مراقبات شهر شعبان
بوّابةُ شَهر رمضان ولَيلةِ القَدر*
_____ إعداد: «شعائر» _____
ها
قد انقضى شهرُ رجب المبارك لِنحطّ الرّحال في شهر شعبان. ودّعنا شهر أمير المؤمنين
عليه السلام لِنَستقبل شهر المصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله.
وفضائل
شهر شعبان كثيرةٌ جداً إلى حدّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله، كان يولِيه عنايةً خاصّة ويَحثُّ المسلمين على
الاهتمام به، والمزيد من أعمال البرّ فيه.
إنّ
مقتضى واجب الاقتداء بالمصطفى الحبيب صلّى الله عليه وآله،
أن نهتمّ بهذا الشّهر الشّريف، فنعرف آدابه، ونحرص على الإتيان بها، لِما في ذلك
من فوائد جليلة تحصّن النّفس والمجتمع من الشّيطان وأوليائه.
وينبغي
أن نلتفت إلى مُجاورته شهرَ الله تعالى، ونلتفت أيضاً إلى ليلة النصف من شعبان
التي يُشبه فضلُها فضلَ ليلة القدر، بل هي من ليالي التّقدير، والحقيقة أنّه لو لم
يكن في شهر شعبان إلّا هذه اللّيلة، ليلة النّصف التي هي ليلة مولانا الإمام
المنتظر عجّل الله تعالى
فرجه الشريف، لَكَفى.
عندما
نتأمّل كيف يتعامل العلماء الأبرار أولياء الله تعالى مع هذا الشّهر، نجد أنّهم
يرون فيه محطّةً كبرى في الطّريق إلى الله، ومنزلاً مميّزاً لا بدّ من النزول فيه
والتزوّد من بركاته لِمَن أراد الوصول.
فضل شهر شعبان
تحدّث العارفُ الكبير آية الله الشيخ الملَكي
التبريزي رحمة الله عليه عن أهميّة شهر شعبان
في كتابه (المراقبات)،
فقال:
«وهذا
المنزل من منازل العمر للسّالك إلى الله تعالى، له شأنٌ عظيم، وفضلٌ كثير، وفيه ليلة من ليالي القدر،
وقد وُلد فيها مولود وَعد اللهُ بالانتصار على يدَيه لكلّ مظلومٍ من أوليائه
وأنبيائه وأصفيائه مذ هبط أبونا آدم -على نبيّنا وآله وعليه السّلام- إلى الأرض،
وأن يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجَوْراً. وكفى في شأن شهر شعبان
أنّه شهر رسول الله، فقد
روي عنه صلّى الله عليه
وآله أنّه قال: (شعبان شهري.
رَحِم الله مَن أعانني على شهري)».
يضيف:
«ومَن عرفَ أهميّة هذه الدّعوة العظمى من رسول الله صلّى
الله عليه وآله، التي عبّر عنها بقوله: (رَحِم
الله مَن أعانني على شهري)
فلا بُدَّ أن يهتمّ ويعمل جاهداً لِتشمله دعوة المصطفى، ويكون من أهلها».
وتجدر الإشارة إلى أنّ من
الأعمال العامّة لشهر شعبان «المناجاة الشّعبانيّة»، وهذه المناجاة التي يُدعى
بها في كلّ يوم من هذا الشهر المبارك، بل في كلّ أيّام العمر مطلقاً، هي غاية في
الأهميّة، وقد ورد حولها أنّ الأئمّة جميعاً عليهم
السلام، كانوا يُناجون الله تعالى بها في شهر
شعبان، والصّلوات المرويّة عن الإمام السّجّاد عليه السلام، والتي تقرأ عند
الزّوال من كل يوم في شعبان.
اليوم الثّالث، مولد سيّد
الشّهداء عليه السّلام
(المراقبات): «واليوم
الثّالث منه يوم ولادة الحسين عليه السّلام، وهو يوم يتقدّر شرفه بمقدار شرف صاحبه
عليه السّلام، فللسالك أن يأتي من شكره بما تيسّر له من الصّوم والزّيارة والدّعاء
الوارد وغيره من القربات، ومن أجله أنَّ مِن خصائص اليوم أمرَ فطرس، فيمكن للسّالك
أن يجعله عليه السّلام في هذا اليوم معاذَه في تحصيل نجاته، وجناحَي روحه وعقله
حتّى يطير مع الروحانيّين في سماوات القرب والرضوان، ويكون فرحه في هذا اليوم
مشوباً بمراسم العزاء والحزن، كما كان الشّأن كذلك لأهله المطهّرين، صلوات الله
عليهم أجمعين، ويختم يومه بما يختم به كلّ يوم شريف».
اليوم الرّابع، مولد أبي الفضل العبّاس عليه السّلام
اليوم الرّابع من شعبان،
وهو يوم ذكرى سيّدنا ومولانا أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين عليهما السلام.
ولد أبو الفضل العبّاس
في الرابع من شعبان سنة 26 للهجرة،، وقد ورد في زيارته عليه السلام: «السّلامُ
عليكُ يا أبا الفضلِ العبّاس ابنَ أمير المؤمنين، السلّام عليك يا ابنَ سيّدِ
الوصيّين، السّلامُ عليكَ يا ابنَ أوّلِ القوم إسلاماً وأقدَمِهم إيماناً، وأَقومِهم
بدينِ الله وأَحوطِهم على الإسلام، أشهدُ لقد نصحتَ لله ولرسوله ولأخيك، فنِعْمَ
الأخُ المُواسِي..».
وفي يوم ولادة سيّدنا
ومولانا أبي الفضل العبّاس عليه السّلام، فمَن كانت له إلى اللهِ حاجة فليَصُم يوم
الرّابع من شعبان، لأنّه في حدّ ذاته قد وَرد الحثُّ على صيامه، فكيف إذا صامه
المؤمن بنيّة إهداء هذا الثّواب إلى أبي الفضل العبّاس عليه السّلام، وطَلب حاجته
من الله تعالى ببركة باب الحوائج؟ وكيف إذا ضمّ المؤمن إلى صيامه عن روح أبي الفضل
عدّة آلاف من «أللَّهُمَّ صَلِّ على محمّدٍ وآلِ محمَّدٍ» هديّة إلى روح
أمِّ البنين، أمّ أبي الفضل عليه السّلام؟ فلنُجرِّب هذا النّذر، ونطلب من الله
تعالى حاجتنا ونحن نَقِف ببابِ الكريم ابن الكرام، حامل راية كربلاء، وساقي
العُطاشى عليه السلام.
ليلة النّصف من شعبان
ليلةُ
النّصف من شَعبان، وما أدراكَ ما ليلةُ النّصف؟
بوّابة ليلة
القدر..
إنّها
ليلة اكتمال سرّ ليلة المبعث الشّريف، واكتمال سرّ الولاية.
فهي
كمالُ النّبوّة والولاية. كمالُ سِرّ ﴿..وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ..﴾
المائدة:67 اكتمال سرّ «كمال الدّين وتمام النّعمة»! سرّ
«لَوْلاك ما خَلَقْتُ الأفْلاك»، وهي بعدُ أو سِرُّها - لا فرق- سِرُّ عظَمة
ليلة القدر، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ
الْقَدْرِ﴾ القدر:2.
ليلةُ
النّصف من شعبان، ليلةُ اكتمال سِرّ فاطمة وأبيها وبَعلها وبنيها، واكتمال السِّرّ
المستودَع فيها.
وعندما
يكون موقعُ النّصف من شعبان من النّبوّة الخاتمة والولاية المهيمنة، موقعَ اكتمال
السّرّ، فكيف هو موقعُها إذاً من حركة سائر الأنبياء غير المصطفى الحبيب صلّى الله
عليه وآله، وحركة جميع الأوصياء على وجه الأرض؟
إنّها
– بمحمّديّتها- المُهيمنة على ذلك كلّه.
سرّ
ليلة النّصف من شعبان من سرّ المولى صاحب العصر والزّمان «أرواحنا فداه».
وهو
واسطة العِقد في حركة النّبوّة على وجه الأرض وحركة الولاية.
ليلةُ
النّصف من شعبان ليلةُ أهل البيت جميعاً، ليلةُ المصطفى الحبيب، «أَلَا إنّ
شَعبانَ شَهْرِي»!
ليلة
النّصف قلبُ شهرِ المصطفى الحبيب صلّى
الله عليه وآله.
هي
ليلةُ مولد المصطفى ومَبعثه، ليلة فرحة الكَعبة بوليدها الأوحد: أمير المؤمنين
عليّ عليه السّلام.
ليلة
الفرحة اليتيمة لمولاتنا خديجة الغرّاء بمولد الصّدّيقة الكبرى.
ليلة
البهجة لأوّل وردةٍ تفتّحت في الرَّوضِ المحمّديّ: المولى أبي محمّد الحسن المجتبى
عليه السّلام.
ليلة
النّصف هي ليلة اكتمال الفرحة بمولد أبي عبد الله الحسين عليه السّلام.
إنّها
ليلة الطّهر والنّور المحمديّ، ليلة الاستقامة واليقين والجهاد والشّهادة، ليلة
المشكاة والمصباح والزّجاجة، والكوكب الدّريّ.. أللّهمّ
أتمِم لنا نورَنا.
ليلةُ النّصفِ من شعبان ليلةُ نورِ النّور..
اللّيلةُ
التي تعمُّ فيها البَهجة وتغمرُ فيها الفرحة، ويَتسامى العطاءُ إلى حيث لا أُذُنٌ
سَمِعَت ولا عينٌ رَأَت ولا خَطَر على قلبِ بَشر.
إذا كان العطاء الإلهيّ
في أوّل يومٍ من رجب عطاءَ من «يُعْطِي الكَثِيرَ بِالقَليلِ»، عطاءَ مَن «يُعْطِي
مَن سَأَلَه» و«مَنْ لَم يَسْأَلْهُ وَلَمْ يَعْرِفْهُ! تَحَنُّنَاً مِنْهُ
وَرَحْمَةً»، فكيف إذاً هو العطاءُ في أوّلِ يومٍ من شعبان، وأحاديثُ غرّة
شعبان هي في حدِّ ذَاتها حديثٌ ذو شجون!
عظَمةُ اليوم الأوّل من
شعبان، وعظَمةُ العطاءِ الإلهيّ في أوّل يومٍ من شَعبان فوقَ إدراكِنا والتّصوّر،
فكيفَ إذاً هو العطاءُ في ليلة النّصفِ من شعبان؟
هذه ليلةُ النّفحاتِ الإلهيّة، إنّها بوّابةُ ليلة
القدر
يقول السّيّد ابن طاوس عليه
الرّحمة: «هي من لَيالي القَدر، وهذا مطابقٌ لما
وردَ في الرّوايات»، بمعنى أنّ أوّل مراحل التّقدير يكونُ في هذه اللّيلة. أولى
مراحل التّقدير تكون هذه اللّيلة.
ليلةُ النّصف من شَعبان
هي المَدخلُ إلى ليلة القدر، يبدأُ تقديرُ الأعمال من هذه اللّيلة.
فماذا نحن فاعلون؟
هل نعتمدُ على العَطاء
الإلهيّ العميمِ في هذه اللّيلة؟
هل نطمئنُّ إلى أنّ كلَّ
شخصٍ من النّاس كائناً مَن كان، حتّى الكافر، لا يُمكن أن يبقى هذه اللّيلة بدون
عطاء؟
إذا كان اللهُ عزّ وجلّ
يريدُنا في شهر رجب أن نقول: «يَا مَن يُعْطِي مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ
تَحَنُّنَاً مِنْهُ وَرَحْمَةً»، فكيفَ سيكون عطاؤه سبحانَه في ليلةِ النّصف
من شَعبان لكلِّ النّاس، حتّى الذين لَا يعرفونه سبحانَه وتعالى، هل نطمئنُّ إلى
ذلك؟
في الجواب، تطلّ علينا
هذه الحقيقة: أَوَ لا أكونُ عَبْدَاً شَكُوراً؟
إذا كان العطاءُ عميماً،
أوَلا نشكرُ اللهَ عزّ وجلّ؟
أوَلا نستزيد؟
وتطلّ علينا حقيقةُ أنّ
شعبانَ شهرُ معُونة المصطفى الحبيب: «أَلَا إنّ شَعبانَ شَهْرِي، فَرَحِمَ
اللهُ مَن أَعَانَنِي عَلَى شَهْرِي».
معرفةُ عظَمة هذه
اللّيلة هي المدخلُ إلى المَعونة الصّادقة، للتّوبة النّصوح لفَتْحِ الصّفحةِ
الجديدةِ التي نريدُ أن نستقبلَ بِبياضِها النّاصعِ شهرَ رمضانَ المبارك.
الأسبوع الأخير من شعبان
لا
بدّ من وقفةٍ عند الجمعة الأخيرة من شهر شعبان، فقد تقدَّم أنَّ شهر
شعبان أهمّ من شهر رجب، وهنا ينبغي أن يكون واضحاً أنّ آخر شهر شعبان أهمّ من
أوّله، وإذا لم يوفَّق أحدُنا لخيراتِ شعبان المباركة فلا أقلّ من اغتِنام فرصة
العشر الأواخر الّتي يُمكن فيها تدارُك ما فات.
والتّوبة
وهي بيتُ القصيد، فينبغي
التّنبُّه إلى أنَّ فترة الجمعة الأخيرة من شعبان موسمٌ استثنائيٌّ لِقبول
التّوبة، فلنَغتنِم
فرصتها السّانحة، وليَكُن نصْبَ عينَي القلب ما حدَّده الإمام الرِّضا هدفاً لنا
في هذه الأيّام الّتي تفصلنا عن شهر رمضان بقوله عليه السلام:
«ليُقبلَ شهرُ اللهِ إليك وأنتَ مُخلصٌ للهِ عزّ وجلّ».
ويتوقّف
تطهيرُ النّفس جذريّاً على نزعِ الغِلِّ -وهو الحقد- من القلب، فما دام الحقدُ فيه فهو
متنجِّس، وكيف
يُمكنه والحال هذه أن يدخل إلى ضيافة الرَّحمن؟
وكيف
نريد من الله تعالى أن يسامحَنا ويَرحمَنا ويَغفرَ لنا، ولا نفكِّر بأنْ نُسامحَ مَن أساء
إلينا ونرحمَه ونغفر له إساءته؟!!
ويعلِّمنا الإمام الرّضا عليه السلام أن نهتمّ في آخر جمعة من شعبان خصوصاً بتقوى الله تعالى، أللّهمّ
أَسعِدْنا بِتقواك.
ومثل هذه المرتبة من التّقوى تُخوِّل صاحبها الوصول إلى
التّوكُّل الذي هو جوهرُ التّوحيد «وتوكّل
عليه في سِرِّ أمرِكَ وعلانِيتِكَ، ومَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه
إنّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدْرَاً».
ومِلاكُ التّوكّل اللّجوءُ إلى الله تعالى حقيقةً في
كلِّ شيءٍ «أللّهمّ إنِّي بكَ ومنكَ أَطلبُ حاجَتي، ومَن طَلبَ حاجةً إلى
النَّاس فإنِّي لا أطلبُ حاجتي إلَّا منكَ
وَحدكَ لا شريكَ
لكَ».
___________________________
*
مادّة هذا المقال من (مختصر أعمال شهر شعبان) و(ليلة النّصف من شعبان) للشّيخ حسين
كوراني