اجعَلْ قلبَك
قِبلةً للسانك
الطّمأنينة
شرطُ تحقُّق الذِّكر
--- الإمام الخمينيّ قدّس
سرّه ---
مقتطفٌ
من كتاب (الآداب المعنويّة للصّلاة) للإمام الخمينيّ قدّس
سرّه، وفيه بيانٌ لأهمّيّة الطّمأنينة حالَ
الذّكر، لمَدخليّتها في ارتسام صورتِه في القلب، وهو – لا غير - المُعوَّل عليه
عند الأهوال، لا سيّما ساعةَ الموت.
الطّمأنينةُ
من الآداب القلبيّة للعبادات، وخصوصاً العبادات الذِّكْريّة. وهذه غير الطّمأنينة
الّتي اعتبرها الفقهاء رضوان الله عليهم في خصوص الصّلاة، وإنّما هي أنّ يأتي السّالكُ
بالعبادة مع سكون القلب، واطمئنان الخاطر، لأنّ العبادة إذا أُتِيَ بها في حال
اضطراب القلب وتَزلزُله، فلا ينفعلُ بها القلبُ، ولا يحصلُ أثرٌ منها في مَلَكوته،
ولا تصيرُ حقيقةُ العبادة صورةً باطنيّةً للقلب، والحال أنّ أحد دواعي تكرار
العبادات وتكثير الأذكار والأوراد، هو أن يتأثّر القلبُ بها وينفعل حتّى يتشكّل
باطنُ السّالك شيئاً فشيئاً من حقيقة الذِّكر والعبادة، ويتَّحد قلبُه بروح
العبادة.
وطالما
لم يكن للقلب اطمئنانٌ وسكونٌ وطمأنينةٌ ووَقار، لم يكن للأذكار فيه تأثير، ولا
يسري أثرُ العبادة من ظاهر البدن ومُلكه إلى ملكوته وباطنه، ولا يؤدّي إلى القلب
حظوظَه من العبادة.
وإذا
كانت العبادة بهذه الكيفيّة - بحيث لا يشعر القلبُ بها أصلاً، ولا يظهر منها أثرٌ
في الباطن - لا يُتحَفّظ عليها في سائر العوالم، ولا تصعد من نشأة المُلك إلى نشأة
الملكوت، ومن الممكن أن تُمحى صورتُها بالكلّيّة عن صفحة القلب، والعياذُ بالله،
عند شدائد مرض الموت وسَكَراتِه المَخوفة والأهوال والمصائب الّتي تكون بعد
الموت، فيَقدُم الإنسان على الله تعالى وهو صفرُ اليدَين.
على
سبيل المثال، إذا ردّدَ المَرءُ [بلسانه] الذِّكرَ الشّريف: «لا إِلَهَ إِلّا
اللهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ» بسكون قلبٍ واطمئنانِ فؤاد، وراح يُعلِّمُ
قلبَه هذا الذِّكر الشّريف، [ستكون النّتيجةُ انحلالَ عُقدةَ لسان القلب] وأنّ
[يشرعَ] لسانُ القلب بالنُّطق رويداً رويداً، فيصير [عندها] لسانُ الظّاهر تابعاً
للسان القلب، ويُصبح القلبُ هو الذّاكر أوّلاً، ومن ثمّ يتبعُه اللّسان، وإلى هذا
المعنى [تبعيّة اللّسان للقلب] أشار الإمام الصّادق عليه السّلام، على ما في رواية
(مصباح الشّريعة)، قال: «فَاجْعَلْ قَلْبَكَ قِبْلَةً لِلسانِكَ، لا تُحَرِّكْهُ
إِلَّا بِإِشارَةِ القَلْبِ، وَمُوافَقَةِ العَقْلِ، وَرِضَى الإِيمانِ..».
فلتَكُن مدينةُ وجودك بأَسرها
ذاكرة
ما
لم ينطق لسانُ القلب، فعلى سالك طريق الآخرة أن يعلّمه النّطق ويُلقي عليه الذّكر بطُمأنينةٍ
وسكون، فإذا انفتحَ لسانُ القلبِ بالنّطق يكون القلبُ قبلةً للّسان ولسائر الأعضاء.
فإذا شرعَ القلبُ في ذكرٍ تكون مدينةُ وجود الإنسان بأَسرها ذاكرة، وأمّا إذا قال
هذا الذّكر الشّريف بلا سكونٍ في القلب ولا طُمأنينةٍ منه، ومع العجلة والاضطراب
واختلال الحواسّ، فلا يكون منه أيّ تأثير في القلب ولا يتجاوز حدَّ اللّسان والسّمعَ
الحيوانيّ الظّاهريّ إلى الباطن والسّمع الإنسانيّ، ولا تتحقّق حقيقتُه في الباطن،
ولا يصير صورةً كماليّةً للقلب غير ممكنةِ الزّوال.
فإنْ
أصابَته الأهوالُ والشّدائد، وبالخصوص أهوال الموت وسكراته وشدائد نزع الرّوح
الإنسانيّ، فسينسى الذّكر الشّريف كلّيّاً، وينمحي عن صحيفة قلبه، بل ينمحي اسمُ
الله سبحانه وتعالى، واسمُ الرّسول الخاتَم ".."
وسائر المعارف - الّتي ما أنهاها إلى القلب - فينساها كلّها، وعند السّؤال في
القبر لا يجدُ جواباً.
ولن
يفيدَ التّلقينُ حالَه، لأنّه لا يجِدُ في نفسِه من حقيقة الرّبوبيّة والرّسالة
وسائر المعارف أثراً، وما قاله بِلَقْلَقَةِ لسانِه، من غير أن ترتسمَ له صورةٌ في
القلب قد انمحى من خاطره، ولم يكن له نصيبٌ من الشّهادة بالرّبوبيّة والرّسالة
وسائر المعارف.