلونَ بها مائةَ ألف رجلٍ من الجبّارين....
فبينا هم كذلك، إذ أقبَلَت راياتٌ من ناحيةِ خراسان تطوي المنازلَ طيّاً حثيثاً، ومعهم نفرٌ من أصحابِ القائم.... يبعثُ السفياني بعثاً إلى المدينة، فيَنفر المهديُّ منها إلى مكّة، فيبلغ أميرَ جيش السفياني أنّ المهديَّ قد خرجَ من المدينة، فيبعثُ جيشاً على أثَره فلا يُدركُه حتى يدخلَ مكّة... وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم البيداء فلا يفلت منهم إلا ثلاثة...
والقائمُ يومئذٍ بِمكّة، قد أَسنَدَ ظَهرَه إلى البيتِ الحرامِ، مُستجيراً به ينادي: يا أيُّها النّاس، إنّا نَستنصرُ اللهَ ومَن أجابَنا مِن النّاسِ، فإنّا أهلُ بيتِ نبيِّكُم، ونحنُ أولى الناس بالله وبمحمّدٍ..».
* أمّا الروايات التي تربطها بالكنز المختلَف عليه، فهي عديدة، ومن أوضحها ما في (مخطوطة ابن حمّاد: ص 92):
* «عن النبيّ صلّى الله عليه وآله، قال: ينحَسِرُ الفراتُ عن جبلٍ من ذهبٍ وفضّةٍ، فيُقتل عليه من كلّ تسعةٍ سبعةٌ. فإنْ أدركتُموه فلا تَقربوه».
* وفيها أيضاً: «الفتنة الرابعة ثمانية عشر عاماً، ثمّ تنجلي حين تنجلي وقد انحسر الفرات عن جبلٍ من ذهب، تنكبُّ عليه الأمّةُ فيُقتَلُ من كلّ تسعةٍ سبعةٌ».
ولا يُعرف المقصود بالفتنة الرابعة في هذا الحديث، فإنّ الأحاديث التي تعدّد الفتن متعارضة. نعم يسهل تمييز الفتنة الأخيرة منها لأنّ أحاديثها نصّت على ظهور الإمام المهديّ عليه السلام، بعدها. ولا يمكن الحكم على نصوص مرسَلة من هذا النوع، وإنْ صحّت فيُحتمل أن يكون الكنز المذكور مصادر نفط أو مناجم ذهب وفضة، تُكتَشَف هناك وتكون موضع خلاف بين الدول الثلاث.
أمّا الطرف المقابل للسفياني في هذه المعركة، فأكثر الأحاديث تذكر أنّه الترّك، ويمكن أن يكون الجيش التركي لأنّ النزاع على ثروة عند حدود سوريا وتركيا.
ويحتمل أن يكون المقصود بالتّرك هنا الروس؛ فقد ذكرت بعض الأحاديث أنّهم قبل خروج السفياني ينزلون الجزيرة التي هي جزيرة ربيعة أو ديار بكر، القريبة من قرقيسيا. وذكرت أحاديث أخرى أنّ السفياني يقاتل التّرك، ثمّ يكون استئصالهم على يد المهديّ عليه السلام، والمقصود بالجزيرة تلك المنطقة الواقعة قرب الموصل، المسمّاة بهذا الاسم وباسم ديار ربيعة أيضاً، وليس جزيرة العرب. وكذا المقصود بنزول قوات الروم في الرملة يحتمل أن يكون رملة فلسطين، أو رملة مصر.
دعاء اليوم الأول
«اللّهُمّ اجعلْ صِيامي فيه صيامَ الصائمين، وقيامي فيه قيامَ القائمين، ونبّهني فيه عن نومةِ الغافلين، وهبْ لي جُرمي يا إلهَ العالَمين. واعفُ عنّي يا عافياً عن المجرمين».
الغفلة مراتبُ ودركات: سهو، ونسيان، وغفلة. وقد تُطبق فتكون نوماً: «الناسُ نِيام، فإذا ماتوا انتبهوا». وحصيلة هذه الغفلة، الندم حين لا ينفع الاستدراك. ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾.
ويقابل الغفلة: التذكّر، وهو لا يحصل إلا بذكر الله واستحضار رقابته تعالى. عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «اذكرِ اللهَ عندَ همِّكَ إذا هَمَمْتَ، وعندَ لسانِك إذا حكمتَ، وعندَ يدِك إذا قسمتَ».
من دروس سماحة الشيخ حسين كوراني في المركز الإسلامي