الكِبر، التكبّر،
والكَبيرة
ـــــــــ إعداد:
«شعائر» ـــــــــ
ما
يلي تعريف موجز بثلاث مصطلحات هي «الكبيرة» - «الكِبر» - و«التكبّر»، اخترناها من كتاب
(الروضة البهيّة) شرح الشهيد الثاني قدّس سرّه الشريف على (اللمعة الدمشقيّة)، ومن
(تفسير الميزان) للعلّامة الطباطبائي، ومن موسوعة (ميزان الحكمة) للعلامة الشيخ
محمد الريشهري.
الكبيرة
قال
الشهيد الثاني في (الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية) عند حديثه عن ملَكة
العدالة وزوالها باقتراف الكبائر:
«العدالة:
وهي هيئة نفسانية راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة. وتزول بالكبيرة مطلقاً،
وهي ما تُوعِّد عليها بخصوصها في كتاب، أو سنّة، وهي إلى سبعمائة أقرب منها إلى
سبعين وسبعة. ومنها: القتل، والربا، والزنا، واللواط، والقيادة، والدياثة، وشرب
المسكر، والسرقة، والقذف، والفرار من الزحف، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والأمن
من مكر الله، واليأس من روح الله، والغصب والغيبة، والنميمة، واليمين الفاجرة،
وقطيعة الرحم، وأكل مال اليتيم، وخيانة الكيل والوزن، وتأخير الصلاة عن وقتها،
والكذب خصوصاً على الله ورسوله صلّى الله عليه وآله، وضرب المسلم بغير حقّ، وكتمان
الشهادة والرشوة، والسعاية إلى الظالم ومنع الزكاة، وتأخير الحجّ عن عام الوجوب
اختياراً، والظهار، وأكل لحم الخنزير والميتة، والمحاربة بقطع الطريق، والسِّحر،
للتوعّد على ذلك كلّه، وغيره، وقيل: الذنوب كلّها كبائر، ونسبه الطبرسي في التفسير
إلى أصحابنا مطلقاً، نظراً إلى اشتراكها في مخالفة أمر الله تعالى ونهيه، وتسمية
بعضها صغيراً بالإضافة إلى ما هو أعظم منه، كالقبلة بالإضافة إلى الزنا، وإن كانت
كبيرة بالإضافة إلى النظرة، وهكذا.
[وتزول
العدالة أيضاً] بالإصرار على الصغيرة، وهي ما دون الكبيرة من الذنب. والإصرار إمّا
فعليّ كالمواظبة على نوع، أو أنواع من الصغائر، أو حكميّ وهو العزم على فعلها
ثانياً بعد وقوعه وإن لم يفعل، ولا يقدح ترك السنن إلّا أن يؤدّي إلى التهاون
فيها، وهل هذا هو مع ذلك من الذنوب، أم مخالفة المروءة؟ كلٌّ محتمل، وإن كان
الثاني أوجه.
[وتزول
العدالة أيضاً] بترك المروءة، وهي التخلّق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه، فالأكل في
السوق والشرب فيها لغير سوقيّ، إلّا إذا غلبه العطش، والمشي مكشوف الرأس بين
الناس، وكثرة السخرية والحكايات المضحكة، ولبس الفقيه لباس الجنديّ وغيره ممّا لا
يُعتاد لمثله بحيث يُسخر منه، وبالعكس، ونحو ذلك يسقطها، ويختلف الأمر فيها
باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن، ولا يقدح فعل السنن وإن استهجنها العامّة،
وهجرها الناس كالكحل، والحنّاء، والحنك في بعض البلاد، وإنّما العبرة بغير الراجح
شرعاً.
الكِبر -
التكبُّر
نقل
العلامة الشيخ محمّد الريشهري في موسوعته الحديثية (ميزان الحكمة) شرح الغزالي لمعنى
«الكِبر»، و«التكبُّر»، كما يلي: «قال أبو حامد ( الغزالي) في بيان حقيقة الكبر: اعلم
أنّ الكبر ينقسم إلى ظاهرٍ وباطن.
والباطن
هو خُلقٌ في النفس، والظاهر هو أعمال تصدر من الجوارح، واسم الكِبر بالخُلق الباطن
أحقّ، وأمّا الأعمال فإنّها ثمراتٌ لذلك الخُلق، وخلُق الكبر موجبٌ للأعمال، ولذلك
إذا ظهر على الجوارح يقال: تكبّر، وإذا لم يظهر يقال: في نفسه كِبر، فالأصل هو الخُلق
الذي في النفس، وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبَّر عليه، فإنّ الكبر
يستدعي متكبَّراً عليه ومتكبّراً به، وبه ينفصل الكبر عن العُجب.. فإنّ العجب لا
يستدعي غير المعجَب، بل لو لم يُخلَق الإنسان إلّا وحده تصوّر أن يكون معجباً، ولا
يتصوّر أن يكون متكبّراً، إلّا أن يكون مع غيره، وهو يرى نفسه فوق ذلك الغير في
صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبِّراً، ولا يكفي أن يستعظمَ نفسه ليكون متكبِّراً،
فإنّه قد يستعظم نفسه ولكن يرى غيره أعظم من نفسه أو مثل نفسه فلا يتكبَّر عليه،
ولا يكفي أن يستحقر غيره، فإنّه مع ذلك لو رأى نفسه أحقر لم يتكبّر ولو رأى غيره
مثل نفسه لم يتكبّر، بل ينبغي أن يرى لنفسه مرتبةً ولغيره مرتبة، ثمّ يرى مرتبة
نفسه فوق مرتبة غيره، فعند هذه الاعتقادات الثلاثة يحصل فيه خُلق الكِبر، لا أنّ
هذه الرؤية هي الكبر، بل هذه الرؤية وهذه العقيدة تنفخ فيه فيحصل في قلبه اعتداد
وهزّة وفرح وركون إلى ما اعتقده، وعزّ في نفسه بسبب ذلك، فتلك العزّة والهزّة
والركون إلى المعتقد هو خُلق الكبر، ولذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: أعوذُ
بكَ من نَفْخَة الكبرياء».
وفي
تفسيره للآية التاسعة والأربعين من سورة النحل، قوله تعالى: ﴿... وَالْمَلَائِكَةُ
وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾، قال العلامة السيّد الطباطبائي رضوان الله تعالى
عليه: «الاستكبار والتكبّر من الانسان أن يعدّ نفسه كبيراً ويضعه موضع الكبر وليس
به. ولذلك يعدّ في الرذائل.
لكنّ
التكبّر ربّما يطلق على ما لله سبحانه من الكبرياء بالحقّ، وهو الكبير المتعال،
فهو تعالى كبيرٌ متكبّر وليس يقال مستكبر. ولعلّ ذلك كذلك اعتباراً باللفظ؛ فإنّ
الاستكبار بحسب أصل هيئته طلبُ الكِبر، ولازمُه أن لا يكون ذلك حاصلاً للطالب من
نفسه، وإنّما يطلب الكِبر والعلوّ على غيره دعوًى، فكان مذموماً.
وأمّا
التكبّر فهو الظهور بالكبرياء - سواءً كانت له في نفسه كما لله سبحانه وهو التكبّر
الحقّ، أو لم يكن له إلّا دعوًى وغروراً كما في غيره. فتبيّن بذلك أنّ الاستكبار
مذموم دائماً.
أمّا
استكبار المخلوق على مخلوقٍ آخر، فلأنّ الفقر والحاجة قد استوعبهما جميعاً وشيء
منهما لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا لغيره، فاستكبار أحدهما على الآخر خروج
منه عن حدّه، وتجاوزٌ عن طوره وظلم وطغيان.
وأمّا
استكبار المخلوق على الخالق فلا يتمّ إلّا مع دعوى المخلوق الاستقلال والغنى لنفسه
وذهوله عن مقام ربّه، فإنّ النسبة بين العبد وربّه نسبة الذِّلة والعزّة والفقر
والغنى، فما لم يغفل العبد عن هذه النسبة ولم يذهل عن مشاهدة مقام ربّه، لم يعقل
استكباره على ربّه. فإنّ الصغير الوضيع القائم أمام الكبير المتعال - وهو يشاهد
صغار نفسه وذلّته وكبرياء مَن هو أمامه وعزّته - لا يتيسّر له أن يرى لنفسه كبرياء
وعزّة، إلّا أن يأخذه غفلة وذهول.
وإذ
كان الكبرياء والعلوّ لله جميعاً، فدعواه الكبرياء والعلوّ تغلّبٌ منه على ربّه
وغصبٌ منه لمقامه، واستكبارٌ واستعلاءٌ عليه دعوًى، وهذا هو الاستكبار بحسب الذات.
ويتبعه
الاستكبار بحسب الفعل، وهو أن لا يأتمر بأمره ولا ينتهي عن نهيه، فإنّه ما لم يرَ
لنفسه إرادة مستقلّة قبال الإرادة الإلهية مغايرة لها، لم ير لنفسه أن يخالفه في أمره
ونهيه.
وعلى
هذا فقوله تعالى: ﴿..وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
النحل:49، في تعريف الملائكة - والكلام في
سياق العبوديّة - دليلٌ على أنّهم لا يستكبرون على ربّهم، فلا يغفلون عنه تعالى
ولا يذهلون عن الشعور بمقامه ومشاهدته. وقد أطلق نفيَ الاستكبار من غير أن يقيّده
بحسب الذات أو بحسب الفعل، فأفاد أنّهم لا يستكبرون عليه في ذاتٍ ولا فعل، أي لا
يغفلون عنه سبحانه ولا يستنكفون عن عبادته ولا يخالفون أمره.