بناءُ التّديّن على أساس حُبِّ الله
بقلم: الشّيخ حسين كوراني
«.. وهل الدّينُ إلّا الحبّ؟»
الإمام جعفر الصّادق
عليه
السّلام
تطلّ ذكرى مولد سيّد النّبيّين صلّى الله عليه وآله، والأمّة ترقُل من نصرٍ إلى
نصر، وقد غدتْ أقربَ إلى تَعافي الجسدِ الواحد من الغدّة السّرطانيّة بوجهَيها
الصّهيونيَّين الإسرائيليّ - والسّعوديّ الوهّابيّ الدّاعشيّ.
تَمسّ الحاجة في هذا العصر إلى تظهير حقيقة أنّ التّديّن من وجهة نظر الإسلام يجب
أن يُبنى على حبّ الله تعالى.
من حبّه سبحانه يفيض الحبّ لتشرق أنواره في جميع آفاق النّفس والحياة، وشتّى مسارات
علاقات المؤمن بالنّاس بل وسائر الموجودات.
***
السّبب في مسيس هذه الحاجة، أنّ الانتصارات العظمى التي تحقّقت في هذا العصر، قد
مكّنت الأمّة من قطع أشواطٍ في صراط دعوة البشريّة بأَسْرها إلى الإسلام.
لا تَحجُبْك دواعش آل سعود الأميركيّة المتصهينة، عن رؤية الحقيقة السّاطعة.
كلّ ما يفعله الدّواعش السّعوديّون بدعم أسيادهم، لا يَعدو كونه عقباتٍ
وسدوداً مصطنَعة تهدف إلى عرقلة الزّحف وتشويه الإسلام الذي خلخلَ فعلُه المقاوم
حجرَ الزّاوية في بناء المشروع الاستعماريّ المتمثّل بالتّحالف الوهّابيّ الأمويّ -
الصّهيونيّ الذي يشكّل امتداداً لتحالف أبي سفيان مع يهود المدينة المنوّرة
في صَدر الإسلام.
***
من أوضح الأدلّة على أنّ الأمّة في بدايات نقلة نوعيّة في حمل رسالة
الإسلام إلى العالم، رسالة المرجع والقائد ووليّ الأمر الإمام الخامنئيّ دام ظلّه،
الثّانية - أمس - إلى الشّباب في البلاد الغربيّة.
مُخطئٌ من يعتقد أن فتنة آل سعود وسائر الصّهاينة التي عُرفت بالدّواعش قد ألحقت
الضّرر بغير أميركا و«إسرائيلها» وآل سعودها.
﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ ص:88.
***
السّؤال في ضوء ما تقدّم:
أيّ إسلاميّة وإنسانيّة ونُظم علاقات - بما يشمل الخاصّ والعامّ والإدارة والحكم -
نتبنّى ونعقد عليها القلب ونحملها إلى العالم؟
يجب التّنبّه في الجواب إلى محورَين مركزيّين:
الأول:
أنّ الأساس الذي تُبنى عليه العلاقات في الرّؤية التّوحيديّة هو الحبّ في الحقّ
والبُغض في الحقّ، أي: الحبّ في الله والبُغض في الله. أن تدور العلاقات مع الحقّ
حيثما دار.
الثّاني:
أن التّديّن يجب أن يُبنى على حبّ الله تعالى. هو الحقّ.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
الحج:6.
ذلكم هو الطّريق الحصريّ إلى الحبّ فيه سبحانه وتعالى، وبُغض ما يُبغضه عزّ وجلّ.
***
يجبُ الاعتقاد بالله تعالى، لكنّ حبّه سبحانه أَوجَب. كلّ تديُّنٍ مبنيٍّ على مجرّد
الاعتقاد المنفصل عن حنين الحبّ وحنانه، مردودٌ على صاحبه. سرعانَ ما يزول. يدخل
صاحبه في جهنّمِ
﴿..
نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
الحشر:19.
جهنّمِ ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ
أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾
التّوبة:67.
من لم يَبْنِ تديّنَه على أصل أنّ حبّ الله تعالى فوق كلِّ حبّ، فهو مدعوّ إلى
تصحيح البناء والمَبنيّ عليه.
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا
يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
التّوبة:24.
* قال سيّد المفسّرين:
* «ويظهر أنّ هذا الحبّ يجب أن لا يكون لله فيه سهيم وإلّا فهو الشّرك..»
(السّيّد الطّباطبائيّ، تفسير الميزان: ج 1/ ص 406)
*
فإذا ضممنا هذه الحقيقة إلى قوله تعالى: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ
إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
يوسف:106،
اتّضح لنا أن إشكاليّة فصل التّديّن عن القلب أوسع انتشاراً من كلّ تصوّراتنا
السّائدة. الإنسان قلبٌ عاقل. الإنسان عقلٌ عمليّ.
«لا معرفةَ إلا بعمَل» «وهل الدّينُ إلا الحبّ؟».
***
وللحبّ آدابٌ يكشف التزامها قوّةً وضعفاً، ووجوداً وعدماً عن قوّة الحبّ وضعفه،
ووجوده أو عدمه.
أوّل هذه الآداب:
ترْكُ المنافيات (ترك ما يُلزم الحبيبُ بتركه). ما هو دأبُنا في ترك المحرّمات؟
والثّاني:
فعلُ كلّ ما يُلزم الحبيب بفعله ولا يتنازل عنه فكيف هي حالنا في فعل الواجبات؟
والثّالث:
فعلُ المستحبّات وهي كلّ ما يحبّه الحبيب ولا يصل إلى حدّ الإلزام والوجوب. ألا
يشكّل موقفنا من المستحبّات دليلاً صارخاً على ضرورة المبادرة إلى تصحيح المسار؟
والرّابع:
تَرْكُ ما يكرهه الحبيب وإن لم يُلزم بتركه. هل نترك المكروهات أم نُخرجها من دائرة
الاهتمام كلياً مردّدين بزَهو: «كلُّ مكروهٍ جائز».
والخامس:
مساحة حرّة من القيود. يقابلها من الأحكام الخمسة مساحة المباحات. لا يتنافى الفعل
والتّرك فيها مع أيٍّ من الحدود المتقدّمة.
***
نستنتج بذهولٍ صادمٍ أنّ المحبّ العاشق يهوى كلّ ما يحبّه الحبيب ويهواه، ويكره ما
يكرهه، ونحن - في الغالب - لا نأبه بالمستحبّات بالرّغم من أنّ الله تعالى يحبّها،
ونُعرض حتّى عن التّفكير بترك المكروهات وهي ما يكرهه عزّ وجلّ.
علينا – والخجلُ يغمرُنا - أن نتعلّم من حالات العشّاق كيف نصحّح حبّنا لله تعالى
أو نبلغه فنصحّح علاقتنا بالله تعالى في مجالات الأحكام الخمسة.
«عَنْ
يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه عَلَيهِ السَّلامُ:
ألَا تَنْهَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ؟ فَقَالَ مَنْ
هَذَا الرَّجُلُ ومَنْ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ؟ قُلْتُ: ألَا تَنْهَى
حُجْرَ بْنَ زَائِدَةَ وعَامِرَ بْنَ جُذَاعَةَ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ؟
فَقَالَ: يَا يُونُسُ، قَدْ سَأَلْتُهُمَا أَنْ يَكُفَّا عَنْه فَلَمْ يَفْعَلَا،
فَدَعَوْتُهُمَا وسَأَلْتُهُمَا وكَتَبْتُ إِلَيْهِمَا وجَعَلْتُه حَاجَتِي
إِلَيْهِمَا فَلَمْ يَكُفَّا عَنْه، فَلَا غَفَرَ اللَّه لَهُمَا. فَوَاللَّهِ
لَكُثَيِّرُ عَزَّةَ أَصْدَقُ فِي مَوَدَّتِه مِنْهُمَا فِيمَا يَنْتَحِلَانِ مِنْ
مَوَدَّتِي حَيْثُ يَقُولُ :
ألَا زَعَمَتْ بِالْغَيْبِ أَلَّا أُحِبّهَا
|
إِذَا أَنَا لَمْ يُكْرَمْ عَلَيَّ كَرِيمُهَا
|
أَمَا واللَّه لَوْ أَحَبَّانِي لأَحَبَّا مَنْ أُحِبُّ».
(الكلينيّ، الكافي: ج 8/ ص
373)
***
أخطرُ المجازر الثّقافيّة – بل الكوارث - النّاجمة عن عدم بناء التّديّن على أساس
حبّ الله، والاكتفاء بالتّديّن المبني على الاعتقاد الجافّ:
1-
ضعفُ الإيمان بالغيب
2-
ضعفُ العلاقة بالقرآن الكريم
3-
ضعفُ العلاقة برسول الله وأهل البيت عليهم السّلام
4-
تهميشُ حدود الله - الأحكام الشّرعيّة
5-
تعسّرُ الخشوع في الصّلاة
6-
ندرةُ النّجاح في بناء الأسرة السّليمة
***
مَن يعمر قلبه حبُّ الله تعالى، ينتظر الصّلاة بفارغ الصّبر كما كان ينتظرها رسول
الله صلّى الله عليه وآله، ويُديم ذكرَ الله تعالى ﴿..قِيَامًا وَقُعُودًا..﴾ و«على
كلّ حال» ويصدق في قوله «أشهدُ أنّ محمّداً رسول الله».
أللّهمّ ارزقنا..