..لَا تَكُونوا لَنا وَلا عَلَينا
خرجَ
الإمام زين العابدين عليه السّلام إلى النّاس في الكوفة وأومأَ إليهم أنِ اسكُتوا،
فسكَتوا وهو قائمٌ، فحمدَ الله وأثنى عليه وصلّى على نبيِّه صلّى الله عليه وآله،
ثمّ قال: أَيُّها النّاسُ، مَنْ عَرَفَني فَقَدْ عَرَفَني! وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْني
فَأَنا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ المَذْبوحِ بِشَطِّ الفُراتِ مِنْ غير ذَحْلٍ [الوِتْروالثّأر]،
وَلَا تِراتٍ [جمع وِتر تِرة: وهي الانتقام].".." أَنا
ابْنُ مَنْ قُتِلَ صَبْراً فَكَفى بِذَلِكَ فَخْراً.
أَيُّها
النّاسُ، ناشَدْتُكُمْ بِاللهِ هَلْ تَعْلَمونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلى أَبي وَخَدَعْتُموهُ،
وَأَعْطَيْتُموهُ مِنْ أَنْفُسِكُمُ العَهْدَ وَالميثاقَ وَالبَيْعَةَ؟ فَقاتَلْتُموهُ
وَخَذَلْتُموهُ! فَتَبّاً لَكُمْ ما قَدَّمْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وَسَوْأَةً
لِرَأَيِكُمْ! بِأَيِّةِ عَيْنٍ تَنْظُرونَ إِلى رَسولِ اللهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَآلِهِإِذْ يَقولُ لَكُمْ: قَتَلْتُمْ عِتْرَتي، وَانْتَهَكْتُمْ حُرْمَتي، فَلَسْتُمْ
مِنْ أُمَّتي!
فارتفعتْ
أصواتُ النّاس بالبكاء، ويدعو بعضُهم بعضاً: هلَكتُم وما تعلمون! فقال عليّ بن
الحسين عليه السّلام: رَحِمَ اللهُ امْرِءاً قَبِلَ نَصيحَتي وَحَفِظَ وَصِيَّتي
في اللهِ وَفي رَسولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَفي أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِنَّ
لَنا في رَسولِ اللهِ أُسْوَةً حَسَنَةً.
فقالوا
بأجمعهم: نحن كلّنا يا ابنَ رسول الله سامعون مطيعون حافظون لذِمامك، غير زاهدين
فيك ولا راغبين عنك، فمُرنا بأمرك رَحِمَكَ الله، فإنّا حربٌ لحَربِك سِلمٌ لسِلمك،
لنَأخُذَنَّ تِرَتَك وَتِرَتَنا ممّن ظلمَكَ وظلمَنا.
فقال
عليّ بن الحسين عليه السّلام: هَيْهاتَ هَيْهاتَ! أَيُّها الغَدَرَةُ المَكَرَة،
حِيلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ شَهَواتِ أَنْفُسِكُمْ، أَتُريدونَ أَنْ تَأْتوا إِلَيَّ
كَما أَتَيْتُمْ إِلى آبائِي مِنْ قَبْلُ؟! كَلّا وَرَبِّ الرَّاقِصاتِ إِلى مِنى [الرّاقصات
هي الإبل، يقال: رقصَ الإبل إذا ركَض]،
فَإِنَّ الجُرْحَ لَمّا يَنْدَمِلْ، قُتِلَ أَبي بِالأَمْسِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مَعَهُ
".." وَوَجْدُهُ
بَيْن لَهَاتِي، وَمَرَارَتُهُ بَيْنَ حَنَاجِرِي وَحَلْقِي، وَغُصَصُهُ تَجْرِي فِي
فَرَاشِ صَدْرِي [كلّ رقيقٍ من عظمٍ فَراشَةٌ]،
وَمَسْأَلَتِي أَنْ لا تَكُونُوا لَنَا وَلا عَلَيْنَا.
(انظر:
الاحتجاج، الطّبرسيّ)
سِرْت
سِرْت مدينة ليبيّة تطلّ
على خليج سرت المُتفرّع من البحر الأبيض المتوسط. تقع في منتصف السّاحل اللّيبيّ بين
طرابلس وبنغازي. وتبعد عن العاصمة 450 كلم شرقاً. تجمع في طقسها بين الاعتدال
البحريّ والطّقس الصّحراويّ.
بهذه المنطقة نشأت عدّة
مستوطنات فينيقيّة لوجود مقابر بها تعود إلى القرن الرّابع الميلاديّ. وكانت محطّة
مهمّة على طريق القوافل بين برقة وطرابلس وبين أفريقيا.
أُطلق اسم سرت على المنطقة
الممتدّة على البحر الأبيض المتوسّط بين العقيلة شرقاً وبويرات الحسّون غرباً. أسّس
الفاطميّون في القرن العاشر الميلاديّ مدينةً عرفت باسم سرت، وهي تقع الآن إلى الشّرق
من مدينة سرت الحاليّة وتعرف باسم «المْديّنة» وتضمّ متحفاً صغيراً بالقرب من آثار
المدينة الفاطميّة.
أُنشئت مدينة سرت الحالية
عام 1303 للهجرة خلال ولاية أحمد راسم باشا على طرابلس الغرب. وتولّى إنشاءَها قائمُ
مقام قضاء سرت عمر باشا المنتصر، ووطّن بها من يرغب من قبائل البادية، كما نقل
إليها عدداً من عائلات مصراتة، وأسّس بها سنة 1898م زاوية جامع بن شفيع، والتيّ تعد
اليوم أهمّ المعالم القديمة بالمدينة.
احتلّ الإيطاليّون المدينة في
31 ديسمبر 1912م، وفيها انهزموا في معركة القرضابيّة الشّهيرة في 29 أبريل 1915.
عُقد فيها أوّل مؤتمر
للوحدة الوطنيّة في 22 يناير 1922 أيّام الجهاد ضدّ الإيطاليّين.