خِصالُ
الحاجّ
.. اسْتَعِدَّ اسْتِعْدادَ مَنْ لا يَرجو الرُّجوعَ
____
إعداد «شعائر» ____
من رسالة للشهيد الثاني، زين الدين الجُبعي العاملي (استُشهد
سنة 965 للهجرة) في مناسك الحجّ وَالعمرة، هذه
الرواية عن الإمام الصادق، عليه السّلام، في الخصال أو الآداب التي يجدر بالحاجّ
إلى بيت الله الحرام استحضارَها والتحلّي بها، ليكون حَجُّه تامّاً، وفقَ ما أراده
الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وآله.
تجدر الإشارة إلى أنّ الشهيد الثاني نقل
هذه الرواية عن كتاب (مصباح الشريعة) المنسوب للإمام الصادق عليه السلام.
«رُوِيَ
عَنْ مَوْلانا الصّادِقِ، عليه السّلام، أَنَّهُ قالَ:
إِذا
أَرَدْتَ الحَجَّ:
فَجَرِّدْ
قَلْبَكَ للهِ، تَعالى، مِنْ كُلِّ شاغِلٍ وَحِجابِ كُلِّ حاجِبٍ.
وَفَوِّضْ
أُمورَك كُلَّها إِلى خالِقَكَ.
وَتَوَكَّلْ
عَلَيْهِ في جَميعِ ما يَظْهَرُ مِنْ حَرَكاتِكَ وَسَكَناتِكَ.
وَسَلِّمْ
لِقَضائِهِ وَحُكْمِهِ وَقَدَرِه.
وَوَدِّعِ
الدُّنْيا وَالرّاحَةَ وَالخَلْقَ.
وَاخْرُجْ
مِنْ حُقوقٍ تَلْزَمُكَ مِنْ جِهَةِ المَخْلوقينَ.
وَلا
تَعْتَمِدْ عَلى زادِكَ، وَراحِلَتِكَ، وَأَصْحابِكَ، وَقُوَّتِكَ، وَشَبابِكَ وَمالِكَ،
مَخافَةَ أَنْ يَصيرَ ذَلِكَ عَدُوّاً وَوَبالًا، فَإِنَّ مَنِ ادَّعى رِضَى اللهِ
وَاعْتَمَدَ عَلى ما سِواه، صَيَّرَهُ عَلَيْهِ وَبالًا وَعَدُوّاً، لِيعلَمَ أَنَّهُ
لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَلا حيلَةٌ، وَلا لِأَحَدٍ إِلّا بِعِصْمَةِ اللهِ، تَعالى،
وَتَوْفيقِهِ.
وَاسْتَعِدَّ
اسْتِعْدادَ مَنْ لا يَرجو الرُّجوعَ.
وَأَحْسِنِ
الصُّحْبَةَ.
وَراعِ
أَوْقاتَ فَرائِضِ اللهِ، وَسُنَنَ نَبِيِّهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَما
يَجِبُ عَلَيْكَ مِنَ الأَدَبِ، وَالاحْتِمالِ، وَالصَّبْرِ، وَالشُّكْرِ، وَالشَّفَقَةِ،
وَالسَّخاءِ، وَإيثارِ الزّادِ عَلى دَوامِ الأَوْقاتِ.
ثُمَّ
اغْسِلْ بِماءِ التَّوْبَةِ الخالِصَةِ ذُنوبَكَ.
وَالبَسْ
كِسْوَةَ الصِّدْقِ وَالصَّفاءِ وَالخُضوعِ وَالخُشوعِ.
وَأَحْرِمْ
مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَمْنَعُكَ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَيَحْجُبُكَ عَنْ طاعَتِهِ.
وَلَبِّ
بِمَعْنى إجابَةٍ صافِيَةٍ زاكِيَةٍ للهِ، عَزَّ وَجَلَّ، في دَعْوَتِكَ لَهُ،
مُتَمَسِّكاً بِعُرْوَتِهِ الوُثْقى.
وَطُفْ
بِقَلْبِكَ مَعَ المَلائِكَةِ حَوْلَ العَرْشِ كَطَوافِكَ مَعَ المُسْلِمينَ بِنَفْسِكَ
حَوْلَ البَيْتِ.
وَهَرْوِلْ
هَرْوَلَةً مِنْ هَواكَ وَتَبَرِّياً مِنْ جَميعِ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ.
وَاخْرُجْ
مِنْ غَفْلَتِكَ وَزَلّاتِكَ بِخُروجِكَ إِلى مِنى.
وَلا
تَتَمَنَّ ما لا يَحِلُّ لَكَ وَلا تَسْتَحِقُّهُ.
وَاعْتَرِفْ
بِالخَطايا بِعَرَفاتٍ.
وَجَدِّدْ
عَهْدَكَ عِنْدَ اللهِ بِوَحْدانِيَّتِهِ.
وَتَقَرَّبْ
إِلَيْهِ وَاتَّقِهِ بمُزْدَلِفَةَ.
وَاصْعَدْ
بِروحِكَ إِلى المَلَأِ الأَعْلى بِصُعودِكَ إِلَى الجَبَلِ.
وَاذْبَحِ
الهَوى وَالطَّمَعَ عِنْدَ الذَّبيحَةِ.
وَارْمِ
الشَّهَواتِ وَالخَساسَةَ وَالدَّناءَةَ وَالذَّميمَةَ عِندَ رَمْيِ الجَمَراتِ.
وَاحْلِقِ
العُيوبَ الظّاهِرَةَ وَالباطِنَةَ بِحَلْقِ رَأْسِكَ.
وَادْخُلْ
في أَمانِ اللهِ وَكَنَفِهِ وَسِتْرِهِ وَكَلاءَتِهِ مِن مُتابَعَةِ مُرادِكَ
بِدُخولِكَ الحَرَمَ.
وزُرِ
البَيْتَ مُتَحَقِّقاً لِتَعْظيمِ صاحِبِهِ وَمَعْرِفَةِ جَلالِهِ وَسُلْطانِهِ.
وَاستَلِمِ
الحَجَرَ رِضًى بِقِسْمَتِهِ وَخُضوعاً لِعِزَّتِهِ.
وَوَدِّعْ
ما سِواهُ بِطَوافِ الوَداعِ.
وصَفِّ
رُوحَكَ وَسِرَّكَ لِلِقاءِ اللهِ يَوْمَ تَلقاهُ بِوُقوفِكَ عَلَى الصَّفا.
وكُنْ
بِمَرأى من الله نقيّاً عند المَروة.
واستَقِمْ
عَلى شُروطِ حَجِّكَ هَذا وَوَفاءِ عَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَ بِهِ مَعَ رَبِّكَ
وَأَوْجَبْتَهُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ.
وَاعْلَمْ
بِأنَّ اللهَ، تَعالى، لَمْ يَفْتَرِضِ الْحَجَّ، وَلَمْ يَخُصَّهُ مِنْ جَميعِ الطّاعاتِ
بالإِضافَةِ إلى نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾، إلّا
للاسْتِعانَةِ عَلى المَوْتِ، وَالقَبْرِ، وَالبَعْثِ، وَالقِيامَةِ، وَالجَنَّةِ،
وَالنّارِ.. بِمُشاهَدَةِ مَناسِكِ الحَجِّ مِنْ أَوَّلِها إِلى آخِرِها، وَفي ذَلِكَ
عِبْرَةٌ لأُولي الأَلْبابِ وَالنُّهى».