العمل الصّالح في (نهج البلاغة)
سبيلُ الله في عالَم الخلق
_____ أعدّها للنّشر:
أحمد شرف الدّين _____
تذهب هذه المقالة إلى
تظهير الأبعاد العباديّة والمعنويّة للعمل الصّالح كما بيّنها أمير المؤمنين عليه
السّلام في (نهج البلاغة). أمّا خصوصيّة هذه الأبعاد، فهي في الآثار المُترتّبة
عليها لجهة التّراحم داخل الجماعة المُؤمنة، والقواعد التي تنظّم حياتهم
وتعاملاتهم الأخلاقيّة والسّلوكيّة.
«شعائر»
لعلّ من أبرز صفات الإنسان المؤمن الاهتمام بالعمل وعدم
تضييع الفرصة؛ قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصف المتّقين: «اسْتَقْرَبوا
الأَجَلَ فَبادَروا العَمَلَ». ولا بدّ للمؤمن من أن يراعي في مقام العمل عدّة
أمور:
أولاً: المبادرة وعدم إضاعة
الفرصة؛ قال عليه السّلام: «فَاتَّقُوا اللهَ، عِبَادَ اللهِ، وَبَادِرُوا
آجَالَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ، وَاِبْتَاعُوا مَا يَبْقَى بِمَا يَزُولُ عَنْكُمْ».
وذلك لأنّ الانسان لا يدري متى يوفّق مرّة ثانية للعمل، فقد يحول بينه وبين العمل
إمّا الموت، أو المرض، أو الغفلة، أو الشّيخوخة، وحلول الضّعف، لذا قال عليه السّلام:
«وَبَادِرُوا بِالأَعْمَالِ عُمُراً نَاكِساً أَوْ مَرَضاً حَابِساً أَوْ
مَوْتاً خَالِساً».
وثانياً: التَّدَبُّر في العمل
قبل الإقدم عليه؛ قال عليه السّلام: «فَالنَّاظِرُ بِالقَلْبِ العَامِلُ بِالبَصَرِ
يَكُونُ مُبْتَدَأُ عَمَلِهِ أَنْ يَعْلَمَ أَعَمَلُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَهُ، فَإِنْ
كَانَ لَه مَضَى فِيه وإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقَفَ عَنْهُ، فَإِنَّ العَامِلَ بِغَيْرِ
عِلْمٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ فَلَا يَزِيدُهُ بُعْدُهُ عَنِ الطَّرِيقِ
الواضِحِ إِلَّا بُعْداً مِنْ حَاجَتِهِ، وَالعَامِلُ بِالعِلْمِ كَالسَّائِرِ عَلَى
الطَّرِيقِ الوَاضِحِ..».
وثالثاً: الإحساس بالتّقصير؛
قال عليه السّلام في وصف المُتّقين: «لا يَرْضَوْنَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ القَلِيلَ
وَلا يَسْتَكْثِرُونَ الكَثِيرَ، فَهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ مُتَّهِمُونَ، وَمِنْ أَعْمَالِهِمْ
مُشْفِقُونَ، إِذا زُكِّيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ خَافَ مِمَّا يُقَالُ لَهُ، فَيَقُولُ
أَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِي مِنْ غَيْرِي، وَرَبِّي أَعْلَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي
".." يَعْمَلُ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَهُوَ عَلَى وَجَلٍ».
ورابعاً: مطابقة السّرّ والعلن؛
قال عليه السّلام: «وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ
وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ المُسْلِمِينَ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي
السِّرِّ وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي العَلاَنِيَةِ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذا
سُئِلَ عَنْهُ صاحِبُهُ أَنْكَرَهُ وَاعْتَذَرَ مِنْهُ».
وخامساً: مداراةُ النفس، وهذا
ما أكّده عليه السّلام حيث قال: «وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي العِبَادَةِ وَارْفُقْ
بِهَا وَلاَ تَقْهَرْهَا، وَخُذْ عَفْوَها وَنَشَاطَها إِلاَّ مَا كَانَ
مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ قَضَائِها وَتَعاهُدِهَا
عِنْدَ مَحَلِّهَا».
وسادساً: الإخلاص ونبذ الرّياء؛
قال عليه السّلام: «وَاعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ وَلاَ سُمْعَةٍ فَإِنَّهُ
مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللهِ يَكِلْهُ اللهُ لِمَنْ عَمِلَ لَهُ»، وكتب في
وصيّته للإمام الحسن عليهما السلام: «وَأَخْلِصْ فِي المَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ،
فَإِنَّ بِيَدِهِ العَطَاءَ وَالحِرْمَانَ».
وسابعاً: النيّة الصّالحة عند
الحرمان من العمل، وذلك لأنّ المتّقي ربما لا يوفّق لأداء بعض الأعمال لظروف تحيط
به، إمّا زمنيّة، أو اجتماعيّة، أو لتداخل الأعمال وما شاكل ذلك، فهنا يأتي دور
النّيّة الصّالحة لتقوم مقام العمل، وليفوز المُتّقي بثواب ما حُرم من أدائه؛ قال عليه
السّلام: «إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ
الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الجَنَّةَ». وقد قال له بعضُ أصحابه:
«وددتُ أنّ أخي فلاناً كان شاهداً ليرى ما نصرَك اللهُ به على أعدائك، فقال عليه
السّلام: أَهَوَى أَخيكَ مَعَنَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَقَدْ شَهِدَنَا. وَلَقَدْ شَهِدَنَا فِي
عَسْكَرِنَا هَذا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ
بِهِمُ الزَّمَانُ وَيَقْوَى بِهِمُ الإيمانُ».