في
آداب عصر الغَيبة
إحياءُ أمر الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والتّبَرُّؤ من أعدائه
____
الشيخ حسين كوراني* ____
اعتقادنا
بأنّ الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه
الشريف هو
إمامنا الفعلي الحيّ، يفرضُ علينا آداباً تجاهه، صلوات الله عليه، ومحورُ هذه الآداب
هو الصِّلة المستمرّة بالإمام، عليه السلام، كما لو أنّنا نراه ونتشرّف بلقائه. إنّ
هذا الاتّصال القلبي منشأُ كلّ خيرٍ ومفتاحُ كلّ بركة، ومن الواضح أنّ العلاقة
الباهتة بالإمام، عليه السلام، تتساوى نتيجتها في كثيرٍ من الأحيان مع إنكار وجوده،
والعياذ بالله!
المراد بآداب عصر
الغَيبة هو «الأعمال التي ينبغي القيام بها في عصر غَيبة الإمام المهديّ، عليه السلام
من صلاة ودعاء وزيارة وما شابه»، ومن هذه الآداب:
* إحياءُ أمره، صلوات الله عليه، بين الناس:
هل نقوم الآن بواجبنا في
المجال الإعلامي تجاه الإمام المهديّ أرواحنا فداه؟
وما مدى تشرّفنا بالحديث
عنه في وسائل إعلامنا؟
وما مدى حضوره في مؤسّساتنا
على اختلافها؟
هل نلتزم بعد افتتاح
أعمالنا بكتاب الله، تعالى، بالدعاء له؟ وحتّى في مساجدنا، هل نلهج بذكره في
التعقيبات وغيرها كما ينبغي؟
لا شكّ في أنّ وضعنا
الآن أحسن بكثير ممّا مضى.. إلّا أنّه يبقى من واجبنا أن نبذل مزيداً من الجهد
لنصبح جميعاً نشعر بالارتباط الحقيقي بقائدنا بقيّة الله.. ولا يصحّ أن تبقى
العلاقة في إطارها الحالي..
قال الإمام الصادق عليه
السلام لفضيل: «تَجْلِسونَ وَتَتَحَدَّثونَ؟
قال فضيل: نعم، جُعلت
فداك.
قال عليه السلام: إِنَّ
تِلْكَ المَجالِسَ أُحِبُّها، أَحْيوا أَمْرَنا، فَرَحِمَ اللهُ مَنْ أَحْيا أَمْرَنا».
وعنه عليه السلام: «رَحِمَ
اللهُ عَبْداً حَبَّبَنا إِلى النّاسِ».
إنّ أحياء أمر وحي الله،
وكتابه، وسُنّة المصطفى وآل بيته، عليهم السلام، يتوقّف على مدى علاقتنا بالدليل
إلى الله، وصيِّ رسول الله صلّى الله عليه وآله... وقد اهتمّ المصطفى وأهل بيته،
عليهم السلام، بأمر الإمام المهديّ، ما يدلّ على أنّ قضيّة الإسلام المركزية الآن
هي غَيبتُه، وبمقدار حضوره، عليه السلام، في حياتنا تكون علاقتنا بالإسلام،
وبآبائه وأجداده الطاهرين، عليهم جميعاً صلوات الله..
من هنا كان لا بدّ من
العمل لتعريف الناس بالإمام المهديّ وإحياء أمره بينهم، وذلك عن طريق:
1 - زيارة المجاهدين في مواقعهم الجهاديّة
وغيرها، وعيادة الجرحى منهم باعتبارهم جنوده، عليه السلام، وقد ورد عنهم عليهم
السلام: «مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلى زِيارَتِنا فَلْيَزُرْ صالِحي مَوالينا، يُكْتَبْ
لَهُ ثَوابُ زِيارَتِنا».
2 - إقامة مجالس الدعاء والزيارة له، عليه
السلام، خصوصاً دعاء «الندبة».
3 - إقامة الندوات والاحتفالات أو المشاركة
بالحضور فيها.
4 - نَظْمُ الشّعر.
5 - تأليف الكُتب وكتابة المقالات.
6 - الاهتمام بإحياء ليلة النصف من الشعبان.
7 - تعميم مظاهر الزينة والابتهاج في يوم
مولده المبارك في الخامس عشر من شعبان.
8 - الاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين
دائماً باسمه، عليه السلام.
إلى غير ذلك من الأساليب
التي تشترك جميعُها في تحقيق هذا الهدف.
* التبرّؤ من أعدائه:
ومن آداب عصر الغَيبة
أيضاً، التبرّؤ من أعداء الإمام المهديّ عجّل
الله تعالى فرجه الشريف،
فالالتزام بولايته، عليه السلام، يتوقّف على التبرّؤ من أعدائه.. وأعداؤه هم كلّ
أعداء الله تعالى وأعداء رسوله، صلّى الله عليه وآله، من الكافرين والمشركين
والمنافقين..
جاء في الحديث المرويّ
عن جدّه صلّى الله عليه وآله: «طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ قائِمَ أَهْلِ بَيْتي وَهُوَ
مُقْتَدٍ بِهِ قَبْلَ قِيامِهِ؛ يَأْتَمُّ بِهِ وَبِأَئِمَّةِ الهُدَى مِنْ قَبْلِهِ،
وَيَبْرَأُ إِلى اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ عَدُوِّهِمْ، أُولَئِكَ رُفَقائي وَأَكْرَمُ
أُمَّتي عَلَيَّ».
إنّ من شأن هذا التبرّؤ
أن يُحصِّن المسلم من الخضوع للطواغيت فيصونُ بذلك دينه. كما أنّ من شأنه أن يرفد
الأُمّة بروحٍ جهاديّة معطاءة تحملها على المحافظة على شخصيّتها وثقافتها
وعقيدتها.
إنّ شعور المسلم
بارتباطه بقائدٍ إلهيٍّ من جهة، ووجوب «التّبرّي» من الطواغيت من جهة أخرى، يحولُ
بينه وبين الانحراف الذي يبدأ عندما يفقد الإنسان هويّته، ويشعر بالضعف أمام التيّارات
السياسيّة الجارية، فيدفعه ذلك إلى الانتماء الضالّ الذي يقذف به في لهوات شِباك
إبليس، ويُخرجه من ولاية الله تعالى.. وذلك هو الخسران المبين..
ثمّ إنّ للتّبرّي، على
مستوى الأمّة، مُستلزمات كثيرة لا يُمكن إهمالُها. فالأُمّة الرافضة للكفر والشرك
وامتداداتهما المنافقة، ستُشَنّ عليها حرب ضروس لا هوادة فيها، الأمر الذي يستدعي
تواصياً بالحقّ وتواصياً بالصبر، ووحدة إسلاميّة، وأُخوّة إيمانيّة، لتتمكّن الأُمّة
من مواصلة مسيرة الرفض والتبرّؤ، ولا تسقط أمام الضغوط والتحدّيات.
وقد ورد عن أئّمة أهل
البيت، عليهم السلام، ما يوضحُ واجب المسلم في مثل هذه الحال في زمن الغَيبة:
«عن جابر، قال: دخلنا على أبي جعفر محمّد بن
عليٍّ (الباقر) عليهما السلام، ونحن جماعة، بعدما قضينا نُسُكَنا، فودّعناه وقلنا
له: أوصِنا يا ابنَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال:
1 - لِيُعِنْ قَوِيُّكُمْ ضَعيفَكُمْ.
2 - وَلْيَعْطِفْ غَنِيُّكُمْ عَلى فَقيرِكُمْ.
3 - وَلْيَنْصَحِ الرَّجُلُ أَخاهُ النَّصيحَةَ
لِنَفْسِهِ.
4 - وَاكْتُموا أَسْرارَنا، وَلا تَحْمِلوا
النّاسَ عَلى أَعْناقِنا.
5 - وَانْظُروا أَمْرَنا وَما جاءَكُمْ عَنّا،
فَإِنْ وَجَدْتُموهُ لِلْقُرآنِ مُوافِقاً فَخُذوا بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَجِدوهُ مُوافِقاً
فَرُدّوهُ، وَإِنِ اشْتَبَهَ الأَمْرُ عَلَيْكُمْ فَقِفُوا عِنْدَهُ، وَرُدُّوهُ إِلَيْنا
حَتّى نَشْرَحَ لَكُمْ مِنْ ذَلِكَ ما شُرِحَ لَنا.
وَإِذا كُنْتُمْ كَما أَوْصَيْناكُمْ
- لَمْ تَعْدوا إِلى غَيْرِهِ - فَمَاتَ مِنْكُمْ مَيِّتٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْرُجَ
قائِمُنا كان شهيداً، وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ قائِمَنا فَقُتِلَ مَعَهُ كانَ لَهُ
أَجْرُ شَهيدَيْنِ، وَمَنْ قَتَلَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَدُوَّاً كانَ لَهُ أَجْرُ عِشْرينَ
شَهيداً».
إنّ التبرّؤ من أعداء
وليّ الله مَعلَمٌ من معالم الولاء الحقيقي، وهو لا ينفكّ عن التواصي بالصبر الذي
يُحدّد هذا الحديثُ الشريف أُسُسَه.
* من كتابه (آداب عصر
الغَيبة).