ملحق شعائر

ملحق شعائر

منذ يوم

الأخلاق العمَليّة
مُقتطف من كتاب (الرّسالة السَّعدِيّة) للعلّامة الحلّيّ

ملحق شعائر             17

 

 

 

 

الأخلاق العمَليّة

مُقتطف من كتاب (الرّسالة السَّعدِيّة)  للعلّامة الحلّيّ

 

 

 

 

 

 

 

 

إصدار المركز الإسلاميّ

بيروت – لبنان

1435 هـ - 2014 م

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تقديم

هذا المُلحق هو الجزء الأخير من كتاب (الرّسالة السّعديّة) الذي ألّفه أحد أبرز علماء الإماميّة في القرن السّادس الهجريّ، وهو الشّيخ جمال الدّين بن المطهّر المعروف بالعلّامة الحلّيّ.

وإذ نقدّمه إلى القارئ العزيز، نشير إلى أنّه ينطوي على فصلَيْن؛ كلّ فصل فيه موزّع على مقاصد، وكلّ مقصد إلى حقول، وفي كلّ حقل توجيه إلهيّ للنّاس جاء على لسان النّبيّ الأعظم وآله الكرام صلوات الله عَلَيْهِ وعليهم أجمعين.

أمّا الغاية من نشر هذا المقتطَف من (الرّسالة السّعديّة)، فينطلق من اعتبارات تدخل في أصل منهجيّة عمل «المركز الإسلاميّ»، ومجلّة «شعائر»، وخصوصاً لجهة إعادة تظهير العناوين الأصيلة في التّراث الإسلاميّ، وهي العناوين التي تنسجم مع الثّوابت العقائديّة والشّرعيّة وحُسن العَرض ومخاطبة العقل والقلب، وبما يحقّق التّوازن والتّناسُب بَيْنَ القول والعمل. وكلّ هذا على أساس دقّة اختيار النّصوص بمقتَضى مبدأ «الأجوَد لجودته» بقطع النّظر عن أيّ اعتبار آخر.

ولعلّ ما يَحتويه هذا النّصّ من (الرّسالة السّعديّة)، هو عين ما قصدناه من تظهير لثقافة شعائر الله، التي فاضت بها العقيدة الخاتمة وأخلاقيّات الإسلام المحمّديّ الأصيل.

***

وَجْهُ الأهميّة في إعادة نشر هذا النّصّ، هو في إجاباته العميقة على أسئلة راهنة تعيشها أُمّتنا الإسلاميّة في ميادين الإيمان والعبادة والتّخلّق بأخلاق النّبيّ الأعظم، صلّى الله عَلَيْهِ وآله. فلو كان لنا أن نتبيّن هذه الإجابات لوَجدناها واضحة بيّنة في النّصّ. وهو ما يظهّره العلّامة الحلّيّ من خلال بَسْط التّوجيهات النّبويّة في مجال التّعبّد والتّخلّق، الأمر الّذي يذكّر بصراط الحقّ المستقيم، في توحيد الأمّة وتآلفها ونَبْذ الفتنة والاقتتال، وإحياء ثقافة الدِّين القَيِّم.

أمّا كتاب (الرّسالة السّعديّة) الذي اخترنا مِنْهُ نصّ هذا المُلحق، فهو كتاب مُختصَر في المقاصد العباديّة والأخلاقيّة للشّريعة المقدّسة. والكتاب عبارة عن رسالة وجّهها العلّامة، رحمه الله، إلى الوزير سعد الدّين محمّد السّاوجيّ، (المُتوفّى سنة 711 للهجرة‍)، ولذلك سنرى أنّ ما يأتي من إشارة لَهُ في استهلال العلّامة، هو السّرّ وراء التّسمية، ومَن سُمِّيت الرسالة باسمه - مع الإشارة إلى أنّ ثمّة مجهوداً آخر يحمل اسم (الرّسالة السّعديّة)، للشّيخ الأديب، نصر بن هبة الله بن نصر الزّنجانيّ - إلّا أنّ هذا المجهود لا يتّخذ المنحى نفسه الذي اتّخذه منهج عمل العلّامة الحلّيّ لجهة تركيزه على الجانب التّهذيبيّ للنّفس انطلاقاً من أصول الدّين وفروعه.

وعلى هذا فالكتاب لا يَعدو كوْنَه رسالة، تتّصف بما تلتزم به الرّسائل من اختصار في المواضيع المبحوثة، حيث تساهل العلّامة، قدّس سرّه، في ذكر المصادر والمراجع حتّى في منهجيّة هيكله العامّ، علماً أنّ للعلّامة كُتباً مُفصّلة وعميقة، في ميادين المعرفة الإسلاميّة، وخاصّة ما كان منها في علم الكلام، والفقه والفلسفة والأخلاق.

أمّا كتابه (نهج الحقّ)، الذي حاجَّه فيه العلّامة الأشعريّ، الفضل بن روزبهان، بكتاب سمّاه: (إبطال الباطل)، فإنّه يشكّل نموذجاً في توسُّعِه وتعمُّقِه، سواء في الميادين الكلاميّة أم الفلسفيّة. وما (الرّسالة السّعديّة) إلّا سطور مختزَلة من صفحات ذَلِكَ (النّهج) الكبير، حيث وحدة المُناخ والأسلوب - في المفردات والجمَل والموضوعات.

المهمّ هنا، هو أنّ هذه الرّسالة تمتاز، من بَيْن أمور كثيرة، وبخاصّة الجزء الذي اخترناه منها في هذا الملحق، تنطوي على مزايا بخاصيّة الاستدلال المنطقيّ المبسَّط، والمقارنة بَيْنَ مختلف المدارس في جميع بحوثها، كلاميّة كانت أو فقهيّة، ناهيك عن دقّة المنهج في قواعدها، والأسلوب المبيّن في عروضه. أمّا ما يتّصل بفهرسة الرّسالة فيُمكن الإشارة إلى التّمهيد، وقسم العقائد، وقسم العبادات،

وأخيراً قسم الأخلاقيّات.

ومن الظّواهر المُلفتة، أنّ العلّامة، رحمه الله، كان كثيراً ما يستخدم عبارة (اختلف المسلمون) في رسالته هذه ليُبيِّن سُنّةَ التّعدّد وضرورة التنوّع في الدّائرة الفكريّة الإسلاميّة، وأهميّتها في إطلاق حركة الاجتهاد في فَهم مقاصد الشّريعة. لذلك فإنّ ما قصدَه العلّامة هو من نوع الاختلاف الإيجابيّ لا السّلبيّ، على قاعدة الحديث الشّريف (اختلاف أُمّتي رحمة)، بل، إنّه يذهب إلى كَون حملَة المذاهب، المختلفين المتعدّدين، بما فيهم أتباعهم، إلّا ما شذّ وندر، هم مسلمون بناءً على ما سبق، ومع توفّر حسن النّيّة منهم.

نشير أخيراً إلى أنّنا اخترنا عبارة «الأخلاق العمليّة» عنواناً لهذا المُلحق لتَطابقه مع المحتوى الّذي تمتلئ به الرّوايات الشّريفة، وخصوصاً لناحية الوَصل الوطيد بَيْنَ الإيمان بالله الواحد الأحد، والعمل بمكارم الأخلاق.

 

نسأل الله تعالى العونَ والتّسديدَ في مسعانا هذا..

وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله ربّ العالمين

«شعائر»

آب،2014

شوّال، 1435

 

 

 

 

سيرة ذاتيّة

العلَّامة الحلَّي (648 - 726 للهجرة)

هو الحسن بن يوسف بن عليّ بن المطهّر الأسدي، شيخ الإسلام، المجتهد الإماميّ الكبير، جمال الدّين، أبو منصور المعروف بالعلَّامة الحلَّي، وبآية الله، وبابن المطهّر.

وُلد في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وستمائة.

أخذ عن والده الفقيه المتكلَّم سديد الدّين يوسف، وعن خاله شيخ الإماميّة المحقّق الحلَّيّ الذي كان له بمنزلة الأب الشّفيق، فَحَظِيَ باهتمامه ورعايته، وأخذ عنه الفقهَ والأُصول وسائرَ علوم الشّريعة.

ولازم الفيلسوف نصير الدّين الطّوسي مدّة، واشتغل عليه في العلوم العقليّة، ومهرَ فيها.

وقرأ، وروى عن جمعٍ من العلماء، منهم: كمال الدّين ابن ميثم البحرانيّ، وعليّ بن موسى ابن طاوس الحَسنيّ، وأخوه أحمد بن موسى، ونجيب الدّين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد الهذليّ ابن عمّ المحقّق، ومفيد الدّين محمّد بن عليّ بن جهيم الأسديّ، والحسن بن عليّ بن سليمان البحرانيّ، ونجم الدّين جعفر بن نجيب الدّين محمّد بن جعفر بن نما الحلَّي، وغيرهم.

وبرع، وتقدّم وهو لا يزال في مقتبل عمره على العلماء الفحول، وفرغ من تصنيفاته الحكميّة والكلاميّة، وأخذ في تحرير الفقه قبل أن يكمل له (26) سنة.

ودرَّس، وأفتى، وتفرّد بالزعامة، وأحدثت تصانيفه ومناظراته هزّة، كان من آثارها تشيّع السّلطان محمّد خدابنده أولجايتو وعدد من الأُمراء والعلماء، وتداوُل كتُبه في المحافل العلميّة تدريساً وشرحاً وتعليقاً ونقداً، وازدهار الحركة العلميّة في الحلَّة واستقطابها للعلماء من شتّى النّواحي.

قال فيه معاصره ابن داود الحلَّي: «شيخ الطّائفة، وعلَّامة وقته، وصاحب التّحقيق والتّدقيق، كثير التّصانيف، انتهت رئاسة الإماميّة إليه في المعقول والمنقول».

وقال الصّفديّ: «الامام العلَّامة ذو الفنون ".." عالم الشّيعة وفقيهُهم، صاحب التّصانيف التي اشتهرت في حياته.. وكان يصنّف وهو راكب.. وكان ريّضَ الأخلاق، مشتهر الذّكر.. وكان إماماً في الكلام والمعقولات».

وقال ابن حجر في (لسان الميزان): «عالم الشّيعة وإمامهم ومصنّفهم، وكان آيةً في الذّكاء.. وكان مشتهر الذّكر، حسن الأخلاق».

روى عن العلَّامة طائفةٌ، وقصده العلماء من البلدان للَأخذ عنه، ومن هؤلاء:

ولده محمّد المعروف بفخر المحقّقين، وزوج أخته مجد الدّين أبو الفوارس محمّد بن علي ابن الأعرج الحسينيّ، وولدا أبي الفوارس، عميد الدين عبد المطّلب، وضياء الدّين عبد الله، ومهنّا بن سنان بن عبد الوهّاب الحسينيّ المدنيّ، وتاج الدّين محمّد بن القاسم ابن معيّة الحسني، وركن الدّين محمّد بن عليّ بن محمّد الجرجانيّ، والحسن بن الحسين السرابَشْنَوي، وقطب الدّين أبو عبد الله محمّد بن محمّد الرّازي المعروف بالقطب التّحتانيّ، والحسين بن إبراهيم بن يحيى الأَسترابادي، والحسين بن علي بن إبراهيم بن زُهرة الحسيني الحلبي، وغيرهم.

وكان السلطان خدابنده قد أمر له ولتلاميذه بمدرسة سيّارة تجوب البلدان لنشر العلم.

وللعلَّامة تآليف كثيرة، غزيرة بمادتها، عدّ منها السيد الأمين في (أعيان الشيعة) أكثر من مائة كتاب، منها: تذكرة الفقهاء، إرشاد الأذهان إلى أحكام الإِيمان، نهاية الأحكام في معرفة الأحكام، مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، منتهى المطلب في تحقيق المذهب: ذكر فيه جميع مذاهب المسلمين في الفقه ورجّح ما يعتقده، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، مبادئ الوصول إلى علم الأُصول، تهذيب طريق الوصول إلى علم الأُصول، تَبصرة المتعلّمين في أحكام الدين، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، نهج الإِيمان في تفسير القرآن، ".." الأبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة، القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي والإِلهي، إيضاح التلبيس من كلام الرئيس باحثَ فيه ابن سينا، المطالب العلية في معرفة العربية، نهاية المرام في علم الكلام، الدرّ والمرجان في الأحاديث الصحاح والحسان، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، وشرح «مختصر» ابن الحاجب في أُصول الفقه، وصفه ابن حجر في (الدرر الكامنة) بأنّه في غاية الحُسن في حلّ ألفاظه وتقريب معانيه.

ومن سائر مؤلّفاته: (الرّسالة السّعدية)، و(نهج الحقّ)، كلاهما مطبوع.

وذكر السيد محسن الأمين العاملي أنّ أوّل من قسَّم الحديث إلى أقسامه المشهورة من علماء الإمامية هو العلَّامة الحلَّي.

وكان ابن تيمية (المتوفّى 728 للهجرة) من أشد المتحاملين على العلَّامة، وصنّف في الردّ عليه كتاباً سمّاه (منهاج السنّة) تورّط فيه بإنكار المسلَّمات من فضائل أهل البيت عليهم السَّلام، وردِّ الأحاديث الصحيحة الواردة في حقّهم، وملأَه بالسّباب والتقوّلات التي يبرأ منها شيعة أهل البيت عليهم السَّلام.

توفي العلَّامة في مدينة الحلَّة في شهر محرّم الحرام سنة ست وعشرين وسبعمائة، ونُقل إلى النجف الأشرف، فدُفن في حجرة عن يمين الداخل إلى حرم أمير المؤمنين عليه السَّلام من جهة الشمال، وقبره ظاهرٌ مَزُور.

(موسوعة طبقات الفقهاء، إشراف الشيخ جعفر السبحاني، ج 8)

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأوّل

في ذكر أفعالٍ وَرَد التّرغيبُ أو التّرهيبُ عنها

 

 

§       المقصد الأوّل: في المرغَّب فيها، وفيه حقول:*

 (الحقل الأوّل) في: إكثار التّسبيح، منها:

* ما قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «أَكْثِروا مِنْ: سُبْحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتينَ يَوْمَ القِيامَةِ، لَهُنَّ مُقَدِّماتٌ، وَمُؤَخِّراتٌ وَمُعَقِّباتٌ، وَهُنَّ الباقِياتُ الصّالِحاتُ».

* وقال صلّى الله عَلَيْهِ وآله لأصحابه ذات يوم: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ جَمَعْتُمْ ما عِنْدَكُمْ مِنَ الثِّيابِ وَالأَبْنِيَةِ، ثُمَّ وَضَعْتُمْ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ، أَكُنْتُمْ تَرَوْنَهُ يَبْلُغُ السَّماءَ؟ قالوا: لا، يا رسول الله.

قال صلّى الله عَلَيْهِ وآله: أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلى شَيْءٍ أَصْلُهُ في الأَرْضِ، وَفَرْعُهُ في السَّماءِ؟ فقالوا: بلى يا رسول الله. قال: يَقولُ أَحَدُكُمْ إِذا فَرَغَ مِنْ صَلاةِ الفَريضَةِ: سُبْحانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إِلّا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ، ثَلاثينَ مَرَّةً، فَإِنَّ أَصْلَهُنَّ في الأَرْضِ، وَفَرْعَهُنَّ في السَّماءِ، وَهُنَّ يَدْفَعْنَ: الهَدْمَ، وَالحَرْقَ، وَالغَرَقَ، وَالتَّرَدِّيَ في البِئْرِ، وَأكْلَ السَّبُعِ، وَمِيتةَ السّوءِ، وَالبَلِيَّةَ الّتي تَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ عَلى العَبْدِ في ذَلِكَ اليَوْمِ، وَهُنَّ الباقِياتُ الصّالِحاتُ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى سَلاحٍ يُنْجيكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَيُدِرُّ رِزْقَكُمْ؟ قالوا: بلى. قال: تَدْعونَ بِاللَّيْلِ وَالنّهارِ، وَإِنَّ سِلاحَ المُؤْمِنِ الدُّعاءُ».

* وعن الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ، قال: «جاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْأَغْنِيَاءَ لَهُمْ مَا يُعْتِقُونَ وَلَيْسَ لَنَا، وَلَهُمْ مَا يَحُجُّونَ وَلَيْسَ لَنَا، وَلَهُمْ مَا يَتَصَدَّقُونَ وَلَيْسَ لَنَا، وَلَهُمْ مَا يُجَاهِدُونَ وَلَيْسَ لَنَا!

فقال صلّى الله عَلَيْهِ وآله: مَن كَبّرَ الله مائةَ مرّةٍ كان أفضلَ من عِتق رقبة، ومن سبّح اللهَ مائة مرّة كان أفضلَ من سياق مائة بُدنة، ومن حمِد اللهَ مائة مرّة كان أفضلَ من حُملان ألفِ فرس في سبيل الله بسُرُجِها ولُجُمِها ورُكُبِها، ومن قال لا إله إلّا اللهُ مائة مرّة، كان أفضلَ النّاس عملاً في ذَلِكَ اليوم إلّا من زاد. فبلغ ذَلِكَ الأغنياءَ فصنعوا به.

فَعَادوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ بَلَغَ الْأَغْنِيَاءَ مَا قُلْتَ فَصَنَعُوهُ!

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاء».

 

(الحقل الثّاني) في: إتيان المساجد:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله حكايةً عن الله تعالى: «أَلا إِنَّ بُيُوتِي فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدُ تُضِيءُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِيءُ النُّجُومُ لأَهْلِ الأَرْضِ، أَلا طُوبَى لِمَنْ كَانَتِ الْمَسَاجِدُ بُيُوتَهُ، أَلا طُوبَى لِعَبْدٍ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي، أَلا إِنَّ عَلَى الْمَزُورِ كَرَامَةَ الزَّائِرِ، أَلا بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلُمَاتِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. مَنْ أَسْرَجَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللهِ سِرَاجًا لَمْ تَزَلِ الْمَلائِكَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ مَا دَامَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ ضَوْءٌ مِنْ ذَلِكَ السِّرَاجِ».

 

 (الحقل الثّالث) في: المحافظة على الفرائض:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: « هَذِه الصَّلواتُ الخَمْسُ المَفرُوضاتُ، مَنْ أَقَامَهُنَّ وَحَافَظَ عَلَى مَواقِيتِهِنَّ لَقِيَ اللهَ يَوْم القِيامَةِ وَلَهُ عِنْدَهُ عَهْدٌ يَدْخُلُ بِهِ الجَنَّةَ. وَمَنْ لَمْ يُصَلِّهِنَّ لِمَواقيتِهِنَّ، فَذَلِكَ إِلَيْهِ، إِنْ شاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإنْ شاءَ عَذَّبَهُ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «ما مِنْ صَلاةٍ يَحْضُرُ وَقْتُها، إِلّا نادَى مَلَكٌ بَيْنَ يَدَيِ النّاسِ: أَيُّها النّاسُ! قوموا إِلى نيرانِكُمْ الّتي أَوْقَدْتُموها عَلى ظُهورِكُمْ، فَأَطْفِئوها بِصَلاتِكُمْ».

 

(الحقل الرّابع) في: الأذان والإقامة:

 

* قال أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ صَلّى بِأَذانٍ وَإِقامَةٍ، صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ مِنَ المَلائِكَةِ لا يُرَى طَرَفاهُ، وَمَنْ صَلَّى بِإِقامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ مَلَكٌ واحِدٌ».

 

(الحقل الخامس) في: طول السّجود:

* قال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَطَالَ السُّجُودَ حَيثُ لَا يرَاهُ أَحَدٌ قَالَ الشَّيْطَانُ: يا وَيْلَاهُ، أَطَاعُوا وَعَصَيتُ، وَسَجَدُوا وَأَبَيتُ. وأَقْرَبُ مَا يكونُ الْعَبْدُ إِلَى اللهِ وَهُوَ سَاجِدٌ. وَأَيُّما مُؤْمِنٍ سَجَدَ للهِ وَشَكَرَ نِعْمَةً مِنْ غَيْرِ صَلاةٍ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِها عَشْرَ حَسَناتٍ وَمَحا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجاتٍ».

 (الحقل السّادس) في: صلاة الجماعة:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «صَلاةُ الجَماعَةِ تَفْضُلُ صَلاةَ الفَرْدِ بِخَمْسٍ وَعِشْرينَ صَلاةً».

(الحقل السّابع) في: صلاة اللّيل:

* قال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «شَرَفُ المُؤْمِنِ صَلاةُ اللَّيْلِ، وَعِزُّ المُؤْمِنِ كَفُّهُ عَنِ النّاسِ، وَصَلاةُ اللَّيْلِ تُبَيِّضُ الوُجوهَ، وَتُطَيِّبُ الرّيحَ، وَتَجْلِبُ الرِّزْقَ».

(الحقل الثّامن) في: التّعقيب:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يا ابْنَ آدَمَ، اذْكُرْني بَعْدَ الغَدَاةِ ساعَةً، وَبَعْدَ العَصْرِ ساعَةً، أكْفِكَ ما أَهَمَّكَ».

(الحقل التّاسع) في: الصّدقة:

* قال أمير المؤمنين عَلَيْهِ السَّلامُ في وصيّته: «اللهَ اللهَ في الزَّكاةِ، فَإِنَّها تُطْفِئُ غَضَبَ رَبِّكِمْ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «حَصِّنوا أَمْوالَكُمْ بِالزَّكاةِ، وَداوُوا مَرْضاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَما تَلِفَ مالٌ في بَرٍّ ولا بَحْرٍ، إِلّا بِمَنْعِ الزَّكاةِ مِنْهُ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَيُّما مُؤْمنٍ أَطْعَمَ مُؤْمِناً، في لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرٍ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِذَلِكَ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ أَعْتَقَ ثَلاثينَ نَسَمَةً مُؤْمِنَةً، وَكانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللهِ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ».

* وعن الباقر عَلَيْهِ السَّلامُ: «عَبَدَ اللهَ عابِدٌ ثَمانينَ سَنَةً، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلى امْرَأَةٍ فوَقَعتْ في نَفْسِهِ، فَنزَلَ إِلَيْها، فَراوَدَها عَنْ نَفْسِها، فَتابَعَتْهُ، فَلَمّا قَضَى مِنْها حاجَةً طَرَقَهُ مَلَكُ المَوْتِ، فَاعْتُقِلَ لِسانُهُ، فَمَرَّ بِهِ سائِلٌ، فَأَشارَ إِلَيْهِ: أَنْ خُذْ رَغيفاً كانَ في كِسائِهِ، فَأَحْبَطَ اللهُ عَمَلَ ثَمانينَ سَنَةً بِتِلْكَ الزِّنْيَةِ، وَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ الرَّغيفِ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «الصَّدَقَةُ تَمْنَعُ مِيتةَ السُّوءِ».

* وقال صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «الصَّدَقَةُ عَلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ، جُزْءٍ الصَّدَقَةُ فِيهِ بِعَشَرَةٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْعامَّةِ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا..﴾ الأنعام:160. وَجُزْءٍ الصَّدَقَةُ فِيهِ بِسَبْعِينَ وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى ذَوِي الْعاهاتِ، وَجُزْءٍ الصَّدَقَةُ فِيهِ بِسَبْعِمِائَةٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى ذَوِي الأَرْحَامِ، وَجُزْءٍ الصَّدَقَةُ بِسَبْعَةِ آلافٍ وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْعُلَماءِ، وَجُزْءٍ الصَّدَقَةُ بِسَبْعِينَ أَلْفاً وَهِيَ الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَوْتَى».

* وقال صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «أَرْضُ الْقِيَامَةِ نَارٌ مَا خَلَا ظِلَّ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّ صَدَقَتَهُ تُظِلُّهُ».

* وقال الرّضا عَلَيْهِ السَّلامُ: « ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ قَحْطٌ شَدِيدٌ سِنِينَ مُتَوَاتِرَةً، وَكَانَ عِنْدَ امْرَأَةٍ لُقْمَةٌ مِنْ خُبْزٍ فَوَضَعَتْها فِي فَمِهَا لِتَأْكُلَها، فَنَادَى السَّائِلُ: يَا أَمَةَ اللهِ، الْجُوعُ، فَقَالَتِ المَرْأَةُ: أَتَصَدَّقُ فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ! فَأَخْرَجَتْهَا مِنْ فِيهَا وَدَفَعَتْهَا إِلَى السَّائِلِ، وَكَانَ لَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ يَحْتَطِبُ فِي الصَّحْرَاءِ، فَجَاءَ الذِّئْبُ فَحَمَلَهُ، فَوَقَعَتِ الصَّيْحَةُ، فَعَدَتِ الأُمُّ فِي أَثَرِ الذِّئْبِ، فَبَعَثَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَبْرَئِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَخْرَجَ الغُلَامَ مِنْ فَمِ الذِّئْبِ، فَدَفَعَهُ إِلى أُمِّهِ، فَقالَ: يَا أَمَةَ اللهِ، أَرَضِيتِ لُقْمَةً بِلُقْمَةٍ؟!».

 (الحقل العاشر) في: مساعدة المؤمن:

* قال زين العابدين عَلَيْهِ السَّلامُ: « مَنْ قَضَى لِأَخِيهِ حَاجَةً فَبِحَاجَةِ اللهِ بَدَأَ، وَقَضَى اللهُ لَهُ بِهَا مِائَةَ حَاجَةٍ إِحْدَاهُنَّ الْجَنَّةُ. وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرَبَ الْقِيَامَة، بالِغاً ما بلَغَتْ. وَمَن أَعانَهُ عَلى ظالِمٍ لَهُ، أَعانَهُ اللهُ عَلى إِجازَةِ الصِّراطِ عِنْدَ دَحْضِ الأَقْدامِ، وَمَنْ سَعَى لَهُ في حاجَتِهِ، حَتّى قَضاها لَهُ، فَسُرَّ بِقَضائِها، فَكانَ كَإِدْخالِ ذَلِكَ السُّرورِ عَلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.

وَمَنْ سَقَاهُ عَلَى ظَمَأٍ سَقَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ، وَمَنْ أَطْعَمَهُ عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ.

 وَمَنْ كَسَاهُ عَلَى عُرْيٍ كَسَاهُ اللهُ مِنْ إستبرَقٍ وحريرٍ، ومَنْ كَساهُ مِنْ غَيْرِ عُرْيٍ، لَمْ يَزَلْ في ضَمانِ اللهِ ما دامَ عَلى المَكسُوِّ مِنَ الثَّوْبِ سِلْكٌ، وَمَنْ أَخْدَمَ أَخاهُ المُؤْمِنَ ماهِناً بِمِهْنَةٍ* (يمهنه) وَيَشُدُّ بِهِ عَضُدَهُ، أَخْدَمَهُ اللهُ مِنَ الوِلْدانِ المُخَلَّدينَ، وَأَسْكَنَهُ مَعَ أَوْليائِهِ الطّاهِرينَ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ رَحْلِهِ، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى ناقَةٍ مِنْ نُوقِ الجَنَّةِ يُباهي بِهِ المَلائِكَةَ، وَمَنْ كَفَّنَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَكَأَنّما كَساهُ مِنْ يَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِلى يَوْمِ يَموتُ. وَمَنْ زَوَّجَهُ زَوْجَةً يَأْنَسُ بِها وَيَسْكُنُ إِلَيْها، آنَسَهُ اللهُ في قَبْرِهِ بِصورَةِ أَحَبِّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، وَمَنْ عادَهُ عِنْدَ مَرَضِهِ حَفَّتْهُ المَلائِكَةُ تَدْعو لَهُ حَتّى يَنْصَرِفَ، وَتَقولُ: طِبْتَ وَطابَتْ لَكَ الجَنَّةُ، وَاللهِ لَقَضاءُ حاجَةٍ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ صِيامِ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ في اعْتِكافِهِما».

[* في مجمع البحرين: مَهَنَ مَهْناً: خدم غيره، والفاعل: ماهن، والأنثى: ماهنة، والجمع: مُهّان. وامتهنه: استخدمه]

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «مَنْ أَغاثَ أَخاهُ المُسْلِمَ حَتّى يُخْرِجَهُ مِنْ هَمٍّ وَكُرْبَةٍ وَوَرْطَةٍ، كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، وَمَحا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجاتٍ، وَأَعْطاهُ اللهُ ثَوابَ عِتْقِ عَشْرِ نَسَمَات، وَدَفَعَ عَنْهُ عَشْرَ نَقِماتٍ، وَأَعَدَّ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَشْرَ شَفاعاتٍ. وَمَنْ أَكْرَمَ أَخاهُ المُؤْمِنَ المُسْلِمَ، بِكَلِمَةٍ أَوْ بِلُقْمَةٍ فَرَّجَ بِها كُرْبَتَهُ، لَمْ يَزَلْ في ظِلِّ اللهِ المَمْدودِ وَالرَّحَمَةِ ما كانَ في ذَلِكَ، وَمَنْ لَقِيَ أَخاهُ بِما يَسُرُّه، سَرَّهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ، وَمَنْ لَقِيَ أَخاهُ بِما يَسوؤُهُ، ساءَهُ اللهُ يَوْمَ يَلْقاهُ؛ وَمِنْ تَعْظيمِهِ تَعالى إِجْلالُ ذي الشَّيْبَةِ المُؤْمِنِ، وَمَنْ عَرَفَ فَضْلَ شَيْخٍ كَبيرٍ فَوَقَّرَهُ لِسِنِّهِ، آمَنَهُ اللهُ مِنْ فَزَعِ يَوْمِ القِيامَةِ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِذا قَبَضَ اللهُ روحَ المُؤْمِنِ، صَعَدَ مَلَكاهُ إِلى السَّماءِ فَقالا: رَبَّنا عَبْدُكَ فُلانٌ - وَنِعْمَ العَبْدُ لَكَ - كانَ سَريعاً في طاعَتِكَ، وَبَطيئاً في مَعْصِيَتِكَ، وَقَدْ قَبَضْتَهُ إِلَيْكَ، فَماذا تَأْمُرُنا مِنْ بَعْدِهِ؟

وقال: فَيَقولُ اللهُ تَعالى لَهُما: اهْبِطا إِلى الدُّنْيا فَكونا عِنْدَ قَبْرِ عَبْدي، فَمَجِّداني وَسَبِّحاني وَهَلِّلاني وَكَبِّراني، وَاكْتُبا ذَلِكَ لِعَبْدي حَتّى أَبْعَثَهُ مِنْ قَبْرِهِ. وَإِذا بَعَثَ اللهُ المُؤْمِنَ مِنْ قَبْرِهِ، خَرَجَ مَعَهُ مِثالٌ يَقْدُمُهُ أَمامَه، وَكُلَّما رَأَى المُؤْمِنُ هَوْلاً مِنْ أَهْوالِ يَوْمِ القِيامَةِ، قالَ لَهُ المِثالُ: لا تَحْزَنْ وَلا تَفْزَعْ وَأَبْشِرْ بِالسُّرورِ وَالكَرامَةِ مِنَ اللهِ، وَلا يَزالُ يُبَشِّرُهُ بِالسُّرورِ وَالكَرامَةِ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُحاسِبَهُ حِساباً يَسيراً، وَيَأْمُرَ بِهِ إِلى الجَنَّةِ، وَالمِثالُ أَمامَهُ، فَيَقولُ: رَحِمَكَ اللهُ نِعْمَ الخارِجُ، خَرَجْتَ مَعِي مِنْ قَبْري، وَما زِلْتَ تُبَشِّرُني بِالسُّرورِ وَالكَرامَةِ مِنَ اللهِ تَعالى، حَتَّى رَأَيْتُ ذَلِكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقولُ لَهُ المِثالُ: أَنا السُّرورُ الذي كُنْتَ تُدْخِلُهُ عَلَى أَخيكَ المُؤْمِنِ في الدُّنْيا، خَلَقَني اللهُ مِنْهُ لِأُبَشِّرَكَ».

(الحقل الحادي عشر) في: تعظيم العلماء:

*  قال الله تعالى: ﴿.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ..﴾ الزمر:9.

* وقال تعالى: ﴿.. إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ..﴾ فاطر:28.

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «إِنَّ النّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ، وَإِنَّ رِجالاً يَأْتونَكُمْ مِنْ أَقْطارِ الأَرْضِ يَتَفَقَّهونَ في الدّينِ، فَإِذا أَتَوْكُمْ اسْتَوْصوا بِهِمْ خَيْراً».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا, سَلَكَ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّماوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، والحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ، وإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلا دِرْهَمًا، وَأَوْرَثُوا الْعِلْمَ, فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّماواتِ وَالأَرْضِ، حَتَّى النَّمْلَةِ في جُحْرِها وَحَتّى الحوتِ لَيُصَلُّونَ عَلى مُعلِّمِ النّاسِ الخَيْرَ، وَفَقيهٌ واحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطانِ مِنْ أَلْفِ عابِدٍ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ أَكْرَمَ فَقيهاً مُسْلِماً لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ وَهُوَ عَنْهُ راضٍ، وَمَنْ أَهانَ فَقيهاً مُسْلِماً لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبانُ».

§       المقصد الثّاني في: التّرهيب عنها وفيه حقول:

(الحقل الأوّل) في: الكِبر:

* قال الباقر عَلَيْهِ السَّلامُ: «العِزُّ رِداءُ اللهِ، وَالكِبْرِياءُ إِزارُهُ، فَمَنْ حاوَلَ شَيْئاً مِنْهُما أَكَبَّهُ اللهُ في جَهَنَّمَ».

* وقال الباقر والصّادق عليهما السّلام: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنَ الكِبْرِ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «أَكْثَرُ أَهْلِ النّارِ المُتَكَبِّرونَ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «ثَلاثَةٌ لا يُكلِّمُهمُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَليمٌ: شَيْخٌ زانٍ، وَمَلِكٌ جَبّارٌ، وَمُقِلٌّ مُخْتالٌ».

(الحقل الثّاني) في: فعل الخير لغير الله تعالى:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «يُؤْمَرُ بِرِجالٍ إِلى النّارِ، فَيَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَالِكٍ: قُلْ للنّارِ لا تُحْرِقْ لَهُمْ أَقْداماً، فَقَدْ كانوا يَمْشونَ إِلى المَساجِدِ، وَلا تُحْرِقْ لَهُمْ فَرْجاً فَقَدْ كانوا يَعُفُّونَ، وَلا تُحْرِقْ لَهُمْ وَجْهاً فَقَدْ كانوا يُسْبِغونَ الوُضوءَ، وَلا تُحْرِقْ لَهُمْ أَيْدِيَاً فَقَدْ كانوا يَرْفَعونَها بِالدُّعاءِ، وَلا تُحْرِقْ لَهُمْ أَلْسِنَةً، فَقَدْ كانوا يُكْثِرونَ تِلاوَةَ القُرْآنِ. قالَ: فَيَقولُ لَهُمْ خازِنُ النّار: يا أَشْقِياءُ! ما كانَ حالُكُمْ؟ قالوا: كُنّا نَعْمَلُ لِغَيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقيلَ لَنا: لِتَأْخُذوا ثَوابَكُمْ مِمَّنْ عَمِلْتُمْ لَهُ».

(الحقل الثّالث) في: أذى المؤمن:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «مَنْ آذَى مُؤْمِناً بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَأَنَّما هَدَمَ مَكَّةَ وَبَيْتَ اللهِ المَعْمورَ عَشْرَ مَرّاتٍ، وَكَأَنَّما قَتَلَ أَلْفَ مَلَكٍ مِنَ المُقَرَّبينَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «لا يَرْحَمُ اللهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النّاسَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «الرّاحِمونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماءِ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِيأْذَنْ بِحَرْبٍ مِنِّي مَنْ آذَى عَبْدِيَ المُؤْمِنَ، وَلِيَأْمَنْ مِنْ غَضَبي مَنْ أَكْرَمَ عَبْدِيَ المُؤْمِنَ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: « ما مِن مُؤمِنٍ يَخْذُلُ أَخاهُ وهُوَ يَقْدِرُ عَلى نُصْرَتِهِ إلّا خَذَلَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. وَأَيُّما مُؤْمِنٍ كانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُؤْمِنٍ حِجابٌ، ضَرَبَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجَنَّةِ سَبْعينَ أَلْفَ سورٍ، مَسيرَةُ أَلْفِ عامٍ ما بَيْنِ السّورِ إِلى السّورِ. وَأَيُّما مُؤْمِنٍ مَنَعَ مُؤْمِناً شَيْئاً مِمّا يَحْتاجُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ غَيْرِهِ، أَقامَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ مُسْوَدّاً وَجْهُهُ، مُزْرَقَّةً عَيْناهُ، مُغْلولَةً يَداهُ إِلى عُنُقِهِ، فَيُقالُ: هَذا الخاينُ الذي خانَ اللهَ وَرَسولَهُ، ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلى النّارِ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «سُبابُ المُؤْمِنِ فُسوقٌ، وَقِتالُهُ كُفْرٌ، وَأَكْلُ لَحْمِهِ مَعْصِيَةٌ للهِ».

(الحقل الرّابع) في: قطيعة الرّحِم:

 

* قال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «طَلَبَ المَنْصورُ العَلَوِيَّةَ مِنَ المَدينَةِ، فَلَمّا وَصَلْنا إِلَيْهِ، خَرَجَ إِلَيْنا الرَّبيعُ الحاجِبُ، قالَ: لِيَدخلْ عَلى أَميرِ المُؤْمِنينَ مِنْكُمْ اثْنانِ. فَدَخَلْتُ أَنا وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الحَسَنِ، فَلَمّا جَلَسْنا عِنْدَهُ قالَ: أَنْتَ الّذي يَعْلَمُ الغَيْب؟ قُلْتُ: لا يَعْلَمُ الغَيْبَ إِلّا اللهُ. قالَ: أَنْتَ الذي يُجْبَى إِلَيْكَ  الخَراجُ؟ فَقُلْتُ: الخَراجُ يُجْبَى إِلَيْكَ. فَقالَ: أَتَدْري لِمَ دَعَوْتُكُمْ؟ فَقُلْتُ: لا. قالَ: إِنَّما دَعَوْتُكُمْ لِأُخَرِّبَ رِباعَكُمْ، وَأُوغِرَ قَلْبَكُمْ، وَأُنْزِلَكُمْ بِالشَّراةِ، وَلا أَدَعْ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الشّامِ وَالحِجازِ يَأْتونَ إِلَيْكُمْ، فَإِنَّهُمْ لَكُمْ مَفْسَدَةٌ.

فَقُلْتُ: إِنَّ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ، وَإِنَّ يُوسفَ عَلَيْهِ السَّلامُ ظُلِمَ فَغَفَرَ، وَإِنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَأَنْتَ مِنْ نَسْلِ أُولَئِكَ القَوْمِ، فَسُرِّيَ عَنْهُ ذَلِكَ. ثُمَّ قالَ: حَدِّثْني الحَديثَ الذي حَدَّثْتَني بِهِ مُنْذُ أَوْقاتٍ عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ. فَقُلْتُ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قالَ: إِنَّ الرَّحِمَ حَبْلٌ مُمْتَدٌّ مِنَ الأَرْضِ إِلى السَّماءِ، يَقولُ: قَطَعَ اللهُ مَنْ قَطَعَني، وَوَصَلَ مَنْ وَصَلَني.

فَقالَ: لَسْتُ أَعْني ذَلِكَ. فَقُلْتُ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قالَ: قالَ اللهُ تَعالى: أَنا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وَشَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَها وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَها بَتَتُّهُ.

فَقالَ: لَسْتُ أَعْني ذَلِكَ. فَقُلْتُ: حَدَّثَني أَبي، عَنْ جَدِّي، عَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنَّهُ قالَ: إِنَّ مَلِكاً مِنْ مُلوكِ بَني إِسْرائيلَ كانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلاثُ سِنينَ فَوَصَلَ رَحِمَهُ، فَجَعَلَها اللهُ ثَلاثينَ سَنَةً، وَإِنَّ مَلِكاً مِنْ مُلوكِ بَني إِسْرائيلَ كانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ ثَلاثونَ سَنَةً، قَطَعَ رَحِمَهُ فَجَعَلَها اللهُ ثَلاثَ سِنينَ.

فَقالَ: هَذا الّذي قَصَدْتُ، وَاللهِ لَأَصِلَنَّ اليَوْمَ رَحِمِي، ثُمَّ سَرَّحَنا إِلى أَهْلِنا سَراحاً جَميلاً».

(الحقل الخامس) في: شُرب الخمر:

* قال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «مُدْمِنُ الخَمْرِ يَلْقَى اللهَ كَعابِدِ وَثَنٍ، وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ شَرْبَةً لَمْ يَقْبَلِ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَلاتَهُ أَرْبَعينَ يَوْماً».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «أَرْبَعٌ لا تَدْخُلُ بَيْتاً إِلّا خَرِبَ وَلَمْ تَعْمُرْهُ البَرَكَةُ: الخِيانَةُ، وَالسَّرِقَةُ، وَشُرْبُ الخَمْرِ، وَالزِّنا».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «يَجِيءُ مُدْمِنُ الخَمْرِ يَوْمَ القِيامَةِ مُزْرَقَّةً عَيْناهُ مُسْوَدّاً وَجْهُهُ، مائِلاً شِدْقُهُ يَسيلُ لُعابُهُ، مَشْدوداً ناصِيَتُهُ إِلى إِبْهامِ قَدَمَيْهِ، خارِجَةً يَدُهُ مِنْ صُلْبِهِ، فَيَفْزَعُ مِنْهُ أَهْلُ الجَمْعِ إِذا رَأَوْهُ مُقْبِلاً إِلى الحِسابِ. وَمَنْ أَدْخَلَ عِرْقاً مِنْ عُروقِهِ شَيْئاً مِمّا يُسْكِرُ كَثيرُهُ، عَذَّبَ اللهُ ذَلِكَ العِرْقَ بِسِتّينَ وَثَلاثِمائَةِ نَوْعٍ مِنَ العَذابِ».

(الحقل السّادس) في الظّلم:

* قال الله تعالى: ﴿.. وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ البقرة:270.

* وقال تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ..﴾ هود:113.

* وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ..﴾ البقرة:193.

* وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ الشورى:39.

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «إِنَّ اللهَ يَسْأَلُ المَرْءَ عَنْ جاهِهِ، كَما يَسْأَلُ [يسأله] عَنْ مالِهِ، يَقولُ: جَعَلْتُ لَكَ جاهاً، فَهَلْ نَصَرْتَ بِهِ مَظْلوماً؟ أَوْ قَمَعْتَ بِهِ ظالِماً أَوْ أَعَنْتَ بِهِ مَكْروباً؟!».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «كُلُّكُمْ راعٍ، وَكُلُّ راعٍ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».

* وقال صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يَوْمَ القِيامَةِ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ الفجر:14، قال: «قَنْطَرَةٌ عَلى الصِّراطِ لا يَجوزُها عَبْدٌ بِمَظلَمَةٍ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يقول: «وَعِزَّتي وَجلَالي لا أُجيبُ دَعْوَةَ مَظْلومٍ في مَظْلَمةٍ ظُلِمَها وَلِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِثْلُ تِلْكَ المَظْلَمَةِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إنَّ اللهَ أَوْحَى إِلى نَبِيٍّ مِنَ الأَنْبِياء في جَبّارٍ مِنَ الجَبابِرَةِ أَنِ ائْتِ هَذا الجَبّارَ فَقُلْ لَهُ: إِنّي لَمْ أَسْتَعْمِلْكَ عَلَى سَفْكِ الدِّماءِ وَاتِّخاذِ الأَمْوالِ، إِنَّما اسْتَعْمَلْتُكَ لِتَكُفَّ عَنّي أَصْواتَ المَظْلومينَ، وَإِنّي لَنْ أَدَعَ ظُلامَتَهُمْ، وَإِنْ كانوا كُفّاراً».

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «مَنِ اقْتَطَعَ مالَ مُؤْمِنٍ غَصْباً بِغَيْرِ حَقِّهِ، لَمْ يَزَلِ اللهُ تَعالى مُعْرِضاً عَنْهُ، ماقِتاً لِأَعْمالِهِ الّتي يَعْمَلُها، مِنَ البِرِّ وَالخَيْرِ، لا يُثْبِتُها في حِسابِهِ، حَتّى يَتوبَ وَيَرُدَّ المالَ الذي أَخَذَهُ إِلى صاحِبِهِ».

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ أَعانَ عَلى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتوبٌ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله في آخر خطبةٍ خطبَها: «مَنْ تَوَلّى خُصومَةَ ظالِمٍ أَوْ أَعانَهُ عَلَيْها، نَزَلَ بِهِ مَلَكُ المَوْتِ بِالبُشْرى: بِلَعْنَةِ اللهِ، وَنارِ جَهَنَّمَ خالِداً فيها وَبِئْسَ المَصيرِ؛ وَمَنْ خَفَّ لِسُلْطانٍ جايرٍ (جائِرٍ) في حاجيته (حاجَتِهِ)، كانَ قَرينَهُ في النّارِ، وَمَنْ دَلَّ سُلْطاناً عَلى الجَوْرِ كانَ مَعَ هامانَ، وَكانَ هُوَ وَالسُّلْطانُ مِنْ أَشَدِّ أَهْلِ النّارِ عَذاباً. وَمَنْ ظَلَمَ أَجيراً أَجْرَهُ أَحْبَطَ اللهُ عَمَلَهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ ريحَ الجَنَّةِ، وَريحُها يُوجَدُ مِنْ مَسيرِ خَمْسِمائَةِ عامٍ، وَمَنْ أَهانَ مُسْلِماً فَقيراً مِنْ أَجْلِ فَقْرِهِ وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَقَدِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّ اللهِ، وَلَمْ يَزَلْ في مَقْتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَخَطِهِ حَتّى يُرْضِيَهُ. وَمَنْ أَكْرَمَ فَقيراً مُسْلِماً لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ وَهُوَ يَضْحَكُ إِلَيْهِ، وَمَنْ عُرِضَتْ لَهُ: دُنْيا وَآخِرَةٌ، فَاخْتارَ الدُّنْيا وَتَرَكَ الآخِرَةَ، لَقِيَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَلَيْسَتْ لَهُ حَسَنَةٌ يَتَّقي بِها النّارِ، وَمَنْ أَخَذَ الآخِرَةَ وَتَرَكَ الدُّنْيا، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ القِيامَةِ وَهُوَ عَنْهُ راضٍ، وَمَنِ اكْتَسَبَ مالاً حَراماً لَمْ يَقْبَلِ اللهُ تَعالى مِنْهُ صَدَقَةً وَلا عِتْقاً وَلا حَجّاً وَلا اعْتِماراً، وَكَتَبَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَدَدِ أَجْزاءِ ذَلِكَ أَوْزاراً، وَما بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، كانَ زادَهُ إِلى النّارِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ أَخيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَظَرَ اللهُ إِلَيْهِ بِرَحْمَةٍ يَنالُ بِها الجَنَّةَ، وَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ بَنى عَلى ظَهْرِ طَريقٍ ما يَأْوي إِلَيْهِ عابِرُ سَبيلٍ، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى نَجيبٍ مِنْ دُرٍّ، وَجْهُهُ يُضيءُ لِأَهْلِ الجَمْعِ نوراً حَتّى يُزاحِمَ إِبْراهيمَ خَليلَ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ السَّلامُ في قُبَّتِهِ، فَيَقولُ أَهْلُ الجَمْعِ: هَذا مَلَكٌ مِنَ المَلائِكَةِ لَمْ نَرَ مِثْلَهُ قَطّ، وَدَخَلَ في شَفاعَتِه الجَنَّةَ أَرْبَعونَ أَلْفَ أَلْفِ رَجُلٍ».

 

 

 

 

 

 

الفصل الثّاني

في ما يتعلّق بالعدل، واصطناع المعروف

(الحقل الأوّل) في: العدل والمعروف:

* قال الله عزّ وجلّ:﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ..﴾ النحل: 90.

* وقال تعالى: ﴿.. وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..﴾ النساء:58.

* وقال تعالى: ﴿.. وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ الحجرات:9.

* وقال تعالى: ﴿.. وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا..﴾ الأنعام:152.

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «مَنْ وَلِيَ عَشَرَةً وَلَمْ يَعْدِلْ فيهِمْ جاءَ يَوْمَ القِيامَةِ وَيَداهُ وَرِجْلاهُ وَرَأْسُهُ في ثُقْبِ فَأْسٍ». [كناية عن القيد].

* وقال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِ النّاسِ فَضَيَّعَهُمْ، ضَيَّعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «عَدْلُ ساعَةٍ يَعْدِلُ عِبادَةَ سَبْعينَ سَنَةً».

(الحقل الثّاني) في: الصّدقة:

* وقال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «ما مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبادُ فيهِ إِلّا مَلَكانَ يَنْزِلانَ، فَيَقولُ أَحَدُهُما: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً، وَيَقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «لا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلّا أَخَذَها اللهُ بِيَمينِهِ فَيُرَبّيها كَما يُرَبّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ [أي المُهر] أَوْ قَلوصَهُ [النّاقة الشّابّة] حَتّى تَكونَ مِثْلَ الجَبَلِ أَوْ أَعْظَمَ».

* وعن رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله أنّه ذكَر النّارَ فتعوّذَ منها، وأشاحَ بَوجهِه ثلاث مرّات. ثمّ قال: «اتَّقوا النّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «ما يَسُرُّني أَنَّ لي أُحُداً [أي جبل أُحد] ذَهَباً، تَأْتي عَلَيْهِ ثَلاثَةٌ، وَعِنْدي مِنْهُ دينارٌ إلّا ديناراً أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ عَلَيَّ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلّا ظِلُّهُ: الإِمامُ العادِلُ، وَشابٌّ نَشَأَ بِعِبادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُتَعَلِّقٌ في المَساجِدِ، وَرَجُلانِ تَحابّا في اللهِ، اجْتَمَعا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وَجَمالٍ فَقالَ: إِنّي أَخافُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ وَأَخْفاها لا تَعْلَمُ يَمينُهُ ما تُنفِقُ شِمالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ خالِياً فَفَاضتْ عَيْناهُ».

* وقيل: يا رسولَ الله! ايُّ الصّدقةِ أعظَم؟! فقال: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحيحٌ شَحيحٌ، تَخْشَى الفَقْرَ وَتَأْمُلُ الغِنَى وَلا تُمْهِلُ حَتّى إِذا بَلَغَتِ الحُلْقومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذا، وَلِفُلانٍ كَذا، أَلا وَقَدْ كانَ لِفُلانٍ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «يا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلِ الفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ، وَإِنْ تُمْسِكْهُ شَرٌّ لَكَ، وَلا تُلامُ عَلى كَفافٍ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعولُ، وَاليَدُ العُلْيا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «صَنايِعُ المَعروفِ تَقي صَنايعَ السُّوءِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ البُيوتَ التي يُمْتارُ فيها المَعْروفُ تُضِيءُ لِأَهْلِ السَّماءِ، كَما تُضِيءُ الكَواكبُ لِأَهْلِ الأَرْضِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فَقالوا: يا نَبِيَّ اللهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالمَعْروفِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّها لَهُ صَدَقَةٌ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَن أنفق زوجَينِ في سبيل الله نُودي في الجنّة يا عبدَ الله هذا خير. فمَن كان من أهل الصّلاة دُعِيَ من باب الصّلاة، ومَن كان من أهل الجهاد دُعِيَ من باب الصّيام».

[وعَنى بقوله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: زوجَين، يعني: اثنَين من كلِّ شيء؛ كدرهمَين، أو ثوبَين]

 

(الحقل الثّالث) في: فضل الزّكاة:

* قال الصّادق عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّمَا وُضِعَتْ الزَّكَاةُ اخْتِبَاراً للأَغْنِيَاءِ وَمَعُوْنَةً لِلْفُقَرَاءِ. وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَدَّوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ مَا بَقِيَ مُسْلِمٌ فَقِيْراً مُحْتَاجاً، وَلاَسْتَغْنىَ بِمَا فَرَضَ اللهُ، وَإِنَّ النَّاسَ مَا افْتَقَرُوا وَلاَ احْتَاجُوا وَلاَ جَاعُوا وَلاَ عَرَوا إِلاَّ بِذُنُوْبِ الأَغْنِيَاءِ. وَحقيقٌ عَلى اللهِ تَبارَكَ وَتَعالى، أَنْ يَمْنَعَ رَحْمَتَهُ مِمَّنْ مَنَعَ حَقَّ اللهِ في مالِهِ، وَأُقسِمُ بِالّذي خَلَقَ الخَلْقَ وَبَسَطَ الرِّزْقَ، ما ضاعَ مالٌ في بَرٍّ وَلا بَحْرٍ إِلّا بِتَرْكِ الزَّكاةِ، وَما صِيدَ صَيْدٌ في بَرٍّ وَلا بَحْرٍ إِلّا بِتَرْكِ التَّسْبيحِ في ذَلِكَ اليَوْمِ، وَإِنَّ أَحَبَّ النّاسِ إِلى اللهِ تَعالى أَسْخاهُمْ كَفّاً، وَأَسْخَى النّاسِ مَنْ أَدَّى زَكاةَ مالِهِ وَلَمْ يَبْخُلْ عَلى المُؤْمِنينَ بِما افْتَرَضَ اللهُ لَهُمْ في مالِهِ، وَأَيُّما مُؤْمِنٍ أَوْصَلَ إِلى أَخيهِ مَعْروفاً فَقَدْ أَوْصَلَ ذَلِكَ إِلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ، وَرَأَيْتُ المَعْروفَ لا يَصْلُحُ إِلّا بِثَلاثِ خِصالٍ: بِتَصْغيرِهِ، وَسَتْرِهِ، وَتَعْجيلِهِ، فَإِنَّكَ إِذا صَغَّرْتَهُ عَظَّمْتَهُ عِنْدَ مَنْ تَصْنَعُهُ إِلَيْهِ، وَإِذا سَتَرْتَهُ تَمَّمْتَهُ، وَإِذا عَجَّلْتَهُ هَنَّأْتَهُ، وَإِنْ كانَ غَيْرَ ذَلِكَ مَحَقْتَهُ وَبكَدْته (نكّدته)، وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَشَقِيٌّ الرَّجُلُ أَمْ سَعيدٌ، فَانْظُرْ مَعْروفَهُ إِلى مَنْ يَصْنَعُهُ، فَإِنْ كانَ يَصْنَعُهُ إِلى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِلى خَيْرٍ، وَإِنْ كانَ يَصْنَعُهُ إِلى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرٌ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «خَيْرُ خِيارِكُمْ سُمَحاؤُكُمْ وَشِرارُكُمْ بُخَلاؤُكُمْ، وَمِنْ خالِصِ الإِيمانِ البِرُّ بِالإِخْوانِ، وَالسَّعْيُ في حَوائِجِهِمْ، وَإِنَّ البارَّ بِالإِخْوانِ لَيُحِبُّهُ الرَّحْمَنُ، وَفي ذَلِكَ مَرْغَمَةٌ للشَّيْطانِ وَتَزَحْزُحٌ عَنِ النِّيرانِ وَدُخولٌ في الجِنانِ».

* وقال رسول الله صلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ: «الرِّفْقُ رَأْسُ الحِكْمَةِ، اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ شَيْئاً مِنْ أُمورِ أُمَّتي فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفَقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «كيف يُقَدِّسُ اللهُ قَوْماً لا يُؤْخَذُ مِنْ شَديدِهِمْ لِضَعيفِهِمْ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «الدُّنْيا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَعْمِلُكُمْ فيها، فَناظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلونَ».

(الحقل الرّابع): في: الإمام العادل:

* قال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ للهِ عِباداً اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ، يُقِرُّها فيهِم مَا بَذَلُوها للنّاسِ، فَإِذا مَنَعُوها حَوَّلَها مِنْهُمْ إِلى غَيْرِهِمْ، وَكانَ كِسْرَى قَدْ فَتَحَ بابَهُ، وَسَهَّلَ جَنابَهُ، وَرَفَعَ حُجّابَهُ، وَبَسَط آذانَهُ لِكُلِّ واصِلٍ إِلَيْهِ، فَقالَ لَهُ رَسولُ مَلِكِ الرُّومِ: لَقَدْ أَقْدَرْتَ عَلَيْكَ عَدُوَّكَ، بِفَتْحِكَ البابَ وَرَفْعِكَ الحِجابَ، فَقالَ: أَتَحَصَّنُ مِنْ عَدُوّي بِعَدْلي، وَإِنَّما انْتَصَبْتُ هَذا المَنْصِبَ، وَجَلَسْتُ هَذا المَجْلِسَ، لِقَضاءِ الحاجاتِ، وَرَفْعِ الظُّلاماتِ، فَإِذا لَمْ تَصِلِ الرَّعِيَّةُ إِلَيَّ، فَمَتى أَقْضي حاجَتَها وَأَكْشِفُ ظُلامَتَها؟!.

وَكانَ مَلِكُ الهِنْدِ قَدْ ذَهَبَ سَمْعُهُ، فَاشْتَدَّ حُزْنُهُ وَجَزَعُهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ لِيُعزُّوهُ في سَمْعِه، فَقالَ: ما جَزَعي وَحُزْني عَلى ذَهابِ هَذِهِ الجارِحَةِ مِنّي، وَلَكِنْ لِصَوْتِ المَظْلومِ كَيْفَ لا أَسْمَعُهُ إِذا اسْتَغاثَ بي، وَلَكِنْ إِذا ذَهَبَ سَمْعي فَما ذَهَبَ بَصَري، فَأَمَرْتُ لِكُلِّ ذي ظُلامَةٍ بِلُبْسِ الأَحْمَرِ حَتّى إِذا رَأَيْتُهُ عَرَفْتُهُ وَقَرَّبْتُهُ وَأَنْصَفْتُهُ وَانْتَصَفْتُ لَهُ.

وَرُوِيَ: أَنَّ أَقْرَبَ النّاسِ إِلى اللهِ تَعالى وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ وَأَدْناهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً، يَوْمَ القِيامَةِ، إِمامٌ عادِلٌ».

* وقال رسول الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: «إِنَّ اللهَ تَعالى لَيَسْأَلُ العَبْدَ في جاهِهِ كَما يَسْأَلُ في مالِهِ، فَيقولُ: يا عَبْدي! رَزَقْتُكَ جاهاً، فَهَلْ أَعَنْتَ بِهِ مَظْلوماً أَوْ أَعَنْتَ بِهِ مَلْهوفاً؟».

(الحقل الخامس) في: قضاء الحاجات:

* قال عَلَيْهِ السَّلامُ: «الخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيالُ اللهِ، فَأَحَبُّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيالِهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ للهِ تَعالى عِباداً خَلَقَهُمْ لِحوائِجِ النّاسِ، آلَى عَلَى نَفْسِهِ أَلّا يُعَذِّبَهُمْ بِالنّارِ، فَإِذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ وُضِعتْ لَهُمْ مَنابِرُ مِنْ نورٍ، يُحَدِّثونَ اللهَ تَعالَى وَالنّاسُ في الحِسابِ».

* «ومرّ عَلَيْهِ السَّلامُ بيَهوديٍّ يحتطب، فقال لأصحابه: إِنَّ هَذا اليَهودِيَّ لَيَلْدَغُهُ اليَوْمَ أَفْعى وَيَموتُ، فلمّا كان آخرَ النّهار رجعَ اليهوديّ بالحطب على رأسه على جَاري عادتِه، فقال الجماعة: يا رسولَ الله ما عهدناك تُخبِرُ بما لم يَكن. فقال: وَما ذَلِكَ؟ قالوا: أخبرتَ اليومَ بأنّ هذا اليهوديّ يلدغُه أفعى ويموت، وقد رَجِع. فقال: عَلَيَّ بِهِ، فأُتيَ به إلى النّبيّ صلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ، فقال: يا يَهُودِيُّ! ضَعِ الحَطَبَ وَحُلَّهُ، فحلَّه، فرأى فيه أفعى، فقال: يا يَهُودِيُّ، ما صَنَعْتَ اليَوْمَ مِنَ المَعْروفِ، فقال: إنّي لم أصنعْ شيئاً مِنْهُ غيرَ أنّي خرجتُ ومعي كَعكتان، فأكلتُ إحداهما، ثمّ سألَني سائلٌ، فدفعتُ إِلَيْهِ الأخرى. فقال لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: تِلْكَ الكَعْكَةُ خَلَّصَتْكَ مِنْ هَذا الأَفْعى، فأسلمَ على يديه».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ للهِ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقاً خلَقَهُمْ لِحوائِجِ النّاسِ، يَفْزَعُ إِلَيْهِمُ النّاسُ في حوائِجِهِمْ، أُولَئِكَ الآمِنونَ مِنْ عَذابِ اللهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ قَضى لِأَخيهِ حاجَةً، كُنْتُ واقِفاً عِنْدَ ميزانِهِ، فَإِنْ رَجَحَ وَإِلّا شَفَعْتُ لَهُ».

* وقال جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام، عن أبيه، عن جدّه، عن عليٍّ عليهم السّلام، أنّ رسول الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه، قال: «مَنْ مَشى في عَوْنِ أَخيهِ فَلَهُ ثَوابُ المُجاهِدينَ في سَبيلِ اللهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ كانَ وُصْلةً لِأَخيهِ المُسْلِمِ إِلى ذي سُلْطانٍ في مَنْفَعَةِ بِرٍّ أَوْ تَيْسيرِ عُسْرٍ، أُعِينَ عَلى إِجازَةِ الصِّراطِ يَوْمَ دَحْضِ الأَقْدامِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ قَضى لِأَخيهِ المُسْلِمِ حاجَةً، كانَ كَمَنْ خَدَمَ اللهَ تَعالَى عُمُرَهُ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ فَرَّجَ على [عن] مُؤْمِنٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ، وَمَنْ سَتَرَ عَلى مُؤْمِنٍ عَوْرَةً سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَلا يَزالُ اللهُ تَعالى في عَوْنِهِ ما دامَ هُوَ في عَوْنِ أَخيهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ فَرَّجَ عَلى مُؤْمِنٍ كُرْبَةً جَعَلَ اللهُ لَهُ شُعْلَتَيْنِ مِنْ نورٍ، عَلى الصِّراطِ يَسْتَضيءُ بِضَوْئِها عالَمٌ لا يُحْصيهِ إِلّا رَبُّ العِزَّةِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ مَضَى مَعَ أَخيهِ في حاجَةٍ فَناصَحَهُ فيها، جَعَلَ اللهُ تَعالى بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّارِ يَوْمَ القِيامَةِ سَبْعَةَ خَنادِقَ، وَالخَنْدَقُ ما بَيْنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ في الدُّنْيا (وَالآخِرَةِ)، وَمَنْ فَكَّ عَنْ مَكْروبٍ فَكَّ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، وَمَنْ كانَ في حاجَةِ أَخيهِ كانَ اللهُ في حاجَتِهِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ للهِ تَعالى عِباداً خَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنافِعِ العِبادِ، وَيُقِرُّها فيهِمْ ما بَذَلوها، فَإِذا مَنَعوها حَوَّلَها مِنْهُمْ وَجَعَلَها في غَيْرِهِمْ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ أَضافَ مُؤْمِناً أَوْ خَفَّ لَهُ في شَيْءٍ مِنْ حوائِجِهِ، كانَ حَقّاً عَلى اللهِ أَنْ يُخْدِمَهُ وَصيفاً في الجَنَّةِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، واللهُ تَعالى في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ، ومَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا إِلى الجَنَّةِ، وَما جَلَسَ قَوْمٌ في مَسْجِدٍ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ ويَتَدارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وحَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ، ومَن ومَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَيُّما والٍ أَغْلَقَ بابَهُ دونَ ذَوِي الحاجاتِ وَالخَلَّةِ وَالمَسْكَنَةِ، أَغْلَقَ اللهُ بابَهُ عَنْ حاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ».

 

(الحقل السّادس) في: إغاثة الملهوف:

* قال رسول الله صلّى الله عَلَيْهِ وآله: «مَنْ أَغاثَ مَلْهوفاً، كَتَبَ اللهُ لَهُ ثَلاثاً وَسَبْعينَ حَسَنَةً، واحِدَةٌ مِنْها يُصْلِحُ آخِرَتَهُ وَدُنْياهُ، وَالباقي في الدَّرَجاتِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِغاثَةَ اللَّهْفانِ». ".."

* وسُئل عَلَيْهِ السَّلامُ: «يا رَسولَ اللهِ: أيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟! قالَ: أَنْ تُدْخِلَ عَلى أَخيكِ المُسْلِمِ سُروراً، أَوْ تَقْضِيَ عَنْهُ دَيْناً، أَوْ تُطْعِمَهُ خُبْزاً».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ صَدَقَةُ اللِّسانِ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، وَما صَدَقةُ اللِّسانِ؟ قالَ: الشَّفاعَةُ تَفُكُّ بِها الأَسيرَ، وَتَحْقِنُ بِها الدَّمَ، وَتَجُرُّ بِها المَعْروفَ إِلى أَخيكَ، وَتَدْفَعُ عَنْهُ الكَريهَةَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِذا عادَ المُسْلِمُ أَخاهُ، أَوْ زارَهُ في اللهِ، يَقولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ إِذْ تَبَوَّأْتَ في الجَنَّةِ مَنْزِلاً».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَتَدْرونَ ما يَقولُ الأَسَدُ في زَئيرِهِ؟! ".." يَقولُ: اللَّهُمَّ لا تُسَلِّطْني عَلى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ المَعْروفِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «وَالّذي نَفْسي بِيَدِهِ، لا يَضَعُ اللهُ الرَّحْمَةَ إِلّا عَلى رَحيمٍ»، قلنا: يا رسولَ الله! كلّنا رحيم. قال: «لَيْسَ الذي يَرْحَمُ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ خاصَّةً، ذَلِكَ الّذي يَرْحَمُ المُسْلِمينَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَثَلُ المُؤْمِنينَ في ما بَيْنَهُم، كَمَثَلِ البُنْيانِ يُمْسِكُ بَعْضُهُ بَعْضاً، وَيَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: قال الله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ تُريدونَ رَحْمَتي، فَارْحَمُوا خَلْقِي».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ وقد سُئل: أيُّ النّاسِ أحبُّ إليك. قال: «أَنْفَعُ النّاسِ للنّاسِ".." وَمَنْ مَشى مَعَ أَخيهِ في حاجَةٍ كانَ كَصِيامِ شَهْرٍ أَوِ اعْتِكافِهِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ مَظْلومٍ يُعينُهُ، ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ تَزِلُّ الأَقْدامُ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ، سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ، وَإِنَّ الخُلُقَ السَّيِّئَ يُفْسِدُ العَمَلَ، كَما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ المَعْروفُ وَأَهْلُهُ، وَأَوَّلُ مَنْ يَرِدُ الحَوْضَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَهْلُ المَعْروفِ في الدُّنْيا أَهْلُ المَعْروفِ في الآخِرَةِ ".." يَقولُ لَهُمْ: هَبُوا حَسَناتِكُمْ لِمَنْ شِئْتُمْ وَادْخُلوا الجَنَّةَ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «ما مَحَقَ الإِسْلامَ مِثْلُ الشُّحِّ شَيْءٌ، إِنَّ لِهَذا الشُّحِّ دَبيباً كَدَبيبِ النَّمْلِ، وَشُعَباً كَشُعَبِ الشِّرْكِ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «أَرْضُ القِيامَة نارٌ ما خَلا ظِلَّ المُؤْمِنِ، فَإِنَّ صَدَقَتَهُ تُظِلُّهُ».

* وقال عَلَيْهِ السَّلامُ: «الصَّدَقَةُ بِعَشَرَةٍ، وَالقَرْضُ بِثَمانِيَةَ عَشَرَ، وَصِلَةُ الإِخوانِ بِعِشْرينَ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرينَ».

وَلْيَكُن هذا آخر الرّسالة، فإنّ الأخبار في ذَلِكَ أكثر من أن تُحصى، والحمد لله ربّ العالمين، وصلاتُه على نبيّنا محمّدٍ وآله الطّاهرين وعترته الطّيّبين، وصَحبِه الخيّرين الفاضلين، سلامُ الله عليهم أجمعين. تمّ تحريره أواخر ربيع الثّاني، لسنة أربع وسبعين وسبعمائة، في حال الإحلال بقَلعة أربيل صانَها اللهُ عن الزّوال، بمُحمّدٍ وآلِه خيرِ الآل.

 


* عناوين الحقول هي إضافات من محقّق الكتاب

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ يوم

دوريّات

  كتب اجنبيّة

كتب اجنبيّة

نفحات