الإمام عليّ بن الحسين عليهما السّلام
دلائل إمامته، وحكّامُ
عصره
ـ إعداد: «أسرة التحرير»
الأدلّة النقليّة
على إمامة الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام متواترة في مصادر جميع
المسلمين، منها ما ينصُّ على إمامته صلوات الله عليه بالخصوص، ومنها ما يرِد في
سياق النصّ على جميع الأئمة عليهم السلام.
في ما يلي، إشارة
إلى عددٍ من هذه النّصوص، مشفوعة بأدلّة عقلية أوردها الشيخ المفيد في (الإرشاد)،
يليها تعريفٌ موجز بالأوضاع السياسية أيّام إمامة الإمام زين العابدين عليه
السلام.
* قال الشّيخ المفيد، محمّد بن محمّد النعمان في (الإرشاد):
«وثبتت له [أي للإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام] الإمامة من وجوه:
أحدها: أنّه كان أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً، والإمامة
للأفضل دون المفضول بدلائل العقول.
ومنها: أنّه كان أوْلى بأبيه الحسين عليه السّلام، وأحقّهم بمقامه
من بعده بالفضل والنَّسَب، والأوْلى بالإمام الماضي أحقّ بمقامه من غيره، بدلالة
آية ذوي الأرحام، وقصّة زكريا عليه السّلام.
ومنها: وجوب الإمامة عقلاً في كلّ زمان، وفساد دعوى كلّ مدّعٍ
للإمامة في أيّام عليّ بن الحسين عليهما السّلام، أو مدّعًى له سواه، فثبتت فيه،
لاستحالة خلوّ الزمان من إمام.
ومنها: ثبوت الإمامة أيضاً في العترة خاصّة، بالنّظر والخبر عن
النّبيّ صلّى الله عليه وآله، وفساد قول مَن ادّعاها لمحمّد بن الحنفيّة، رضي الله
عنه، بتعرّيه من النصّ عليه بها، فثبت أنّها في عليّ بن الحسين عليهما السّلام، إذ
لا مدَّعى له الإمامة من العترة [هكذا] سوى محمّد رضي الله عنه،
وخروجه عنها بما ذكرناه.
ومنها: نصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله بالإمامة عليه فيما
رُوي من حديث اللّوح - الّذي رواه جابر - عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله، ورواه
محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام، عن أبيه، عن جدّه، عن فاطمة بنت رسول الله
صلّى الله عليهم، ونصّ جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام في حياة أبيه الحسين عليه
السّلام بما تضمّن (ضمن) ذلك من الأخبار، ووصيّة أبيه الحسين عليه السّلام إليه،
وإيداعه أمّ سلَمة رضي الله عنها ما قبضه عليٌّ من بعده، وقد كان جعل التماسَه من
أمّ سلَمة علامةً على إمامة الطّالب له من الأنام، وهذا بابٌ يعرفه مَن تصفّح
الأخبار..».
* وفي (فرائد
السّمطين) لشيخ الإسلام الحمويني الشافعي: بالإسناد إلى ابن عباس في حديثٍ عن رسول
الله صلّى الله عليه وآله: جاء فيه: «إِنَّ وَصِيّي عَلَيُّ بْنُ أَبي طالِب،
وَبَعْدَهُ سِبْطايَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ تَتْلُوهُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ مِنْ
صُلْبِ الحُسَيْنِ».
ثمّ قال صلّى الله عليه وآله: «فإذا مَضَى الْحُسَيْنُ
فَابْنُهُ عَلِيٌّ، فَإذا مَضَى عَلِيٌّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ، فَإذا مَضَى
مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ جَعْفَرٌ، فَإِذا مَضَى جَعْفَرٌ فَابْنُهُ مُوسى، فَإِذا
مَضَى مُوسى فَابْنُهُ عَلِيٌّ، فَإِذا مَضَى عَلِيٌّ فَابْنُهُ مُحَمَّدٌ، فَإِذا
مَضَى مُحَمَّدٌ فَابْنُهُ عَلِيٌّ، فَإِذا مَضَى عَلِيٌّ فَابْنُهُ الْحَسَنُ،
فَإِذا مَضَى الْحَسَنُ فَابْنُهُ الْحُجَّةُ مُحَمَّدٌ الْمَهْدِيُّ، فَهؤُلاءِ
اِثْنا عَشَرَ».
* وفي (مناقب آل أبي طالب) عن
(روضة الواعظين): «..قال أبو خالد الكابلي: أتيتُ عليّ بن الحُسين عليهما السّلام،
على أَنْ أَسألهُ: هَل عندكَ سلاح رسولِ الله؟ فلمّا بصر بي، قال: يا أبا خالد،
أَتُريدُ أنْ أُرِيَكَ سِلاحَ رَسُولِ الله صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ؟ قلتُ:
والله يا ابنَ رسولِ الله، ما أَتَيْتُ إلَّا لِأَسْأَلَكَ عنْ ذَلِك، وَلَقَد
أَخْبَرْتَنِي بِما فِي نَفْسِي، قال: نعم، فَدَعا بِحُقٍّ كَبيرٍ وسفطٍ،
فَأَخرَجَ لِي خَاتمَ رَسُولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآلِه، ثُمَّ أخْرَجَ لِي
دِرْعَهُ، وقال: هَذا دِرْعُ رَسُولِ الله صلّى اللهُ عليه وآلِه،
وأَخْرَجَ إليَّ سَيْفَهُ، وقال: هَذا واللهِ ذُو الفَقار، وأَخْرَجَ
عمَامَتَهُ وقَال: هَذهِ السّحاب، وأخْرَجَ رَايَتَهُ، وقال: هذه
العُقَاب... وأخْرَجَ رِداءَهُ وقال: هَذا كَان يَرتَدِي بِهِ رَسُولُ
اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وَيَخْطبُ أَصْحابَهُ فِيهِ يومَ الجُمُعة،
وأَخْرَجَ لِي شَيئاً كَثيراً، قلتُ: حَسْبي، جَعَلَني اللهُ فِداك».
طواغيت عصره
* قال السّيّد تاج الدّين بن عليّ بن أحمد الحسينيّ
العامليّ [من علماء القرن
الحادي عشر] في (التتمّة في
تواريخ الأئمّة عليهم السّلام): «وكانَ في زمان إمامته عليه السّلام بقيّة مُلك
يزيد بن معاوية إلى أن هلك سنة أربع وستيّن، وكان قد خرج عليه بعد قتل الحسين عليه
السّلام عبد الله بن الزبير بالحجاز، ودعا النّاس إلى بيعته، فبايعوه وأرسل إليه
يزيد عسكراً فحاصروه بمكّة، وهُدّمت الكعبة من رَمْي المجانيق في ذلك الحصار -
وقيل: بل كان هدْمُ الكعبة في زمن الحجّاج، وفيه بعض الروايات - فبينما هم كذلك،
إذ جاء البريد بموت يزيد فرجعوا عن ابن الزّبير، وبايع أهل الشّام لابنه معاوية،
فأقام على الخلافة مدّة أربعين يوماً، ثمّ خلع نفسه خوفاً من الله تعالى.
".." وبايع النّاس بعده لمروان بن الحكم فبقي خليفةً أربعة أشهر، ثمّ
توفّي وبايع النّاس بعده لابنه عبد الملك.
ولمّا هلك يزيد واضطرب أمر بني أُميّة، قَوِيَ عبد الله بن
الزّبير فملَك العراق، فولّى عبد الله بن مطيع على الكوفة وولّى أخاه (مصعب) على
البصرة. وفي تلك المدّة خرج المختار بن أبي عبيدة الثّقفي في طلب ثار الحسين عليه
السّلام، فمال إليه النّاس وقوي حزبه، فطرد عبد الله بن مطيع عن الكوفة، واستولى
هو عليها إلى أن قتل جمعاً كثيراً من قتلة الحسين عليه السّلام، فكانت الحجاز في
مُلك عبد الله بن الزبير، والكوفة ونواحيها في مُلك المختار، والبصرة ونواحيها في
مُلك مصعب، والشّام في مُلك عبد الملك.
ثمّ قوي بعد ذلك مصعب بن الزّبير على المختار وسار إليه
بعسكر فحاربه وقتله، وصار والياً على العراق بأسره، ثمّ سار عبد الملك بعسكرٍ كثير
إلى مصعب، فكان بينهما حرب إلى أن قتل مصعب ومَلَك العراق. ".."
وولّى عبد الملك الحجّاجَ بن يوسف الثّقفي على الكوفة، وكان
من أبغض النّاس لأهل البيت عليهما السّلام وقتل من الشّيعة خلقاً كثيراً؛ منهم
كميل بن زياد صاحب أمير المؤمنين عليه السّلام، وقنبر عبد أمير المؤمنين عليه
السّلام، وسعيد بن جُبير. ثمّ سار الحجّاج في عسكر من قبل عبد الملك إلى عبد الله
بن الزبير، فحاصره إلى أن ظفر به فقتله وصلبه، واستقرّ الأمر لعبد الملك وكانت
خلافته إحدى وعشرين سنةً، ومات سنة ستّ وثمانين. ثمّ تولّى بعده ابنه الوليد، وكان
في إمامة زين العابدين عليه السّلام، جانب مِن مُلكه..».
* وفي (تاريخ الطبري) وغيره أنّ أهل المدينة أَخرَجوا سنة
ثلاث وستّين عامل يزيد بن معاوية عثمان بن محمّد بن أبي سفيان من المدينة، وأظهروا
خلع يزيد لقلَّة دينه وفجوره. فجنّد لحربهم جيشاً عليه مسلم بن عُقبة، فالتقوا
بظاهر المدينة.
ولمّا دخل مسلم بن عقبة المدينة بعد وقعة الحرَّة، دعا
النّاسّ للبيعة على أنّهم عبيد ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم
ما شاء!! وأباح المدينة ثلاثاً يقتلون النّاس ويأخذون المتاع والأموال، فسمّي بـ
«مسرف بن عقبة» لكثرة ما قتل من المسلمين.
*
قال السّيّد المرعشي في (شرح إحقاق الحق): «..[عن] الأمير أحمد حسين بهادرخان
الحنفي البريانوي الهندي في كتابه (تاريخ الأحمدي، ص 310، ط بيروت سنة 1408)، قال:
وفي (مروج الذهب) قال: وبايع الناس على أنّهم عبيد ليزيد ومَن أبى ذلك أمرَّه مُسرِف
على السيف، غير عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب - إلى أن قال: فأُتي به مسرف
وهو مغتاظ عليه وتبرّأ منه ومن آبائه، فلمّا رآه وقد أشرف عليه ارتعد وقام له
وأقعده إلى جانبه - إلى أن قال: ثمّ انصرف عنه. وقيل لمسلم (مُسرِف): رأيناك تسبّ
هذا الغلام وسلفَه فلمّا أُتي به إليك رفعتَ منزلته. فقال: ما كان ذلك لرأيٍ منّي، لقد مُلئ قلبي منه
رعباً».
وقال
في موضعٍ آخر من شرحه: «..[عن] العلامة الحمزاوي في (مشارق الأنوار، ص 121، ط مصر)
قال: كان سيّدي عليّ زين العابدين شديد المَهابة، ولذلك قيل في حقّه:
يُغْضِي
حَيَاءً ويُغْضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
|
فلا
يُكلَّم إِلَّا حَينَ يَبْتَسِمُ».
|
من كلام الإمام زين العابدين عليه السّلام
1) خَفِ اللهَ تَعَالَى لِقُدْرَتِهِ عَلَيْكَ، واسْتَحِ مِنْهُ
لِقُرْبِهِ مِنْكَ.
2) لا تُعَادِيَنَّ أَحَداً وإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّكَ،
وَلَا تَزْهَدَنَّ فِي صَداقَةِ أَحَدٍ وإِنْ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُك؛
فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى تَرْجُو صَدِيقَكَ، وَلَا تَدْرِي مَتَى تَخَاف
عَدُوَّكَ. وَلَا يَعْتَذِر إليْكَ أَحَدٌ إلَّا قَبِلْتَ عُذْرَهُ وإِنْ عَلِمْتَ
أَنَّهُ كَاذِب، وليَقِلّ عَيْبُ (عتبُ) النَّاسِ على لِسانِك.
3) مَنْ رَمَى النَّاسَ بِمَا فِيهِم، رَموهُ بِمَا لَيْسَ فيه.
4) مَنْ عَتِبَ علَى الزَّمانِ طالَتْ مَعْتبَتُهُ.
5) كثْرَةُ النُّصْحِ تَدْعُو إلَى التُّهْمَة.
6) ما استَغْنَى أَحَدٌ باللهِ إلَّا افْتَقَرَ النَّاسُ إِلَيْه.
7) مَنِ اتَّكَلَ عَلى حُسْنِ اخْتِيَارِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ
لَهُ، لَمْ يَتَمَنَّ أنَّهُ فِي غَيْرِ الحَالِ الَّتي اختَارَهَا اللهُ تَعَالَى
لَه.
8) إنَّ الكَريمَ يَبْتَهِجُ بِفَضْلِهِ، واللَّئيمَ يَفْتَخِرُ
بِمُلْكِه.
9) عَلاماتُ المُؤمِن خَمْس: الوَرَعُ في الخَلوةِ،
والصَّدَقَةُ في القِلَّةِ، والصَّبْرُ عِنْدَ المُصِيبَةِ، والحِلْمُ عِنْدَ
الغَضَب، والصِّدْقُ عِنْدَ الخَوْف.
(الدّرّة
الباهرة من الأصداف الطّاهرة، الشّهيد الأوّل)