الهُدى والضلال

الهُدى والضلال

منذ 5 أيام

المرجع الديني السيد كاظم الحائري

هل الطاعة والمعصية، منّا أو من اللّه تعالى؟ وهل نحن الذين نُطيع ونعصي، أم أنّ «الهدى» و«الضلال» منه تعالى؟
ما يلي، محطّة للإضاءة على هذين المُصطلَحين، كما تناولهما المرجع الديني السيّد كاظم الحائري حفظه الله في كتابه (الإسلام وقيادة المجتمع).

نرى أنّ هناك لهجتين ولسانين، بل أسلوبين، موجودَين في الكتاب والسنّة، فهل هما متعارضان ومتناقضان؟
هناك آيات صريحة في أنّ الهداية والضلال منّا وبِمَحْض اختيارنا، وأنّنا لم نُجبر عليهما من قِبل اللّه عزَّ وجلّ.
فقد قال اللّه تعالى: ﴿إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً﴾ الإنسان:3.
وقال تعالى أيضاً: ﴿وهديناه النجدين﴾ البلد:10.
وهناك آيات دالّة على أنّ الهداية والضلال من اللّه جلّ شأنه.
فقد قال تعالى: ﴿إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء..﴾ القصص:56.
﴿..يُضلُّ به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضلُّ به إلّا الفاسقين﴾ البقرة:26.
﴿..واللّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾.  النور:46
﴿..قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ البقرة:142.
﴿..قل إنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي إليه من أناب﴾ الرعد:27.
وأمثال هذه الآيات كثير.
والواقع أنّ التعارض الظاهر بين هذين اللّسانين لا يعني أنّ اللّه سبحانه قد ناقض نفسه في القرآن الكريم، فتارةً يقول: إنّكم تهتدون وتضلّون بمحض اختياركم، وأُخرى يقول: أنا الذي أهدي وأنا الذي أُضل، إذ لا تناقض بين هاتين اللّهجتين ولا تنافي بين اللّحنين، وما علينا إلّا أن نتمرّس في مطالعة النصوص الإلهيّة الواردة في القرآن والسنّة، وندقّق فيها للتعرّف على لحن الوحي ولهجة النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام، فيتّضح معنى أنّ اللّه هو الذي يهدي، وهو الذي يُضلّ.
هناك نصوص صريحة في أنّ القدرة والاختيار بيد الإنسان، وهذا ما نحسُّ به بوجداننا، وبفطرتنا، فعندما نعمل عملاً إنّما نعمله بقدرتنا واختيارنا.
ولكن مع هذا، يصحّ أن نقول إنّ اللّه هو الهادي وهو المضلّ، وذلك لأنّ الهداية والضلال تعود إلى صفات نفسيّة، قد خلقها اللّه تعالى مع النفس، وقد ورد ذلك في الروايات، فعندما يرد خبر بأنّ: «الشقيّ من شقي في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمّه»، فإنّ هذا لا يعارض الاختيار، لأنّ الإنسان هو الذي يختار الشقاء بمحض اختياره، ولكنّ خميرة الشقاء كانت موجودة معه في نفسِه حين خُلقت. وهو الذي يختار السعادة بمحض اختياره، ولكنّ خميرة السعادة موجودة في نفسِه حين خلقها اللّه تعالى.
من هنا، فالمقصود بأنّ اللّه يهدي ويضلّ -إذن- هو أنّ مناشى‏ء الهداية ومناشى‏ء الضلال هي من عند اللّه تعالى، إذ إنّه سبحانه قد خلقها في نفس الإنسان منذ أن خلقه، وهذا لا يعني خروج الاختيار من يد الإنسان، بل يبقى قادراً على مخالفة الحالة التي هو عليها.


اخبار مرتبطة

  العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

العبادة تُوَلِّد الحركة والنشاط

منذ 5 أيام

  خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

خِصال أمير المؤمنين عليه السلام

منذ 5 أيام

نفحات