الفرديّة*
فلسفة تجزئة الجَماعة
ـــــ فوّاز صالح ـــــ
المذهب الفرديّ (L’individualisme)، يقوم على تقديس الحرّيّة الفرديّة
كاملةً، ويعدّها حقّاً أساسيّاً للفرد، ويُوجب على الجماعة أن تحافظ على تلك الحرّيّة،
ومن ثمَّ لا يُمكن للقانون أن يتدخّل للحدّ منها، إلّا في الحالات الضّروريّة جدّاً،
وبالقدر الضّروريّ.
ظهر المذهب الفرديّ في القرن السّابع عشر، وبلغَ أَوجَه على وقع آراء فلاسفة
«الثّورة الفرنسيّة» الّذين أقاموه على أساس فكرة العقد الاجتماعيّ، من منظور جان جاك
روسّو.
ويرى أنصار هذا المذهب أنّ الغاية من تنظيم المجتمع هي حماية الفرد وتحقيق مصالحه
الخاصّة، الأمر الّذي يضمن تحقيق المصلحة العامّة من حيث إنّها تتكوَّن من مجموع مصالح
الأفراد، ولذلك فإنّ الفرد هو غايةُ القانون. وتقتصر مُهمّة القانون على تنظيم الحرّيّة
الفرديّة، ومنع الفرد من تجاوز حدود حرّيّته والاعتداء على حرِّيّة الآخرين. يُستخلص
من ذلك أنّ مُهمّة القانون في ظلّ المذهب الفرديّ لا تشمل تنظيم نشاطات الأفراد وتصرّفاتهم
في المجتمع، وذلك لأنّ مثل هذا التّنظيم يدخل في صلب الحرّيّة الفرديّة، إذ إنّ الفرد
ذاته هو الّذي ينظِّم نشاطاته وفعّاليّاته، أمّا القانون فيتدخّل ليمنع الفرد من الإخلال
بحقوق أقرانه في المجتمع.
يقوم المذهب الفرديّ - نظريّاً - على أساس المساواة المطلَقة بين الأفراد في
الحرّيّة والحقوق. لذلك فإنّ هذه المساواة المطلقة تحقّق ما يُسمّيه «العدل التّبادليّ»
بين الأفراد في المجتمع.
نتائجُه
يترتّب على الأخذ بالمذهب الفرديّ نتائج عدّة على صعيد الحياة السّياسيّة، والاقتصاديّة،
والقانونيّة في المجتمع.
* على صعيد الحياة السّياسيّة: يرمي هذا المذهب إلى تحقيق مبدأ المساواة بين الأفراد في
الحقوق والواجبات، وإلى تحرير الفرد من سيطرة الإكليروس والكنيسة، وكذلك من استبداد
الحكم المطلَق، ومن ظلم رجال الإقطاع، وإنْ كانت الوقائع اللّاحقة سجّلت إخفاقاتٍ
بيّنة على هذا الصّعيد.
* على صعيد الحياة الاقتصاديّة: ساد في ظلّ «الفرديّة» مذهبُ الاقتصاد الحرّ كَنتيجة لإطلاق
المنافسة بين الأفراد، والسّماح لهم باستثمار أموالهم على نحوٍ يحقّق لهم أكبر قدر
من الفائدة، حيث قانون العرض والطّلب هو الأساس لتحديد الأسعار.
* على صعيد الحياة القانونيّة: بدا أثرُ المذهب الفرديّ جليّاً على القوانين التّي وُضعت
في بداية القرن التّاسع عشر. ومثال ذلك القانون المدنيّ الفرنسيّ الصّادر عام 1804،
المعروف باسم «قانون نابليون».
فبالنّسبة إلى العقود يسود مبدأ سلطان الإرادة، الذي يعني أنّ الفرد حرٌّ في
أن يتعاقد أو ألَّا يتعاقد. وفي مجال المُلكيّة، يعدّ المذهب الفرديّ حقَّ الملكيّة
مُقدّساً.
نقدُ المذهب الفرديّ
يُمكن تسجيل ثلاث ملاحظات أساسيّة على المذهب الفرديّ:
1) المغالاة في حماية الفرد: الفرد - كما هو معلوم - كائنٌ اجتماعيٌّ
بطبعه، ولا يُمكن القبول بما ذهب إليه المذهب الفرديّ من حيث إنّ الفرد كائن مستقلّ
عن غيره من الأفراد، بينما هو في الواقع عضو في جماعة، وجزءٌ من كلّ.
2) إغفال أَثَر الجماعة: فالفرد لا يستطيع أن يقوم بكلّ ما يحقّق النّفع
العامّ والمصلحة العامّة. ومن ثمّ، فهناك أنشطة لا تستطيع أن تقوم بها إلّا الجماعة
المُتمثّلة بالدّولة: كالتّعليم، والصّحّة، والأمن. والمذهب الفرديّ يمنعُها من القيام
بمثل تلك الأنشطة.
3) ادّعاء المساواة بين الأفراد في الحرّيّة والحقوق: وهو ضربٌ من الوهم
والخيال ويخالف الواقع، إذ أدّى تطبيق المذهب الفرديّ إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات،
وأصبح صاحبُ رأس المال يتحكّم بالعامل، وصاحب الأرض يستغلّ الفلّاح.
* نقلاً عن (الموسوعة العربيّة) بتصرّف