اجعلوها انتفاضة تحرير
منتصرة
_____ منير شفيق
_____
لم يعد هنالك من شكّ في أنّ الانتفاضة الثالثة قد انطلقت. وهي تحمل
في انطلاقتها، كما ستحمل في مسارها، خصوصيّتها التي تميّزها عن الانتفاضتين الأولى
والثانية. وهذا أمر طبيعي لما حدث من اختلافات كثيرة في الظروف وموازين القوى
والمعطيات المتنوّعة؛ ولهذا من الخطأ القياس الشكلي بين هذه الانتفاضة وأيّ من
الانتفاضتين السابقتين.
إنّ أهمّ
المعطيات التي تميّز الانتفاضة الراهنة تتمثّل أساساً في:
أوّلاً: ما حدث من تغيير في حالة
الكيان الصهيوني الذي يُواجَه مأزقاً سياسيّاً وعسكرياً لم يسبق له مثيل من حيث
ضعفه وعزلته وسوء قيادته ووضعه العام.
ثانياً: وجود محمود عباس وأجهزته
الأمنية وحرصه على التنسيق الأمني مع العدو (حفاظاً على الاحتلال والاستيطان
وتهويد القدس، عملياً، وتبنّياً لسياسة تصفية كلّ مقاومة وأيّة محاولة للانتفاض).
ثالثاً: ميزان القوى العالمي
والإقليمي والعربي الذي دخل في حالة فوضى تمتاز بتفاقم الصراعات وعدم
قدرة أميركا على لعب الدور الأوّل في التحكّم بالمسار العام للأحداث.
أمّا
المشترك بين الانتفاضات الثلاث فيتمثّل بالتصميم الشعبي في القدس والضفّة الغربيّة
وقطاع غزّة ومناطق (الـ 48) على الانتقال بالوضع إلى
حالة الانتفاضة الشاملة والمقاومة بالوسائل البدائية والعفوية.
فضلاً عن التعاطف الشعبي العربي والإسلامي. وذلك بالرغم
ممّا يواجهه الوضع العربي من صراعات داخلية.
ولكن يجب أن يُلاحَظ تعاظم تعاطف الرّأي العالميّ، والأوروبيّ خصوصاً، مع الشّعب
الفلسطينيّ، ووقوفه ضدّ سياسات الكيان الصهيوني.
وهذا عامل مهمّ جدّاً في تضييق الخناق على نتنياهو وحكومته وجيشهما، ما يسمح
بانتصار الانتفاضة إذا ما ثبّتت أقدامها في الأرض لبضعة أشهر.
إذا كانت حكومة نتنياهو قد صمّمت على فرض التقسيم الزماني للصلاة بين
المسلمين واليهود في المسجد الأقصى، قد راحت تستفزّ الشعب
في القدس والضّفّة الغربيّة، بل كلّ مَن يهمّه أمر المسجد الأقصى، ما أطلق
الانتفاضة التي أخذت تتعاظم يوماً بعد يوم. ولكن هدف الانتفاضة يجب ألاّ يقتصر على
إنزال الهزيمة بهذا المسعى وفرض التراجع على حكومة نتنياهو، كما حدث من قبل. فهذه
النتيجة أصبحت مضمونة منذ الآن، إذ لا قِبَلَ لسلطات الاحتلال، ومهما حاول محمود
عبّاس أن يمنع التحركات الشعبيّة، على إجهاض الانتفاضة.
فالانتفاضة يجب أن تحمل هذه الأهداف، ولا تتوقّف إلّا بتحقيقها جميعاً.
وهو ما يحلّ مشكلة احتلال الضفّة والاستيطان والأسرى من جهة ثانية. كما هو الذي يحلّ مشكلة حصار قطاع غزّة.
فالمعركة الراهنة يجب ألّا تقتصر على ما يتعرّض له الأقصى من تهديد فقط. بل إنّ
السبب الذي إذا لم يُزَل، سيبقي الخطر داهماً على المسجد الأقصى حتّى هدمه، هو
استمرار الاحتلال وسياسات الاستيطان والتهويد وأسر عشرات الآلاف.
فهذه الانتفاضة المنتصرة منذ الآن في حماية الأقصى يمكنها أن تنتصر،
في الآن نفسه، على الاحتلال والاستيطان والتهويد وتؤدّي إلى إطلاق كلّ الأسرى.
فميزان القوى العالمي والإقليمي والعربي يسمح بالذهاب بهذه الانتفاضة إلى النصر،
وهو ما يجب أن يميّزها عن الانتفاضة الأولى التي
أُجْهِضَتْ بإتّفاق أوسلو، وما يجب أن يميّزها عن الانتفاضة الثانية التي فَرَضَت
فكّ الارتباط بقطاع غزّة وتفكيك المستوطنات من أجل وقفها، والتمهيد لعهد التنسيق
الأمني في الضّفّة الغربيّة والاستفراد بالقدس والمسجد الأقصى. ولكن يُسَجَّل هنا
انتصار جزئي للانتفاضة الثانية بتحرير القطاع.
من هنا يجب أن تتحوّل الانتفاضة الثالثة
إلى انتفاضة تحرير للقدس والضّفّة الغربيّة وللأسرى بلا قيد أو شرط. وذلك لإحداث
تغيير أساسي في المعادلة الفلسطينية باتّجاه الإعداد للتحرير الكامل لفلسطين من
النهر إلى البحر ومن الناقورة إلى رفح.
إنّ
التأكّد من أنّ موازين القوى والظروف السائدة تسمحان بإنزال هزيمة بالاحتلال
والاستيطان في القدس والضفّة الغربيّة يجب أن تتسلّح به الانتفاضة الثالثة. فهي
ليست انتفاضة احتجاج وغضب فحسب، وإنّما أيضاً انتفاضة انتصار. فالعدوّ الصهيوني في
مأزق، وكلّ تصرّفاته تزيد من عزلته ومن الغضب ضدّه، كما أنّ حلفاءه لا يستطيعون أن
ينصروه كما فعلوا في السابق، وأمّا الوضع العربي الذي سمح بأن تشتعل الأوضاع في
داخله ولو باتّجاهات سلبيّة في كثير من أوجُه اشتعاله، فلا بدّ من أن يسمح باشتعال
الأوضاع ضدّ العدو الصهيوني في القدس والضفّة وقطاع غزة وعلى مستوى فلسطيني عام.
والاشتعال
الأوجب هو الاشتعال في الاتّجاه الصحيح. أوَليس من العيب
وغير المنطقي، في هذه الظروف وموازين القوى المؤاتية أن يُحاصَر قطاع غزّة
بعد حرب 2014 حتى الآن ولا يشتعل ضدّ العدو الصهيوني،
لأنّ حرب 2014 لم تضع أوزارها ما دام الحصار (ومنع إعادة الإعمار) مستمرّاً. لأنّ
الحصار يعني استمرار الحرب، فهو حرب مستمرّة.
وكذلك الأمر، أوَليس من العيب وغير المنطقي أن تقسّم الصلاة في
المسجد الأقصى ويُهيّأ لبناء الهيكل المزعوم، ولا تشتعل
الانتفاضة الشاملة بكلّ من قوى ووسائل تأييد ضدّ الاحتلال والاستيطان؟ بل أوَليس
من العيب ومن غير المنطقي أن يستمرّ التنسيق الأمني في الضفة الغربية ويمتدّ إلى
القدس فيما الاحتلال يستمرّ في الاستيطان والاعتقال والبطش وحصار قطاع غزة
والاعتداء على المسجد الأقصى والمقدسّات الأخرى الإسلاميّة والمسيحيّة، ويعلن
مصادرته للقدس وضمّها عاصمة لكيانه المغتصِب وغير
الشرعي، ولا تشتعل فلسطين كلّها ضدّ العدو الصهيوني؟!
بكلمة، إنّ الشعب الفلسطيني في القدس والضفّة الغربيّة وقطاع
غزّة هو الأَوْلى في إطلاق الانتفاضة الشاملة، وفي كسر حصار غزّة ولو بالعودة
للحرب ضدّ الكيان الصهيوني.
أمّا
الّذين لا يعجبهم أو يزعجهم هذا التوجّه ليقولوا لنا ماذا يحدث في المسجد الأقصى
من إجراءات لتقسيمه وتهويده وماذا يحدث في القدس. وماذا يحدث في الضّفّة الغربيّة،
وماذا يحدث في قطاع غزّة تحت الحصار في ظلّ سياسات التهدئة والمرونة، وما شابه. ثمّ
ليقولوا كيف يجب أن يكون الردّ الناجح.
والسؤال، قولوا لنا أيّة
لغة يفهمها العدو الصهيوني؟ ولا نريد أن نسأل عن اللغة التي نخاطب بها بعضنا بعضاً
خارج فلسطين ويحرّمونها في فلسطين؟