(فضائل الأشهر الثلاثة) للشيخ الصّدوققدّس
سرّه
مظهرٌ لمعارف التوحيد، وثقافة الوحي
ــــــــــــــــــــــــــ قراءة: محمود ابراهيم
ــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: (فضائل الأشهر الثلاثة: رجب، شعبان، وشهر رمضان)
المؤلّف: الشيخ الصَّدوق، محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي (ت: 381
للهجرة)
المحقّق: ميرزا غلام رضا عرفانيان
الناشر: «دار الرسول الأكرم»، بيروت 1412 للهجرة
مع
كتاب (فضائل الأشهر الثلاثة: رجب، وشعبان، وشهر رمضان) للشيخ الصدوق قدّس سرّه، سيكون لنا شرف اللقاء والمؤانسة بأثر مرجعي عظيم شكّل علامة فارقة في
فضاء المكتبة العربية الإسلامية.
وعلى
ما عكفنا عليه في أعداد سبقت من «شعائر»، نواصل في هذا العدد تقديم وقراءة نصّ
تأسيسي اتّخذ مكانته العظمى في رفد معارف التوحيد، وثقافة الوحي على امتداد قرون
متعاقبة.
وإذا
كان لنا أن نطلّ بإحاطة مجملة على منزلة الكتاب ومقام صاحبه، فسنعتني بملحوظتَين:
الأولى: موقعية المؤلّف قدّس سرّه، كَوارثٍ للعلوم الإسلاميّة، وحافظٍ لمدرسة أئمّة أهل البيت النبويّ عليهم
السلام. وهو ما يبيّنه محقّق الكتاب ميرزا غلام رضا عرفانيان، من أنّه في تشرّفه
لتحقيق هذا الكتاب إنّما كان لنيل القرب من الحقّ تعالى، من خلال الإضاءة على أبعاده
الإيمانية ومعطياته السلوكية والمعنوية.
بهذا
السِّفر الجليل لرئيس المحدّثين ومحيي معالم الدين شيخ الحفَظَةِ ووجه الطائفةِ
المستحفظة، عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الخراساني الرازي.. وجد المحقّق عرفانيان أن الشيخ الصدوق في عمله الشريف هذا أظهر
أصلاً من أصول الطائفة في الحديث، باشتماله – كما يقول - على الدُّرر والزهور من
فضائل الشهور. وسنقرأ ممّا جاء في مقدّمته أنّ من حسن حظّه وعظيم سعادته أنه اطّلع
على (كتاب فضائل الأشهر الثلاثة) وعمل على إحيائه، ثم بذل الجهد في إخراجه بأحسن حُلَله
وتقديمه لجمهور المسلمين ليكون معيناً لهم لرسوخه في العقول والأفئدة.
أما
الملحوظة الثانية:
فهي في موقعيّة الكتاب وتميُّزه في عالم التوجيه العبادي والأخلاقي والتربوي. والنفع
الذي يؤدّيه لأهله من الخواصّ والعوامّ على السواء.
ثلاثة مؤشّرات
فارقة
يُجمع الكثير من المحقّقين على ثلاثة مؤشّرات تبيّن
المنزلة العلميّة الرفيعة للشيخ الصّدوق وذلك على النحو التالي:
الأوّل:
مؤلّفاته القيّمة الجديدة والمبكّرة في عالم التأليف.
الثاني: مباحثاته
ومناظراته التي أظهر فيها تفوّقاً وفضلاً، وإقناعاً للآخرين. وكان منها في حضور
الأمير ركن الدين البويهيّ الدَّيلميّ.. الذي أكرمه، وكانَ خاطبَه بأنّ فضلاء
المجلس مختلفون في وجوب طعن الشيعة وجوازه وعدمه، فانبرى الشيخ الصدوق في عَرض الإمامة
والولاية بعد النبوّة الخاتمة. وكانت له أجوبة شافية كافية فيما عُرضت عليه من
المسائل المشكلة، مُثبتاً بطلان المتجاوزين.
وبعد
أن ناظَرَ وحاجَج، وغلبت براهينه مزاعم المدّعين، قال له ركن الدولة: إنّ الحقّ مع
الشيعة. حيث انبسط وجه السلطان لِما سمع من الشيخ الصدوق من أحاديث لزوم الحُجّة
في كلّ زمان، فأظهر ركن الدولة غاية تكريمه للشيخ وأعلن كلمة الحقّ في ذلك المجلس،
ونادى: إنّ اعتقادي في الدِّين هو ما ذكره هذا الشيخ الأمين، وإنّ الحقّ هو ما
تذهب إليه الفِرقة الإماميّة.
وكان
للشيخ الصدوق مباحثات أُخَر مع الملاحدة وأهل الشُّبهات؛ أورد بعضها في كتابه (إكمال
الدِّين وإتمام النعمة)، وذكرها الخونساريّ في (روضات الجنّات)، وكانت في مجلس ركن
الدولة أيضاً.
الثالث: من
الأُمور التي تكشف عن المنزلة العلميّة للشيخ الصدوق.. شهادات العلماء وأهل
الاختصاص، وقد جاءت عاطرةً بالثناء عليه، زاخرةً بالتفضيل، منها:
* قول الشيخ
الطوسيّ: «الشيخ الصَّدوق، جليل القدر، كان حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرِّجال،
ناقداً للأخبار، لم يُرَ في القميّين مِثلُه في حفظه وكثرة علمه. وكان بصيراً بالفقه والأخبار والرجال».
* وقول
ابن إدريس: «كان ثقةً جليل القدر، بصيراً بالأخبار، ناقداً للآثار، عالماً
بالرجال، حفظةً، وهو أُستاذ الشيخ المفيد».
* ووصفه
السيّد ابن طاووس بقوله: «الشيخ المعظّم، والشيخ
المتَّفق على علمه وعدالته».
* وقال
فيه المحقّق الكركيّ: «الشيخ الثّقة الصَّدوق، المحدّث الحافظ».
* وسمّاه
الشيخ بهاء الدّين العاملي: «رئيسَ المحدّثين وحجّة الإسلام».
* ولقّبه
الشيخ محمّد باقر المجلسيّ بـ «الفقيه الجليل المشهور».
* ووصفه
السيّد محمّد مهدي بحر العلوم في (الفوائد الرجاليّة) قائلاً: «ركنٌ من أركان
الشريعة، رئيس المحدّثين، والصَّدوق فيما يرويه عن الأئمّة عليهم السّلام أجمعين».
إلى
غير ذلك من كلمات الثناء والإطراء والتوثيق والإقرار له بالفضل والأفضليّة على
غيره في زمانه.
هذا، فضلاً عمّا كان للشيخ الصدوق من المرجعيّة العليا
في الفُتيا، إذ كانت الأسئلة المختلفة في شتّى العلوم والمسائل تُرسل إليه من
أرجاء العالم الإسلامي والحواضر العلميّة، فيُجيب عنها. وقد أورد النجاشيّ في (فهرسته)
أنّه كانت ترِد إليه الرسائل من: واسط، وقزوين، ومصر، والبصرة، والكوفة، والمدائن،
ونيشابور.. وغيرها من المدن.
مرجعيّة
النصّ
لقد
تعامل المحقّق مع كتاب (فضائل الأشهر الثلاثة) بوصفه عملاً مرجعياً لا بد من
العودة إليه من جانب العلماء الباحثين، فضلاً عن عامّة المؤمنين.
وهذا
ما يشير إليه في معرض تعريفه النصّ حين يضعه في مرتبة عيون ما كتبه أكابر علماء
الإمامية الأوائل.
فالكتاب
كما يقرّر المحقّق هو عيّنة مباركة من التراث الإمامي،
وهو يطبع لأوّل مرّة للشيخ الأجلّ رئيس المحدّثين، النّحرير الأعظم محمد بن عليّ
بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي الصَّدوق، أبي جعفر المتوفي سنة 381 للهجرة.
وقد شهد جمعٌ من الأعلام
بأنّ له كتاباً بهذا الرسم والاسم، وصرّح هو نفسه قدّس سرّه في مواضع ثلاثة من
كتاب (من لا يحضره الفقيه)، وكذلك في كتاب (الخصال)، ثمّ يشير إلى أن هذه النسخة
مأخوذة من النسخة التي كتبها الشيخ شبَّر محمد بن صفر علي الهمداني رضوان
الله عليه، عن نسخة العالم الجليل الحاج السيد أبي
القاسم الاصفهاني النجفي، وأتمّها من نسخة الشيخ الجليل ميرزا محمد العسكري
الطهراني في سنة 1349 للهجرة، ثمّ قابلها بنسخة أخرى ليقوم بمقارنتها مع نسَخ
عديدة على ما تقتضي عمليّة العرض والتطبيق في تحقيق الأسفار المهمّة.
هكذا يندرج
كتاب (فضائل الأشهر الثلاثة) في مقدّم أعمال الشيخ الصدوق قدّس سرّه، فإذا كان لنا أن نلحظَ هذه السِّمة
للكتاب فلِجهة ما ينطوي عليه من توجيهات دقيقة في المسلك العبادي والأخلاقي.
والأمر المهم الآخر الذي ينبغي
الإلفات إليه، هو العروة الوثقى القائمة بين كتاب الفضائل وسائر مؤلّفاته. ذاك أنّ
روح هذا المؤلَّف نجدُها ساريةً في مجمل ما أتانا به الشيخ قدّس سرّه.
أظهر الشيخ الصّدوق في عمله الشريف هذا أصلاً من أصول الإماميّة في الحديث، باشتماله على الدُّرر من فضائل الشهور الثلاثة: رجب، شعبان، وشهر رمضان المبارك. |