موقف

موقف

26/07/2014

معنى التّوحيد في القرآن الكريم

 

معنى التّوحيد في القرآن الكريم

ـــــ العلّامة السّيّد محمّد حسين الطّباطبائيّ قدّس سرّه ـــــ

مُقتطف من بحث للسّيّد الطّباطبائيّ أورده في الجزء السّادس من تفسير الميزان، مفاده أنّ كمالَ معرفةِ الله يستوجبُ نَفي الوحدة العدديّة عنه تعالى، وإثبات الوحدة بمعنًى آخر، مُستدلّاً بما رُوي عن أمير المؤمنين، عليه السّلام، في هذا الباب، وفي مقدّمه جوابُه عليه السّلام عن سؤال الأعرابيّ يومَ الجمل، ومُستهلّ الخطبة الأولى من (نهج البلاغة)، ويشير العلّامة الطّباطبائيّ إلى أنّ أوّل مَن تفطّن إلى لطائف المعاني الواردة في كلام الأمير صلوات الله عليه، هو صدر المُتألّهين الشّيرازيّ رحمه الله.

 

القول بأنَّ للعالم صانعاً، ثمَّ القول بأنّه واحد، من أقدم المسائل الدّائرة بين مُتفكّري هذا النّوع [النّوع الإنسانيّ]، تَهديه إليه فطرتُه المركوزةُ فيه. حتّى أنَّ الوثنيّة المبنيّة على الإشراك، إذا أمعنّا في حقيقة معناها وجدناها مبنيّةً على أساس توحيد الصّانع وإثبات شُفعاء عنده: ﴿..مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى..﴾ الزّمر:3، وإنْ انحرفتْ بعدُ عن مجراها، وآلَ أمرُها إلى إعطاء الاستقلال لآلهةٍ دون الله تعالى.

والفطرةُ الدّاعيةُ إلى توحيد الإله، وإنْ كانت تدعو إلى إلهٍ واحدٍ غيرِ محدودِ العظَمة والكبرياء ذاتاً وصفة، غير أنَّ إلفة الإنسان وأُنسَه في ظرف حياته بالآحاد العدديّة من جانب، وبلاء الملّيّين [في مقابل الدّهريّين] بالوثنيّين والثّنويّين [القائلين بقِدَم النّور والظُّلمة] وغيرهم لنَفي تعدّد الآلهة من جانبٍ آخر، سجّل عدديّةَ الوحدة، وجعل حكم الفطرة المذكورة كالمغفول عنه.

ولذلك ترى المأثور من كلام الفلاسفة الباحثين في مصر القديمة‏ واليونان والإسكندريّة وغيرهم ممّن بعدَهم، يُعطي الوحدة العدديّة، حتّى صرّحَ بها مثلُ الرّئيس أبي عليّ بن سينا في كتاب (الشّفاء)، وعلى هذا المجرى يجري كلامُ غيره ممّن بعده، إلى حدود الألف من الهجرة النّبويّة.

وأمّا أهل الكلام من الباحثين فاحتجاجاتُهم على التّوحيد لا تُعطي أزيدَ من الوحدة العدديّة أيضاً، في عين أنَّ [أي على الرّغم من أنّ] هذه الحجج مأخوذة من الكتاب العزيز عامّة؛ فهذا ما يتحصّل من كلمات أهل البحث في هذه المسألة.

فالذي بيّنه القرآن الكريم من معنى التّوحيد [هو] أوّل خطوة خُطيت في تعليم هذه الحقيقة من المعرفة، غير أنَّ أهل التّفسير والمُتعاطين لعلوم القرآن من الصّحابة والتّابعين، ثمّ الذين يَلونهم أهملوا هذا البحث الشّريف، فهذه جوامعُ الحديث وكُتب التّفسير المأثورة عنهم لا ترى فيها أثراً من هذه الحقيقة لا ببيانٍ شارح، ولا بسلوكٍ استدلاليّ.

ولم نجد ما يكشف عنها غطاءها إلّا ما ورد في كلام الإمام عليّ بن أبي طالب عليه أفضل السّلام خاصّة، فإنَّ كلامه هو الفاتحُ لِبابها، والرّافعُ لسَترها وحِجابها، على أهدى سبيلٍ وأوضحِ طريقٍ من البرهان، ثمّ ما وقع في كلام الفلاسفة الإسلاميّين بعد الألف الهجريّ [صدر المُتألّهين الشّيرازيّ*]، وقد صرّحوا بأنّهم إنَّما استفادوه من كلامه عليه ‏السّلام.

وهذا هو السّرّ في اقتصارنا في البحث الرّوائيّ السّابق [حول التّوحيد] على نقل نماذج من غُرَر كلامِه عليه ‏السّلام الرّائق، لأنَّ السّلوك في هذه المسألة وشرحَها من مسلك الاحتجاج البرهانيّ لا يوجَد في كلام غيره عليه ‏السّلام.

ولهذا بعينه تركنا عقدَ بحثٍ فلسفيٍّ مستقلٍّ لهذه المسألة، فإنَّ البراهينَ المورَدة في هذا الغرض مؤلّفة من هذه المُقدّمات المبيّنة في كلامِه، لا تزيد على ما في كلامِه بشي‏ء، وجميعُها مبنيّة على صَرافة الوجود وأحديّة الذّات جلّت عظَمتُه.




* توضيح: صدر المتألّهين قال بـ «وحدة ذات الحقّ الصّرفة»، ونفى كلام المتقدّمين القائلين بالوحدة العدديّة.

والمرادُ من‌ الشّي‌ء المتّصف‌ بالوحدة الصّرفة‌، هو الذي‌ يكون‌ علی‌ نحوٍ من‌ البساطة‌ [عدم التّركيب]، بحيث‌ لو نظرنا إلى أيّ معنًى‌ من‌ معانيه‌ ومصاديقه‌، لوجدنا أنّه‌ لا يخرجُ‌ عنه‌، بل‌ هو في‌ داخله‌، ويمكن‌ القول‌ بأنّه‌: هُوَ هُو. أو فقُل: صِرفُ الوجود الذي‌ لا أتمّ منه‌، كلّما فرضتَه‌ ثانياً فإذا نظرت‌ إليه‌ فإذاً هُوَ هُوَ، خلافاً للشّي‌ء المتّصف‌ بالوحدة‌ العدديّة‌، الذي‌ يُمكن‌ تصوّر نظير وشبيه‌  له‌ خارجه‌.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

26/07/2014

دوريّات

نفحات