الحقيقة الضائعة

الحقيقة الضائعة

منذ 5 أيام

«الإسلام في الأرجنتين»

قراءة: سلام ياسين

الكتاب: «الإسلام في الأرجنتين».
المؤلّف: الدكتور الشيخ محمّد صادق الكرباسي.
الناشر: «بيت العلم للنابهين»، بيروت 2010.
يأتي هذا الكتاب: (الإسلام في الأرجنتين)، ضمن سلسلة من الكتب لمؤلِّفها الشيخ الكرباسي، للإضاءة على واقع المسلمين -ماضياً وحاضراً- في مختلف دول العالم، ويتناول الإصدار الأخير منها مبدأ وفود المسلمين إلى الأرجنتين، ومختلف الظروف التي عايشوها وصولاً إلى واقعهم الحالي، ويوثِّق ذلك بالأرقام والإحصاءات والمستندات.

يرجع وجود المسلمين في الأرجنتين (بلاد الفضة) إلى العهود الأولى لاكتشاف القارّة الأميركيّة، ويرى البعض أنّ الأندلسيّين المسلمين الذين تنصَّروا قهراً بعد سقوط الأندلس عام 1493م، والذين يسمّيهم الإسبان بالمورسكين، هم أوّل المهاجرين المسلمين إلى الأرجنتين، وتعرّضوا فيها لما تعرّض له إخوانهم في الأندلس، ولا سيّما وأنّ تلك البلاد كانت واقعة تحت سلطة الإسبان.
وفي فترة لاحقة وفدت إلى الأرجنتين هجرات لمسلمين، وعلى مراحل، وبخاصّة من بلاد الشام؛ كان أصحابها في معظمهم يبحثون عن الأمن والاستقرار، كما شهد النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي هجرة كبيرة للعرب من سوريا، وأعقبتها هجرة ثانية في النصف الأول من القرن العشرين الميلادي، وازدادت أثناء الحرب العالميّة الأولى وبعدها.
ليس هناك إحصائيّة ثابتة حول عدد المسلمين في الأرجنتين، فبعض المصادر تقدّره بنحو 900 ألف مسلم، أي 2,5% من مجموع السكان البالغ عددهم أكثر من 37 مليون نسمة، يعيش الكثير منهم في العاصمة، لكنّ بعض المراجع الإسلاميّة المهتمّة تقدّر عدد العرب من المسيحيّين والمسلمين بنحو مليون معظمهم من سوريا، وبعضهم يصل بالعدد إلى 3,5 مليون، خُمسهم يعيش في العاصمة بوينس آيرس، ومنهم 200 ألف من المسلمين، ولكن من الثابت أنّ حركة إقامة بناء المساجد والجمعيّات بدأت تزداد في السنوات الأخيرة، ولكن ببطء.
ومن الملاحظ في حركة المهاجرين إلى الأرجنتين، أنّ هجرة العرب -مسلمين ومسيحيّين- من بلاد الشام انقطعت بشكل عام، وفي المقابل -كما يقول المؤلف- تدفّقت أعداد كبيرة من المسلمين الباكستانيّين والبنغال والهنود إلى هذه البلاد، فقلبت الموازين حتّى أصبحت نسبة المسلمين غير العرب مقارنة مع العرب 55%، وكان للوجود الإسلامي الكبير دافعه في حمل السلطات الأرجنتينيّة المستندة في قواعد الحكم إلى الديانة الكاثوليكيّة، على إصدار قانون يتيح للمسلمين الحصول على عطَل رسميّة لعيدَي الفطر والأضحى والسنة الهجريّة، كما سمحت الحكومة بتقييد الأسماء الإسلاميّة للمواليد الجُدد في سجلّات الدوائر الرسميّة، وهنا يصرِّح الداعية محمّد يوسف هاجر رئيس «المنظمة الإسلاميّة لأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي» التي تضمّ 33 دولة، أنّه تحمّل المشاقّ كي يختار لوليده اسم «حسين»، وتمكّن من ذلك بعد بذل الجهود المضنية. وقد سمحت السلطات ابتداءاً لخمسة عشر اسماً إسلاميّاً، ثمّ ارتفع العدد إلى ثلاثين اسماً.

التحوّل إلى الإسلام

تعدّ الأندلس بعد السقوط أبرز حالة شهدتها البشريّة تمّ فيها قسر الناس على تغيير دينهم تحت مطرقة محاكم التفتيش، ولو تركت الجيوش الأوروبيّة مُسلمِي الأندلس وشأنهم لاختلف الأمر كليّاً، لأنّ الناس بشكل عام تقبّلوا الإسلام طواعية، وبخاصة أنّه جاء مكمِّلاً للأديان السماويّة، ولم يكن مُلغياً لها أو معادياً، بل ترك أصحاب الأديان وشأنهم تحت قاعدة قرآنيّة مُحكَمة ﴿لا إكراه في الدين..﴾ البقرة:256.
من هنا، فإنّ التعرف على الإسلام وقراءته من جديد يفتح الآفاق لدى الآخر تقبّلاً أو إيماناً، وينقل الدكتور الكرباسي عن استبيان أعدّته جامعة «جورج تاون» الأميركيّة عام 1998م، خلُصت فيه إلى أنّ 8% من مواطني أميركا اللاتينيّة، ومن ضمنها الأرجنتين، اعتنقوا ديناً آخر غير دين عائلاتهم الأصلي، ومن ضمن هؤلاء المتحوّلين عقائديّاً، نسبة عالية اختارت الإسلام.
ويعزو الدكتور الكرباسي التحوّل من المسيحيّة إلى الإسلام في أميركا اللاتينيّة إلى أسباب عدّة أهمّها:
أوّلاً: إنّ الإسلام يدعو للمساواة ولا يعترف بالفوارق العِرقيّة والإجتماعيّة.
ثانياً: يؤمن الإسلام بالأنبياء السابقين على الرسول صلّى الله عليه وآله، وبخاصة النبيّين موسى وعيسى عليهما السلام ويحترمهم.
ثالثاً: الإسلام يربط الإنسان بخالقه مباشرة من دون الحاجة إلى وساطة مؤسّساتيّة كوساطة الكنيسة.
رابعاً: المسيحية تزعم أنّ المسيح إله، وهي تقول بالتثليث، وهذا خلاف العقل والمنطق.
خامساًً: القوانين الإسلاميّة أقرب إلى الفطرة والعقل، ثمّ إنّ الدخول في الإسلام طوعيٌّ وليس قهريّاً.
سادساً: الإسلام –وخلافاً للكنيسة- لا يتبرّم من الحوار والنقاش أيّاً تكن عناوينه.

شاهد من الواقع

يُعتبر النائب الأرجنتيني السابق عن حزب «الحركة الاشتراكيّة» سانتياغو پاز بولرج، والذي اعتنق الإسلام عام 1982م، بعد رحلة تقصٍّ وبحث دامت ثلاث سنوات، من أبرز نماذج المستبصرين بنور الإسلام الذين يقف المؤلَّف الشيخ الكرباسي عند أسباب تحوّلهم.
يقول پاز -الذي درس العلوم الدينيّة وأصبح إسمه الشيخ عبد الكريم پاز- في بيان سبب تحوّله إلى الديانة الإسلاميّة: «التحقت بكليّة الفلسفة بالجامعة الوطنيّة، وفي السنة الثانية درست الفلسفة اليونانيّة وتعرّفت على معنى التوحيد، وبعد ذلك التقيت بمدرِّس سوري لديه مركز إسلامي صوفي ونظرة عن الشيعة، وبعدما تعرّفت على الفرق بين التشيّع والتصوّف، بانَ لي أنّ التشيّع هو طريق الإسلام الصحيح».
يُضيف الشيخ پاز: «إنّ الإسلام هو النور الإلهي الذي يدخل قلب المرء من دون استئذان إذا وجده مؤهّلاً لذلك، هذا ما يشعره كلّ من استبصر بالإسلام، حيث يجده دين الفطرة، فليس فيه ما يخالف العقل، ومن هنا فإنّه يتماشى مع كلّ زمان، ويمكن تطبيقه في كلّ مكان مهما اختلفت المفاهيم والعادات وبالتالي القوميّات، ويصل إلى كلّ الأعمار والفئات».
ويقارن الشيخ پاز بين إسلام أهل المدينة وإسلام أهل الأرجنتين، فيرى أنّ: «دخول الإسلام إلى الأرجنتين كان كدخوله إلى مكّة والمدينة، فما أنْ عرف الوثنيّون العرب فلسفة الحياة في الإسلام وبالأخص عن طريق الرسول صلّى الله عليه وآله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، إلّا وانجذبوا إلى تلك الأفكار ذات الحيويّة والفاعليّة على جميع المستويات»، معبّراً في الوقت نفسه عن أسفه لأنّ: «الإشكال يبقى مع الذي يجهل الإسلام وتعاليمه، وما على المسلم إلّا العمل على إيصال الكلمة إلى غير المسلمين، بل أيضاً إلى المسلم الجاهل غير العامل بتعاليم دينه، والذي أصبح كَلاًّ على الإسلام والمسلمين، فالمُسلم الذي يعيش في بلدان غير إسلاميّة ينبغي أن يُظهر الإسلام بسلوكه قبل لسانه، كما فعل المهاجرون الأوائل في الحبشة، ولاحقاً في أندونيسيا وماليزيا وغيرهما».
 

اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

منذ 5 أيام

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

منذ 5 أيام

نفحات