حوارات

حوارات

منذ أسبوع

لإمام السيّد علي الخامنئيّ في حوار حول العمل السينمائيّ


الإمام السيّد علي الخامنئيّ في حوار حول العمل السينمائيّ:

المُمثّل المبتذَل يُفرغ المحتوى الراقي من مضمونه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ إعداد: «شعائر» ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذا الحوار عبارة عن مقتطفات من نصّ المقابلة التي أجرتها «وزارة الإرشاد (الثقافة) الإسلاميّة الإيرانيّة» سنة 1985م مع الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه حول مفهوم العمل السينمائيّ وضوابطه، إبّان رئاسته للجمهوريّة الإسلاميّة، ونشرتها مجلة «صحيفة» الإيرانيّة في شهر نيسان من ذلك العام.

هذا الحوار القيّم، وإن كان يتناول السينما الإيرانيّة على وجه الخصوص، إلّا أنّ عناوينه الكبرى التي أتى سماحة السيّد القائد على تبيانها بجلاء، يجب اعتمادها كمعايير ثابتة من قِبل العاملين المؤمنين في المجال السينمائيّ، وفي المجال الفني عموماً.

نشير إلى أنّ النصّ الوارد في هذه الصفحات منقول عن الموقع الإلكترونيّ لـ «دار الولاية للثقافة والإعلام».

 

* ما هو الموقع الذي ترَونه للسينما في الجمهوريّة الإسلاميّة، وما مدى أهمّية وجود النشاط السينمائيّ؟

قضيّة السينما لا تنفصل عن عموم قضايا الفن... ونحن نولي احتراماً وتقديراً كبيراً للعمل السينمائيّ الذي نقبله، والذي يحقّق المقاصد التي يؤيّدها الإسلام والثورة، في حين نرى أن من غير الصالح وجود العمل السينمائيّ الذي يتحرّك خلاف هذه المقاصد ولا نرى له قيمة أصلاً...

* يعتقد الكثيرون أن من اللازم رعاية جانب «التسلية» في الأفلام السينمائيّة، فما هي بنظركم طبيعة الارتباط الذي يجب توفّره بين جاذبية الفيلم ومضمون الرسالة التي يحملها؟

الجاذبية عنصر أساسي في الفيلم ولا يمكن تجاهلها، ولكن مصطلح «التسلية» لا نراه مصطلحاً جيّداً، ونحن لا نستخدمه، ونرغب أن لا يكون هناك شيء بهذا المعنى، بل نريد أن يكون عامل تعليم وتوعية إلى جانب كونه جذّاباً أيضاً، ولا تعارض بين هذَين أصلاً، فالجاذبية عنصر أساسي في الفيلم، بمعنى أننا لو فرضنا أنّ فيلماً يحمل أفضل مضمون ورسالة، ولكنّه يفتقد الجاذبية، فهو عاجز عن تحقيق أي شيء وتبليغه، وحالُه حال الإنسان الذي يجلس وحده في غرفة ويتحدّث عن أسمى موضوع.

ولكنْ هناك اشتباه وخلْط موجود في أذهان البعض ينبغي أن نزيله، وهو: أنّهم يتصوّرون أنّ الرسالة التي يجب أن يحملها الفيلم - ونقصد هنا رسالة الثورة الإسلاميّة وهي المحترمة والمُقدّسة عندنا - تقتضي أن يتّجه الفيلم باتّجاه انعدام الجاذبية، ويبدو أنهم توهّموا وجود تعارض بين هذين الأمرين، بمعنى أنّ الفيلم إذا لم يكن إسلامياً وثورياً فهو جذّاب حتماً، هذه معادلة خاطئة ونحن نرفضها، بل قد يحدث أحياناً أن يكون هدف الفيلم أو مضمونه عاملاً في إضفاء الجاذبية عليه، بحيث يُهيمن على المشاهد الكلام الذي يحبّه ويجذبه فيجعله يغفل حتّى عن ضعف التقنية.

* ما هو الفيلم الذي لا يصلح للعرض بنظركم؟ وبعبارة أخرى: ما هي العوامل الداخلة على الفيلم والتي تجعله غير صالح للعرض؟

تشمل المحذورات كلّ ما من شأنه إحياء أو تقوية ما يخالف القيم الإسلاميّة التي يتبنّاها الفيلم الفارسيّ حالياً، وكذلك ما يخالف الفطرة الإنسانيّة السليمة والقيم المفيدة والضروريّة للشعب والمؤثّرة في تكامله؛ هذه أبرز المحذورات التي يؤدّي وجودها في فيلم ما إلى جعله غير صالح ويجعلنا نرفضه؛ ولا اعتراض لنا على الأعمال السينمائيّة الخالية من هذه المحذورات. نعم، إنّ درجة قبولنا لها ترتبط بمستواها.

وجوب مراعاة مشاعر الجماهير المؤمنة في العمل السينمائي

* العاملون قَبل انتصار الثورة في المجال السينمائيّ ينقسمون إلى طائفتين: الأولى: هي العاملة في جانبه الثقافيّ، والثانية: المتكفّلة بالجانب الفنّي والتقني، وهناك في الطائفة الأولى أفراد ذوو اتجاهات مُتعدّدة، بعضهم معروف بالفساد، والبعض الآخر ليس كذلك، بعضهم معارض للجمهوريّة الإسلاميّة، والبعض الآخر يدعمها، وآخرون تركوا العمل السينمائيّ بالكامل... هناك مَن يعتقد بضرورة عدم السماح لأيٍّ منهم بالعمل في هذا المجال، فيما يعتقد آخَرون بضرورة التمييز بينهم، وهناك مَن يقول بضرورة السماح للجميع بالعمل شريطة فرض الرقابة والإشراف. ما هي وجهة نظركم بهذا الخصوص؟

.. العاملون في النشاط السينمائيّ اليوم هم ضمن مجموعتين: الأولى تشمل الممثّلين وعملهم يأتي في الدرجة الثانية، وإن كانوا في الواقع هم الذين يجذبون الأنظار؛ ولكن الذين يؤثّر عملهم [في المشاهدين] أكثر من الممثّلين، هم المخرجون وكتّاب السيناريو وأمثالهم، لذا يجب البحث بشأن هؤلاء أكثر. ولكن ... بقرينة الأسئلة المُتكرّرة التي وردتني إلى الآن بهذا الخصوص - فسؤالكم عن الذين يظهرون أمام العيون، وأنا لا أعرف الكثير من هؤلاء ... ولكنّي أستطيع القول على نحو الإجمال وبحدود الأطر العامّة:

 

 

 إن البعض لا يتمتّعون بمستويات فنّية عالية، وسببُ شهرتهم يرجع غالباً إلى جوانب عامّية مُبتذلة، وهم في الوقت نفسه غارقون في المظاهر القبيحة، وهؤلاء - بدون شكّ - يُضعفون محتوى الفيلم ومضمونه، إذا صدر عنهم، مهما كان المحتوى قويّاً. وهذه حقيقة ينبغي علينا الانتباه إليها، وأنا هنا لا أطرح قضية عدم الاستفادة من هؤلاء كفتوى شرعية، فلهذه مقام آخر نُقرّر فيه - في دراسة شاملة - أمرَ الاستفادة منهم أو عدمه، ولكنّي أرى أنّ حضور المُمثّل - رجلاً كان أو امرأة - الذي لا تحمل أذهان الناس عنه سوى الصور السيّئة والمناظر الجنسيّة القبيحة المُبتذلة والتي تجعل الشابّ المؤمن، وحتى الفرد العاديّ - غير [المنتمي] لـ «حزب الله» - والذي يعيش في أجواء الثورة، لا يشعر بأي احترام لهذا المُمثّل، بل يحسّ بالنفور منه، أقول إنّ هذا الحضور هو أمر سلبي، فحتّى لو جاء هذا المُمثّل، مثلاً، ليفتح القرآن ويفسّر آية منه، فلا شكّ في أنّه سيُضعف مفهوم هذه الآية والرسالة التي تحملها، لأنّ الناس لا يصدّقونه، إلّا أن تُضاف إلى هذه الحالة أشياء أخرى، وحينئذ يجب التفكير بشأنها...  إذاً، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العوامل والمعايير التالية:

 أولاً: معيار عدم إضعاف المضامين الجيّدة بجعلها تصدر من أفواه وألسنة يعتبرها الناس مُلوّثة.

 ثانياً: فتح المجال أمام غير المُلوّثين بهذه القبائح، والذين يحظَون بقابليّات فنّيّة أفضل، وإنْ كانوا غير مقبولين من العوامّ.

 ثالثاً: وهو الأهم: فتح المجال أمام العناصر الشابّة والجديدة والثوريّة، أي أمام الذين يؤمنون بأنّ الثورة قد اكتسبت القوّة اللازمة لتغيير العمل السينمائيّ أيضاً، وإيجاد تحوّل في الأفلام وشخصيّاتها، فليدخل هؤلاء ميادين العمل لكي يصبح لدينا مستقبل سينمائيّ أفضل، السينما هي بأيديهم...

يجب عليكم - ما استطعتم - التعامل بحذر وذكاء في الاستفادة من عناصر هذه الفئة الثالثة، فلا يمكننا أن نغفل عن الثورة والشعب، ومشاعر جماهير حزب الله العظيمة والعازمة على الدفاع عن الثورة، نغفل عن كلّ ذلك من أجل مُخرج كان إلى الأمس يفعل كلّ ما اشتهى من القبائح ويرقص مع كلّ دقّة طبل!! هذه من الموارد غير الصحيحة التي أريد التحذير منها؛ فهذا المُخرج الذي يتجاهل مشاعر الشعب وقِيَمَه والذي لا زال مُعرضاً عن الاستفادة من فنـّـه من أجل خدمة الشعب، وحتّى إذا قام بـإنجاز عمل ما، فإنّه ينجزه بصورة يخلط فيها الصالح بالفاسد... مثل هذا من الأفضل أن لا يقوم بـإنجاز شيء أصلاً حتى لو عطّلنا العمل السينمائيّ، فأنا أُفضّل تعطيل السينما الفارسية، أو أن يقلّ حجم إنتاجها وبيعها للأفلام على أن يأتي مَن لا يخفق قلبه للثورة ويصنع أفلاماً بنيّة غير خالصة.

 

* هل ترَون أنّ للحكومة دور الإشراف فقط على النشاط السينمائيّ والعاملين فيه، أم يتعدّى دورها إلى التوجيه والإرشاد والدعم أيضاً؟

أعتقد أنّ الحكومة لا يمكنها عزل دورها تجاه المجال السينمائيّ عن المسؤوليّات التوجيهيّة... فلا يمكننا أن نضع العمل السينمائيّ في بلدنا بأيدي أشخاص مُعادين للثورة، ولا يمكن وضع قسم كبير وشديد التأثير من قنوات التغذية الثقافيّة للشعب بأيدي أشخاص يرفضون الأفكار التي يؤمن بها عامّة الشعب، والمنطلقة من المعتقدات العامّة التي يقف الشعب على أُهْبَة الاستعداد للتضحية دفاعاً عنها، أو بأيدي أشخاص لا يؤمنون بهذه الثورة التي تقوم على أسس أرقى المقاصد التي عرفها العالم المعاصر؛ فهذا الأمر يرفضه الشعب وترفضه الثورة بلا شكّ....

يجب أن تعكس السينما قِيَم الإسلام

* ما هي مواصفات الفيلم الإيراني الذي نستطيع أن نستغني به عن الفيلم الأجنبيّ الجيّد؟ وما هي الأخطار التي يمكن أن نغضّ الطرف عنها في الفيلم الإيراني لكي يصلح للعرض ونقلّل بذلك من عرض الأفلام الأجنبية؟

... نحن لا نعارض الفيلم الأجنبي الجيّد، فأْتوا بما شئتم منه، ولكن ما هي كمية الأفلام الأجنبيّة الجيّدة التي تنطبق عليها موازينكم وموازين الثورة؟ ونقصد بالجيّد: الفيلم الذي ليس فيه تربية سيّئة ولا يتعارض مع القيم الإسلاميّة في مضمونه وفي أسلوبه وتقنيته؛ فأْتوا بكل ما لديكم من هذا النوع، ولا تقدّموا عليه أي فيلم إيرانيّ. فحتى لو جئتم بها جميعاً فسيبقى لديكم نقص عليكم أن تسدّوه بالأفلام الإيرانية.

 أما فيما يتعلق بالفيلم الإيرانيّ: فينبغي أن تتوفّر فيه كافّة المواصفات التي نطمح إليها، ولكن ونظراً للملابسات الواقعيّة الموجودة فعلاً، علينا أن نقلّل من الشروط بعض الشيء، فلو كان محتوى الفيلم جيّداً ومطلوباً، فلا ينبغي أن نرفضه حتى لو كان فيه ضعف في الجانب الفنّيّ، والأمر المهمّ لدينا اليوم هو محتوى الفيلم، فيجب أن يحمل رسالة الثورة، وهذا أصل أساسي كما قلنا سابقاً. صحيح أنّ الجاذبيّة شرط ضروريّ فيه، وعليكم أن تبحثوا عن الأفلام التي تتوفّر فيها بأفضل ما يمكن، ولكن إذا لم تجدوها بالحدّ الأعلى فاقنعوا بأقلّ من ذلك بعض الشيء...

 

* ما معنى أن يكون الفيلم «إسلاميّاً»؟

جميع الموضوعات يمكن أن تكون إسلاميّة. [والعكس صحيح]، فحتّى الفيلم الذي يحكي سيرة النبيّ الأكرم، صلّى الله عليه وآله، يُمكن إعداده بحيث يكون معادٍ للإسلام. إذاً، فكون الفيلم يحمل اسم النبيّ محمّد، صلّى الله عليه وآله، [والهدف الأوّل فيه]، هو صلّى الله عليه وآله، لا يعني إسلاميّته مطلقاً، بل إنّ جميع الموضوعات يمكن أن تعدّ بصورة إسلاميّة [أو غير ذلك]، ونحن نريد تحقيق أمرَين لأَسْلَمة الفيلم:

الأوّل: أن تكون القيم التي يدعو لها ويركزها قيماً إسلاميّة، والتحقيق يثبت أنّ للقيم الإسلاميّة مساحة واسعة، تمتدّ من تعليم الصلاة إلى تعليم الصدق، والشجاعة، والمقاومة، والنزاهة في العمل... وكلّ فيلم يعلّم أمثال هذه القيم فهو ذو محتوى إسلاميّ، هذا هو الأمر الأوّل.

 أمّا الأمر الثاني المطلوب لإسلاميّة الفيلم، هو أن لا تكون فيه مظاهر ورموز غير إسلاميّة، فقد يُظهر فيلم حالة الصلاة ولكن المُمثّلين يُظهرون أشياء مُضادّة للقيم الإسلاميّة من خلال طريقة تحرّكهم ووضعهم ونظراتهم، فهذه القضية مُهمّة بمقدار أهمّيّة القضيّة الأولى، فكلتاهما يجب أن تكونا إسلاميّتين.

اخبار مرتبطة

  دوريّات

دوريّات

منذ أسبوع

دوريّات

نفحات