قراءة في كتاب

قراءة في كتاب

26/09/2014

(تَذكِرةُ المتّقين) للعالم العارف الشّيخ البهاريّ الهمدانيّ


(تَذكِرةُ المتّقين) للعالم العارف الشّيخ البهاريّ الهمدانيّ

رسالةُ الجمع بين الشّريعة والطّريقة والحقيقة

----- محمود إبراهيم -----

الكتاب: (تذكِرة المتّقين في آداب السّير والسّلوك)

تأليف: آية الله العارف الشّيخ محمّد البهاري الهمداني

ترجمة: الشّيخ حسين كوراني

النّاشر: دار الهادي، بيروت 2004م

يُنظَر إلى كتاب (تَذكِرة المتّقين في آداب السّير والسّلوك) للفقيه العارف الشّيخ محمّد البهاريّ الهمدانيّ، كواحدٍ من عيون الأعمال الّتي أُنجِزت في ميدان العِرفان والأخلاق في القرن الرّابع عشر الهجريّ. وهذا الكتاب الّذي جمع إلى العلم بالشّريعة، العملَ بفقه القلب، إنّما ليُبيِّن أنَّ حقيقة التّقوى هي عملُ السّالك العابد بما بَلَغَه من عِلم. وأنّ الشّريعة والطّريقة والحقيقة أمرٌ واحد. وكما يقول أهلُ الحقّ، فإنّ كلّ مسألة لا يُبنى عليها عملٌ فالخوضُ فيها غير مُستحسَن. ذلك لأنّ المُشتغلين بالعلوم الّتي لا تتعلّق بها ثمرة تكليفيّة تُدخلُ عليهم الفتنة والخروج عن الصّراط المستقيم. وهذا ما يُنبِّه إليه قولُ مولانا أمير المؤمنين وسيّد المتّقين عليّ عليه السّلام: «الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ، فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ. والْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ، فَإِنْ أَجَابَه وإِلَّا ارْتَحَلَ عَنْه». والمقصود هنا هو السّير في معرفة الله على نصاب التّقوى، وهو العلمُ المعتبَر الباعثُ على العمل الصّالح.

في المقدّمة الّتي كتبها مترجم الكتاب سماحة العلّامة الشّيخ حسين الكوراني، إشارة ذات دلالة بالغة حول المغالطة الشّائعة الّتي تقول بالفصل بين التّخصّص في العلوم الشّرعيّة وتزكية النّفس. ذلك بأنّ التّفقُّه بكلمتَين من كتاب الله يكفي لإدراك جذريّة التّمازج بينهما: ﴿..وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ..﴾ آل عمران:164.

ولا ريبَ في الأهمّيّة المعرفيّة الّتي تنطوي عليها هذه الإشارة، لا سيّما لجهة اعتبار «فقه القلب» أو علم السَّير والسّلوك هو الهدفَ العِلميَّ والعَمَليّ الأسمى الّذي يؤكّده العلماء الأبرارُ، أمثال الشّيخ الآخوند الهمدانيّ مؤسِّس مدرسة فقه القلب والحياة، وآية الله الملَكيّ التّبريزيّ، والشّيخ الأنصاريّ، وصولاً إلى الإمام الخمينيّ قدّس سرّه، وسوى هؤلاء الكثيرين من العُرفاء والحكماء الإلهيّين، الّذين هم بحقّ – بعد أئمّة الهدى المعصومين عليهم السّلام - يُشكِّلون التّجلّيَ الفعليّ للحقائق الرّبّانيّة في المجتمع الإنسانيّ.

على هذا النّحو يأتي كتاب (تذكرة المتّقين) للعارف الهمداني، ليبيِّن للقارئ جملةً من الحقائق تُفضي إلى التّلازم الوثيق بين رُكْنَي التّقوى، أي العلم والعمل. وذلك تأسِّياً بما ورد عن الإمام الصّادق عليه السّلام: «لَا يَقْبَلُ اللهُ عَمَلاً إِلَّا بِمَعْرِفَةٍ، ولَا مَعْرِفَةَ إِلَّا بِعَمَلٍ، فَمَنْ عَرَفَ دَلَّتْه الْمَعْرِفَةُ عَلَى الْعَمَلِ، ومَنْ لَمْ يَعْمَلْ فَلَا مَعْرِفَةَ لَه. أَلَا إِنَّ الإِيمَانَ بَعْضُه مِنْ بَعْضٍ».

أمّا هذه الحقائق- كما وردت في مقدّمة العلّامة الكوراني- فهي على الوجه التّالي:

أوّلاً: لُباب العلم (المعرفة).

ثانياً: العمل به، ودقّة التّقيّد بالأحكام الشّرعيّة.

ثالثاً: التّواضع، وهو مِدماكُ الأمن الاجتماعيّ في جميع الدّوائر.

رابعاً: التّفاني في حفظ حقوق الآخرين (الحّرّيّة والكرامة).

خامساً: اليقينُ الدّائم بعدم الاكتفاء العلميّ، أي ضرورة البحث الدّائم عن الحقيقة كما في قصّة موسى والخضر عليهما السّلام، في القرآن الكريم.

وممّا يجدر التّوجيه إليه أنّ ثمّة سببَين أساسيَّين حملا العلّامة الكوراني على إيلاء عناية خاصّة بكتاب (تذكِرة المتّقين)، فضلاً عن نقله المتعمِّق للنّصّ من الفارسيّة إلى العربيّة، وهما:

الأوّل: حقيقة أنّ العلاقة بين الفقه والأصول - والعمق العلميّ عموماً - وبين ريادة المنحى الرّوحي المعبَّر عنها بالعِرفان، ليست علاقةَ تَنافُرٍ وتَباين كما هو الخطأ الشّائع.

الثّاني: حقيقة أنّ كلّ التّوجيهات الّتي يتضمّنها الكتاب مبنيّةٌ بإحكامٍ على وجوب التّقيّد بالرّسالة العمليّة والأحكام الشّرعيّة.

التّكامل بين الشّريعة والطّريقة والحقيقة

إذا كان لنا أن نقدّم عنواناً إجماليّاً لمقاصد (تذكرة المتّقين) للعارف الهمدانيّ، فهو في بيان التّكامل والتّرابط بين الشّريعة، والطّريقة، والحقيقة. ولذلك استحقّ مضمونُ الكتاب عنوانَه بما هو رسالة تعريف بباطن الشّريعة المقدّسة، والقواعد المطلوب العمل بها للتّعرّف إلى حقائقها.

أمّا ما يتّصل بقصّة تأليف هذا الكتاب، فتُشير مقدّمة الطّبعة الفارسيّة إلى أنّ كتاب آية الله العارف الشّيخ محمّد البهاري الهمداني هو رسالةٌ في السَّير والسُّلوك كتبَها لأحد تلامذته الّذي كان متوجِّهاً إلى الحجّ. فقد طلب التّلميذ من الشّيخ برنامجاً في آداب الزّيارة والسّلوك، حيث أورد الشّيخ مطالب مهمّة، اندرجت في سبعة مواضيع:

الأوّل: آداب الحجّ، تحدّث فيه عن الآداب الباطنيّة والظّاهريّة، ونُبذة من أسرار الحجّ.

الثّاني: آداب الزّيارة.

الثّالث: آداب التّوبة.

الرّابع: آداب المراقبة.

الخامس: آداب الرّفقة.

السّادس: آداب السّلوك مع الزّوجة والعيال.

السّابع: آداب تربية الأولاد.

وهذا هو التّرتيب الأصليّ للكتاب، إلّا أنّ ما اعتُمِد في الطّبعات التّالية هو جعْل آداب الحجّ والزيارة هما موضوعي الفصلَين: السّادس والسّابع، نظراً لاختصاص الحاجة إليهما بِمَن يريد الحجّ أو الزّيارة. وعليه، تكون بداية الكتاب آداب التّوبة.

وبعد الرّسالة السّابقة، يتضمّن الكتاب مطالبَ هي أيضاً للشّيخ البهاري، وهي قسمان:

الأوّل: حول صفات العلماء الحقيقيّين.

والثّاني: توجيهاته إلى تلامذته ومريديه، مع رسائل منه إلى «مراده»، ويبلغ مجموع هذه المراسلات ستّ عشرة رسالة، إلّا أنّ الغالب في القسم الأوّل إمّا عدم معرفة المخاطَب أصلاً، أو معرفته الإجماليّة الّتي لا تكاد تُجدي، مثل (سفير بغداد)، أو (الشّيخ أحمد التّبريزي)، أو (أحد علماء آذربايجان)، ما عدا «الرّسالة الثّامنة» الّتي صرّح جامعُ الكتاب – الشّيخ إسماعيل التّبريزي المعروف بـ «التّائب» - بأنّها وُجِّهتْ إليه.

وحيث إنّ القسم الثّاني موضوعُه التّوجيهات، فقد أضاف إليه الشّيخ التّائب توجيهاتٍ لعلماء آخرين، هي عبارة عن أربعة رسائل توجيهيّة من السّيّد أحمد الكربلائي، وإحدى إجاباته على سؤال «جامع الكتاب» حول بيتَي الشّيخ العطّار، ثمّ رسالة توجيهيّة من الشّيخ حسين قلي الهمداني إلى أحد علماء تبريز، وخمس مقطوعات أدبيّة عرفانيّة يخاطب فيها نفسه، ثمّ رسالتين من المرحوم البيدآبادي إلى طلّابه.

ويتّضح ممّا تقدّم أنّ هذا الكتاب هو المرجعُ الأوّل للتّعريف بمدرسة المقدّس الشّيخ حسين قلي الهمداني وأبرز تلامذته.

ومهما يكن من أمر، فإنّ هذه الرّسالة في السّير والسّلوك تتّخذ لها مقاماً رفيعاً وسط كبريات الأعمال الأخلاقيّة والعرفانيّة الّتي زَخرتْ بها مدرسةُ الوحي، والتي أرسى دعائمَها أئمّةُ أهل بيت النّبوّة المعصومين عليهم السّلام.

 

اخبار مرتبطة

  دوريات

دوريات

26/09/2014

دوريات

نفحات