اطْلُبوا
الخَيْرَ دَهْرَكُمْ
صَغيرُهُ كَبير، وَقَليلُهُ كَثير
ـــــــــــــــ
إعداد: «شعائر» ـــــــــــــــ
التدبّر
في المرويّات حول موضوعٍ واحد، يخصّص في العقل وفي القلب مساحة خاصّة به، تكون مُنطلقاً
لبداية تغييرٍ نحو أفُقٍ أرحب؛ وفي هذا السياق تأتي هذه الباقة من الأحاديث
الشريفة حول «الخير»؛ تحثّ على فعله والمسارعة إليه، وتُبيّن أبرز
مجالاته.
* قال الله تعالى في
محكم كتابه المجيد: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا..﴾
آل عمران:30.
* وقال رسول الله صلّى
الله عليه وآله: «اطْلُبُوا الخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَاهْرُبوا مِنَ النّارِ جَهْدَكُمْ؛
فَإِنَّ الجَنَّةَ لا يَنامُ طالِبُها، وَإِنَّ النَّارَ لا يَنامُ هارِبُها».
* وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «فِعْلُ
الخَيْرِ ذَخيرَةٌ باقِيَةٌ وَثَمَرَةٌ زاكِيَةٌ».
* وعنه سلام الله عليه: «مَنْ
فَعَلَ الخَيْرَ فَبِنَفْسِهِ بَدَأَ».
وفي حديثَين
شريفَين عن أمير المؤمنين، يقرّر، عليه السلام، حقيقةَ أنّ فعل الخير ميسورٌ غير
معسور:
* «الخَيْرُ أَسْهَلُ مِنْ فِعْلِ الشَّرِّ».
* «إِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ
المَعْصِيَةَ، وَسَهَّلَ لَكُمْ سُبَلَ الطّاعَةِ».
وما أبلغَ
ما قاله، عليه السلام، في جوامع الخير، حيث رُوي عنه قوله:
* «جُمِعَ الخَيْرُ كُلُّهُ
في ثَلاثِ خِصالٍ: النَّظَرِ، وَالسُّكوتِ، وَالكَلامِ. فَكُلُّ نَظَرٍ لَيْسَ فيهِ
اعْتِبارٌ فَهُوَ سَهْوٌ، وَكُلُّ سُكوتٍ لَيْسَ فيهِ فِكْرَةٌ فَهُوَ غَفْلَةٌ، وَكُلُّ
كَلامٍ لَيْس فيهِ ذِكْرٌ فَهُوَ لَغَطٌ. فَطُوبى لِمَنْ كانَ نَظَرُهُ عِبَراً، وَسُكوتُهُ
فِكْراً، وَكَلامُهُ ذِكْراً، وَبَكَى عَلى خَطيئَتِهِ، وَأَمِنَ النّاسُ شَرَّهُ».
* ومن مشهدٍ آخر، نقرأ هذا الحديثَ القدسيّ
الذي رواه لنا الإمام محمّد الباقر، عليه السلام، قائلاً: «أَوْحَى اللهُ، تَعالى،
إِلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلامُ: يا آدَمُ، إِنّي أَجْمَعُ لَكَ الخَيْرَ كُلَّهَ
في أَرْبَعِ كَلِماتٍ: واحِدَةٌ مِنْهُنَّ لي، وَواحِدَةٌ لَكَ، وَواحِدَةٌ فيما بَيْني
وَبَيْنَكَ، وَواحِدَةٌ فيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النّاسِ.
فَأَمّا الّتي لي فَتَعْبُدُني
وَلا تُشْرِكُ بِي شَيْئاً، وَأَمّا الّتي لَكَ فَأُجازيكَ بِعَمَلِكَ أَحْوَجَ ما
تَكونُ إِلَيْهِ، وَأَمّا الّتي بَيْني وَبَيْنَكَ فَعَلَيْكَ الدُّعاءُ وَعَلَيَّ
الإِجابَةُ، وَأَمّا الّتي فيما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النّاسِ فَتَرْضى للنّاسِ ما تَرْضى
لِنَفْسِكَ».
تَمامُ خَيْرِ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ
وحول ما
يُنال به خيرُ الدنيا والآخرة، جاءت الروايات الشريفة متوافرة، منها:
* قولُ رسول الله صلّى الله عليه وآله: «مَنْ
جَمَعَ اللهُ لَهُ أَرْبَعَ خِصالٍ جَمَعَ اللهُ لَهُ خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ..
قَلْباً شاكِراً، وَلِساناً ذاكِراً، وَداراً قَصْداً، وَزَوْجَةً صالِحَةً».
* وقوله صلّى الله عليه
وآله في روايةٍ أخرى من طريقٍ آخر: «مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعَ خِصالٍ في الدُّنْيا
فَقَدْ أُعْطِيَ خَيْرَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، وَفازَ بِحَظِّه مِنْهُما: وَرَعٌ
يَعْصِمُهُ عَنْ مَحارِمِ اللهِ، وَحُسْنُ خُلُقٍ يَعيشُ بِهِ في النّاسِ، وَحِلْمٌ
يَدْفَعُ بِهِ جَهْلَ الجَاهِلِ، وَزَوْجَةٌ صالِحَةٌ تُعينُهُ عَلى أَمْرِ الدُّنْيا
وَالآخِرَةِ».
* وقولُ أمير المؤمنين الإمام عليٍّ عليه
السلام: «جاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقالَ: عَلِّمْني
عَمَلاً يُحِبُّني اللهُ عَلَيْهِ، وَيُحِبُّني المَخْلوقونَ، وَيُثْري اللهُ مَالِي،
وَيُصِحُّ بَدَني، وَيُطيلُ عُمْري، وَيَحْشُرُني مَعَكَ. قالَ: هَذِهِ سِتُّ خِصالٍ
تَحْتاجُ إِلى سِتِّ خِصَالٍ: إِذا أَرَدْتَ أَنْ يُحِبَّكَ اللهُ فَخَفْهُ وَاتَّقِهِ،
وَإذا أَرَدْتَ أَنْ يُحِبَّكَ المَخْلوقونَ فَأَحْسِنْ إِلَيْهِم وَارْفُضْ ما في
أَيْديهِمْ، وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ يُثْرِيَ اللهُ مالَكَ فَزَكِّهِ، وَإِذا أَرَدْتَ
أَنْ يُصِحَّ اللهُ بَدَنَكَ فَأَكْثِرْ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ
يُطيلَ اللهُ عُمُرَكَ فَصِلْ ذَوي أَرْحامِكَ، وَإِذا أَرَدْتَ أَنْ يَحْشُرَكَ
اللهُ مَعي فَأَطِلِ السُّجودَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ الواحِدِ القَهّارِ».
بادِرْ.. فَإِنَّكَ لا تَدْري ما يَحْدُث
وفي باب
المبادرة إلى الخيرات، كذلك توافرت الروايات، منها:
* قولُ النبيّ صلّى الله عليه وآله: «إِنَّ
اللهَ يُحِبُّ مِنَ الخَيْرِ ما يُعَجَّلُ».
* وقولُ الإمام عليّ
عليه السلام: «بادِرُوا بِعَمَلِ الخَيْرِ قبلَ أَنْ تُشْغَلوا عَنْهُ بِغَيْرِهِ».
* وقول الإمام الباقر
عليه السلام حاثّاً محذِّراً: «إِذا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَبادِرْ، فَإِنَّكَ لا
تَدْري ما يَحْدُثُ».
* وفي روايةٍ أخرى قال
سلام الله عليه: «مَنْ هَمَّ بِشَيْءٍ مِنَ الخَيْرِ فَلْيُعَجِّلْهُ، فَإِنَّ
كُلَّ شَيْءٍ فيهِ تَأْخيرٌ فَإِنَّ لِلشَّيْطانِ فيهِ نَظْرَةٌ».
* وقول الإمام الصادق، عليه السلام، مرغّباً:
«إِذا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَلا تُؤَخِّرْهُ، فَإِنَّ اللهَ، تَبارَكَ وَتَعالى،
رُبَّما اطَّلَعَ عَلَى عَبْدِهِ وَهُوَ عَلَى الشِّيْءِ مِنْ طاعَتِهِ فَيَقولُ:
وَعِزَّتي وَجَلالي، لا أُعَذِّبُكَ بَعْدَها».
هذا، وقد
جاء النهي عن تحقير القليل من الخير، كما في:
* قول أمير المؤمنين عليه السلام: « افْعَلُوا
الْخَيْرَ وَلاَ تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً، فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ، وَقَلِيلَهُ
كَثِيرٌ».
* وقول الإمام الصادق عليه السلام: «لا
تُصَغِّرْ شَيْئاً مِنَ الخَيْرِ، فَإِنَّكَ تَراهُ غَداً حَيْثُ يَسُرُّكَ».
وأمّا
صفات أهل الخير، فقد وردت في الحديث القُدسيّ الشريف في المعراج، حيث خاطب الله،
تعالى، حبيبَه رسول الله، صلّى الله عليه وآله، قائلاً له:
* «يا أَحْمَدُ، إِنَّ أَهْلَ الخَيْرِ وَأَهْلَ
الآخِرَةِ رَقيقَةٌ وُجوهُهُمْ، كَثيرٌ حَياؤُهُمْ، قَليلٌ حُمقُهُمْ، كَثيرٌ نَفْعُهُمْ،
قَليلٌ مَكْرُهُمْ. النّاسُ مِنْهُمْ في راحَةٍ، وَأَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ في تَعَبٍ.
كَلامُهُمْ مَوْزونٌ، مُحاسِبِينَ لِأَنْفُسِهِمْ مُتْعِبينَ لَها. تَنامُ أَعْيُنُهُمْ
وَلا تَنامُ قُلوبُهُمْ. أَعْيُنُهُمْ باكِيَةٌ، وَقُلوبُهُمْ ذاكِرَةٌ. إِذا كُتِبَ
النّاسُ مِنَ الغافِلينَ كُتِبوا مِنَ الذّاكِرينَ..».
حقيقةُ الخير
الخير،
قيل: هو شيءٌ من أعمال القلب نورانيٌّ زائدٌ على الإيمان وغيرِه من الصفات المَرْضِيَّة.
يدلُّ على ذلك ما في حديث أَنَس عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «يَخْرُجُ مِنَ
النّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلّا اللهُ، وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا
يَزِنُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ».
* وقيل: هو الوجود، ويُطلَقُ على غيرِه بالعَرَض، وهو إمّا خيرٌ
مطلَق كوجود العقل؛ لأنّه خيرٌ مَحْضٌ لَا يَشوبُه شرٌّ ونقْص، وإمّا خيرٌ مُقيَّد،
كوجود كلٍّ من الصفات المَرْضِيَّة.
* وقيل: هو ما يطلبُه ويُؤثِرُه ويختاره كلّ عاقل، وهو ينقسم: إلى
خيرٍ بالذات، وخيرٍ بالعرَض.
فالأوّل:
هو الحقيقيّ ومرجعُه إلى الوجود البَحْت، والموجود بما هو موجود: كالعلم والإيمان
الحقيقيّين.
والثاني:
ما هو وسيلةٌ إلى الأوّل، كالعبادة، والزُّهد.
* وقيل: هو ما يتشوّقه كلُّ أحدٍ بلا مثنويّة، وهو المختار من أجل
نفسه، والمختار غيرُه لأجله، فإنّ الكلّ يطلبُ بالحقيقة الخيرَ وإنْ كان يعتقدُ في
الشرّ أنّه خيرٌ فيختاره، فمقصدُه الخير. ويُضادّه الشرّ؛ وهو المُجتَوى [أي
المبغوض] من أجل نفسه، والمُجتوى غيرُه من أجله.
* والحقّ: إنّ الخير، كُلّيٌّ،
يندرجُ تحتَه جميعُ الأعمالِ الصالحة كما يدلّ عليه قولُ أمير المؤمنين عليه
السّلام: «افعَلُوا الخَيْرَ وَلَا تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيئاً، فإنّ صَغِيرَه كَبِيرٌ،
وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ».
ويُقابله،
الشرّ، فيكونُ كلَّيّا يندرجُ تحتَه جميعُ الأعمال السيّئة.
(رياض
السالكين، شرح الصحيفة)