لا تَتَباهَ بِقُرْبِكَ
مِنَ اللهِ
أَيُّها
الأَخُ، كُنْ حَذِراً تِجاهَ مَكائِدِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ
لَنْ يَدَعَكَ، أَيُّها المِسْكينُ، تُؤَدّي عَمَلاً واحِداً بِإِخْلاصٍ؛ فَحَتّى هَذِهِ
الأَعْمالُ غَيْرُ الخالِصَةِ الّتي تَقَبَّلَها اللهُ تَعالى مِنْكَ بِفَضْلِهِ، فَإِنَّ
الشَّيْطانَ لَنْ يَدَعَكَ تَصِلُ بِها إِلى الهَدَفِ، وهو سيَعْمَلُ عَمَلاً تُحْبِطُ
بِهِ أَعْمالَكَ كُلَّها،
وَتَخْسَرُ حَتَّى هَذا النَّفْعَ بِسَبَبِ ".."
العُجْبِ وَالتَّدَلُّلِ في غَيْرِ مَوْقِعِهِ.
".."
أَنْتَ
تَظُنُّ أَنَّكَ بِهَذِهِ الأَعْمالِ المُتَفَسِّخَةِ المُتَعَفِّنَةِ الهَزيلَةِ،
المَمْزوجَةِ بِالرِّياءِ وَطَلَبِ السُّمْعَةِ وَأَلْفِ مُصيبَةٍ أُخْرى، الّتي تَحولُ
دونَ قَبولِ العِباداتِ كُلِّها، تَظُنُّ أَنَّكَ بِها تَسْتَحِقُّ الأَجْرَ مِنَ
الحَقِّ تَعالى، أَوْ أَنَّكَ أَصْبَحْتَ بِها مِنَ المُحِبّينَ وَالمَحْبوبينَ. أَيُّها
المِسْكينُ الجاهِلُ بِأَحْوالِ المُحِبّينَ! يا سَيِّءُ الحَظِّ الّذي لَمْ يَطَّلِعْ
عَلى قُلوبِ المُحِبِّينَ، وَعَلى لَهَبِ شَوْقِها تِجاهَ الحَقِّ، سُبْحانَهُ. أَيُّها
المِسْكينُ الغافِلُ عَنْ حُرْقَةِ المُخْلِصينَ وَنورِ أَعْمالِهِمْ! أَوَ تَظُنُّ
أَنَّ أَعْمالَهُمْ أَيْضاً مِثْلُ أَعْمالي وَأَعْمالِكَ؟ أَوَ تَتَوَهَّمُ أَنَّ
ميزَةَ صَلاةِ أَميرِ المُؤْمِنينَ، عَلَيْهِ السَّلامُ، عَنْ صَلاتِنا، أَنَّهُ عَلَيْهِ
السَّلامُ كانَ يَمُدُّ «الضَّالّينَ» أَكْثَرَ، أَوْ أَنَّ قِراءَتَهُ أَصَحُّ، أَوْ
أَنَّ سُجودَهُ أَطْوَلُ، وَأَذْكارَهُ وَأَوْرادَهُ أَكْثَرُ؟ أَوْ أَنَّ ميزَةِ
ذَلِكَ الرَّجُلِ العَظيمِ في أَنَّهُ كانَ يُصَلّي عِدَّةَ مِئاتٍ مِنَ الرَّكَعاتِ
لَيْلِيّاً؟ أَوَ تَظَنُّ أَنَّ مُناجاةَ سَيِّدِ السّاجِدينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ
عليهما السّلام هِيَ مِثْلُ مُناجاتي وَمُناجاتُكَ؟ وَأَنَّهُ كانَ يَتَحَرَّقُ وَيَتَضَرَّعُ
بِتِلْكَ الصُّورَةِ مِنْ أَجْلِ الحورِ العينِ وَالكُمَّثْرَى [أي
الإجاص] وَالرُّمّانِ مِنْ نِعَمِ الجَنَّةِ؟
أقسمُ بِهِ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، ﴿وَإِنَّهُ
لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾، لَوْ أَنَّ المُحبِّينَ كانَ بَعْضُهُمْ ظَهيراً
للبَعْضِ الآخَرِ، وَأَرادوا أَنْ يَتَفَوَّهُوا بِكَلِمَةِ (لا إِلَهَ إِلّا
اللهُ) مَرَّةً واحِدَةً بِمِثْلِ ما كانَ يَقولُها أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ
السَّلامُ، لَما اسْتَطاعُوا. فَكَمْ أَكونُ تَعيساً وَشَقِيّاً أَنْ لا أَكونَ عَلَى
خُطَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَأَنا مِنَ العارِفينَ لِمَقامِ وِلايَةِ عَلِيٍّ
عَلَيْهِ السَّلامُ؟
أُقْسِمُ بِمَقامِ عَلِيِّ بْنِ أَبي طالِبٍ عَلَيْهِ
السَّلامُ، لَوْ أَنَّ المَلائِكَةَ المُقَرَّبينَ وَالأَنْبِياءَ المُرْسَلينَ – ما
عَدا الرَّسولَ الخاتَمَ، الّذي يَكونُ مَوْلَى عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ - أَرادوا أَنْ
يُكَبِّروا مَرَّةً واحِدَةً، تَكْبيراً عَلى غِرارِ ما كانَ يُكَبِّرُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ
السَّلامُ، لَما اسْتَطاعُوا. وَأَمّا الوُقوفُ عَلَى قُلوبِهِمْ فَلا يَعْرِفُ أَحَدٌ
شَيْئاً إِلّا حَمَلَةُ تِلْكَ القُلوبِ وَأَصْحابُها!
فَيا أَيُّها العَزيزُ، لا تَتَباهَ بِقُرْبِكَ مِنَ
اللهِ، وَلا تُبالِغْ في [ادّعاء] حُبِّكَ
لَهُ، أَيُّها العارِفُ، أَيُّها الصُّوفِيُّ، أَيُّها الحَكيمُ، أَيُّها المُجاهِدُ،
أَيُّها المُرْتاضُ، أَيُّها الفَقيهُ، أَيُّها المُؤْمِنُ، أَيُّها المُقَدَّسُ،
أَيُّها المَساكينُ المُبْتَلُونَ، يا سَيِّئِي الحَظِّ المَغْلُوبينَ بِمَكائِدِ
النَّفْسِ وَهَواها، أَيُّها المَساكينُ المُبْتَلونَ بِالآمالِ وَالأَماني وَحُبِّ
النَّفْسِ، كُلُّكُمْ مَساكينُ، كُلُّكُمْ بَعيدونَ فَراسِخَ عَنِ الإِخْلاصِ وَعِبادَةِ
اللهِ، لا تُحْسِنُوا الظَّنَّ بِأَنْفُسِكُمْ إِلى هَذا الحَدِّ، [كُفُّوا عن الغُنج
والدّلال]. اسْأَلُوا قُلوبَكُمْ: هَلْ تَبْحَثُ عَنِ اللهِ، أَمْ تُريدُ ذاتَها؟
هَلْ هِيَ مُوَحِّدَةٌ وَتَطْلُبُ الواحِدَ أَمْ مُشْرِكَةٌ وَتَعْبُدُ اثْنَيْنِ؟
فَماذا يَعْنِي، إِذاً، كُلُّ هَذا العُجْبِ؟ مَاذا يَعْني، إذاً، التَّعالي بِالعَمَلِ
إِلَى [هذا]
الحَدِّ؟ وَهُوَ [أي العمل]
إِذا صَحَّتْ جَميعُ أَجْزائِهِ وَشُروطِهِ وَخَلا مِنَ الرِّياءِ وَالشِّرْكِ وَالعُجْبِ
وَباقي المُفْسِداتِ، فَهَدَفُهُ الوُصولُ إِلَى إِشْباعِ شَهَواتِ البَطْنِ وَالفَرْجِ،
فَما قيمَتُهُ كَيْ تَنْقُلَهُ المَلائِكَةُ؟ هَذِهِ الأَعْمالُ مِنَ القَبائِحِ وَالفَجائِعِ،
وَيَنْبَغي للإِنْسانِ أَنْ يَخْجَلَ مِنْها وَيَسْتُرُها..
إِلَهِي.. بِكَ نَعوذُ، نَحْنُ المَساكينَ، مِنْ شَرِّ
الشَّياطينِ وَالنَّفْسِ الأَمّارَةِ بِالسُّوءِ، اللَّهُمَّ فَاحْفَظْنا مِنْ مَكائِدِهِمْ
بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.