في
التّذلُّل لله، والإلحاح عليه سبحانه
من أدعية الصحيفة السجاديّة
ــــــــــــــــــــــ
إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــــــــــــــ
كَانَ مِنْ دُعَاء الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عَلَيْه
السَّلَامُ فِي الإِلْحَاحِ عَلَى اللَّه تَعَالَى:
يَا الله الَّذِي ﴿..لَا يَخْفَى
عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾، وكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْكَ -
يَا إِلَهِي - مَا أَنْتَ خَلَقْتَه، وكَيْفَ
لَا تُحْصِي مَا أَنْتَ صَنَعْتَه، أَوْ كَيْفَ يَغِيبُ عَنْكَ مَا أَنْتَ
تُدَبِّرُه، أَوْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لَا حَيَاةَ لَه
إِلَّا بِرِزْقِكَ، أَوْ كَيْفَ يَنْجُو مِنْكَ مَنْ لَا مَذْهَبَ لَه فِي غيْرِ
مُلْكِكَ.
سُبْحَانَكَ!
أَخْشَى خَلْقِكَ لَكَ أَعْلَمُهُمْ بِكَ، وأَخْضَعُهُمْ لَكَ أَعْمَلُهُمْ
بِطَاعَتِكَ، وأَهْوَنُهُمْ عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ تَرْزُقُه وهُوَ يَعْبُدُ
غَيْرَكَ.
سُبْحَانَكَ!
لَا يَنْقُصُ سُلْطَانَكَ مَنْ أَشْرَكَ بِكَ، وكَذَّبَ رُسُلَكَ، ولَيْسَ
يَسْتَطِيعُ مَنْ كَرِه قَضَاءَكَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَكَ، ولَا يَمْتَنِعُ مِنْكَ
مَنْ كَذَّبَ بِقُدْرَتِكَ، ولَا يَفُوتُكَ مَنْ عَبَدَ غَيْرَكَ، ولَا يُعَمَّرُ
فِي الدُّنْيَا مَنْ كَرِه لِقَاءَكَ.
سُبْحَانَكَ!
مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ، وأَقْهَرَ سُلْطَانَكَ، وأَشَدَّ قُوَّتَكَ، وأَنْفَذَ
أَمْرَكَ!
سُبْحَانَكَ!
قَضَيْتَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ الْمَوْتَ: مَنْ وَحَّدَكَ ومَنْ كَفَرَ بِكَ،
وكُلٌّ ذَائِقُ الْمَوْتِ، وكُلٌّ صَائِرٌ إِلَيْكَ، فَتَبَارَكْتَ وتَعَالَيْتَ
لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.
آمَنْتُ
بِكَ، وصَدَّقْتُ رُسُلَكَ، وقَبِلْتُ كِتَابَكَ، وكَفَرْتُ بِكُلِّ مَعْبُودٍ
غَيْرِكَ، وبَرِئْتُ مِمَّنْ عَبَدَ سِوَاكَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أُصْبِحُ
وأُمْسِي مُسْتَقِلاًّ لِعَمَلِي، مُعْتَرِفاً بِذَنْبِي، مُقِرّاً بِخَطَايَايَ،
أَنَا بِإِسْرَافِي عَلَى نَفْسِي ذَلِيلٌ، عَمَلِي أَهْلَكَنِي، وهَوَايَ
أَرْدَانِي، وشَهَوَاتِي حَرَمَتْنِي.
فَأَسْأَلُكَ يَا مَوْلَايَ سُؤَالَ مَنْ
نَفْسُه لَاهِيَةٌ لِطُولِ أَمَلِه، وبَدَنُه غَافِلٌ لِسُكُونِ عُرُوقِه،
وقَلْبُه مَفْتُونٌ بِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْه، وفِكْرُه قَلِيلٌ لِمَا هُوَ
صَائِرٌ إِلَيْه. سُؤَالَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْه الأَمَلُ، وفَتَنَه الْهَوَى،
واسْتَمْكَنَتْ مِنْه الدُّنْيَا، وأَظَلَّه الأَجَلُ، سُؤَالَ مَنِ اسْتَكْثَرَ
ذُنُوبَه، واعْتَرَفَ بِخَطِيئَتِه، سُؤَالَ مَنْ لَا رَبَّ لَه غَيْرُكَ، ولَا
وَلِيَّ لَه دُونَكَ، ولَا مُنْقِذَ لَه مِنْكَ، ولَا مَلْجَأَ لَه مِنْكَ إِلَّا
إِلَيْكَ.
إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ
الْوَاجِبِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وبِاسْمِكَ الْعَظِيمِ الَّذِي أَمَرْتَ
رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِه، وبِجَلَالِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي لَا
يَبْلَى ولَا يَتَغَيَّرُ، ولَا يَحُولُ ولَا يَفْنَى، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى
مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ، وأَنْ تُغْنِيَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ بِعِبَادَتِكَ،
وأَنْ تُسَلِّيَ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا بِمَخَافَتِكَ، وأَنْ تُثْنِيَنِي
(تُثِيبَني) بِالْكَثِيرِ مِنْ كَرَامَتِكَ بِرَحْمَتِكَ.
فَإِلَيْكَ
أَفِرُّ، ومِنْكَ أَخَافُ، وبِكَ أَسْتَغِيثُ، وإِيَّاكَ أَرْجُو، ولَكَ أَدْعُو،
وإِلَيْكَ أَلْجَأُ، وبِكَ أَثِقُ، وإِيَّاكَ أَسْتَعِينُ، وبِكَ أُومِنُ،
وعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ، وعَلَى جُودِكَ وكَرَمِكَ أَتَّكِلُ.
***
وكَانَ مِنْ دُعَائِه عَلَيْه السَّلَامُ فِي التَّذَلُّلِ لله
عَزَّ وجَلَّ:
رَبِّ أَفْحَمَتْنِي
ذُنُوبِي، وانْقَطَعَتْ مَقَالَتِي، فَلَا حُجَّةَ لِي، فَأَنَا الأَسِيرُ
بِبَلِيَّتِي، الْمُرْتَهَنُ بِعَمَلِي، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي،
الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي، الْمُنْقَطَعُ بِي.
قَدْ
أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الأَذِلَّاءِ الْمُذْنِبِينَ، مَوْقِفَ الأَشْقِيَاءِ
الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِكَ. سُبْحَانَكَ! أَيَّ
جُرْأَةٍ اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ، وأَيَّ تَغْرِيرٍ غَرَّرْتُ بِنَفْسِي!
مَوْلَايَ ارْحَمْ كَبْوَتِي
لِحُرِّ وَجْهِي وزَلَّةَ قَدَمِي، وعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي،
وبِإِحْسَانِكَ عَلَى إِسَاءَتِي، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبِي، الْمُعْتَرِفُ
بِخَطِيئَتِي، وهَذِه يَدِي ونَاصِيَتِي، أَسْتَكِينُ بِالْقَوَدِ مِنْ نَفْسِي،
ارْحَمْ شَيْبَتِي، ونَفَادَ أَيَّامِي، واقْتِرَابَ أَجَلِي، وضَعْفِي
ومَسْكَنَتِي، وقِلَّةَ حِيلَتِي.
مَوْلَايَ وارْحَمْنِي إِذَا
انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا أَثَرِي، وامَّحَى مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ذِكْرِي،
وكُنْتُ مِنَ الْمَنْسِيِّينَ كَمَنْ قَدْ نُسِيَ.
مَوْلَايَ وارْحَمْنِي عِنْدَ
تَغَيُّرِ صُورَتِي وحَالِي إِذَا بَلِيَ جِسْمِي، وتَفَرَّقَتْ أَعْضَائِي،
وتَقَطَّعَتْ أَوْصَالِي، يَا غَفْلَتِي عَمَّا يُرَادُ بِي.
مَوْلَايَ وارْحَمْنِي فِي
حَشْرِي ونَشْرِي، واجْعَلْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ أَوْلِيَائِكَ مَوْقِفِي،
وفِي أَحِبَّائِكَ مَصْدَرِي، وفِي جِوَارِكَ مَسْكَنِي، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.