«إسرائيل» الثانية..إلى زوال
§
الشيخ
حسين كوراني
العالم
كلّه - إلّا استثناءات - «فسطاطٌ» واحد، تغلي فيه مَراجل الحرب الغامضة على
الإرهاب الغامض.
يلفّ
غموضُ حرب «التحالف الدوليّ» القائمة ضدّ الإرهاب أكثرَ سكّان المعمورة، إنْ في
فهم حقيقةِ المنطلقات أو السياسات أو الأهداف، بل حتّى في معرفة أركان هذا التحالف
الحقيقيّين وأدوارهم.
لست
تدري مَن يحارب مَن؟ ولا تدري ماذا تفعل طائرات التحالف:
ما
للجِمال مَشْيُها وَئِيدا
|
أجَنْدلاً
يَحمِلْن أم حديدا؟
|
لنا
أن نقول: أمُؤناً يحملن أم حديداً، وهل الحديد لإمداد «الإرهاب» أم عليه؟
لا
يكاد ينقضي العجب كيف يصدّق هذا الطّيف الواسع من البشر، أنّ أميركا وحلفاءها -
الصريح منهم والمضمَر- بمن فيهم «الوهابيّون» يحاربون الإرهاب الوهّابي، المتحالف
مع «إسرائيل» جهاراً نهاراً!!
***
من بديهيّات الأدبيّات السياسيّة من
خمسينيّات القرن الماضي وإلى حرب تمّوز ضدّ الكيان الصهيونيّ، أنّ «إسرائيل» ثُكْنَة
الغرب، وقاعدته المتقدّمة، وخطّ هجومه الأماميّ ضدّ هذه المنطقة من العالم، لتعزيز
السّيطرة على العالم كلّه.
ومن بديهيّات نتائج «حرب تمّوز»
أنّ هذا الخطّ الأمامي اختُرق، وأنّ الثُّكْنة هُزمت، والقاعدة تَزلزلت.
مع
بالغ اهتزاز المرتكز الغربيّ الأوّل وتزَلزُله، واختلال الأساس الداعم
لأكثر الحكّام الدُّمى في هذه المنطقة، بادر الغرب للتّرميم عبر ما سُمِّي بالربيع
العربي، فكان كالمستجير من الرّمضاء بالنار.
وفيما كان الغربيّ - تتقدّمه أميركا -
يهرول للرّحيل، بادره بعضُ دهاقنة الصهيونيّة، وأبالسة الوهابيّة الأمويّة بطرح «مشروع
إسرائيل الثانية»، فكان ما يجري الآن فصولاً وهّابيّة - صهيونيةً دامية تُسمّى
«داعش».
***
خلاصة هذا الطرح – ببساطة – قلب
المعادلة التي قام على أساسها مشروع «إسرائيل» الأولى.
كان اليهود في الواجهة، والوهّابيّون في
الخفاء، اقتضت اللّعبة الجديدة العكس. الوهّابيّون في العلَن واليهود في السرّ.
كان التّحالف الوجوديّ اليهودي الوهّابي
سرّاً. أحرجَتهم إيران فانكشف المستور. بوّابة الوهّابيّين على العدوّ الصهيوني في
الجولان المحتلّ حدثٌ مفصليّ ووثيقة تاريخيّة نادرة.
ليس هذا التحالف الوجوديّ اليوم إلّا
ذات التحالف الأمويّ – الوهابيّ - اليهوديّ الذي أُرسِيَت قواعده قبل قرون عبر
تحالف أبي سفيان - ممثّلاً لقريش - مع يهود «خيبر، وبني النّضير، والقَينُقاع».
اضطُرّ اليوم أن يكشف عن بعض وجهه الشيطانيّ عبر هذه البوّابة في الجولان.
ودارت دورات الزّمن من أبي سفيان إلى
سفيانيّي الحجاز ويهوده الوهّابيّين. قرّرت المخابرات البريطانيّة بدء التأسيس
للوطن القومي اليهودي. تمّ ترسيخ دعائم استمرار التحالف اليهودي الوهّابي، فكان
التنازل الشهير عن فلسطين.
بعد ذلك كانت ستّة عقود وبضع سنوات من
استباحة هذا التحالف الأمّةَ ومقدّراتها. جاءت حرب تمّوز لتؤسّس لإلغاء هذه الاستباحة
المشؤومة.
***
لولا الوهّابيّون لما كانت النَّكْبة
ولا النَّكْسة. لَما قام لليهود كيانٌ في فلسطين، ولَما تشرّد الشعب الفلسطينيّ. مَن
يُنكر ذلك كمَن يُنكر أنّ بريطانيا ثمّ أميركا هما السّبب.
لولا الوهّابيّون لَما أمكن للغرب أن
يجد السّندَ الدائم لـ«إسرائيله» الذي يزعُم أنّه قلْب الأمّة، وليس منها. لذلك
هان عليه هوانُها.
الوهابيّون يهود. اِبن تَيميِّتهم ليس
موحِّداً. أخرجَه عددٌ كبيرٌ من كبار علماء المسلمين السُّنّة من دائرة الإسلام
وحكموا بضلاله.
يكره الوهّابيّون رسولَ الله ويُحرِّمون
زيارتَه. كادوا يهدمون قبّةَ حَرَمِه. يكرهون أهلَ البيت كرهاً برسول الله. إنّهم
أمويّون سفيانيّون. الأمويّون يهودٌ بالسّبب والنَّسَب معاً.
اشتدّ التّلبيس وتعاظم التّدليس والتّزييف
حتّى صار الوهّابيّون «النّاطق الرسمي» باسم «أهل السّنّة والجماعة».
***
من أعظم بركات حرب تمّوز أنّها أَلجَأت
الوهّابيّين إلى كشف بعض حقيقتهم اليهوديّة. سرعان ما عادوا بعد انكشاف جزئيّ إلى
التّلطّي خلف بُرقع تقسيم الوهّابيّة إلى وهابيّتَين: متشدّدة داعشيّة، ومعتدلة
حجازيّة!
هنا بيتُ القصيد، وسرُّ السرّ. إنْ لم يُلتقَط
فإنّ الأمّة – سنّةً وشيعة - ستمكّن الوهّابيّين من استعبادها عقوداً متمادية.
قام «مشروع الدّواعش» على الأُسس
التالية:
1- «إسرائيل» بعد حرب تمّوز، تنحدر مسرعةً إلى
الزوال.
2- أبرز
نتائج زوالها خروج هذه المنطقة من سيطرة الغرب.
3- لا يُمكن تركيع الشعوب (خصوصاً المسلمين
حسب برنارد لويس) إلّا بالمجازر، وما تجربة «صدّام» ببعيدة. إنْ لم تنفع المجازر
في تركيعهم فلا شكّ أنّ هذه «الفوضى الخلّاقة!» تُسيء إلى «الإسلام»
وتشوّه وجه المسلمين، وتُشغلهم ببعضهم إلى أمدٍ بعيد.
4- المؤهَّل لهذه المجازر هم الوهّابيّون وكلّ
جنرالات «صدّام». لا بدّ - إذاً - أن تتصدّر الوهّابيّة واجهة الأحداث، لاعتماد تجربة مجازر الوهّابيّين
في بدء أمرهم، وتكثيفها بشدّة وعلى مستوى الأمّة كلّها والبداية سوريا والعراق.
5- لا يُمكن
الجمع بين محافظة الوهّابيّة على ما اكتسبته من زعامة العالم الإسلامي رغم دعمها «إسرائيل»
- بباطنيّتها «البريطانيّة» - إلّا بالحديث عن وهّابيّتين.
6- تواصل الوهابيّة الأم «دورها» في
زعامة العالم الإسلاميّ، وتدعم سراً «الدّواعش، إسرائيل الثّانية»، كما
أتقنت من قبل دعم «إسرائيل الأولى».
7- كما لازم قيام «إسرائيل الأولى»
دعمٌ سياسيّ وعسكريّ نوعيّ، فلا بدّ من قيام تحالف دوليّ، إلّا أنّه – وبالإفادة
من تجربة دعم «إسرائيل» – الأولى – علناً، لا بدّ وأن يكون هذه المرّة سرّاً.
***
يُمعن في الخطأ الاستراتيجيّ من يعتقد
بما يلي:
1- أنّ «الدواعش» تكوّنوا خارج الهيمنة
الأميركية، وعملائها الأبرز في المنطقة.
2- أو
يعتقد بوجود وهّابيّتين.
3- أو
يقتنع بوجود تناقض بين نظام سياسيّ وهّابيّ، وبين «الوهّابيّة».
4- أو
يعتقد بأنّ الوهّابيّين يُمكن أن يكونوا جادّين في أي تراجعٍ يضطرّون إليه.
5- أو
يعتقد بأنّ المجازر التي يرتكبها «الدّواعش» دليلُ إفلاس. إنّها «المنهج»
المعتمَد لتحقيق أهدافهم في ظلّ انعدام الوزن الصّهيو - أميركي في المنطقة. مَن
يقرأ كتاب «إدارة التوحّش - أخطر مرحلة ستمرّ بها الأمّة» لأبي بكر ناجي -
مساعد البغدادي - يجد صدقَ هذا المقولة.
الباب مفتوح للأمّة – سنّة وشيعة - على
مصراعَيه، ليلفظ جسدُها وجهَي الغدّة السرطانيّة: «إسرائيل» الأولى و«إسرائيل»
الثانية، الصهيونيّة والوهّابيّة.
تفجير ضريح الإمام النّوويّ في «نَوَى،
بحَوْران»، يحمل إضاءاتٍ جديدة واعدة على أنّ مستقبل الأمّة هو النّصر الحاسم بتوحّدها
على أعتاب سيّد النبيّين صلّى الله عليه وآله وسلّم.