حوارات

حوارات

26/09/2014

السّيّد مهدي الصّدر: سوء الخُلُق انحرافٌ نفساني

العلّامة السّيّد مهدي الصّدر:

سوءُ الخُلُق انحرافٌ نفسانيّ، يحطُّ من كرامة صاحبه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ نسّقته هيئة التّحرير ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(أخلاق أهل البيت عليهم السّلام( واحدٌ من المؤلّفات الّتي عُنيت ببَيان محاسن الأخلاق ومساوئها، وطُرق المحافظة على الأولى وإصلاح الثّانية.

قال المؤلّف العلّامة السّيّد مهدي الصّدر الكاظميّ، رحمه الله، في مقدّمة الكتاب: «إنّ هذا الكتاب لم يستوعب علمَ الأخلاق، وإنّما ضمَّ أهمَّ أبحاثه، وأبلغَها أثراً في حياة النّاس. وقد جهدتُ ما استطعتُ في تجنّب المصطلحات العلميّة وألفاظها الغامضة، وعرضتُها بأسلوبٍ واضحٍ مركّز، يُمتِع القارئ، ولا يرُهقه بالغموض والإطناب، الباعثَيْن على الملَل والسّأم».

في ما يلي، بعضُ مضامين الكتاب الّتي تتناولُ مبادئَ في علم الأخلاق، أوردناها بإسلوب السّؤال والجواب، بتصرّفٍ بسيط.

 

* ما هو تعريفكم لِعلم الأخلاق، وأين موقعُه من بين العلوم الأخرى؟

علمُ الأخلاق هو العلمُ الباحثُ في محاسن الأخلاق ومَساوئها، والحثّ على التّحلّي بالأولى والتّخلّي عن الثّانية. ويحتلّ هذا العلم مكانةً مرموقة، ومحلّاً رفيعاً بين العلوم، لشرف موضوعه، وسُموّ غايته. فهو نظامُها، وواسطةُ عقدِها، ورمزُ فضائلها، ومظهرُ جمالها، إذ العلومُ بأسرها منوطةٌ بالخُلُق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، ولا بِدْعَ فالأخلاق الفاضلة هي الّتي تحقّق في الإنسان معاني الإنسانيّة الرّفيعة، وتُحيطه بهالةٍ وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النّفس والضّمير، وسُموّ العزة والكرامة، كما تمسخُه الأخلاقُ الذّميمة، وتحُطّه إلى سَوِيّ الهمج والوحوش.

وليس أثرُ الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري إلى الأُمم والشّعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيّها أو تخلّفها في مضمار الأُمم. وناهيك في عظمة الأخلاق أنّ النّبي صلّى الله عليه وآله أَوْلاها عنايةً كبرى، وجعلها الهدف والغاية من بِعثتِه ورسالته، فقال: «إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكارِمَ الأَخْلاقِ».

* ذكرتُم أنّ علم الأخلاق يبحث في محاسن الأخلاق وفي مساوئها، فما هو تعريفُ كلٍّ منهما؟

حُسن الخُلُق هو حالةٌ تبعثُ على حُسن معاشرة النّاس، ومجاملتِهم بالبشاشة، وطيبِ القول، ولُطف المداراة، كما عرّفه الإمام الصّادق عليه السّلام حينما سُئل عن حَدّه، فقال: «تُلَيِّنُ جَناحَك، وَتُطَيِّبُ كَلامَكَ، وَتَلْقى أَخاكَ بِبِشْرٍ حَسَنٍ».

من الأماني والآمال الّتي يطمح إليها كلُّ عاقلٍ حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصيّة جذّابة، ومكانة مرموقة، مُحبّباً لدى النّاس، عزيزاً عليهم. وإنّها لَأُمنيةٌ غالية، وهدفٌ سامٍ، لا ينالُه إلّا ذَوو الفضائل والخصائص الّتي تؤهّلهم كفاءاتُهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم، والأريحيّة، والشّجاعة ونحوها من الخلال الكريمة. بَيد أنّ جميع تلك القِيم والفضائل، لا تكونُ مدعاةً للإعجاب والإكبار، وسموّ المنزلة، ورفعة الشّأن، إلّا إذا اقترنت بحُسن الخُلق، وازدانت بجماله الزّاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجرّدت منه فقدتْ قيمتَها الأصيلة، وغدت صوراً شوهاء تثير السّأَم والتّذمّر.

وكفى بحُسن الخُلق شرفاً وفضلاً أنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث رُسله وأنبياءه إلى النّاس إلّا بعد أن حلّاهم بهذه السّجيّة الكريمة، وزانَهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصيّاتهم. ولقد كان سيّد المُرسلين صلّى اللهُ عليه وآله المثلَ الأعلى في حُسن الخُلُق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال. واستطاع بأخلاقه المثاليّة أن يملك القلوب والعقول، واستحقّ بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عزّ مِن قائل: ﴿وإنّك لعلَى خُلُقٍ عظيم﴾ القلم:4.

أمّا سوءُ الخُلق: فهو انحرافٌ نَفسانيّ، يُسبّب انقباضَ الإنسان وغِلظَته وشراستَه، وهو نقيضُ حُسن الخُلُق. من الثّابت أنّ لسوءِ الخُلُقِ آثاراً سيّئة، ونتائجَ خطيرة في تشويه المتّصف به، وحَطِّ كرامته، ما يجعلُه عرضةً للمَقت والازدراء، وهدفاً للنّقد والذّمّ. وربّما تفاقمت أعراضُه ومضاعفاتُه، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسميّة والنّفسيّة المادّيّة والرّوحيّة.

وحسبُك في خِسّة هذا الخُلُق وسوء آثاره، أنّ الله تعالى خاطب سيّد رُسُلِه، وخاتم أنبيائه، وهو المثل الأعلى في جميع الفضائل والمَكرُمات قائلاً: ﴿.. وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ..﴾ آل عمران:159. من أجل ذلك فقد تساندَ العقلُ والنّقلُ على ذَمِّه والتّحذير منه، وإليك طرفاً من ذلك:

قال النّبيّ صلّى الله عليه وآله: «عَلَيْكُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ، فَإِنَّ حُسْنَ الخُلُقِ في الجَنَّةِ لا مَحالَة، وَإِيّاكُمْ وَسوءَ الخُلُقِ، فَإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ في النّارِ لا مَحالَة».

وقال صلّى الله عليه وآله: «أَبى اللهُ لِصاحِبِ الخُلُقِ السَّيِّءِ بِالتَّوْبَةِ، قيل: فكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لِأَنَّهُ إِذا تابَ مِنْ ذَنْبٍ وَقَعَ في ذَنْبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «مَنْ ساءَ خُلُقُهُ عَذَّبَ نَفْسَهُ».

* سوء الخُلُق – بموجب الحديث الشّريف – عذابٌ للنّفس، فما هو علاجُه؟

حيث كان سوء الخُلق من أسوأ الخصال وأخسّ الصّفات، فجديرٌ بمن يرغب في تهذيب نفسِه، وتطهير أخلاقه أن يتّبع النّصائح التّالية:

1) أن يتذكّر مساوئَ سوء الخُلق وأضرارَه الفادحة، وأنّه باعثٌ على سَخَط الله تعالى، وازدراء النّاس ونفرتهم.

2) أن يستعرض ما أسلفناه من فضائل حُسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه والحثّ عليه من آثار أهل البيت عليهم السّلام.

3) التّعوّد على ضبط الأعصاب، وقمع نَزَوات الخُلق السّيّء وبوادره، وذلك بالتّريّث في كلّ ما يصدر عنه من قول أو فعل، مستهدياً بقول الرّسول الأعظم صلّى الله عليه وآله: «أَفْضَلُ الجِهادِ مَنْ جاهَدَ نَفْسَهُ الّتي بَيْنَ جَنْبَيْهِ».

يتبّع تلك النّصائح مَن اعتلّت أخلاقُه، ومرضت بدوافع نفسيّة أو خُلقيّة. أمّا مَن ساء خُلقه بأسباب مرَضيّة جسميّة، فعلاجُه بالوسائل الطّبّيّة، وتقوية الصّحّة العامّة، وتوفير دواعي الرّاحة والطّمأنينة، وهدوء الأعصاب.

 

* ما هو المنهج الأخلاقيّ الأصيل برأيكم؟ وما هي ميزاته؟

تختلف مناهجُ الأبحاث الخُلُقيّة وأساليبُها باختلاف المَعنيّين بدراستها من القدامى والمُحدَثين، بين متزمّت غالٍ في فلسفته الخُلُقيّة، يجعلها جافّةً مرهِقة، عَسِرَة التّطبيق والتّنفيذ، وبين مُتحكّمٍ فيها بأهوائه، يرسمُها كما اقتضت تقاليدُه الخاصّة، ومحيطُه المحدود، ونَزَعاته وطباعُه، ما يجرّدها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفةً مُتباينة، لا تصلحُ أن تكون دستوراً أخلاقيّاً خالداً للبشريّة.

والملحوظ للباحث المقارِن بين تلك المناهج أنّ أفضلَها وأكملَها هو النّهج الإسلاميّ، المستمَدُّ من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت عليهم السّلام، الّذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسُموّ الغاية، وحكمة التّوجيه، وحُسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار. وهو النّهج الفريد الأمثل الّذي يستطيع، بفضل خصائصه وميزاته، أن يسموَ بالنّاس فرداً ومجتمعاً، نحو التّكامل الخُلقيّ، والمُثل الأخلاقيّة العليا، بأسلوبٍ شائقٍ محبَّب، يستهوي العقولَ والقلوب، ويحقّقُ لهم ذلك بأقرب وقت، وأيسر طريق.

هو منهجٌ يمثّلُ سموَّ آداب الوحي الإلهيّ، وبلاغةَ أهل البيت، عليهم السّلام، وحكمتَهم، وهم يسيرون على ضوئه، ويستلهمون مفاهيمَه، ويستقون من معينه، ليُحيلوها إلى النّاس حكمةً بالغة، وأدباً رفيعاً، ودروساً أخلاقيّةً فذّة، تشعّ بنورها وطهورها على النّفس، فتزكّيها وتُنيرها بمفاهيمها الخيّرة وتوجيهها الهادف البنّاء.

 

* أخلاقُ المرء انعكاسٌ لصحّته النّفسيّة، فَصَحيحُ النّفس، سليمُ القلب، يتمتّع بأخلاقٍ زاكيةٍ وسلوكٍ حَسَن، وسقيمُها ذو أخلاق معتلّة وسلوك منحرف. فهل يملك المنهج الأخلاقيّ الأصيل علاجاً لأمراض النّفس؟  

مثلما تمرض الأجساد وتعتوِرُها أعراضُ المرض، من شحوب، وهزال، وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سِماتُ الاعتلال ومضاعفاتُه، في صوَر من الهزال الخُلُقيّ، والانهيار النّفسيّ، على اختلافٍ في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطّارئة على الأجسام والأخلاق.

وكما تعالَج الأجسام المريضة، وتستردّ صحّتها ونشاطها، كذلك تعالَج الأخلاق المريضة وتَستأنِف اعتدالها واستقامتها، متفاوتةً في ذلك حسب أعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.

ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمِها، لحَبِطَت جهودُ الأنبياء في تهذيب النّاس وتوجيهِهم وجهةَ الخير والصّلاح، ولَغَدا البشرُ من جرّاء ذلك كالحيوان وأخسّ قيمة، وأسوأ حالاً منه، حيث أمكن ترويضه وتطوير أخلاقه. فالفرس الجموح يغدو بالتّرويض سَلِسَ المقاد، والبهائمُ الوحشيّة تعود داجنةً أليفة، فكيف لا يُجدي ذلك في تهذيب الإنسان وتقويم أخلاقه، وهو أشرف الخلق وأسماهم كفاءةً وعقلاً؟؟

* ما هي أبرز مُسبّبات تَردِّي أخلاق الإنسان؟

قد تمرض أخلاق الوادع الخَلُوق، ويغدو عبوساً شَرِساً منحرفاً عن مثاليّته الخُلُقيّة، لحدوث إحدى الأسباب التّالية:

1) الوَهَنُ والضّعفُ النّاجمان عن مرض الإنسان واعتلال صحّته، أو طُروءُ أعراضِ الهَرَم والشّيخوخة عليه، ما يجعلُه مرهفَ الأعصاب، عاجزاً عن التّصبّر، واحتمال مؤون النّاس ومداراتهم.

2) الهموم: فإنّها تُذهل اللّبيبَ الخَلوق، وتَحرِفُه عن أخلاقه الكريمة، وطَبعِه الوادع.

3) الفقر: فإنّه قد يسبّبُ تجهّمَ الفقير وغلظتَه، أنَفَةً من هوان الفقر وألم الحرمان، أو حزناً على زوال نعمته السّالفة، وفَقْد غناه.

4) الغِنى: فكثيراً ما يجمحُ بصاحبه نحو الزّهو والتّيه والكِبْر والطّغيان، كما قال الشّاعر:

لَقَدْ كَشَفَ الإِثْراءُ عَنْكَ خَلائِقاً             مِنَ اللُّؤْمِ كانَتْ تَحْتَ ثَوْبٍ مِنَ الفَقْرِ

5) المنصب: فقد يُحدِثُ تنمُّراً في الخُلُق، وتطاولاً على النّاس، منبعثاً عن ضِعَةِ النّفس وضَعفِها، أو لؤم الطّبع وخسّته.

6) العُزلة والتّزمّت: فإنّه قد يُسبّب شعوراً بالخَيبة والهوان، ما يجعل المعزول عبوساً متجهّماً.

* لماذا يتجاهل أكثرُ النّاس الأمراضَ الخُلُقيّة بينما يعتنون كثيراً بأمراضهم الجسميّة؟

صحيحٌ، إنّ الكثيرين يتجاهلون صحّة النّفس ووسائل وقايتها وعلاجها، وعوامل رقيّها وتكاملها، ورعاية حقوقها، وواجباتها، يجهلون ذلك أو يتجاهلونه لقلّة احتفائهم بالقِيَم الرّوحيّة والمفاهيم النّفسيّة، وعدم إلمامهم بعِلل النّفس وانحرافاتها، وما تعكسُه من آثار سيّئة على حياة النّاس.

فالأمراض الجسميّة تبرز سماتُها وأعراضُها على الجسم في صُوَرٍ من الشّحوب والهزال والانهيار، أمّا العلل النّفسيّة والرّوحية فإنّ مضاعفاتها لا يتبيّنها إلّا العارفون من النّاس، حيث تبدو في صوَرٍ مقيتةٍ من جموح النّفس، وتَمرُّدها على الحقّ، ونزوعها إلى الآثام والمنكرات، وهيامها بحبّ المادّة وتقديسها وعبادتها، ونَبْذِها للقيم الرّوحية ومُثُلها العليا، ما يوجبُ مسخَها وهبوطَها إلى درك الحيوان.

من أجل ذلك كانت العِلل الرّوحيّة والنّفسيّة أصعبَ علاجاً، وأشدّ عناءً من العِلل الجسميّة، لعُسر علاج الأولى، ويُسر الثّانية في الغالب. وكانت عنايةُ الحكماء والأولياء بتهذيب النّفس، وتربية الوجدان أضعافَ عنايتهم بالجسد. وهذا ما يُحتّم على كلّ واعٍ مستنير أن يُعنى بتركيز نفسه، وتصعيد كفاءتها، وتهذيب ملَكاتها، ووقايتها من الشّذوذ والانحراف، وذلك برعاية حقوقها، وحُسن سياستها وتوجيهها.

* أكّدتُم أنّه يجب على الواعي المستنير رعايةَ حقوق نفسه، فما هي أبرزُ هذه الحقوق؟

يُمكن ذكر أربعة عناوين أساسيّة في هذا المجال:

1) تثقيفُ النّفس: وذلك بتنويرها بالمعرفة الإلهيّة والعقيدة الحقّة، وتزويدِها بالمعارف النّافعة الّتي تُنير للإنسان سُبُل الهداية وتوجِّهُه وُجهةَ الخير والسَّداد. وهذه هي أسمى غايات النّفس وأشواقها، فهي تَصبو إلى العقيدة، وتهفو إلى الإيمان بالله عزّ وجلّ، وتتعشّقُ العلم، وتَهفو إلى استجلاء الحقائق، واستكشاف أسرار الكون وألغاز الحياة. تتطلّع إلى ذلك تطلُّعَ الظّمآن إلى الماء، وتلتمس الّذي لنفسِها كما يلتمسُه هو سواء بسواء. فإن ظفرتْ بذلك أحسّتْ بالطّمأنينة والارتياح، وإن فقدتْه شعرت بالقلق والسّأَم.

2) إصلاحُ السّريرة: للإنسان صورتان: صورة ظاهريّة تتمثّل في إطار جسده المادّيّ، وصورة باطنيّة تتمثّل فيها خصائصُه النّفسيّة وسجاياه الخُلُقيّة.

وكما تكون الصّورة الظّاهريّة هدفاً للمَدح أو الذّمّ، ومدعاةً للحبّ أو الكُره، نظراً إلى صفاتها الجميلة أو القبيحة، كذلك الصّورة الباطنيّة يَعروها المدحُ والذّمّ، وتبعثُ على الإعجاب أو الاستنكار، تَبَعاً لما تتّسم به من طِيبةٍ أو خبثٍ، من تلألؤٍ أو ظلام.

وكما يهتمّ العقلاء بتجميل صُوَرهم المادّيّة، وإظهارها بالمظهر اللّائق الجذّاب، كذلك (يجتهدون) في تَجميل صُوَرهم الباطنيّة، وتَزيينها بالطّيبة وصفاء السّريرة وجمال الخُلُق، لتغدوَ وضّاءةً مشعّةً بألوان الخير والجمال، وذلك بتطهيرها من أوضار الرّياء والنّفاق، والحسد والمكر ونحوها من السّجايا الهابطة المَقيتة.

ومن أجل ذلك حرّض أهلُ البيت، عليهم السّلام، على تهذيب النّفس وإصلاح السّريرة، وحُسن الطّويّة لتكونَ ينبوعاً ثرّاً فيّاضاً بشرف الفضائل وحُسن الأخلاق. فعن الإمام الصّادق عن آبائه عليهم السّلام، قال: «قالَ أَميرُ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِ السَّلامُ: كانَتِ الفُقَهاءُ وَالحُكَماءُ إِذا كاتَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً، كَتَبوا بِثَلاثٍ لَيْسَ مَعَهُنَّ رابِعَةٌ: مَنْ كانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ كَفاهُ اللهُ هَمَّهُ مِنَ الدُّنْيا؛ وَمَنْ أَصْلَحَ سَريرَتَهُ أَصْلَحَ اللهُ عَلانِيَتَهُ؛ وَمَنْ أَصْلَحَ في ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْلَحَ اللهُ لَهُ في ما بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ».

وقال الإمام الصّادق عليه السّلام: «ما مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ خَيْراً إِلّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيّامُ حَتّى يُظْهِرَ اللهُ لَهُ خَيْراً، وَما مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ شَرّاً، إِلّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيّامُ حَتّى يُظْهِرَ اللهُ لَهُ شَرّاً».

3) ضبطُ النّفس: تنزعُ النّفسُ بغرائزها وشَهَواتها إلى الشّذوذ والانحراف، وتخدعُ أربابَها بسحرها الفاتن وأهوائها المُضلّة، حتّى تجمحَ بهم في متاهات الغواية والضّلال، ﴿..إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي..﴾ يوسف:53. وهذا ما يُحفّز كلّ واعٍ مستنير، أن يُعنى بضبط نفسه، والسّيطرة عليها، وتحصينها ضدّ المعاصي والآثام، وترويضها على طاعة الله تعالى، واتّباع شِرعته ومنهاجه.

وقد حثّ القرآن الكريم على ضبط النّفس، والحدّ من جُماحها، وتوجيهها شطرَ الخير والصّلاح. قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ الشّمس:7-10. وهكذا حرّض أهلُ البيت، عليهم السّلام، على ضبط النّفس، وقمع نَزَواتها، معتبرين ذلك أفضلَ صُوَر الجهاد.

4) محاسبةُ النّفس: والمرادُ منها هو محاسبة النّفس في كلّ يومٍ عمّا عملته من الطّاعات والمعاصي، والموازنة بينهما، فإنْ رَجحت كفّةُ الطّاعات، شكرَ المحاسبُ اللهَ على توفيقه لها، وفَوزه بشرف طاعته ورضاه. وإن رجحتْ كفّةُ المعاصي أدّبَ المحاسبُ نفسه بالتّقريع والتّأنيب على إغفال الطّاعة، والنّزوع للآثام؛ قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام: «لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ في كُلِّ يَوْمٍ، فَإِنْ عَمِلَ حَسَنَةً اسْتَزادَ اللهَ تَعالى، وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً اسْتَغْفَرَ اللهَ تَعالى مِنْها، وَتابَ إِلَيْهِ».

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/09/2014

دوريات

نفحات