«شعائر»

يُغسِّلُها مِن ماءِ عَينيهِ حَيدرٌ
 

علي اسماعيل شاهين*

أَليفُ اللَّيَالي أَلطِمُ الخدّ والصَّدرا         وَعَيني تَصُبُّ الدَّمعَ مِنْ مِحْجَري دُرّا
وَلي  زَفرَةٌ  أنّّى  ذَكَرتُ  مُصَابَها           تَضيقُ  بِيَ  الدُّنيا    وأفتقدُ   الصّبرا
وَلي حَنَّةٌ كالعيسِ ضاعَ  فَصيلُها          حَنينَ نِياقِ البيدِ إن تَشتَكي الَهجرا
وَلي أنّةٌ تُدمِي الفُؤاد َ ِبشَجوِها           وَلي صرخةٌ في نارِها تُصهِرُ الصَّّخرا
فَكَم عَقَدَت نفسي نُذُورَ مُتيَّمٍ             فَأَكرَمَها الباري فَأَوفَت لَهُ النِّذرا
فَهاجَ بها شَوْقٌ لأرضِ مُحَمَّدٍ                جَناحاي عِشقُ السِّبطِ والبَضعَةِ الكبرى
وَقَفْتُ عَلى بَابِ النبي وَمهجتي           على أرضِ ذَاكَ القَفْرِ تَلْفِظُها جَمرا
فَتِهْتُ بِذيّاكَ المُصابِ لأنني                  تَذَكَّرتُ أضلاعاً لِفاطمةِ الزَّهرا
تُساوْرُني أَفعى الهُمومِ وإنَّها                بِنارِ ضرامِ النَّوْحِ أشعلتِ الصَّدرا
أطوفُ بِذاكَ القَفرِ أَلثُمُ تُربَهُ                   فَأنْثُرُهُ وَرداً وأَنظُمُهُ شِعرا
يَفوحُ عبيرُ الطُّهرِ مِن كُلِّ جانبٍ              لِذاك تَرى الأرواحَ مِنْ عُطرِهِ سَكرى
فَيَجذُبُها نَشرٌ ومِسكُ لَطيمةٍ                 وَغُصًّةُ مَوتورٍ لَهُ كَبِدٌ حَرّى
فلَهفي على الدّارِ الّتي كانَ أَهلُها         مصابيحَ نُورِ اللهِ كيفَ بَدَت قَفرا
فما زالَ سَيفُ الوَجدِ يفتِكُ في الحشَا    وإظفَرُ كفِّ الثَّأرِ يَنهَشُني تَترا
وأعظمُ خَطبٍ حَزَّ قَلبَ مُحمَّدٍ                وَأَدمى لعَين الدّينِ فهيَ لَهُ عَبرى
 رَمَتها قِسِيُّ النَائباتِ بِأسهُمٍ               فَأحدثَ نَصلُ النَّائباتِ بِها كَسرا
تُحيطُ بِها الأيتامُ وَلهى كَأنَّما                 نُجومُ ليالي البيضِ قَد نَعتِ البَدرا 
تَضُمُّ يَتاماها بِأنَّةِ موجَعٍ                       تُكَفكِفُ سَيلَ الدَّمعِ مَثكولةً عَبرى
فصاحوا أيا مَهدَ الحَنانِ أما تَرَي              جُسوماً سَقاها اليُتمُ مِن كأسِهِ الضُّرا
يُغسِّلُها مِن ماءِ عَينيهِ حَيدرٌ                 وبِالنَّوحِ قَد راحَت تُكَفِّنُها الحورا
تُشَيِّعُها في اللَّيلِ خَيرُ بِطانة                 وَيُلحِدُها لَيلاً ويَدفُنُها سِرّا
فَضَجَّتْ لَها الأملاكُ تَندُبُها أَسىً             وَقاني الدُّموعِ الحُمرِ تَذرُفُها جَمرا
أيا نفسُ ذوبي لِلزَّكِيّةِ حَسرَةً                وضُمِّي رِماحَ الحُزنِ والبيضَ والسمرا
فَيا قائِماً بِالحقِّ كَم لَكَ زَفرَةٌ                  تُقَرِّحُ أجفاناً لِذي طَالِبٍ ثَأرا
إِلامَ لَيالي الهجرِ تَبقى بِسيفِها             تَحُزُّ بِأشفارِ البِعادِ لَنا نَحرا
بِنَفسي أَرى لِلبَدرِ نوراً وَطَلعَةً               عَقيبَ لَيالي الهَجرِ أَلقى لَكَ الفَجرا

*شاعر من لبنان- جبل عامل.
من قصيدة طويلة، تُعيد «شعائر» نشرها لفرادتها