دعاء
الإمام الصادق عليه السلام
على قاتل أحد مواليه
...ثَلاثُ كَلِماتٍ، لَوْ دَعَوْتُ اللهَ بِها
عَلى الأَرْضِ، لَزَالَتْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
برواية الخَصيبي ــــــــــــــــــــــــــــــــ
«..عن أبي بصير، قال:
سمعتُ أبا عبد الله الصادق، صلوات الله عليه، يقول - وقد جرى ذِكرُ المعلّى بن خًنيس:
رَحِمَ اللهُ المُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ.
فقلت: يا سيّدي، وما
حاله؟
فقال لي: اكْتُمْ عَلَيَّ،
يا أَبا مُحَمَّدٍ، ما أَقولُ في المُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ.
فقلت: أفعلُ يا سيدي.
فقال: إِنَّ المُعَلّى
ما كانَ يَنالُ دَرَجَتَنا إِلّا بِما نالَ [ينال] مِنْهُ دَاودُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ. [هو من العبّاسيّين،
وكان والياً على المدينة]
قلت له: جُعلت فداك، وما
الذي ينال داود بن عليّ؟
قال: يَدْعو بِهِ إِذا
تَقَلَّدَ المَدينَةَ، عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَسوءُ الدّارِ، فَيُطالِبُهُ بِأَنْ
يُثْبِتَ لَهُ أَسْماءَ شيعَتِنا وَأَوْلِيائِنا لِيَقْتُلَهُمْ فَلا يَفْعَلُ، فَيَضْرِبُ
عُنُقَهُ وَيَصْلِبُهُ.
فقلت: إنّا لله وإنّا
إليه راجعون، ومتى يكون ذلك؟
قال: قابِل.
فلمّا كان من قابل [أي
بعد عام]، وليَ المدينة داود بن عليّ، لعنه الله، فأحضر المُعلّى بن خنيس فسأله عن
شيعة جعفر الصادق، صلوات الله عليه، وأوليائه أن يكتبَهم له، فقال له المعلّى: ما أعرف
من شيعته وأوليائه أحداً، وإنّما أنا وكيله؛ أُنفق له وأتردّد في حوائجه، وما أعرف
له شيعةً ولا صاحباً.
قال: لا تكتمني فأقتلك.
قال المُعلّى بن خنيس: أَفَبالقتل
تهدِّدني؟! والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتُها عنهم، ولئن قتلتني ليُسعدني الله
ويشقيك.
فأمر به، فَضُرب عنقُه وصُلِب على باب دار الإمارة.
فدخل عليه أبو عبد الله الصادق صلوات الله عليه، فقال له: يا داودَ بْنَ عَلِيٍّ،
قَتَلْتَ مَوْلايَ وَوَكيلي وَثِقَتِي عَلى عِيالِي؟
قال: ما أنا قتلته!
قال: فَمَنْ قَتَلَهُ؟
قال: ما أدري!
قال الصادق صلوات الله
عليه: ما رَضيتَ أَنْ صَلَبْتَهُ وَقَتَلْتَهُ حَتّى تَجْحَدَ وَتَكْذِبَ، وَاللهِ،
ما رَضيتَ أَنْ قَتَلْتَهُ ظُلْماً وَعُدْواناً ثُمَّ صَلَبْتَهُ، أَرَدْتَ أَنْ تُشَهِّرَ
بِهِ وَأَنْ تُنَوِّهَ بِقَتْلِهِ، وَإِنَّهُ مَوْلاي، وَاللهِ، إِنَّهُ لا وَجْهَ
عِنْدَ اللهِ مِنْكَ وَمِنْ أَمْثالِكَ؛ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللهِ رَفيعَةٌ، وَلَكَ
مَنْزِلَةٌ وَضيعَةٌ في النّارِ، فَانْظُرْ كَيْفَ تَخْلُصُ مِنْها. وَاللهِ، لَأَدْعُوَنَّ
اللهَ فَيَقْتُلَكَ اللهُ كَما قَتَلْتَهُ.
فقال له داود بن علي:
تهدّدني بدعائك؟ اصنعْ ما أنت صانعٌ وادعُ لنفسك، فإذا استُجيب لك فادعُ عليّ!
فخرج الصادق صلوات الله
عليه من عنده مغضَباً. فلما جنّ عليه الليل، اغتسلَ ولبس ثياب الصلاة وابتهل إلى
الله، عزَّ وجلَّ، وقال: (يا ذاي يا ذاي يا ذويه، ارْمِ سَهْماً مِنْ سِهامِكَ
عَلى داوُدَ بْنِ عَلِيٍّ يَفْلِقْ بِهِ قَلْبَهُ)، ثمّ قال لغلامه: اخْرُجْ
اسْمَعِ الصُّراخَ عَلى داوُدَ.
فخرج ورجع الغلام، وقال:
يا مولاي الصراخ عالٍ عليه، وقد مات.
فخرّ الصادق عليه السلام
ساجداً وهو يقول: شُكْراً لِلْكَريمِ، شُكْراً لِلْقائِمِ الدّائِمِ الّذي يُجيبُ
المُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ.
وأصبح داود بن عليّ ميتاً،
لعنَه الله. والشيعة يهرعون إلى أبي عبد الله الصادق، صلوات الله عليه، ويهنّئونه
بموته، فقال لهم: قَدْ ماتَ عَلى دينِ أَبي لَهَبٍ، وَلَقَدْ دَعَوْتُ اللهَ عَلَيْهِ
بِثَلاثِ كَلِماتٍ، لَوْ دَعَوْتُ اللهَ بِها عَلى الأَرْضِ لَزالَتْ وَمَنْ عَلَيْها،
فَأَجابَني وَعَجَّلَ عَلَيْهِ إِلى أُمِّهِ هَاوِيَة»
.
(الخصيبي،
الهداية الكبرى؛ وانظر: الخوئي، معجم رجال الحديث: 19/ 260)