تَهويدُ
مدينة القدس
التّاريخ
العربيّ، بأقلام مؤرّخين صهاينة
ـــــ
إعداد: «شعائر» ـــــ
منذ أن قامت (إسرائيل) باحتلال مدينة القدس عام 1967م، وهي تعمل
جاهدة للسّيطرة عليها وتغيير معالمها بهدف تهويدها وإنهاء الوجود العربيّ فيها،
وقد استخدمت لأجل ذلك الكثير من الوسائل، وقامت بالعديد من الإجراءات ضدّ المدينة
وسكّانها، حيث الاستيطان في المدينة وفي الأراضي التّابعة لها أحد أهمّ الوسائل
لتحقيق هدفها الأساسيّ، وسطَ صمتٍ عربيٍّ مُريب.
هذا المقال، يُلقي الضّوء على جانبٍ من
الإجراءات الصّهيونيّة الرّامية إلى مَسْخ الهويّة الإسلاميّة للقدس، وقد تمّ
إعداده بعد الرّجوع إلى عدّة مصادر تناولت مساعي تهويد المدينة المقدّسة.
عند احتلال مدينة القدس في العام 1967م، باشرت سلطات الاحتلال
الصّهيونيّ بضمّ أراضي 28 قرية ومدينة فلسطينيّة، وإخراج جميع التّجمّعات السّكّانيّة
الفلسطينيّة من حدود المدينة، مفتتحةً المرحلة الأولى من عمليّة تهويد القدس.
وقد سعت (إسرائيل) خلال العقود الماضية إلى استكمال مخطّطها الاستيطانيّ
بهدف السّيطرة الكاملة على مدينة القدس، من خلال توسيع حدود المدينة شرقاً
وشمالاً، وضمّ مستوطنات صهيونيّة من كلّ الجهات إلى أراضي القدس، وبذلك
قلّلت بشكلٍ ملحوظ نسبة السّكّان الفلسطينيّين إلى اليهود.
ويبلغ عدد المستوطنات الصّهيونيّة في القدس، 29 مستوطنة، 14 منها في حدود
ما تُسمّيه سلطات الاحتلال «القدس الشّرقيّة»، وتنتشر هذه المستوطنات في محافظة
القدس على شكل دائريّ حول المدينة. كما أنّ الحدود البلديّة لما يُسمّى بـ «القدس
الغربيّة» جرى توسيعها بشكل رسميّ، وتمّ الاستيلاء على 72 كم2 بقرارات
مختلفة.
وفي مرحلة لاحقة استصدرت سلطات الاحتلال «قانون التّنظيم والتّخطيط»،
الذي انبثقت عنه مجموعة من الخطوات الإداريّة والقانونيّة المعقّدة والتّعجيزيّة
في مجالات التّرخيص والبناء، ما حوّل أكثر من 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء
يُمنع الفلسطينيّون من البناء عليها، وتُستخدم كاحتياط لبناء المستوطنات، كما حدث
في «جبل أبو غنيم»، وقد دفعت هذه الإجراءات إلى هجرة سكّانيّة عربيّة من القدس إلى
الأحياء المحيطة بالمدينة.
وفي العام 1993م، بدأت مرحلة أخرى من تهويد القدس، وهي عبارة عن رسم
حدود جديدة للمدينة (المتروبوليتان)، وتشمل أراضٍ مساحتها 600 كم2، لتبدأ حلقة
جديدة من إقامة مستوطنات خارج حدود المدينة، هدفها الأساسي السّيطرة الكاملة عليها.
نتائج
الاستيطان اليهوديّ في القدس وضواحيها
يمكن إجمال هذه النتائج بالنّقاط التاليّة:
1)
مصادرة آلاف الدّونمات من أراضي القرى الفلسطينيّة.
2)
تطويق التّجمّعات السّكنيّة الفلسطينيّة، والحدّ من توسّعها الأفقيّ
والعموديّ.
3)
تهديد بعض التّجمّعات السّكّانيّة الفلسطينيّة بالإزالة، وخاصّة تلك
التي تعترض تنفيذ المخطّط الإسرائيليّ الرّامي إلى دمج العديد من المستوطنات
المحيطة بالقدس.
4)
إبقاء فِلَسطينيّ مدينة القدس وضواحيها في حالة خوف ورعب من خلال اعتداءات
المستوطنين عليهم.
5) عزل مدينة القدس وضواحيها عن محيطها الفلسطينيّ.
6)
فصل شمال الضّفّة عن جنوبها، والتّحكّم في حركة الفلسطينيّين بين
شمال الضّفة الغربيّة وجنوبها.
7)
قطع التّواصل الجغرافيّ بين أنحاء
الضّفّة الغربيّة وتقسيمها إلى بُقع متناثرة، وبالتّالي الحيلولة دون إقامة دولة فلسطينيّة
ذات سيادة ومتواصلة جغرافيّاً.
8) تشويه النّمط العمرانيّ الرّائع للقدس العتيقة والقرى الفلسطينيّة
المحيطة، الضّاربة جذورها في أعماق التّاريخ، وذلك بإدخال النّمط العمرانيّ الحديث.
الكُتل الاستيطانيّة
داخل القدس
عمد الكيان الصّهيوني إلى إنشاء تجمّعات استيطانيّة داخل الحدود
الموسّعة لمدينة القدس – فضلاً عن التي خارجها - منها على سبيل المثال:
1) الحي اليهوديّ:
داخل أسوار البلدة القديمة. أُقيم على أنقاض حارة الشّرف عام 1968م.
2) جيلو: أكبر المستوطنات الواقعة في الجزء الجنوبيّ الغربيّ من مدينة القدس،
تأسّست عام 1972م على مساحة 2700 دونم.
3) الجامعة العبريّة: أُقيمت
على أراضي قرية العيسويّة، ويقيم فيها حوالى 2500 شخص.
4) مُستعمرة جبل أبو غنيم (هارحماه): مساحتها
2058 دونم، صودرت أراضيها من القرى العربيّة.
ومن إجراءات تهويد مدينة القدس، تهجيرُ الفلسطينيّين منها، وقد وضعت
الحكومات المتعاقبة لدولة الاحتلال مخطّطات من أجل تنفيذ هذه السّياسة، منها:
1) التّصريحات التي يعلنها قادة العدوّ بأنّ القدس ملكٌ (لإسرائيل).
2) ما أعلنه شيمون بيريز حول ضرورة التّهجير الجماعيّ للفلسطينيّين
من مدينة القدس.
3) بيان صادر عن مجلس وزراء دولة الاحتلال بعنوان «خطة تنمية القدس»،
تضمّ تنفيذ مخطّط استيطانيّ جديد يشمل هدم 68 مسكناً فلسطينيّاً، وتشريد 200 عائلة
من سكّانها، بحي البستان في بلدة سلوان.
4) مخطّط لجذب أموال اليهود الأميركيّين الأثرياء، لشراء ممتلكات
في القدس في صفقات مشبوهة.
5) مشروع قرار مجلس الشّيوخ الأميركيّ، الذي يشترط الاعتراف بمدينة
القدس عاصمة موحّدة (لإسرائيل)، مقابل الاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة مستقبلاً، محاولاً
فرض أمر واقع على الأرض، ما يشكّل انتهاكاً صارخاً للقرارات والقوانين الشّرعيّة
الدّوليّة، حيث ينصّ قرار مجلس الأمن 242 على أنّ القدس المحتلّة والضّفّة الغربيّة
والقطاع، ضمن الأراضي العربيّة المحتلّة عام 1967م.
هذا، وعملت الحكومات (الإسرائيليّة) المتعاقبة على تنفيذ توصية اللّجنة
الوزاريّة (الإسرائيليّة) لشؤون القدس لعام 1973م، والتي تقضي بأن لا يتجاوز عدد السّكّان
الفلسطينيّيّن في القدس 22% من المجموع العام للسّكّان، وذلك لإحداث خَلل في
الميزان الدّيمغرافيّ في المدينة.
انحياز
الولايات المُتّحدة (لإسرائيل) بشأن القدس
تحاول الولايات المتحدة فرض سياسة الأمر الواقع على مدينة القدس
كعاصمة موحّدة لـ (إسرائيل) من خلال جملة من الخطوات، أهمّها نجاح «لجنة العلاقات
العامّة الأميركيّة – الإسرائيليّة» (إيباك)، في دفع أحد رجال الكونغرس إلى تقديم
مسودّة مشروع قرار يطالب بالإعتراف بالقدس كعاصمة (لإسرائيل) لا تقبل التّقسيم.
وفي هذا المشروع توصّل الكونغرس إلى النّتائج التّالية:
1) لقد كانت القدس عاصمة الشّعب اليهوديّ لأكثر من 3 آلاف عام، ولم
تكن أبداً عاصمة لأيّ دولة أخرى غير الشّعب اليهوديّ، وقد ذكرت في التّوراة - أنجيل
اليهود – 766 مرّة، ولم تُذكر بالاسم في القرآن.
وهي اليوم مقرّ الحكومة (الإسرائيليّة) بما فيها الرّئاسة والبرلمان والمحكمة
العليا.
2) إنّ القدس يجب أن تكون العاصمة غير المقسّمة (لإسرائيل).
3) يجب السّماح لمواطني (إسرائيل) بحريّة العبادة طبقاً لتقاليدهم.
4) تدعم (إسرائيل) الحريّة الدّينيّة لجميع المعتقدات.
5) يُعتبر نقل السّفارة الأميركيّة في (إسرائيل) من تل أبيب إلى
القدس دعماً من الولايات المتّحدة المتواصل (لإسرائيل) وللقدس غير المقسّمة، لذا يجب
نقل مبنى السّفارة، في مدّة لا تزيد عن 180 يوماً قبل الاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة.
والولايات المتّحدة لن تعترف بالدّولة الفلسطينيّة حتّى اعتراف
المجتمع الدّوليّ بأنّ القدس عاصمة (إسرائيل) دون فلسطين.
السّيطرة
على التّعليم
منذ شهر آب 1967م، اتّخذت حكومة الكيان الإسرائيليّ عدداً من
القرارات المُتعلّقة بقطاع التّعليم في القدس والضّفّة الغربيّة المحتلّة، حيث قرّرت
إلغاء البرامج التّعليميّة الأردنيّة التّي كانت مطبّقة سابقاً في مدارس المدينة،
وإبدالها بالبرامج التّعليميّة المطبّقة في المدارس العربيّة في الأراضي المحتلّة
سنة 1948م.
كما فرضت على المدارس الحصول على تراخيص (إسرائيليّة) تُجيز لها
الاستمراريّة في ممارسة نشاطاتها، وبإشراف سلطات الاحتلال على برامج التّعليم
ومصادر تمويل هذه المدارس. وقد تشوّهت الحقائق التّي تضمّنتها تلك المناهج المقرّرة،
كالإساءة للإسلام والأنبياء والحضارة العربيّة الإسلاميّة، وتزييف الحقائق التّاريخيّة،
وطَمْس مادة العقيدة الإسلاميّة وتَشويهها، وترويج أنّ تاريخ الإسلام هو تاريخ فِتن
وكوارث، وتغييب السّوَر المُتحدّثة عن بني إسرائيل وفسادهم في الأرض، أو الآيات التّي
تحثّ على القتال والجهاد، واستبدالها بتدريس التّوراة والأساطير اليهوديّة.
وفي مادة التّاريخ جرى تخصيص نصف المناهج للتّاريخ العربيّ كما يكتبه
المؤرّخون الإسرائيليّون، والنّصف الآخر خُصِّص للتّاريخ العبريّ واليهوديّ.
تهويد
أسماء المواقع الفلسطينيّة
عملت «الوكالة اليهوديّة»، وبمساعدة من سلطات الاحتلال البريطاني، على
طَمْس أسماء القرى والمُدن الفلسطينيّة و«عبْرَنَتِها»، بدءاً من العام 1922م، حين
شكّلت الوكالة «لجنة أسماء» لإطلاقها على المستوطنات الجديدة، والقرى القديمة... وقد
تمّت «عَبْرنَة» سبعة آلاف اسم لمواقع فلسطينيّة على الأقلّ، فضلاً عن الأسماء التّاريخيّة
والمواقع الجغرافيّة (أكثر من خمسة آلاف موقع)، لترسيخ هذه الأسماء في أذهان النّاشئة
العرب. وعملت سلطات العدوّ على تغيير أسماء بوّابات القدس التّاريخيّة بقَصد
تهويدها.
مؤشرات
إحصائيّة حول تَهويد القدس
تقوم سلطات الاحتلال بهدم المنازل الفلسطينيّة ووضع العراقيل والمعوّقات
لإصدار تراخيص البناء للفلسطينيّين، فمنذ العام 2000م وحتّى 2012م، تمّ هدم نحو
1,124 مبنًى في شرق القدس، ما أسفر عن تشريد خمسة آلاف فلسطينيّ. وتشير بيانات مؤسّسات
«حقوقيّة إسرائيليّة» إلى أنّ سلطات الاحتلال قامت بهدم خمسة وعشرين ألف مسكن في
فلسطين منذ العام 1967م.
وفي حين يشكّل الفلسطينيّون
30% من السّكّان في القدس، فإنّهم يدفعون 40% من قيمة الضّرائب التّي تَجبيها بلديّة
الاحتلال، وفي المقابل لا تنفق البلديّة سوى 8% على الخدمات المقدَّمة لهم.
* نصف المُستعمرين يسكنون في محافظة القدس: بلغ عدد المواقع الاستعماريّة – أي المستوطنات - والقواعد العسكريّة «الإسرائيليّة»
في نهاية العام 2012م في الضّفّة الغربيّة 482 موقعاً، كما أنّ 49.8% من المُستعمرين
يسكنون في محافظة القدس، حيث تجاوز عـددهم 267 ألف صهيوني، منهم 199 ألف يهودي في شرق
القدس، وتشكّل نسبة المُستعمرين إلى الفلسطينيّين في محافظة القدس حوالي 68 مُستعمراً،
مقابل كلّ 100 فلسطينيّ.
* خمسون ألف مَقْدِسي مَمنوعون من الإقامة في المدينة: في العام 2012م، بلغت مساحة الأراضي الفلسطينيّة المعزولة والمحاصرة
بين جدار الفصل العنصري، وما يُسمّى بـ «الخطّ الأخضر» 680 كم2، أي ما
نسبته 12% من مساحة الضّفّة الغربيّة.
ويعزل الجدار نهائيّاً حوالي 37 تجمّعاً يقطنُها ما يزيد على
ثلاثمائة ألف نسمة، كما حرم الجدار أكثر من 50 ألفاً من حَمَلة هويّة القدس من
الوصول إليها والإقامة فيها، بالإضافة إلى ذلك يحاصر الجدار 173 تجمّعاً سكّانيّاً
يقطنها ما يزيد على 850 ألف نسمة، وتعتبر مدينة قلقيلية أحد الأمثلة البارزة على
ذلك.