«مَن ترك الصّلاة متعمّداً فقد كفَر»
أبرز مصاديق الاستكبار
على الله تعالى
____ الشّهيد العلامة السّيّد عبد
الحسين دستغيب ____
هذا المختصَر من كتاب (الذّنوب الكبيرة)
للشّهيد العلّامة السّيّد عبد الحسين دستغيب، يتناول تنبيهات معنويّة حول خطورة ترك
فريضة الصّلاة. ولعلّ وجه الأهميّة العباديّة والمعنويّة أنّه يبيّن السّبب في
منشأ هذه الخطورة، وهو الاستخفافُ بالدّين، الذي يُفضي بصاحبه إلى الكفر.
من الكبائر المنصوصة تركُ الصّلاة عمداً، وحيث إنّ وجوب الصّلاة من الأحكام
البديهيّة والضروريّة في الإسلام، فمَن ترك الصّلاة من جهة إنكار وجوبها، يعتبَر
كافراً خارجاً عن دين الإسلام، وأمّا إذا لم يكن منكِراً لوجوبها وكان مؤمناً
بحقّانيّة القرآن ورسالة خاتَم الأنبياء ومعتقداً بأنّ الصّلاة واجبة بحكم الله
تعالى، لكنّه يتركها كسلاً وإهمالاً، فمثل هذا الشّخص فاسق.
والأخبار الواردة في كُفر تارك الصّلاة
ناظرةٌ للصّورة الأولى، وهي أخبار كثيرة متّفِقة المضمون؛
عن النّبيّ
صلّى الله عليه وآله: «مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ مُتَعَمِّداً فَقَدْ كَفَر».
وعن الإمام الباقر عليه السّلام: «تَارِكُ الفَرِيضَة كَافِر». وعن الإمام
الصّادق عليه السّلام: «جاءَ رَجُلٌ إلى النّبي صلّى الله عليه وآله، فقال:
يا رسولَ الله أوصِني، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: لا تَدَعِ الصّلاة
متعمِّداً فإنَّ مَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّداً فَقَد بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ الإِسْلام»، وقال صلّى الله عليه وآله: «ما بَيْنَ
المُسْلِم وَبَيْنَ أنْ يَكْفُرَ إلَّا أنْ يَتْركَ الصَّلاةَ الفَريضَة مُتَعَمِّداً،
أَوْ يَتَهَاوَنَ بِهَا فَلا يُصَلِّيها».
يقول العلّامة المجلسيّ في (شرح أصول الكافي = مرآة العقول): إنّ
بعض هذه الأخبار لها دلالة على أنّ ترْكَ أيّ واجبٍ أو خصوص بعض الواجبات عن عمْدٍ
كُفرٌ، وهذا بنفسه هو أحد معاني الكُفر الوارد في الآيات، حيث ورد أنّ تارك الصّلاة
عمداً كافر، وتارك الزّكاة كافر، وتارك الحجّ كافر.
وهذا هو السِّرّ في أنّ ترك الواجبات
لم يُذكر في الرّوايات من جملة كبائر الذّنوب، ولعلّ جهة ذلك أنّ ارتكاب المحرّمات
ينشأ غالباً من غلَبة الشّهوة على الإنسان، ودفعه إيّاه نحو المعصية كما هو في الزّنا،
أو ينشأ من سيطرة الغضب عليه ودفعه إيّاه نحو المعصية كما هو في الظُّلم، والقذف،
والقتل، وأمّا في ترك واجبٍ كالصّلاة فإنّه لا تتدخّل الشّهوة ولا الغضب إطلاقاً
في دفعه نحو تركها، بل السّبب منحصر في استخفافِ واستحقارِ الأوامر الدّينيّة،
وعلى ذلك دخلَ تركُ الواجبات في عنوان الكفر بالله. وحيث إنّ الاستخفاف بالدّين
واضح في ترك الصّلاة وأظهر من غيره، لذا جاء في الروايات أنّ تارك الصّلاة خصوصاً
كافر، إذ إنّ ترك الزّكاة والحجّ ينشأ أحياناً من الحرص على المال، وترك الصّوم
يمكن أن ينشأ من شهوة البطن، أمّا في ترك الصّلاة فلا يوجد دافع لذلك سوى
الاستخفاف بالدِّين.
مغالطات تاركي الصّلاة
حين يوعظ تاركو الصّلاة ويُسألون عن سبب ترك الصلاة، يقول
بعضهم: إنّ الله غير محتاج لصلاتنا وصيامنا، والحقيقة أنّ هذا الجواب مغالطة
شيطانيّة. فليس غنى الله تعالى هو السّبب في تركهم للصّلاة، بل السّبب هو جهل
هؤلاء الأفراد بحقيقة الأمر، وهم لا يرون أنفسهم عبيداً محتاجين إلى خالق العالم،
ومن هنا يقطعون رابطة العبوديّة معه، ولا يرَون أنفسهم غارقين في نعمائه وإحسانه،
ولذا يتركون الشّكر، ولا يؤدّون وظيفة العبوديّة.
وبعبارةٍ أخرى: إنّ سبب ترك الصّلاة
هو قسوةُ القلب، والاستكبار، والتّرف المفرط، ومقتضى العدل الإلهيّ هو أن يضع
النفوس الغليظة التي هي أقسى من الحديد والحجارة في العذاب، وأن يضع النفوس الرقيقة
اللّيّنة الخاشعة لربّها في دار السّلام.