موجز في تفسير سورة القمر
تَيسيرُ القرآن للذِّكر، محاكاتُه
الفطرةَ الإنسانيّة
ـــــ إعداد: سليمان بيضون ـــــ
* سورة (القمر)
هي السُّورة الرّابعة والخَمسون في ترتيب سُوَر المُصحف الشّريف، نزلتْ بعد سورة (الطّارق).
* آياتُها خمسٌ
وخمسون، وهي مكّيّة، مَن قرأها كلَّ ليلة جاء يومَ القيامة ووجهُه
مُسفرٌ على وجوه الخلائق.
* تتميّز آياتُها بالقِصَر، والقوّة والحركيّة.
وسمّيت بـ (سورة القمر) لأنّ الآية الأولى منها تتحدّث عن شقّ القمر.
في ما يلي موجز في تفسيرها ننقله بتصرّف من
تفاسير «الميزان» و«الأمثل» و«نور الثّقلين».
|
عن
الإمام الصّادق عليه السّلام: «اجتمعَ أربعة عشر رجلاً، أصحاب العقبة، ليلةَ أربع
عشرة من ذي الحجّة، فقالوا للنّبيّ صلّى الله عليه وآله: ما من نبيٍّ إلّا وله
آية، فما آيتُك في ليلتِكَ هذه؟
فقال
[النّبيّ صلّى الله عليه وآله]: ما الّذي تُريدونَ؟
فقالوا:
إن يكن لك عند ربّك قدر، فَأمُر القمرَ أن ينقطعَ قطعتَين.
فهبطَ
جبرئيل عليه السّلام، وقال: «يا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقولُ
لَكَ: إِنّي قَدْ أَمَرْتُ كُلَّ شَيْءٍ بِطاعَتِكَ»، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَأَمَرَ
القَمَرَ أَنْ يَنْقَطِعَ قِطْعَتَيْنِ، فَانْقَطَعَ قِطْعَتَيْنِ، فَسَجَدَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ شُكْراً [لله تعالى]، وَسَجَد شيعَتُنا، ثُمَّ رَفَعَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، رَأْسَهُ وَرَفَعوا رُؤوسَهُمْ، ثُمَّ
قالوا: يَعودُ كَما كانَ. فَعادَ كَما كانَ، ثُمَّ قالوا: يَنْشَقُّ رَأْسُهُ! فَأَمَرَهُ
فَانْشَقَّ، فَسَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ شُكْراً للهِ، وَسَجَد
شيعَتُنا، فَقالوا: يا مُحَمَّدُ، حينَ تَقْدَمُ سُفّارُنا مِنَ الشّامِ وَاليَمَنِ
نَسْأَلُهُمْ ما رَأَوْا في هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَإِنْ يَكونوا رَأَوْا مِثْلَ ما
رَأَيْنا، عَلِمْنا أَنَّهُ مِنْ رَبِّكَ، وَإِنْ لَمْ يَرَوْا مِثْلَ ما رَأَيْنا،
عَلِمْنا أَنَّهُ سِحْرٌ سَحَرْتَنا بِهِ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿اقْتَرَبَتِ
السَّاعَةُ..﴾ إِلى آخِرِ السّورَةِ».
محتوى السّورة
«تفسير الميزان»: سورة (القمر) مُمْحِضَةٌ
في الإنذار والتّخويف، إلّا آيتَين من آخرها تبشّران المتّقين بالجنّة.
تبدأ السّورة بالإشارة
إلى آية شقّ القمر التي أتى بها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله عن اقتراحٍ وتحدٍّ
من قومه، وتذكُر رميَهم له بالسّحر، وتكذيبَهم إيّاه، واتّباعَهم الأهواء، مع ما جاءهم
من الأنباء الزّاجرة عن يوم القيامة وعن الأُمم الغابرة الهالكة. ثمّ يعيد اللهُ تعالى
عليهم نبذة من تلك الأنباء إعادةَ ساخطٍ معاتِب، فيذكر سيّء حالهم يوم القيامة عند
خروجهم من الأجداث وحضورهم للحساب.
ثمّ تشير السّورة إلى
قصص قوم نوح، وعاد، وثمود، وقوم لوط، وآل فرعون، وما نزل بهم من أليم العذاب إثرَ تكذيبهم
بالنُّذُر، وليس قوم النّبيّ صلّى الله عليه وآله بأعزَّ عند الله منهم
وما هم بمعجزين، وتختتم السّورة بالبُشرى للمتّقين.
***
«تفسير الأمثل»: نلاحظ في هذه السّورة
تكرار قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾
(الآيات:17-22-32-40-51، ومعنى مدَّكِر: مُتَّعِظ)، وذلك بعد كلّ مشهدٍ من مشاهد العذاب
الذي حلّ بالأُمم الماضية، لكي يكون درساً وعِظَةً للمسلمين والكفّار. ويمكن تلخيص
أبحاث هذه السّورة في عدّة أقسام:
1 - تبدأ السّورة بالحديث
عن قُرب وقوع يوم القيامة، وموضوع شقّ القمر، وإصرار المُخالفين وعنادهم في إنكار الآيات
الإلهيّة.
2
– يتناول القسم الثّاني أحوال الأقوام التي تمرّدت على الأوامر الإلهيّة، وبيان
ضروب العذاب الذي حلّ بهم نتيجة مكابرتهم وطغيانهم وفسادهم في الأرض، وهم: قوم النّبيّ
نوح، وقوم عاد، وثمود، وقوم النّبيّ لوط، وآل فرعون.
3-
في القسم الأخير تعرض السّورة المباركة مقارنةً
بين هذه الأُمم وبين مشركي مكّة وأعداء الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله، محذّرةً من المستقبل
الخطير الذي ينتظرهم إنْ هم استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدّعوة الإلهيّة.
وتختم السورة باستعراض مشاهد من عقاب المشركين، وجزاء المؤمنين المتّقين.
ثوابُ تلاوتها
«مجمع البيان»: عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله أنّه قال: «مَنْ
قَرَأَ سورَةَ (اقْتَرَبْتِ السّاعَةُ) في كُلِّ عَشِيَّةٍ بُعِثَ يَوْمَ القِيامَةِ
وَوَجْهُهُ عَلى صورةِ القَمَرِ لَيْلةَ البَدْرِ، وَمَنْ قَرَأَها كُلَّ لَيْلَةٍ
كانَ أَفْضَلَ، وَجاءَ يَوْمَ القِيامَةِ وَوَجْهُهُ مُسْفِرٌ عَلى وُجوهِ الخَلائِقِ».
«ثواب الأعمال»: عن الإمام الصّادق
عليه السّلام أنّه قال: «مَنْ قَرَأَ سورَةَ (اقْتَرَبْتِ
السّاعَةُ) أَخْرَجَهُ اللهُ مِنْ قَبْرِهِ عَلى ناقَةٍ مِنْ نُوقِ الجَنَّةِ».
تفسيرُ آياتٍ منها
«تفسير
نور الثّقلَين»:
قوله
تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ﴾ الآية:11.
* أمير المؤمنين عليه السّلام: «لَمْ تَنْزِلْ
قَطْرَةٌ مِنَ السَّماءِ مِنْ مَطَرٍ إِلّا بِعَدَدٍ مَعْدودٍ وَوَزْنٍ مَعْلومٍ، إِلّا
ما كانَ مِنْ يَوْمِ الطّوفانِ عَلَى عَهْد نوحٍ، عَلَيْهِ السَّلامِ، فَإِنَّهُ نَزَلَ
ماءٌ مُنْهَمِرٌ بِلا وَزْنٍ وَلا عَدَدٍ..».
** الإمام الصّادق عليه السّلام: «كانَ أبي يَكْرَهُ
أَنْ يَتَداوى بِالماءِ المُرِّ وِبِماءِ الكِبْريتِ، وَكانَ يَقولُ: إِنَّ نوحاً لَمّا
كانَ الطّوفانُ دَعا المِياهَ فَأَجابَتْ كُلُّها إِلّا الماءَ المُرَّ وَالماءَ الكِبْريتَ،
فَدَعا عَلَيْهِما فَلَعنَهُما».
قوله
تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ﴾ الآية:19.
الإمام الباقر عليه السّلام: «إِذا أَرادَ اللهُ،
عَزَّ ذِكْرُهُ، أَنْ يُعَذِّبَ قَوْماً بِنَوْعٍ مِنَ العَذابِ أَوْحى إِلى المَلَكِ
المُوَكَّلِ بِذَلِكَ النَّوْعِ مِنَ الرّيحِ الّتي يُريدُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها،
فَيَأْمُرُها المَلَكُ فَتَهيجُ كَما يَهيج الأَسَدُ المُغْضَبُ، وَلِكُلِّ ريحٍ مِنْهُمُ
اسْمٌ..».
قوله
تعالى: ﴿كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كُلِّهَا..﴾ الآية:42.
الإمام الباقر عليه السّلام: «يَعْني الأَوْصِياءَ
كُلَّهُمْ».
قوله
تعالى: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾ الآية:48.
* الإمام الصّادق عليه السّلام: «.. إِنَّ القَدَرِيَّةَ
[القدَرَيّ كلّ من لا يقول بالاختيار والأمر بين الأمرين،
سواء كان يقول بالتّفويض أو بالجبر] مَجوسُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُمُ الّذينَ أَرادوا
أَنْ يَصِفوا اللهَ بِعَدْلِهِ فَأَخْرَجوهُ مِنْ سُلْطانِهِ، وَفيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ
الآيَةُ..».
** عنه عليه السّلام:
«إِنَّ في جَهَنَّمَ لَوادِياً لِلْمُتَكَبِّرينَ يُقالُ لَهُ سَقَرُ، شَكا إِلى
اللهِ شِدَّةَ حَرِّهِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ، فَتَنَفَّسَ
فَأَحْرَقَ جَهَنَّمَ».
قوله
تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ الآية:49.
سُئل أميرُ
المؤمنين عليه السّلام عن هذه الآية فقال:
«يَقولُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهِ لِأَهْلِ النّارِ بِقَدْرِ
أَعْمالِهِمْ».
قوله
تعالى: ﴿
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ
صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ الآيتان:54-55.
* رسول الله صلّى
الله عليه وآله: «يَا عَلِيُّ، أَمَا عَلِمْتَ أَنّهُ مَنْ أَحَبَّنَا وَانْتَحَلَ
مَحَبَّتَنَا أَسْكَنَهُ اللهُ مَعَنَا»، ثمّ تلا صلّى الله عليه وآله قوله
تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ
فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾.
***
﴿..فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾
قال الشّيخ الطّبَرْسيّ
في (مجمع البيان) عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ
فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾:
أي سهّلناه للحفظ والقراءة
".." والتّيسير للشّيء هو تسهيلُه بما ليس فيه كثيرُ مشقّةٍ على النّفْس،
فمن سُهِّل له طريقُ العلم، فهو حقيقٌ بأخذ الحظّ الجزيل منه، لأنّ التّسهيل أكبرُ
داعٍ إليه، وتسهيل القرآن للذّكر هو خفّةُ ذلك على النّفس، بحُسن البيان، وظهور البرهان
في الحِكَم السّنيّة، والمعاني الصّحيحة الموثوق بها، لمجيئها من قِبَل الله تعالى.
وإنّما صار الذّكرُ
من أجل ما يُدعى إليه ويُحَثُّ عليه، (و) لأنّه طريقُ العلم، لأنّ السّاهي عن الشيء
أو عن دليله، لا يجوز أن يعلَمه في حال سَهوه، فإذا تذكّر الدلائلَ عليه، والطُّرقَ
المؤدّيةَ إليه، تعرّض لعلمِه من الوجه الذي ينبغي له.